زوربا
10-18-2005, 01:34 AM
دبي - خالد عويس
قبيل ظهيرة الأربعاء 12-10-2005 بقليل، أعلنت الحكومة السورية "انتحار" وزير الداخلية غازي كنعان وهو المسؤول السابق عن الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان الذي استجوبته لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. الإعلان عن "انتحار" كنعان، ربما هو الثالث في هذا البلد منذ 1969، حيث أنهى عبدالكريم الجندي, كما قيل, حياته برصاصة في الرأس ذات مساء في مارس 1969 منهيا كذلك دوره في صراع السلطة بين حافظ الاسد وصلاح جديد.
كان عبد الكريم الجندي عضوا في القيادة القطرية للحزب ومدير مكتب الأمن القومي ومدير المخابرات العامة. وانتحر الجندي بعد مكالمة هاتفية مع رئيس شعبة المخابرات العسكرية علي ظاظا اثر خلاف حاد بينه وبين الأسد في مؤتمر الحزب في فبراير من العام ذاته، وكان الجندي إلى جانب صلاح جديد.
وفي سوريا ذاتها، "انتحر" رئيس الوزراء محمود الزعبي في 21 مايو 2000 بعد اتهامات بالفساد وسوء الادارة وضع على إثرها قيد الإقامة الجبرية وطرد من عضوية حزب البعث. وكان الزعبي عين رئيسا للوزراء في 1987 وخلفه في رئاسة الوزارة محمد مصطفى ميرو.
وفي العراق، "انتحر" رئيس الوزراء عبدالمحسن السعدون رئيس حزب التقدم في 13 نوفمبر 1929 في أعقاب اتهامه في قضايا مالية حين كان رئيسا للوزارة العراقية. أما أشهر القضايا على هذه الشاكلة في العالم العربي، فقد كانت 150ميليجرام من مادة "الأكونيتين" شديدة السمية سريعة الأثر، كفيلة بوضع حد لحياة المشير عبدالحكيم عامر في مصر.
وكان مليجرام واحد من هذه المادة كافيا لإزهاق روح المشير. أعتبرت وفاة عامر انتحارا، لكن بضعة أشخاص في مصر من بينهم أرملته برلنتي عبدالحميد رفضوا تصديق ذلك، وسعوا بكل قوة لإثبات العكس. والفرضيات بشأن "القتل" عوضا عن الانتحار تظل قائمة دائما بمثل حالة المشير عامر، كما هي حالة اللواء كنعان الذي طلب القاض الألماني ديتليف ميليس رسميا من سوريا السماح له بالتحقيق في حادثة انتحاره بما في ذلك اعادة تشريح الجثة.
وتؤكد أرملة المشير عامر، برلنتي عبدالحميد في حديث خاص لـ"العربية.نت" أنها ترفض تصديق انتحار رجل مثل اللواء غازي كنعان، متسائلة "لماذا ينتحر إذا كان بمقدوره أن يموت واقفا بشرف ككل العسكريين". وتشير إلى أن كنعان لو كان متورطا في قتل الحريري كان بإمكانه القول "إنه أعطي الأوامر من جهات عليا" وكان باستطاعته أن يدل على من ورطه، مضيفة "غازي كنعان تم قتله 100%".
وتلفت عبدالحميد في سياق حديثها لـ"العربية.نت" إلى أن السياسة كعمل عصابات المافيا، بها ارتباطات وعلاقات معقدة، وفيها كشف لأسرار ناس، وإضرار بمصالح آخرين، ما يجعل قتل السياسيين ممكنا جدا. وتقول برلنتي إن المشير عامر أخبرها بعد هزيمة يونيو 1967 بفترة، أنه سيقتل لأنه سيكشف كل شيء، وسيقول كل شيء، الأمر الذي لا يصعب أبدا على أنظمة ديكتاتورية مستبدة حسب قولها.
