على
10-14-2005, 06:53 AM
محمد عبده يماني
وزير الاعلام السعودي الاسبق
عفا الله عن رجال يتكلمون في أبي هريرة رضي الله عنه وارضاه وعن روايته للحديث فهم يغمزون ويلمزون ويتكلمون عن كثرة روايته، مع انه صحابي جليل شهد له رسول الله (ص) بالصدق، ودعا له، وكان رجلا قد هاجر الى الله ورسوله وكان من الزم الصحابة له وكان يدور معه حيث دار حرصا على الحديث وروايته، ويأخذ عنه ويروي عنه بكل أمانة وصدق.
والحديث عن صحابة رسول الله (ص) (ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه) لا بد ان يكون بأدب وعلى علم واسس صحيحة لا يخدش صحابيا ولا يغمز بأحد منهم، لأن النبي (ص) حذرنا من ذلك عندما قال: «الله الله في اصحابي، فلو انفق احدكم مثل احد ذهبا ما بلغ مد حدهم ولا نصيفه» وقد لاحظت بكل أسف ان هناك احاديث تدور عن روايته للحديث وكثرتها ولو ردها هؤلاء الى علماء الحديث ورجاله لعلموا الحقيقة وعرفوا صدق الصحابة وأمانتهم في الرواية، لأنهم تربوا على يد رسول الله (ص) وسمعوا منه، واخذوا عنه، وتعلموا منه أهمية الصدق، وقد حذرهم من الكذب عليه حين قال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».
وعلينا ان نعلم ان أبا هريرة صحابي جليل، صحب رسول الله (ص)، وكان قريبا منه، وقد احبه رسول الله (ص)، ودعا له بالحفظ، وكان رضي الله عنه زاهدا في الدنيا، ومن أهل الصفة، وكان حريصا على سماع الحديث من النبي (ص)، وكثيرا ما كان يتحمل آلام الجوع حتى لا يفوته شيء من الحديث النبوي الشريف.
وقد صحب النبي (ص) وحفظ الكثير من احاديثه، وآتاه الله قلبا واعيا، وحفظا دقيقا، وعرف بالصدق والايمان والتقوى، والمروءة، والاخلاق، ولهذا فإنه أمر مؤسف ان نلاحظ بين وقت وآخر تهجم بعض المستشرقين، فقد حذا بعض من لا علم له بالحديث حذو هؤلاء المستشرقين، وصدقوا أقوالهم في الطعن في الصحابة الكرام، والطعن في الحديث الشريف، والتشكيك في روايته، وكثير من هؤلاء الطاعنين من المسلمين الذين لم يدرسوا حياة هذا الصحابي الجليل دراسة صحيحة، ولم يعرفوا حقائق ناصعة عن روايته ودقته، ولهذا فقد أخذوا بكل أسف يغمزون ويلمزون، وهذا أمر خطير لأن رسول الله (ص) قال:
«من آذى اصحابي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله... الحديث» ومن هنا فإننا نلاحظ ان بعض هؤلاء الطاعنين قد اسرفوا على أنفسهم وعمدوا الى اتهام أبي هريرة رضي الله عنه بالاكثار في رواية الحديث النبوي، وانه قد روى الآلاف من الاحاديث عن رسول الله (ص)، واتهامه بأنه اسرف في الحديث، وهذا أمر غير صحيح، بل هو تزوير وتدليس على هذا الصحابي الجليل الذي خدم الحديث النبوي وأخلص في روايته، وانقطع له، وصحب رسول الله (ص)، وكان يتحمل ألم الجوع حتى لا يفوته شيء من حديث رسول الله (ص)، وقد اخرج البخاري عنه انه قال: «والله الذي لا اله الا هو ان كنت لاعتمد على الأرض بكبدي من الجوع، وأشد الحجر على بطني».
لقد كان رضي الله عنه حريصا على العلم، وشهد له النبي (ص)، فقد روى ابن كثير في البداية والنهاية ان النبي (ص) قال له: «الا تسألني من هذه الغنائم التي سألني أصحابك؟»: فقلت له اسألك ان تعلمني مما علمك الله.
