سلسبيل
10-15-2005, 03:07 PM
عمران سلمان
حين تفجرت فضيحة سجن أبو غريب لم يبق عربي، إلا وأفتى في بشاعتها، ودناءتها، وتعارضها مع القيم الإنسانية، وهم محقون في ذلك، لكن هؤلاء سرعان ما لحسوا إنسانيتهم وأغلقوا أفواههم، عندما أعلن الإرهابي الأردني أبو مصعب الزرقاوي حربه على الشيعة في العراق، وراح يرسل جنوده المفخخين كي يفجروا أنفسهم وسط الأطفال والنساء والشيوخ.
لم ينبس أي من هؤلاء ببنت شفة، ولم يذرف أحد منهم دمعة واحدة على المئات والآلاف من المدنيين العراقيين الذين يقتلون وتمثل بجثثهم!
بالطبع يمكننا تفهم الغضب الناجم عن فضيحة سجن أبو غريب، وإدانتها على مستوي العالم كله، فهي منافية للأخلاق، وكان أول من استنكرها الأميركيون أنفسهم، الذين اعتبروا أن ما قام به بعض جنودهم، قد شوه صورة الولايات المتحدة وشكل وصمة عار في جبينها.
ويمكن قول مثل هذا عن الكثير من الممارسات الشائنة التي تتم في ساحة المعارك، أو في المواجهات العسكرية.
ولكن ألا يشعر العرب أيضا بوصمة عار أكبر، حين يمارس بعضهم قتل المدنيين العراقيين وذبحهم؟ ألا يشعر الباقون بوخز الضمير وهم يستميتون في البحث عن أعذار ومبررات للقتلة والمجرمين ممن يسمونهم "المقاومة"!
كيف يمكن لمن تثور ثائرته لتعذيب إنسان أو الحط من كرامته، أن يصمت أو يتجاهل عن إعلان بالإبادة ضد ملايين البشر لأنهم من طائفة معينة؟
وماذا يمكن أن يسمى الصمت العربي والسني تحديدا، إزاء قتل الشيعة العراقيين بالجملة، وترويعهم بأبشع الوسائل وأحطها؟
هل هي في قلة المعلومات أم جهل بالملابسات والظروف؟ إن القتلة يعلنون مواقفهم على الملأ، وهم يتفاخرون بها، ويعتبرونها جهادا في سبيل الله. وإذا كان المواطن العربي العادي الذي تم غسل مخه وشل إرادته الذهنبية بالكامل، قد لا يستثيره ما يحدث، فكيف نفسر ذلك بالنسبة للسياسيين والإعلاميين؟
ماذا يمكن أن نقول إزاء تعامل وسائل الإعلام العربية وخاصة الفضائيات العربية، حين هي تنقل أحداث القتل والذبح والتفجيرات الانتحارية وسط المدنيين في العراق بصورة باردة، وتتعامل معها بوصفها أحداثا عاديا، في إطار ما يسمى "مسلسل العنف في العراق"؟
إن الحرب التي يخوضها تنظيم القاعدة والإرهابيين ضد الشيعة في العراق، هي من أعمال الإبادة الجماعية النادرة الحدوث في التاريخ المعاصر. فلم يحدث من قبل أن أعلن أحد مثل هذه الحرب ضد عرق أو طائفة بأكملها، إلا ألمانيا النازية ضد اليهود. فهل يكون السنة هم نازيو هذا العصر؟
إن هيئة علماء المسلمين في العراق ومثيلاتها في الدول العربية أصدرت عشرات الفتاوى، فيما يتعلق بالقضايا السياسية الراهنة، ولكنها لم تصدر فتوى واحدة تكفر فيها أسامة بن لادن أو الظواهري أو الزرقاوي لقتله الشيعة. بل حتى في الحالات القليلة التي اضطرت فيها لإدانة قتل المدنيين في العراق، فإنها فعلت ذلك بأقصى ما يمكن من العمومية والتجريد.