"عامر لم يحاول قط الانتحار" تقول برلنتي عبدالحميد، وتواصل مشيرة إلى أن الرئيس جمال عبدالناصر شخصيا هو من أعطى الأوامر بقتل عامر. "المسألة بدأت باطلاق شائعات عن عامر، وعن مسؤوليته في الهزيمة، هل كان عامر مسؤولا عن كل ذلك، وجود ثلثي الجيش المصري في اليمن، والقرارات العنجهية أمام دول أقوى عسكريا، والأسلحة الهالكة، والجيش المنهك". حاول عبدالناصر خداعهم - أي الغرب وإسرائيل - لكنه هزم، وبحث عن كبش فداء - تقول برلنتي - هو المشير عبدالحكيم عامر.
ولا تستبعد برلنتي عبدالحميد أن يكون الرئيس عبدالناصر هو الآخر مات مقتولا. "طبيعي في لعبة اللا مبدأ التي تحكم عالم السياسة أن يتم التخلص من زعيم وطني ما كان ليقبل أن يكون تحت خدمة العواصم الغربية".
وشاعت عبارة "نحروه أم انتحر" في أعقاب الرحيل الدراماتيكي للمشير عامر، وباتت لازمة ترافق أي حادث شبيه لا يمكن القطع إزاءه باحتمال الانتحار فحسب، فالظروف المحيطة بعدد من الحالات المماثلة، وآخرها انتحار وزير الداخلية السوري، خلّفت قدرا من الشكوك في أوساط المحللين السياسيين.
وما عزز الفرضيات الأخرى بشأن اللواء كنعان، الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان وتمر بها سوريا بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، والاتهامات الموجهة لدمشق ومسؤوليها السابقين في لبنان - وبينهم كنعان - بالمسؤولية في قتل الحريري.
وإن كانت ثمة أطراف تفيد من مناخ الشائعات لتدمغ خصومها، الحكومة السورية في حال كنعان، الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر في حال عامر، فإن ذلك يعني ببساطة في عرف بعض المحللين، أن تتبع حالة انتحار سياسي ما، والوصول إلى نتائج بشأنها للجزم بأنه مات منتحرا أو منحورا، تمسي مهمة شبه مستحيلة، بتقاطع المصالح بين قوى مختلفة، وتفاوت التقديرات، وربما أيضا "دس" بعض الاستنتاجات والتحليلات هنا وهناك بواسطة هذا الطرف أو ذاك بغرض خلق رأي عام حول فكرة "الانتحار" أو "النحر".
الطريف في موضوع الانتحار في أوساط السياسيين العرب، أن أبرز السياسيين الذين كان يتوقع انتحارهم، الرئيس العراقي السابق صدام حسين، لم ينتحر. وكانت سرت تكهنات قوية في الشارع العربي بعد سقوط بغداد، أن الأمريكيين لن يعثروا على "الرئيس" حيا أبدا، وإنه - أي صدام - عوضا عن الوقوع في براثن الأسر، سيتجه لوضع مسدس على صدغه ويطلق الرصاص ليختم حياته خصوصا بعد مقتل إبنيه عدي وقصي وحفيده مصطفى.
لكن "المنتحر العربي الأشهر" أبطل بنفسه إجراءات انتحاره، ولم يبد بعد القبض عليه أنه كان يفكر في الأمر. هل يتسق ذلك مع مقولة الإمام الخميني عنه، " صدام حسين لابد أن ينتهي منتحرا أو مجنونا" ؟ لا يرى المحللون السياسيون ذلك، فمقتل ولديه وحفيده، وسقوط بغداد، لم يدفعه لحافتي الانتحار أو الجنون. ويقود ذلك بحد ذاته كما يرى محللون إلى البحث عن النفسية التي تقف وراء الانتحار، هل هي شخصية قوية أم ضعيفة. ولئن صح القول إن عددا كبيرا من البشر يلقون حتفهم بأنفسهم كل عام ربما نتيجة الضعف، فهل ينطبق ذلك على شخصيات أثرت على محيطها بشكل نافذ، وخلقت أسطورة للبأس والشدة كما هو حال الوزير السوري كنعان ؟
لكن السياسيين الأقوياء أنفسهم، بل الأكثر قوة بينهم مثل الفوهرر الألماني أدولف هتلر، يرجح أن يكون قد مات منتحرا بعد خسارته الحرب. ويرجح المحللون أن يكون المشير عبدالحكيم عامر قد أنهى حياته هو الآخر بعد محاولتين فاشلتين للانتحار.
