المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأفغان المهاجرون.. قصص اغتراب وأحلام بالعودة



جمال
10-18-2005, 10:31 AM
جدة: أميمة الفردان


بين السجاد العجمي وذاك الإيراني بنقوشه وزخرفاته التي لا تخطئها العين، يعمل الشاب الافغاني محمد نور ليل نهار يحاسب هذا تارة، وأخرى يعمل على قص الموكيت أو نقله بحسب طلبات الزبائن، ويعمل الشاب العشريني مع والده في أحد محلات بيع الموكيت في شارع حراء، قسمات وجهه توحي بذكاء حاد، عندما يحدثك عن أفغانستان ترتسم على وجهه علامات ممزوجة بالحزن على وطن مزقته الحرب وحلم بالعودة إلى احضانه، ربما يجد فيه الأفغان المهاجرون الذين شردتهم سنون من التمزق والطائفية موطئ قدم لهم.
يقول محمد «أرغب في العودة، لكنني اخاف من أن أفقد ما تبقى من عائلتي» وبرغم خوفه إلا أنه يستعد لتلك الزيارة بعد طول اغتراب ليبر والدته التي اختارت له زوجة المستقبل.

علي أو «الأفغاني» كما يناديه مرتادو مطعم فاكهة لبنان بشارع التحلية والذي اعتاد أن يقف أمامه، حيث اتخذ من هذا الشارع نقطة بيع، يعرض فيها بضاعته من الأغراض المنزلية البسيطة مثل المناشف وأحيانا العلك ليكسب بضعة ريالات زهيدة تمكنه من شراء «ساندويش شيش طاووق» الذي تغريه رائحته كل مساء أثناء تجواله بين السيارات التي يتوقف أصحابها لشراء العشاء، هكذا يمضي علي جولته المسائية، أما حلم الصباح يقول عنه «أذهب للمدرسة، وقد أكملت حتى الصف الرابع».

العشرة أعوام من عمر علي لم تنسه متابعة مجريات الأحداث في بلده، يستمع الأفغاني الصغير لكل ما يتردد على مسامعه من والدته، التي لا يكاد يمر يوم من الأيام إلا وأفغانستان حاضرة في بيت يجتمع فيه الأخوة والأخوات بأزواجهم والأحفاد الأربعة، يحكي علي «احتفظ بصورة واحدة عن أفغانستان، الثلج الأبيض الذي يكسو بلدتي في كل شتاء»، وبرغم مشاهدته للتلفزيون إلا أنه يبدي نوعا من عدم الاكتراث يقول «أمي تذهب لأفغانستان قريبا لتزويج أخي الأكبر».

ليس هذا حال علي وحده من أطفال الأفغان الذين يجولون عبر شوارع المدينة الممتدة مع حلول المساء مستفيدين بعض الشيء من نسمات الهواء القليلة التي يجود بها، أما النهار وتحت أشعة شمسه الحارقة فمتروك للمدرسة لمن يستطيع ذلك.

رقية القندهارية ذات الأحد عشر ربيعا تطل قسمات وجهها الصغير عبر الإيشارب الذي تعتمره على رأسها، تبدأ رحلتها المسائية كل يوم من حي الفيصلية في جنوب جدة مع بنات أختها البالغة أعمارهن بين 6 و8 سنوات في سيارة ليموزين إلى حي شمال الخالدية، لتبدأ رحلتها المسائية أمام «فيفا» متخذة من إشارات المرور في ساعات الذروة نقطة بيع لها، وتنهي جولتها بعد منتصف الليل وتبدأ خط العودة مع سيارة أخرى من الليموزين· تقول رقية «لا أخاف من ركوب سيارة الأجرة بمفردي، أخاف الله فقط» ولكن لا تقف متعة القندهارية الفصيحة عند البيع والأحاديث مع المارة بل هناك الفسحة التي تعطيها أوقات الصلاة، خاصة تلك ما بين المغرب و العشاء في المسجد المجاور لنقطة بيعها «اعتدت على التوجه للمسجد للاستماع لأبلة نادية التي تتحدث عن أمور دينية بأسلوب شيق، يمتعني» أما أفغانستان التي على ما يبدو أنها لا تعدو كونها مجرد طيف من أطياف تمر بذاكرة فصيحة أفغانستان التي تتكلم لغة البشتون، فلا توليها أي اهتمام لأنها كما تقول «أنا لا أعرف أفغانستان».

العديد من أبناء وبنات الافغان المقيمين بالمملكة لا يعرفون الكثير عن بلادهم سوى ما التصق بالذاكرة أومن أحاديث الكبار، ورغم أوضاع الدعة والعيش الأمن إلا أن حلم العودة يظل أملاً يدغدغ مشاعرهم ولسان حالهم يقول «لا بد من أفغانستان وإن طال السفر».