والحال أن العالم كله شاهد على صمت العرب السنة وتفرجهم، بل ومباركة بعضهم لقتل الشيعة في العراق بدم بارد، وسوف يحملون وصمة العار هذه على جبينهم مدى الدهر.
ولست أدري كيف يمكن لهؤلاء أن يجيشوا وسائل إعلامهم وينفثوا سمومهم، ضد الولايات المتحدة لإعلانها الحرب على القتلة والإرهابيين الإسلاميين، وتصفية أوكارهم في أفغانستان والعراق، متهمين أميركا بأنها تسعى للسيطرة على العالم، وفي الوقت نفسه لا يرون أنفسهم في المرآة، وهي أنهم يياركون أعمالا إجرامية وحرب إبادة ضد الشيعة في العراق؟ كما يتغاضون عن حرب تنظيم القاعدة الإرهابي في سعيه للسيطرة على البلدان الإسلامية، وتهديده لباقي دول العالم.
إن أميركا، على الأقل، ملكت على الدوام الشجاعة للاعتراف بأخطائها، وقد اعترفت للسود بجريمة العبودية، وعملت ولا تزال تعمل للتكفير عن ذلك الجرم التاريخي.
ولكن السنة مارسوا اضطهاد الشيعة وتكفيرهم، ولا يزالون يعاملونهم في بلدانهم كمواطنين من الدرجة الثانية، ويبدوا أنهم لم يكتفوا بذلك وإنما عادوا اليوم لكي يكملوا ما بدأوه في القرون الماضية.
إنهم لم يعترفوا في السابق باضطهاد الشيعة، وهاهم في القرن الحادي والعشرين يواصلون مذابحهم وجرائمهم ضدهم، على مرأى ومسمع من العالم. ألا يشعر هؤلاء بالخزي والعار يسربلهم!
* كاتب وصحافي بحريني مقيم في الولايات المتحدة
Omrans80@yahoo.com
حين تفجرت فضيحة سجن أبو غريب لم يبق عربي، إلا وأفتى في بشاعتها، ودناءتها، وتعارضها مع القيم الإنسانية، وهم محقون في ذلك، لكن هؤلاء سرعان ما لحسوا إنسانيتهم وأغلقوا أفواههم، عندما أعلن الإرهابي الأردني أبو مصعب الزرقاوي حربه على الشيعة في العراق، وراح يرسل جنوده المفخخين كي يفجروا أنفسهم وسط الأطفال والنساء والشيوخ.
لم ينبس أي من هؤلاء ببنت شفة، ولم يذرف أحد منهم دمعة واحدة على المئات والآلاف من المدنيين العراقيين الذين يقتلون وتمثل بجثثهم!
بالطبع يمكننا تفهم الغضب الناجم عن فضيحة سجن أبو غريب، وإدانتها على مستوي العالم كله، فهي منافية للأخلاق، وكان أول من استنكرها الأميركيون أنفسهم، الذين اعتبروا أن ما قام به بعض جنودهم، قد شوه صورة الولايات المتحدة وشكل وصمة عار في جبينها.
ويمكن قول مثل هذا عن الكثير من الممارسات الشائنة التي تتم في ساحة المعارك، أو في المواجهات العسكرية.
ولكن ألا يشعر العرب أيضا بوصمة عار أكبر، حين يمارس بعضهم قتل المدنيين العراقيين وذبحهم؟ ألا يشعر الباقون بوخز الضمير وهم يستميتون في البحث عن أعذار ومبررات للقتلة والمجرمين ممن يسمونهم "المقاومة"!
