المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مرقد الشيخ صالح المعروف إبن العرندس الحلي



الحاج مؤمن
06-29-2024, 02:45 PM
https://mk.iq/hellah/res/img/sci/3aYLYmOIOPK2UGGM/poster.jpg

لقد أسهم الشعر الحسيني في الحفاظ على هوية الأمة العربية الشعرية من الضياع، بسبب القضية الفذة والخالدة التي انشغل فيها، فهي قضية كل مكان، وهي مدار الإسلام في كل أوان، والشعراء الحسينيون قد أجهدوا قرائحهم في إعلاء شأنها، وإبراز مكانتها في كل سوح الأدب ونواديه العامرة، حتى باتت سمة بارزة يؤرخون بها نتاجهم الأدبي والفكري، ولعل من أبرز من قصر شعره في التصدي لهذه القضية السامية إبن العرندس الحلي. الشاعر الأديب, والعالم المتبحر, صالح بن عبد الوهاب الحلي, ينتمي إلى عرقٍ أصيلٍ من أعراق العرب, بكر بن كلاب, وكان ناسكاً أديباً من أبرز علماء عصره,

وهو أحد أعلام الشيعة في الفقه والأصول في القرن الثامن للهجرة المباركة, وكَـثـُر في شعره المدح والرثاء لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، مصنفاً فيها، وله كتاب ( كشف اللآلي ) مخطوط، وقد ذكر الطريحي شطرا منها في "المنتخب" وجملة منها مبثوثة في المجاميع والموسوعات، وعقد له العلامة السماوي في "الطليعة" ترجمة أطراه فيها بالعلم والفضل والتقى والنسك والمشاركة في العلوم، وأشفع ذلك اليعقوبي في "البابليات" وأثنى عليه ثناء جميلا، وذكر في "الطليعة" أنه توفي حدود 840هـ في الحلة الفيحاء ودفن فيها وله قبر يزار ويتبرك به في محلة جبران.يُعد شعره من عيون الشعر العربي, لما تميز به من رقة الألفاظ, وجزالة المعاني, وجودة السبك, وتجديده في المعاني وسلاسة العرض،

كما تُعدُّ قصيدته :

طوايا نظامي في الزمان لها نشرُ ..... يعطرها من طيب ذكراكمُ نشر

من التُّحف الخالدة في ذاكرة الشعر العربي, والحسينيِّ على وجه الخصوص, فقد أسهم في الحفاظ على هيبة الشعر العربي من الضياع واندثار الهوية, والتلاشي بين سطور الجهل الشعري الذي كان متفشياً آنذاك لتراجع صنوف المعرفة والفن والأدب فيها كافة, وارتكاسها على محاكاة القدماء, والنسج على منوالهم, وعدم التجديد في المعاني, والإسفاف في الصنعة, مثل النظم في الألغاز والأمثال والتاريخ الشعري, وغيرها. يذكر العلامة الأميني أن هذه القصيدة ما قُرأَت في مجلسٍ إلا وحضرهُ الإمام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)، لما تحمله من معانٍ جليلة,

ومما يؤثر عن الشيخ عبد الزهرة الكعبي أنه كان يبحث عن قصيدة إبن العرندس، فتوسل بالإمام الحسين (عليه السلام) للحصول عليها،

وفي أحد الأيام دعاه الحاج عبد الله الكتبي، وهو في الصحن الشريف، وأراه مجموعة من الكتب، وما أن فتح الشيخ الكتاب الأول حتى رأى قصيدة إبن العرندس فأراد أن يشتري الكتاب،

فقال له عبد الله الكتبي: ثمنه أن تقرأ هذه القصيدة الآن، وما أن بدأ الشيخ عبد الزهرة بالقراءة وإذا بسيد جليل سلم عليهما وجلس يستمع،

وحين وصل الشيخ عبد الزهرة إلى:

أيقتل ظمآنا حسين بكربلا .... وفي كل عضو من أنامله بحر؟
ووالده الساقي على الحوض في غد ... وفاطمة ماء الفرات لها مهر


وقف ذلك السيد وتوجه الى ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) وكرر ثلاثا أيقتل ... أيقتل ... أيقتل،

يقول الشيخ عبد الزهرة: عندما كرر هذه الكلمة أنزلنا رأسينا أنا والحاج، وأخذنا بالبكاء

ثم رفعنا رأسينا ولم نجد لذلك السيد أثرا.

تستهل القصيدة بمقدمة وصفيةً، يصف بها حال الشعر، وحال القصيدة، حتى يدخل في الغرض والبناء الشعري في البيت السابع، محيياً ساكني الطفوف، واعداً إياهم بعدم النسيان، والسلو عنهم، مشبها حاله بـ "الخنساء" في دموعها على أخيها طول الدهر، حتى يدخل الشاعر في صلب الغرض الشعري، في أبيات تتصف بالجزالة، والرقة، والعذوبة، والشحن العاطفي، وجريانها على الألسن مثل الزلال.