وكان كثير الحفظ لا ينسى، فقد دعا الله فقال: اللهم اني اسألك علما لا ينسى وقد أمن الرسول (ص) على دعائه. وروى البخاري ومسلم، قال أبو هريرة: قلت يا رسول الله اني لأسمع منك حديثا كثيرا أنساه. قال (ص): «ابسط رداءك» فبسطته، ثم قال: ضمه الى صدرك» فضممته، فما نسيت شيئا بعد ذلك.
«وهذه ميزة مهمة لهذا الصحابي الجليل فقد روى ابن حجر في الاصابة: أنه جاء رجل الى زيد بن ثابت رضي الله عنه فسأله، فقال له زيد: عليك بأبي هريرة، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله ونذكره، اذ خرج علينا رسول الله (ص) حتى جلس إلينا فقال: عودوا للذي كنتم فيه، قال زيد: فدعوت أنا وصاحبي فجعل رسول الله (ص) يؤمن على دعائنا، دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سأل صاحباي وأسألك علما لا ينسى، فقال رسول الله (ص): آمين.. فقال زيد وصاحبه: ونحن يا رسول الله نسأل علما لا ينسى... فقال سبقكم بها الغلام الدوسي. (يعني أبا هريرة). فأبو هريرة إذن محفوف بالعناية الإلهية، والدعوات النبوية، فإذا أضفنا الى ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة في الدلالة على حبه لرسول الله (ص)، وحرصه على نوال شفاعته الخاصة التي لا ينالها إلا الذين سبقت لهم الحسنى من الله فكانوا أسعد الناس بهذه الشفاعة، وهم الذين تكون شفاعته (ص) بهم شفاعة تشريف وتكريم وعلو درجات، وقرب من رسول الله (ص)، وليست شفاعة من ذنوب أو شفاعة من كبيرة أو كبائر وقد كان جواب النبي (ص) شهادة عظيمة منه لأبي هريرة رضي الله عنه.
والسبب في اكثاره من الحديث وعدم نسيانه طول الصحبة، وملازمته لرسول الله (ص) وتأمين الرسول (ص) على دعائه ودعاء الرسول له (ص). فقد روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة انه قال: انكم تزعمون ان أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله (ص) والله الموعد، اني كنت امرءا مسكينا اصحب الرسول على ملء بطني.
«ولو حسبنا عدد أيام صحبته للنبي (ص) لوجدنا أنها تبلغ أكثر من ألف وأربعمائة وستين يوما ولو قسمنا ما روي عنه من الأحاديث الشريفة على هذه الأيام وجدنا أنه يروي كل يوم ما يقارب ثلاثة أحاديث ونصفا، وفي كل مائة يوم 367 حديثا أو أنه كان يحفظ مائة حديث في كل سبعة وعشرين يوما، فهل يستغرب أن يحفظ أبو هريرة رضي الله عنه كل يوم أربعة أحاديث مع ما رأينا من قصة الكساء، وقصة الدعاء، وما رأينا من حرصه على العلم، وحرصه على حفظ الأحاديث الشريفة، ومع ما رأينا من انقطاعه لخدمة النبي (ص) وسماع أقواله، وزهده في الدنيا، وعيشه مع أهل الصفة، وصبره على الجوع في سبيل ذلك.
وعندما قمت بنفسي بالتحقق من هذه المسألة بواسطة فريق مختص في الحاسب الآلي ظهرت لنا حقائق مهمة عن روايات أبي هريرة، فعندما تتبعنا رواياته وجدنا ان هناك ما يزيد عن ثمانمائة صحابي وتابعي رووا عنه الحديث وكلهم ثقات، لكن القضية الاساسية التي افادتنا عند استخدام الحاسب الآلي هي انه عندما ادخلت هذه الاحاديث المروية في كتب الحديث الستة وجدنا ان احاديث ابي هريرة بلغت 5374، ثم وجدنا بعد الدراسة بواسطة الكومبيوتر ان المكرر منها هو 4074 وعلى هذا يبقى العدد غير المكرر 1300 وهذا العدد تتبعناه فوجدنا ان العديد من الصحابة قد رووا نفس هذه الاحاديث من غير طريق ابي هريرة هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى وبعد ان قمنا بحذف الاحاديث التي رويت من غير طريق ابي هريرة في كتب الصحاح الستة وجدنا ان ما انفرد به ابو هريرة ولم يروه اي صحابي آخر هو اقل من عشرة احاديث.
