المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سوق «القيصرية» الحساوي.. لا يمر رمضان بدون التسوق منها



جمال
10-18-2005, 10:33 AM
نقلة اقتصادية مهمة عاشتها المملكة في العشرينات الميلادية


الإحساء: جعفر عمران


يتابع إبراهيم العمال الذين يعملون في إعادة بناء سوق القيصرية باهتمام بالغ، ولا يكاد يمر يوم دون أن يلقي نظرة فاحصة على العمال وطريقة عملهم، كي يطمئن بأنهم يقومون بعمل سليم ومتقن.

وإبراهيم ليس صاحب العمل، وليس له علاقة بالعمال أبدا، بل علاقته بسوق القيصرية الذي احترق في شهر شعبان 1422، السوق الذي ارتبط به وبقية باعة السوق منذ أكثر من 50 عاما، السوق الذي لا تهدأ حركته، ولم يقتصر ارتباطه بالباعة فقط، بل بجميع أبناء الإحساء، في المدن والقرى والهجر، وكذلك بعدد من أبناء الخليج خاصة من قطر وعمان والبحرين، كلهم ارتبطوا بالسوق وأصبح جزءا من ذاكرتهم، وكان من الصعوبة أن يمر شهر رمضان من دون الذهاب لسوق القيصرية، فقد اعتاد الناس على شراء مستلزمات رمضان وعيد رمضان بشكل خاص منه، فهو سوق يضم جميع الأنشطة الاقتصادية، وأسعاره مناسبة لكافة فئات المجتمع.

ومن أهم البضائع التي يوفرها سوق القيصرية مستلزمات الطهي والبهارات وأنواع البن والملابس الرجالية والنسائية وملابس الأطفال والعطورات والأحذية وبعض الأجهزة الكهربائية ومحلات العطارة وأصناف العود والبخور والمفارش والصيارفة، كما توجد في داخله بعض الحرف الشعبية مثل خياطة المشالح والصفّار والحجّام وبيع أدوات قديمة تراثية، إلا أن ذلك كله احترق، واحترقت معه ذكريات جميلة تحملها الذاكرة الشعبية، وتعرضت لخسائره بعض الأسر إلى الفقر والعوز لأنها تعتمد في معيشتها على ما تبيعه في «القيصرية»، وبعد ثلاث سنوات من الحريق أزيل المبنى بشكل كامل، لتتم إعادة بنائه مرة أخرى، بإشراف بلدية الإحساء التي خصصت 15 مليون ريال لإعادة بنائه، ولكن بشكل مغاير عما في ذاكرة إبراهيم وغيره من محبي هذا السوق، ولم يكن للقيصرية مجرد ذكريات مرتبطة بمرتاديه، بل لعب سوق القيصرية دورا إيجابيا كبيرا في الحفاظ على بقاء الاقتصاد والحركة التجارية منتعشة وحيوية في الإحساء.

ففي العام 1913، فتح الملك عبد العزيز الإحساء، ومنذ ذلك العام نشطت حركة التجارة في الإحساء بعد أن بدأ التجار يؤمنون على تجارتهم وطرقها مع توفر ووجود الأمن الحقيقي، وبدأ العمل في إنشاء الجزء الجديد من سوق القيصرية، ولكن المبنى الذي أزيل بسبب الحريق يعود بناؤه إلى العشرينات الميلادية فقد كان المبنى مفتوحا على الميدان الذي يتوسط مدينة الهفوف والتي كانت تتشكل من ثلاثة أحياء رئيسة وهي: الكوت والنعاثل والرفعة، وبين عامي 1918 و1923 شمل سوق القيصرية اعتناء من الناحية العمرانية.

ومثل سوق القيصرية في الهفوف نقلة اقتصادية مهمة عاشتها المملكة في فترة العشرينات الميلادية من القرن العشرين، ويعود تاريخ بناء القيصرية إلى زمن بعيد ربما يعود للبدايات الأولى لنشأة المدينة في القرن السابع أو الثأمن الهجري، ولقد وصف عدد من الرحالة الذين مروا بالهفوف إنشاء سوق القيصرية وركزوا على الحركة التجارية التي تتمتع بها، ففي الوقت الذي كان الناس فيه يعانون من الحرب وعدم الأمن بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى فقد كانت المنطقة تتمتع بانتعاش اقتصادي وكان التجار يؤمنون على تجارتهم وطرق التجارة والتي أهمها ميناء العقير، وبذلك نشطت حركة التبادل التجاري، وكانت لها أهمية من الناحية الاقتصادية في الإحساء، وكانت تشكل عامل جذب قوي، سواء لسكان الإحساء في المدن والقرى والهجر أو من دول الخليج القريبة من الإحساء حيث تمثل المنفذ الوحيد للمملكة لهذه الدول.

وأنشيءت القيصرية قبل مائة عام أو أكثر على مساحة 15 ألف متر مربع وتضم أكثر من 400 دكان، مبنية من الحجر الجيري والطين، والسقف مكون من جذوع النخل أو خشب الكندل عليها حصيرة سعف النخيل تعلوها طبقة طينية طليت واجهتها بالجص، وقد اعتمدت تهوية السوق طبيعيا على التيار الهوائي الشمالي، ولذا يأمل أبناء الإحساء ألا يتخذ البناء الحالي الذي رصد له 15 مليون ريال شكل البناء المسلح، كي تحتفظ القيصرية بما كانت عليه في أذهان الناس.

ورغم عدم تحديد تاريخ معين لبناء هذا السوق واكتفاء بعض المراجع بذكر أنها بنيت قبل مائة ولكن من المؤكد أنها كانت موجودة قبل العام 1862، حيث يذكر أحد الرحالة الاوربيين وليام بالقريف الذي عبر الهفوف في ذلك العام ويقول ان طراز معمار هذا السوق يتشابه مع ما يستخدم من بناء في الامبراطوريتين الرومانية والبيزنطية، كما أن أحد الرحالة وصف الشارع الرئيسي في مدينة الهفوف الذي تطل عليه القيصرية بأنه أوسع شارع في الجزيرة العربية وأطلق عليه مسمى (ريفيرا الإحساء)· ويذكر أمين الريحاني في أحد كتبه العام 1924، ووصف شمسان في كتابه (الأرض العربية المجهولة) عام 1922 الشارع 1 ـ الرئيسي للهفوف بأنه شارع عريض ونظيف مقارنة بشوارع المدن العربية ويتمتع بحيوية وحركة تجارية نشطة ويشاركه هذا الوصف (مكاي) في مقالته (الإحساء الواحة العربية) المنشورة عام 1924.