المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أتركوا المشاعر السلبية إنها سم قاتل



بهلول
07-13-2024, 04:22 PM
https://alseyassah.com/uploads/authors/17_1701937429.jpg


اتركوا المشاعر السلبية إنها سم قاتل

الخميس 11 يوليو 2024

أحمد الدواس

حكى رئيس جنوب أفريقيا السابق، الراحل، نيلسون مانديلا قصة فيقول:

"بعد أن أصبحت رئيساً طلبت من بعض أفراد حمايتي التجوال معي داخل المدينة، وتناول الغداء في أحد مطاعمها، وفي المطعم جلسنا في أماكننا، وكل منا طلب نوعا من الطعام، وبعد فترة أحضر لنا العامل طلباتنا، فلاحظت أن هناك شخصاً جالساً مقابل طاولتي ينتظر الطعام.

قلت لأحد الجنود: اذهب واطلب من ذلك الشخص أن يأتي بطعامه ويأكل معنا.

ذهب الجندي وطلب من الرجل أن يأتي ليأكل معنا، حمل الرجل طعامه، وجلس الى جانبي كما طلبت، وبدأ يتناول الطعام وكانت يداه ترتجفان، إلى ان فرغ الجميع من طعامهم وذهب الرجل، فقال لي الجندي: لعل الرجل كان مريضاً فقد كانت يداه ترتجفان وهو يأكل.

أجبت:

لا، أبداً، هذا الرجل كان حارسـاً للسجن الذي كنت فيه، وفي أغلب الأحيان، وبعد التعذيب الذي كنت أتعرض له كنت أصرخ واطلب قليلاً من الماء، وكان هذا الرجل يتبول على رأسي في كل مرة، لذلك وجدته خائفاً يرتجف، توقع مني أنني سأبادله الآن الطريقة نفسها، فأقوم إما بتعذيبه أو بسجنه، وأنا رئيس دولة جنوب أفريقيا، لكن هذه ليست من شيمي، ولا من أخلاقـي".

مغزى القصة أن عقلية الثأر لا تبني دولة، بينما عقلية التسامح تبني أمما.

في بلدنا غاب التسامح عند الناس، فأصبح الانتقام قضائيا سيد الموقف، فنجد الأخ يرفع قضية ضد أخيه من أمه وأبيه، وتلجأ امرأة إلى رفع قضية أمام المحاكم ضد إحدى المغردات عندما سألتها: لماذا لم تتزوجي الى الآن؟

فمعنى ذلك أن الأنفس ضاقت، ولم تعد تحتمل الكلمة التي يقال عنها، ويطالب مقدمو مثل هذه القضايا بتعويضات مالية كبيرة، بزعم أنهم تعرضوا لأضرار أدبية ونفسية، ويرفضون الصلح في معظم الأحيان، أو الاعتذار الذي يتقدم به الخصم لهم أمام منصة القاضي.

هناك كم كبير من السلوكيات السيئة في المجتمع التي غاب عنها التسامح، فهناك مشاجرات على أتفه الأسباب، وتكفي نظرة واحدة من شخص لم تعجب الآخر لإسقاط أحدهما جريحاً أو مقتولا، وهناك مواطن أحرق سيارة جاره اعتراضاً على صوت الأغاني المنطلقة من السيارة.

ايضا هناك رجل فقد صوابه فاستل سكيناً سدد بها سبع طعنات إلى طليقته في ضاحية "مبارك الكبير"، واشتكى ولد عمره 21 عاما على أبيه فقصد مخفر منطقة هدية، وأبلغ أن والده يضربه، فسجل رجال الأمن قضية اعتداء بالضرب ضد الأب، الذي استدعته الشرطة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأنه، والأمثلة كثيرة مع الأسف.

كتب الكاتب الهندي أشتوت مهراج في مقالة له في صحيفة هندية "ان مشاعر الكراهية تسبب ارتفاعا في ضغط الدم، وفي ضربات القلب، وإفرازا لغدد الجسم، وهذه سموم"، ويضرب المثال "ان المرء الذي اختار الانتقام يحفر قبرين"، فمشاعرالكراهية تضر بصحته.

لقد دلت الدراسات الأميركية والهندية على ان "بذل الخير ومساعدة الناس تخفف التوتر والكآبة وتنفع الصحة"، فعلا هذا صحيح، فانظروا، مثلا، للشخص المتوتر والحزين عندما يساعد الناس (بذل الصدقة) يشعر أن "ثقل التوتر وما يصاحبه من آلام بجسده"، قد انزاح عن كاهله فتسري السعادة والراحة في جسده.

ويقول الدكتور داغ أومان من "جامعة كاليفورنيا": "كان الأطباء يعتقدون لفترة طويلة ان الأدوية تعالج الكآبة، وابتعدنا عن القيم التقليدية الفاضلة، والمشاعر الروحانية، فالأديان العظيمة توصي بالأخلاق الطيبة بين الناس".

القرآن الكريم سبق هؤلاء جميعا في الحض على التسامح في آيات عدة، وقال جل جلاله في سورة آل عمران: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين".

كما عفا رسولنا الكريم (عليه الصلاة والسلام) عن كفار قريش، رغم أنهم آذوه في جسده وعرضه.

aldawas.ahkwt@yahoo.com