ومن هذا يظهر امانته وصدقه في رواية الحديث الشريف، ويبريء ذمته رضي الله عنه مما اتهم به، وقد ساهم في هذه الدراسة رجال خدموا سيرة ابي هريرة ومنهم محمد ضياء الدين الاعطى الذي قام بعمل دراسات دقيقة وبذل جهودا تستحق التقدير وقد ساعدني في هذا الموضوع.
ثم شاء الله ان نطور العمل في احاديث ابي هريرة فانتقلنا من الكتب الستة الى الكتب التسعة وقد لاحظنا ان الاحاديث في الكتب التسعة المنسوبة الى ابي هريرة هي 8960 حديثا، منها 8510 بسند متصل و450 حديثا بسند منقطع وبعد التدقيق انتهينا الى ان الاحاديث التي رواها ابو هريرة في كل هذه الكتب التسعة بعد حذف المكرر هي 1475 حديثا، وقد اشترك في روايتها معه عدد من الصحابة. وعندما حذفت الاحاديث التي رويت عن طريق صحابة آخرين وصلنا الى حقيقة مهمة وهي ان ما اتى به ابو هريرة مع المكررات في كتب الحديث التسعة هي 253 حديثا، ثم ان الاحاديث التي انفرد بها ابو هريرة بدون تكرار ولم يروها احد غيره في الكتب التسعة هي 42 حديثا، وما زلنا نواصل البحث، لكن هذه الامور وهذه الحقائق ازالت كل تلك الشبه والتهم العقيمة والمغرضة التي كانت تلصق بأبي هريرة ويتهمونه فيها بالاكثار ويقولون عنه رضي الله عنه انه روى 8000 حديث بمفرده.. وبعضهم يقول انه روى 5000 حديث بمفرده.. هكذا دون روية او تدقيق او تمحيص.
ولذا فاني استغرب من الذين يطعنون في هذا الصحابي الجليل كيف يطعن بمن وثقه النبي (ص) وشهد له بالحرص على الحديث، ووثقه صحابة النبي (ص)، وقال طلحة بن عبيد الله «أحد العشرة المبشرين بالجنة والملقب: طلحة الخير»: لا اشك بان ابا هريرة سمع من رسول الله (ص) ما لم نسمع، ولا نجد أحدا فيه خير يقول على رسول الله (ص) ما لم يقل.
وشهد له عبد الله بن عمر فيقول: يا أبا هريرة أنت كنت ألزمنا لرسول الله (ص) واحفظنا لحديثه. وحذيفة ابن اليمان يوثقه ويزكيه وينقل تزكية ابن عمر له وقال رجل لابن عمر: ان ابا هريرة يكثر الحديث. فقال ابن عمر: أعيذك بالله ان تكون في شك مما يجيء به، لكنه اجترأ وجبنا.
واعتمده ابو بكر رضي الله عنه بتبليغ الحديث لما كان أميرا على الحج: ان لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ووثقه كثير من الصحابة ورووا عنه وكثير من التابعين رووا عنه كذلك حتى قال البخاري: روى عنه الثمانمائة من كبار اهل العلم من الصحابة والتابعين وكان احفظ من روى الحديث في عصره.
ولا بد ان نعلم انه رضي الله عنه قد حرص على تدوين الحديث وكتابته في آخر ايامه وكان يرجع اليه كلما سأله سائل، وقد روى الحاكم والامام احمد ما يدل ان الحديث كان مكتوبا عند ابي هريرة قال ابن حجر: لا يلزم من وجود الحديث مكتوبا عنده ان يكون بخطه فقد ثبت انه لم يكتب فتعين ان يكون المكتوب عنده بخط غيره، وكان يرجع في آخر ايامه الى ما كتب من الحديث.