قبيل ظهيرة الأربعاء 12-10-2005 بقليل، أعلنت الحكومة السورية "انتحار" وزير الداخلية غازي كنعان وهو المسؤول السابق عن الاستخبارات العسكرية السورية في لبنان الذي استجوبته لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. الإعلان عن "انتحار" كنعان، ربما هو الثالث في هذا البلد منذ 1969، حيث أنهى عبدالكريم الجندي, كما قيل, حياته برصاصة في الرأس ذات مساء في مارس 1969 منهيا كذلك دوره في صراع السلطة بين حافظ الاسد وصلاح جديد.
كان عبد الكريم الجندي عضوا في القيادة القطرية للحزب ومدير مكتب الأمن القومي ومدير المخابرات العامة. وانتحر الجندي بعد مكالمة هاتفية مع رئيس شعبة المخابرات العسكرية علي ظاظا اثر خلاف حاد بينه وبين الأسد في مؤتمر الحزب في فبراير من العام ذاته، وكان الجندي إلى جانب صلاح جديد.
وفي سوريا ذاتها، "انتحر" رئيس الوزراء محمود الزعبي في 21 مايو 2000 بعد اتهامات بالفساد وسوء الادارة وضع على إثرها قيد الإقامة الجبرية وطرد من عضوية حزب البعث. وكان الزعبي عين رئيسا للوزراء في 1987 وخلفه في رئاسة الوزارة محمد مصطفى ميرو.
وفي العراق، "انتحر" رئيس الوزراء عبدالمحسن السعدون رئيس حزب التقدم في 13 نوفمبر 1929 في أعقاب اتهامه في قضايا مالية حين كان رئيسا للوزارة العراقية. أما أشهر القضايا على هذه الشاكلة في العالم العربي، فقد كانت 150ميليجرام من مادة "الأكونيتين" شديدة السمية سريعة الأثر، كفيلة بوضع حد لحياة المشير عبدالحكيم عامر في مصر.
وكان مليجرام واحد من هذه المادة كافيا لإزهاق روح المشير. أعتبرت وفاة عامر انتحارا، لكن بضعة أشخاص في مصر من بينهم أرملته برلنتي عبدالحميد رفضوا تصديق ذلك، وسعوا بكل قوة لإثبات العكس. والفرضيات بشأن "القتل" عوضا عن الانتحار تظل قائمة دائما بمثل حالة المشير عامر، كما هي حالة اللواء كنعان الذي طلب القاض الألماني ديتليف ميليس رسميا من سوريا السماح له بالتحقيق في حادثة انتحاره بما في ذلك اعادة تشريح الجثة.
وتؤكد أرملة المشير عامر، برلنتي عبدالحميد في حديث خاص لـ"العربية.نت" أنها ترفض تصديق انتحار رجل مثل اللواء غازي كنعان، متسائلة "لماذا ينتحر إذا كان بمقدوره أن يموت واقفا بشرف ككل العسكريين". وتشير إلى أن كنعان لو كان متورطا في قتل الحريري كان بإمكانه القول "إنه أعطي الأوامر من جهات عليا" وكان باستطاعته أن يدل على من ورطه، مضيفة "غازي كنعان تم قتله 100%".
وتلفت عبدالحميد في سياق حديثها لـ"العربية.نت" إلى أن السياسة كعمل عصابات المافيا، بها ارتباطات وعلاقات معقدة، وفيها كشف لأسرار ناس، وإضرار بمصالح آخرين، ما يجعل قتل السياسيين ممكنا جدا. وتقول برلنتي إن المشير عامر أخبرها بعد هزيمة يونيو 1967 بفترة، أنه سيقتل لأنه سيكشف كل شيء، وسيقول كل شيء، الأمر الذي لا يصعب أبدا على أنظمة ديكتاتورية مستبدة حسب قولها.