وتعد هذه الأبيات من أروع ما قيل في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) إذ أنها تشتمل على أسلوب التقديم الجزئي للصورة الشعرية، فهو يقدم صورة الإمام بشكل متدرج، فهو (إمام الهدى)، و(سبط النبوة)، و(والد الأئمة)، و(رب النهيِّ)، و(له الأمرُ)، ثم يعرّف نسب الإمام، بأنه (إبن المرتضى) معرفاً (المرتضى) بـ (علم الهدى)، و(وصي رسول الله)، و(الصنو)، و(الصهرُ). ولا يغفل الشاعر أن يعود إلى التعريف بالمرثي الإمام الحسين (عليه السلام)، فيقدمه مبكى من قبل:

(الإنس، الجن، السما، وحش الفلا، الطير، البر، البحر)،

ثم يعطف واصفاً قبره الشريف بشكل تدريجيِّ، فيقول:

إن له قبة بيضاء شامخة في أرض الطف، يَطّوفُ بها الملائكة طائعين.يقول إبن العرندس في رثاء سيد الشهداء (عليه السلام).

إمامُ الهدَى سبط النُّبوَّةِ والدُ الأئمَّةِ .... رَبُّ النَّهْيِ، مَولَى لَهُ الأَمْرُ

إمامٌ أبوهُ المرتضَى علمُ الهُدَى .... وَصِيُّ رَسُولِ اللهِ والصّنوُ والصّهْرُ

إمامٌ بَكَتْهُ الإِنْسُ والجِنُّ والسَّمَا .... ووحشُ الفلا والطَّيرُ والبرُّ والبحرُ

لهُ القبَّةُ البيضاءُ بالطَّفِّ لمْ تزَلْ .... تَطُوفُ بها طَوعًا مَلائكةٌ غُرُّ

وفيهِ رَسُولُ اللهِ قَالَ، وَقَوْلُهُ .... صحيحٌ صريحٌ، ليس في ذلكم نُكرُ

حُبِيِ ثَلاَث مَا أَحَاطَ بِمِثْلِها .... وَلِيٌّ، فَمَنْ زَيْدٌ هُناكَ وَمَنْ عَمْرُو؟

لهُ تُربَةٌ فِيْهَا الشِّفَاءُ، وقُبَّةٌ .... يُجَابُ بِهَا الدَّاعِي إذَا مَسَّهُ الضُّرُّ

أيُقتلُ ظمآنًاً حُسينٌ بكربلا .... وفِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أنامِلِهِ بَحرُ

ووالدُهُ السّاقي على الحَوضِ في غَدٍ .... وَفَاطمةٌ مَاءُ الفُراتِ لَهَا مَهْرُ

إن هذا الأسلوب في تقديم الصورة الشعرية، يدل على دربةٍ في صناعة الشعر، وعلى تكاملٍ في الفكرة الشعرية التي أنتجت هذا الشعر، فضلا عن أنَّ لجوء الشاعر لمثل هكذا اسلوب يدل على وفرة المعنى، وغزارته، وتمكن الشاعر من أدواته الفنية والبلاغية.تحتوي القصيدة الرائية الخالدة لإبن العرندس على ثراء شعري وشعوري, مماثلةً في حالها أسلوب البناء الشعري القديم,

وفكرة الوحدة الموضوعية والفنية في القصيدة القديمة, فهذه القصيدة لم تأتِ مقطّعةً على لوحات, كما هو عهدنا بالشعر القديم, وإنما جاءت على شكل لحظاتٍ توترٍ شعري, يشابه حال الطبيعة الشعرية للشعر في يومنا هذا, وهذا يدل على مهارةٍ فنية, وحذقٍ في إيراد المعاني, على وفق مقتضيات المباني, بشكل يجعلها أكثر انسجاماً وقبولاً, وهو الأمر ذاته الذي جعل من القصيدة, تمثل لحظةً شعرية لا يمكن تجزيئها, فهي عبارة عن سبيكة واحدة من الجوهر الجميل..



صور من الموضوع ...



https://mk.iq/hellah/res/img/sci/3aYLYmOIOPK2UGGM/album/7qqBU4Gr6Y.jpg



(https://mk.iq/hellah/res/img/sci/3aYLYmOIOPK2UGGM/album/7qqBU4Gr6Y.jpg) https://mk.iq/hellah/res/img/sci/3aYLYmOIOPK2UGGM/album/hYFO5HQM0v.jpg



(https://mk.iq/hellah/res/img/sci/3aYLYmOIOPK2UGGM/album/hYFO5HQM0v.jpg) https://mk.iq/hellah/res/img/sci/3aYLYmOIOPK2UGGM/album/pGjbc5LVju.jpg



(https://mk.iq/hellah/res/img/sci/3aYLYmOIOPK2UGGM/album/pGjbc5LVju.jpg)