كيف يمكن لمن تثور ثائرته لتعذيب إنسان أو الحط من كرامته، أن يصمت أو يتجاهل عن إعلان بالإبادة ضد ملايين البشر لأنهم من طائفة معينة؟
وماذا يمكن أن يسمى الصمت العربي والسني تحديدا، إزاء قتل الشيعة العراقيين بالجملة، وترويعهم بأبشع الوسائل وأحطها؟
هل هي في قلة المعلومات أم جهل بالملابسات والظروف؟ إن القتلة يعلنون مواقفهم على الملأ، وهم يتفاخرون بها، ويعتبرونها جهادا في سبيل الله. وإذا كان المواطن العربي العادي الذي تم غسل مخه وشل إرادته الذهنبية بالكامل، قد لا يستثيره ما يحدث، فكيف نفسر ذلك بالنسبة للسياسيين والإعلاميين؟
ماذا يمكن أن نقول إزاء تعامل وسائل الإعلام العربية وخاصة الفضائيات العربية، حين هي تنقل أحداث القتل والذبح والتفجيرات الانتحارية وسط المدنيين في العراق بصورة باردة، وتتعامل معها بوصفها أحداثا عاديا، في إطار ما يسمى "مسلسل العنف في العراق"؟
إن الحرب التي يخوضها تنظيم القاعدة والإرهابيين ضد الشيعة في العراق، هي من أعمال الإبادة الجماعية النادرة الحدوث في التاريخ المعاصر. فلم يحدث من قبل أن أعلن أحد مثل هذه الحرب ضد عرق أو طائفة بأكملها، إلا ألمانيا النازية ضد اليهود. فهل يكون السنة هم نازيو هذا العصر؟
إن هيئة علماء المسلمين في العراق ومثيلاتها في الدول العربية أصدرت عشرات الفتاوى، فيما يتعلق بالقضايا السياسية الراهنة، ولكنها لم تصدر فتوى واحدة تكفر فيها أسامة بن لادن أو الظواهري أو الزرقاوي لقتله الشيعة. بل حتى في الحالات القليلة التي اضطرت فيها لإدانة قتل المدنيين في العراق، فإنها فعلت ذلك بأقصى ما يمكن من العمومية والتجريد.
والحال أن العالم كله شاهد على صمت العرب السنة وتفرجهم، بل ومباركة بعضهم لقتل الشيعة في العراق بدم بارد، وسوف يحملون وصمة العار هذه على جبينهم مدى الدهر.
ولست أدري كيف يمكن لهؤلاء أن يجيشوا وسائل إعلامهم وينفثوا سمومهم، ضد الولايات المتحدة لإعلانها الحرب على القتلة والإرهابيين الإسلاميين، وتصفية أوكارهم في أفغانستان والعراق، متهمين أميركا بأنها تسعى للسيطرة على العالم، وفي الوقت نفسه لا يرون أنفسهم في المرآة، وهي أنهم يياركون أعمالا إجرامية وحرب إبادة ضد الشيعة في العراق؟ كما يتغاضون عن حرب تنظيم القاعدة الإرهابي في سعيه للسيطرة على البلدان الإسلامية، وتهديده لباقي دول العالم.
إن أميركا، على الأقل، ملكت على الدوام الشجاعة للاعتراف بأخطائها، وقد اعترفت للسود بجريمة العبودية، وعملت ولا تزال تعمل للتكفير عن ذلك الجرم التاريخي.
ولكن السنة مارسوا اضطهاد الشيعة وتكفيرهم، ولا يزالون يعاملونهم في بلدانهم كمواطنين من الدرجة الثانية، ويبدوا أنهم لم يكتفوا بذلك وإنما عادوا اليوم لكي يكملوا ما بدأوه في القرون الماضية.
إنهم لم يعترفوا في السابق باضطهاد الشيعة، وهاهم في القرن الحادي والعشرين يواصلون مذابحهم وجرائمهم ضدهم، على مرأى ومسمع من العالم. ألا يشعر هؤلاء بالخزي والعار يسربلهم!
* كاتب وصحافي بحريني مقيم في الولايات المتحدة
Omrans80@yahoo.com