وقال الشافعي عنه: ابو هريرة احفظ من روى الحديث في عصره، ومن هنا فاني احذر الذين يطعنون في هذا الصحابي بأن الطعن بأبي هريرة طعن بالنبي (ص) الذي وثقه، وطعن بكبار الصحابة والتابعين الذين رووا عنه ووثقوه، وتطاول على السنة الشريفة.
وقد حرص بعض اعداء الاسلام من الذين اثاروا الشبهة حول كثرة روايات ابي هريرة بقصد الطعن في رواية الحديث وكان هدفهم التشكيك في السنة النبوية الشريفة والتشكيك في الاسلام، فالذي يطعن بأبي هريرة يطعن بثمانمائة من الصحابة وكبار العلماء من التابعين، والامر اكبر من ذلك بكثير عند اهل العلم، لانه يستهدف السنة النبوية.
وقد بين الامام القرطبي رضي الله عنه ان الطاعن في رواية هذا الصحابي طاعن في الدين خارج عن الشريعة مبطل للقرآن، بل قال بعض السلف: اجلال ابي هريرة اجلال للنبي (ص)، واتهام ابي هريرة فيما يرويه عنه زدراء على رسول الله (ص) وعلى ما جاء به.
وختاما فاني اضع هذه المعلومات بين يدي القاريء الكريم حتى يتبين له الحق، ويعلم خطأ الذين يتهمون هذا الصحابي الذي صدقه رسول الله (ص)، وقربه وصحبه ودعا له، ولو لم يعلم فيه خيرا لما فعل كل ذلك.
والقضية ليست قضية عاطفة وانما حقائق نضعها امام القارىء ولا املك الا ان اقول اتقوا الله في صحابة رسول الله (ص) ولا تتجرأوا ولا تتهموا ولا تلقوا القول على عواهنه بغير علم ولا هدى، فان الله عز وجل يقول: «ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا».
وزير الاعلام السعودي الاسبق
عفا الله عن رجال يتكلمون في أبي هريرة رضي الله عنه وارضاه وعن روايته للحديث فهم يغمزون ويلمزون ويتكلمون عن كثرة روايته، مع انه صحابي جليل شهد له رسول الله (ص) بالصدق، ودعا له، وكان رجلا قد هاجر الى الله ورسوله وكان من الزم الصحابة له وكان يدور معه حيث دار حرصا على الحديث وروايته، ويأخذ عنه ويروي عنه بكل أمانة وصدق.
والحديث عن صحابة رسول الله (ص) (ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه) لا بد ان يكون بأدب وعلى علم واسس صحيحة لا يخدش صحابيا ولا يغمز بأحد منهم، لأن النبي (ص) حذرنا من ذلك عندما قال: «الله الله في اصحابي، فلو انفق احدكم مثل احد ذهبا ما بلغ مد حدهم ولا نصيفه» وقد لاحظت بكل أسف ان هناك احاديث تدور عن روايته للحديث وكثرتها ولو ردها هؤلاء الى علماء الحديث ورجاله لعلموا الحقيقة وعرفوا صدق الصحابة وأمانتهم في الرواية، لأنهم تربوا على يد رسول الله (ص) وسمعوا منه، واخذوا عنه، وتعلموا منه أهمية الصدق، وقد حذرهم من الكذب عليه حين قال: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».
وعلينا ان نعلم ان أبا هريرة صحابي جليل، صحب رسول الله (ص)، وكان قريبا منه، وقد احبه رسول الله (ص)، ودعا له بالحفظ، وكان رضي الله عنه زاهدا في الدنيا، ومن أهل الصفة، وكان حريصا على سماع الحديث من النبي (ص)، وكثيرا ما كان يتحمل آلام الجوع حتى لا يفوته شيء من الحديث النبوي الشريف.