"عامر لم يحاول قط الانتحار" تقول برلنتي عبدالحميد، وتواصل مشيرة إلى أن الرئيس جمال عبدالناصر شخصيا هو من أعطى الأوامر بقتل عامر. "المسألة بدأت باطلاق شائعات عن عامر، وعن مسؤوليته في الهزيمة، هل كان عامر مسؤولا عن كل ذلك، وجود ثلثي الجيش المصري في اليمن، والقرارات العنجهية أمام دول أقوى عسكريا، والأسلحة الهالكة، والجيش المنهك". حاول عبدالناصر خداعهم - أي الغرب وإسرائيل - لكنه هزم، وبحث عن كبش فداء - تقول برلنتي - هو المشير عبدالحكيم عامر.
ولا تستبعد برلنتي عبدالحميد أن يكون الرئيس عبدالناصر هو الآخر مات مقتولا. "طبيعي في لعبة اللا مبدأ التي تحكم عالم السياسة أن يتم التخلص من زعيم وطني ما كان ليقبل أن يكون تحت خدمة العواصم الغربية".
وشاعت عبارة "نحروه أم انتحر" في أعقاب الرحيل الدراماتيكي للمشير عامر، وباتت لازمة ترافق أي حادث شبيه لا يمكن القطع إزاءه باحتمال الانتحار فحسب، فالظروف المحيطة بعدد من الحالات المماثلة، وآخرها انتحار وزير الداخلية السوري، خلّفت قدرا من الشكوك في أوساط المحللين السياسيين.
وما عزز الفرضيات الأخرى بشأن اللواء كنعان، الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان وتمر بها سوريا بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، والاتهامات الموجهة لدمشق ومسؤوليها السابقين في لبنان - وبينهم كنعان - بالمسؤولية في قتل الحريري.
وإن كانت ثمة أطراف تفيد من مناخ الشائعات لتدمغ خصومها، الحكومة السورية في حال كنعان، الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر في حال عامر، فإن ذلك يعني ببساطة في عرف بعض المحللين، أن تتبع حالة انتحار سياسي ما، والوصول إلى نتائج بشأنها للجزم بأنه مات منتحرا أو منحورا، تمسي مهمة شبه مستحيلة، بتقاطع المصالح بين قوى مختلفة، وتفاوت التقديرات، وربما أيضا "دس" بعض الاستنتاجات والتحليلات هنا وهناك بواسطة هذا الطرف أو ذاك بغرض خلق رأي عام حول فكرة "الانتحار" أو "النحر".
الطريف في موضوع الانتحار في أوساط السياسيين العرب، أن أبرز السياسيين الذين كان يتوقع انتحارهم، الرئيس العراقي السابق صدام حسين، لم ينتحر. وكانت سرت تكهنات قوية في الشارع العربي بعد سقوط بغداد، أن الأمريكيين لن يعثروا على "الرئيس" حيا أبدا، وإنه - أي صدام - عوضا عن الوقوع في براثن الأسر، سيتجه لوضع مسدس على صدغه ويطلق الرصاص ليختم حياته خصوصا بعد مقتل إبنيه عدي وقصي وحفيده مصطفى.
لكن "المنتحر العربي الأشهر" أبطل بنفسه إجراءات انتحاره، ولم يبد بعد القبض عليه أنه كان يفكر في الأمر. هل يتسق ذلك مع مقولة الإمام الخميني عنه، " صدام حسين لابد أن ينتهي منتحرا أو مجنونا" ؟ لا يرى المحللون السياسيون ذلك، فمقتل ولديه وحفيده، وسقوط بغداد، لم يدفعه لحافتي الانتحار أو الجنون. ويقود ذلك بحد ذاته كما يرى محللون إلى البحث عن النفسية التي تقف وراء الانتحار، هل هي شخصية قوية أم ضعيفة. ولئن صح القول إن عددا كبيرا من البشر يلقون حتفهم بأنفسهم كل عام ربما نتيجة الضعف، فهل ينطبق ذلك على شخصيات أثرت على محيطها بشكل نافذ، وخلقت أسطورة للبأس والشدة كما هو حال الوزير السوري كنعان ؟
لكن السياسيين الأقوياء أنفسهم، بل الأكثر قوة بينهم مثل الفوهرر الألماني أدولف هتلر، يرجح أن يكون قد مات منتحرا بعد خسارته الحرب. ويرجح المحللون أن يكون المشير عبدالحكيم عامر قد أنهى حياته هو الآخر بعد محاولتين فاشلتين للانتحار.