وقد صحب النبي (ص) وحفظ الكثير من احاديثه، وآتاه الله قلبا واعيا، وحفظا دقيقا، وعرف بالصدق والايمان والتقوى، والمروءة، والاخلاق، ولهذا فإنه أمر مؤسف ان نلاحظ بين وقت وآخر تهجم بعض المستشرقين، فقد حذا بعض من لا علم له بالحديث حذو هؤلاء المستشرقين، وصدقوا أقوالهم في الطعن في الصحابة الكرام، والطعن في الحديث الشريف، والتشكيك في روايته، وكثير من هؤلاء الطاعنين من المسلمين الذين لم يدرسوا حياة هذا الصحابي الجليل دراسة صحيحة، ولم يعرفوا حقائق ناصعة عن روايته ودقته، ولهذا فقد أخذوا بكل أسف يغمزون ويلمزون، وهذا أمر خطير لأن رسول الله (ص) قال:
«من آذى اصحابي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله... الحديث» ومن هنا فإننا نلاحظ ان بعض هؤلاء الطاعنين قد اسرفوا على أنفسهم وعمدوا الى اتهام أبي هريرة رضي الله عنه بالاكثار في رواية الحديث النبوي، وانه قد روى الآلاف من الاحاديث عن رسول الله (ص)، واتهامه بأنه اسرف في الحديث، وهذا أمر غير صحيح، بل هو تزوير وتدليس على هذا الصحابي الجليل الذي خدم الحديث النبوي وأخلص في روايته، وانقطع له، وصحب رسول الله (ص)، وكان يتحمل ألم الجوع حتى لا يفوته شيء من حديث رسول الله (ص)، وقد اخرج البخاري عنه انه قال: «والله الذي لا اله الا هو ان كنت لاعتمد على الأرض بكبدي من الجوع، وأشد الحجر على بطني».
لقد كان رضي الله عنه حريصا على العلم، وشهد له النبي (ص)، فقد روى ابن كثير في البداية والنهاية ان النبي (ص) قال له: «الا تسألني من هذه الغنائم التي سألني أصحابك؟»: فقلت له اسألك ان تعلمني مما علمك الله.
وكان كثير الحفظ لا ينسى، فقد دعا الله فقال: اللهم اني اسألك علما لا ينسى وقد أمن الرسول (ص) على دعائه. وروى البخاري ومسلم، قال أبو هريرة: قلت يا رسول الله اني لأسمع منك حديثا كثيرا أنساه. قال (ص): «ابسط رداءك» فبسطته، ثم قال: ضمه الى صدرك» فضممته، فما نسيت شيئا بعد ذلك.
«وهذه ميزة مهمة لهذا الصحابي الجليل فقد روى ابن حجر في الاصابة: أنه جاء رجل الى زيد بن ثابت رضي الله عنه فسأله، فقال له زيد: عليك بأبي هريرة، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ندعو الله ونذكره، اذ خرج علينا رسول الله (ص) حتى جلس إلينا فقال: عودوا للذي كنتم فيه، قال زيد: فدعوت أنا وصاحبي فجعل رسول الله (ص) يؤمن على دعائنا، دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سأل صاحباي وأسألك علما لا ينسى، فقال رسول الله (ص): آمين.. فقال زيد وصاحبه: ونحن يا رسول الله نسأل علما لا ينسى... فقال سبقكم بها الغلام الدوسي. (يعني أبا هريرة). فأبو هريرة إذن محفوف بالعناية الإلهية، والدعوات النبوية، فإذا أضفنا الى ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة في الدلالة على حبه لرسول الله (ص)، وحرصه على نوال شفاعته الخاصة التي لا ينالها إلا الذين سبقت لهم الحسنى من الله فكانوا أسعد الناس بهذه الشفاعة، وهم الذين تكون شفاعته (ص) بهم شفاعة تشريف وتكريم وعلو درجات، وقرب من رسول الله (ص)، وليست شفاعة من ذنوب أو شفاعة من كبيرة أو كبائر وقد كان جواب النبي (ص) شهادة عظيمة منه لأبي هريرة رضي الله عنه.
والسبب في اكثاره من الحديث وعدم نسيانه طول الصحبة، وملازمته لرسول الله (ص) وتأمين الرسول (ص) على دعائه ودعاء الرسول له (ص). فقد روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة انه قال: انكم تزعمون ان أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله (ص) والله الموعد، اني كنت امرءا مسكينا اصحب الرسول على ملء بطني.
«ولو حسبنا عدد أيام صحبته للنبي (ص) لوجدنا أنها تبلغ أكثر من ألف وأربعمائة وستين يوما ولو قسمنا ما روي عنه من الأحاديث الشريفة على هذه الأيام وجدنا أنه يروي كل يوم ما يقارب ثلاثة أحاديث ونصفا، وفي كل مائة يوم 367 حديثا أو أنه كان يحفظ مائة حديث في كل سبعة وعشرين يوما، فهل يستغرب أن يحفظ أبو هريرة رضي الله عنه كل يوم أربعة أحاديث مع ما رأينا من قصة الكساء، وقصة الدعاء، وما رأينا من حرصه على العلم، وحرصه على حفظ الأحاديث الشريفة، ومع ما رأينا من انقطاعه لخدمة النبي (ص) وسماع أقواله، وزهده في الدنيا، وعيشه مع أهل الصفة، وصبره على الجوع في سبيل ذلك.
وعندما قمت بنفسي بالتحقق من هذه المسألة بواسطة فريق مختص في الحاسب الآلي ظهرت لنا حقائق مهمة عن روايات أبي هريرة، فعندما تتبعنا رواياته وجدنا ان هناك ما يزيد عن ثمانمائة صحابي وتابعي رووا عنه الحديث وكلهم ثقات، لكن القضية الاساسية التي افادتنا عند استخدام الحاسب الآلي هي انه عندما ادخلت هذه الاحاديث المروية في كتب الحديث الستة وجدنا ان احاديث ابي هريرة بلغت 5374، ثم وجدنا بعد الدراسة بواسطة الكومبيوتر ان المكرر منها هو 4074 وعلى هذا يبقى العدد غير المكرر 1300 وهذا العدد تتبعناه فوجدنا ان العديد من الصحابة قد رووا نفس هذه الاحاديث من غير طريق ابي هريرة هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى وبعد ان قمنا بحذف الاحاديث التي رويت من غير طريق ابي هريرة في كتب الصحاح الستة وجدنا ان ما انفرد به ابو هريرة ولم يروه اي صحابي آخر هو اقل من عشرة احاديث.
ومن هذا يظهر امانته وصدقه في رواية الحديث الشريف، ويبريء ذمته رضي الله عنه مما اتهم به، وقد ساهم في هذه الدراسة رجال خدموا سيرة ابي هريرة ومنهم محمد ضياء الدين الاعطى الذي قام بعمل دراسات دقيقة وبذل جهودا تستحق التقدير وقد ساعدني في هذا الموضوع.
ثم شاء الله ان نطور العمل في احاديث ابي هريرة فانتقلنا من الكتب الستة الى الكتب التسعة وقد لاحظنا ان الاحاديث في الكتب التسعة المنسوبة الى ابي هريرة هي 8960 حديثا، منها 8510 بسند متصل و450 حديثا بسند منقطع وبعد التدقيق انتهينا الى ان الاحاديث التي رواها ابو هريرة في كل هذه الكتب التسعة بعد حذف المكرر هي 1475 حديثا، وقد اشترك في روايتها معه عدد من الصحابة. وعندما حذفت الاحاديث التي رويت عن طريق صحابة آخرين وصلنا الى حقيقة مهمة وهي ان ما اتى به ابو هريرة مع المكررات في كتب الحديث التسعة هي 253 حديثا، ثم ان الاحاديث التي انفرد بها ابو هريرة بدون تكرار ولم يروها احد غيره في الكتب التسعة هي 42 حديثا، وما زلنا نواصل البحث، لكن هذه الامور وهذه الحقائق ازالت كل تلك الشبه والتهم العقيمة والمغرضة التي كانت تلصق بأبي هريرة ويتهمونه فيها بالاكثار ويقولون عنه رضي الله عنه انه روى 8000 حديث بمفرده.. وبعضهم يقول انه روى 5000 حديث بمفرده.. هكذا دون روية او تدقيق او تمحيص.
ولذا فاني استغرب من الذين يطعنون في هذا الصحابي الجليل كيف يطعن بمن وثقه النبي (ص) وشهد له بالحرص على الحديث، ووثقه صحابة النبي (ص)، وقال طلحة بن عبيد الله «أحد العشرة المبشرين بالجنة والملقب: طلحة الخير»: لا اشك بان ابا هريرة سمع من رسول الله (ص) ما لم نسمع، ولا نجد أحدا فيه خير يقول على رسول الله (ص) ما لم يقل.
وشهد له عبد الله بن عمر فيقول: يا أبا هريرة أنت كنت ألزمنا لرسول الله (ص) واحفظنا لحديثه. وحذيفة ابن اليمان يوثقه ويزكيه وينقل تزكية ابن عمر له وقال رجل لابن عمر: ان ابا هريرة يكثر الحديث. فقال ابن عمر: أعيذك بالله ان تكون في شك مما يجيء به، لكنه اجترأ وجبنا.
واعتمده ابو بكر رضي الله عنه بتبليغ الحديث لما كان أميرا على الحج: ان لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ووثقه كثير من الصحابة ورووا عنه وكثير من التابعين رووا عنه كذلك حتى قال البخاري: روى عنه الثمانمائة من كبار اهل العلم من الصحابة والتابعين وكان احفظ من روى الحديث في عصره.
ولا بد ان نعلم انه رضي الله عنه قد حرص على تدوين الحديث وكتابته في آخر ايامه وكان يرجع اليه كلما سأله سائل، وقد روى الحاكم والامام احمد ما يدل ان الحديث كان مكتوبا عند ابي هريرة قال ابن حجر: لا يلزم من وجود الحديث مكتوبا عنده ان يكون بخطه فقد ثبت انه لم يكتب فتعين ان يكون المكتوب عنده بخط غيره، وكان يرجع في آخر ايامه الى ما كتب من الحديث.
وقال الشافعي عنه: ابو هريرة احفظ من روى الحديث في عصره، ومن هنا فاني احذر الذين يطعنون في هذا الصحابي بأن الطعن بأبي هريرة طعن بالنبي (ص) الذي وثقه، وطعن بكبار الصحابة والتابعين الذين رووا عنه ووثقوه، وتطاول على السنة الشريفة.
وقد حرص بعض اعداء الاسلام من الذين اثاروا الشبهة حول كثرة روايات ابي هريرة بقصد الطعن في رواية الحديث وكان هدفهم التشكيك في السنة النبوية الشريفة والتشكيك في الاسلام، فالذي يطعن بأبي هريرة يطعن بثمانمائة من الصحابة وكبار العلماء من التابعين، والامر اكبر من ذلك بكثير عند اهل العلم، لانه يستهدف السنة النبوية.
وقد بين الامام القرطبي رضي الله عنه ان الطاعن في رواية هذا الصحابي طاعن في الدين خارج عن الشريعة مبطل للقرآن، بل قال بعض السلف: اجلال ابي هريرة اجلال للنبي (ص)، واتهام ابي هريرة فيما يرويه عنه زدراء على رسول الله (ص) وعلى ما جاء به.
وختاما فاني اضع هذه المعلومات بين يدي القاريء الكريم حتى يتبين له الحق، ويعلم خطأ الذين يتهمون هذا الصحابي الذي صدقه رسول الله (ص)، وقربه وصحبه ودعا له، ولو لم يعلم فيه خيرا لما فعل كل ذلك.
والقضية ليست قضية عاطفة وانما حقائق نضعها امام القارىء ولا املك الا ان اقول اتقوا الله في صحابة رسول الله (ص) ولا تتجرأوا ولا تتهموا ولا تلقوا القول على عواهنه بغير علم ولا هدى، فان الله عز وجل يقول: «ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا».