المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الموبايل في العراق حاجة وزينة اجتماعية



زهير
10-13-2005, 08:48 PM
جرجيس كوليزادة من اربيل

من المظاهر الجديدة التي أخذت طريقها الى المجتمع العراقي، هي اقتحام أجهزة الموبايل للسوق العراقية، وإقبال العراقيين عليها بدرجة كبيرة حتى باتت من أكثر المظاهر انتشارا خاصة بين الشباب وأفراد العائلات العراقية، وباتت هذه الأجهزة جزءا أساسيا من مستلزمات السمات الخاصة للشخصية العراقية الجديدة.

وشكلت هذه الظاهرة التي تتسم بخواص العولمة التي تجتاح بلدان ومناطق العالم لتحول واقع المدن والمجتمعات السكنية الى قرية صغيرة متصلة مع بعضها بهذه الأجهزة الالكترونية الصغيرة التي لا تتعدى حجمها حجم علبة سيكار وهي تحمل من الخواص والسمات والمواصفات ما تجعل العقول مذهولة لقدرة هذه الآلات الصوتية والصورية التي تنقل حديث اللسان النابع من القلب بملحة البصر الى الحبيب والزميل والصاحب والأهل، وتنقل حديث اللسان النابع من العقل الى تجارة ومعاملة وصفقة قد يفلح بها صاحب الجهاز بربح ومكسب كبير بلمحة رمش العين.

وعلى ما نشاهده في الاسواق العراقية نجد أن تجارة أجهزة الموبايل ومستلزماتها وكمالياتها إقتحمت الأسواق بشكل سريع وبحجم كبير ومذهل جدا، حتى أصبحت أكثر الأعمال التجارية انتشارا وأكثرها ازدهارا وأكبرها نموا بعد تجارة الأجهزة الكهربائية المنزلية التي كانت تفتقر اليها البيت العراقي في عهد النظام السابق خاصة منها أجهزة التلفاز الجديدة المصنعة بمواصفات خاصة وأجهزة الستلايت لاستقبال الفضائيات والثلاجات وأجهزة الفيديو سي دي والكاميرات وألعاب الأتاري وغيرها، وتجارة استيراد السيارات التي اتسعت وازدهرت تجارتها بدرجة كبيرة لم تسبق مثيل لها في الحياة العراقية الاقتصادية من قبل حتى أصبحت الشوراع مكتظة بعدد كثيف من السيارات المتنوعة المنشأ مما خلق مشكلة كبيرة من إختناقات وأزمات للسير وحركة المواصلات في المدن العراقية وباتت تصعب إيجاد حل سريع لها في الواقع الراهن.

ظاهرة محلات الموبايل واتهامات

ونجد من مؤشرات ظاهرة الموبايل السريعة الانتشار في العراق هي انتشار محلات بيع هذه الاجهزة بدرجة كبيرة في الأسواق حتى أصبحت تجد محلا للموبايل بين كل ثلاث محلات، حيث أخذت هذه التجارة بالانتشار بعدما حصلت شركات الهاتف النقال على تراخيص العمل بشكل رسمي في العراق الذي كان محروما منه في عهد النظام السابق. وقد تعرضت الشركات في بدايات عملها الى استياء كبير من العراقيين تجاه خدماتها والتي كثيرا ما أدى الى إطلاق المواطنين أسماء معيبة تجاه تلك الشركات نتيجة الاستياء من الخدمات، وكان من ابرزها اتهامهم للشركات من انها تسرق اموال المواطنين جهارا نهارا دون ان يلتفت احد من المسؤولين العراقيين الى شكوى الناس منها، والاستياء كانت نتيجة لسوء الخدمات المقدمة من الشركات ولم تكن بالمستوى المطلوب، ولكن مع هذا ازداد اهتمام المواطنين بالموبايل كواسطة اتصال عملية رغم عدم جودة الخدمات في البداية وزيادة كلفتها اتساعا في بعض الاحيان.

والاتهام الآخر الذي وجه للموبايل وشركات الاتصال هو أن هذه الأجهزة أصبحت وسيلة من وسائل العمليات الإرهابية بسبب استعمالها من قبل الإرهابيين والذين يقومون بالعمليات الإرهابية والإجرامية التي تستهدف العراقيين.

ولم تقف حدود الاستعمال عند هذا الحد، بل أن هذه الاجهزة المعلبة الكترونيا أصبحت استعمالها أداة لإفراز ظواهر عديدة في المجتمع العراقي لم تكون موجودة في السابق، خاصة ظاهرة المسيجات والمراسلات النصية بين الشباب والشابات.

مسيج

ويعلل البعض ان ظاهرة المسيجات من الظواهر الملفتة للنظر التي اجتاحت مجتمع الموبايل وما تشهدها هذه الواقعة من احداث واتصالات رومانسية من خلال ارسال واستقبال وتبادل رسائل غرامية هي دليل على قوة تأثير هذا الجهاز على المجتمع الشبابي، ولهذا أصبحت هذه الأجهزة خزينا لرسائل العشق والغرام، حتى باتت الكارتات لا تقدر على الثبات والاستمرار عند بعض الشباب لولعهم الشديد بالرسائل الغرامية التي تأتي من حبيب منتظر. ولهذا مع كل صباح يوم جديد يصحو مستخدمي الهاتف النقال على رسائل جديدة، قد تكون معروفة الى مستقبلها ولكن أغلبها غير معروفة وهي تتناول مواضيع ظريفة وغريبة، منها الرسالة التالية التي جاءت في احدى الأخبار المنوعة: اللهم أشفي رجالنا، وأعمي أبصارهم عن البرتقالة، وأجعل نانسي وأليسا وبنت وهبي في عيونهم مش غزالة، أللهم أمين، الراوية بنت النوكيا.

ونموذج رسالة اخرى مرسلة من شاب في العقد الثالث من عمره الى صديقته يفتخر بأن هاتفه الخلوي يخزن اكثر من عشرين رسالة غرامية جاء في واحدة منها: تعلن شبكة الخطوط الفؤادية عن اقلاع طائرة ايرباص يومية محملة بقبلة حارة الى مهبط المطار على خدك الوردية ارجو استقبالها بحرارة.

هذا من ناحية العلاقة الرومانسية المرتبطة بالمستخدمين للموبايل، أما من ناحية الاصناف الاخرى من الرسائل التي يجدها المستخدم العراقي في هاتفه النقال، هناك صنف آخر من الرسائل لايسمح به الذوق العام، وهناك صنف آخر تتناول المسائل الدينية والفتاوي والخطابات الدينية، وهي بعض الشيء منتشرة بكثرة.

طرائف

مدرس يحمل شهادة بكالوريوس في العلوم الاحيائية قال احتفظ بمجموعة من الرسائل التي تتعلق بالجانب الديني من باب الاستطرف لأنها تحمل مواضيع لطيفة محملة بمزحة غير عادية، منها نموذج جاء فيه: جاء عن الراوي ابن ابي سوني عن العلامة المميزة الفنلدنية ابي نوكيا عمل الله على انزال سعرها في السوق: ثلاثة تحرم عليهم الجنة العراقية، الزرقاوي وموسى والقاسم.

نموذج آخر من رسائل المزحة الدينية عن الدستور العراقي، جاء فيه: الدستور وما ادراك ما الدستور، لا كهربا ولا نور منور، لا بطاقة تموينية ولا رزق مستور، كلمة اي تريحني وكلمة لا تحيرني.

نموذج آخر من الرسائل حول حكم الجعفري جاء فيه: جعفري جعفري بالحكم زعفري، جنبري جنبري بالشغل ازبري.

ونماذج أخرى تحمل طابع المزحة البريئة التي تتسم بها روحية المواطن العراقي، ولكنها في عين الوقت تعبر عن روحية متسمة بالتفاعل مع الواقع بلمسة طرية تبعث على الذوق والذكاء المزاحي.

لكل جهازأسم عراقي


شيء ملفت آخر متعلق بالهاتف النقال في السوق العراقي، وهي اطلاق اسماء ظريفة ولطيفة وغريبة على أجهزة الموبايل بالرغم من وجود ليبل اسم الجهار عليها واسم الشركة المنتجة لها، وبهذا الصدد يقول علي أحمد 28 عاما انه مسرور بالرسائل التي تصله و اصبحت شغله الشاغل لكنه قال ان اسماء اجهزة الهاتف النقال هي الاكثر غرابة وتتمتع بقبول ورضى كبير من قبل الجمهور وهي أصبحت الماركة المعروفة للاجهزة على صعيد التسويق والشراء، وأضاف ان الرسائل يتعامل معها المستخدم من قبيل التسلية والمزحة للتنفيس لأن الواقع الاجتماعي الذي يشهده العراق مليء بشواهد تبعث على التعليق.

من خلال قراءة تلك النماذج من الرسائل في عالم الموبايل الذي اقتحم الاسواق العراقية بشراهة، نجد انها برغم غرابتها وتنوعها وطرافتها وفكاهتها مؤشر عملي على ان المستخدم العراقي خاصة الشباب منهم يبحث على الدوام عما يزيح بعضا من الهموم التي تحيط به، وبدلا من ان يتم استغلال الموبايل فقط من ناحية الاتصال والتواصل لأغراض العلاقات والعمل والتجارة والضرورات الشخصية الا انها اصبحت وسيلة جيدة مريحة للتسلية والمزحة والتمتع بألعابها وارسال واستقبال رسائل الحب والعشق والغرام، وهذه تعتبر مسألة طبيعية في واقع سياسي واقتصادي انتقالي يعيشه العراقي في الواقع الراهن المليء بالاحداث والاخبار اليومية غير المسرة نتيجة الاعمال الارهابية التي ترتكب بحق الابرياء من العراقيين.

وكما أشرنا اليه ان سوق الموبايل أصبح السلعة الاكثر انتشارا وبروزا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي في الحياة العراقية، ولهذا فان خدمات شركات الهاتف الخلوي أصبحت تتحسن وصارت اسعار الاشتراكات تطرح باسعار مناسبة حتى وصلت الى الى ان تحصل على اشتراك مع خزين من الوحدات بنفس قيمة شراء الاشتراك، وهي حالة مناسبة وتناسب قدرات المواطن من ناحية السعر لتأمين هاتف نقال. ونتيجة لهذا الامتداد والاقبال الذي يشهده المجتمع العراقي بصدد الموبايل فان الظواهر التي تجتاح السوق والواقع الاجتماعي أصبحت مسألة طبيعية ووتحولت الى ممارسة من ممارسات الحياة العادية التي تتمتع بها المجتمعات الديمقراطية، وبما ان المجتمع العراقي قد تفاعل مع هذا النهج بنجاح في الحياة السياسية، فان الظواهر المرتبطة بالموبايل صارت وتحولت الى وسيلة اجتماعية مقبولة وينظر لها بالايجابية من قبل أغلب المستخدمين.

أما بخصوص الاسماء التي تطلق على أجهزة الموبايل في الاسواق العراقية، فهي تحمل طابع الطرافة لان الاسماء متعددة ومتنوعة وغريبة، وهي أصبحت العلامة البارزة الرئيسية التي تشتهر بها الجهاز وليس اسم الجهاز او اسم الشركة المنتجة، ومن هذه الاسماء اسماء للحيوانات، كالضفدع والدب، واسماء الفراشات كالفراشة، واسماء لمواد البناء كالطابوقة، واسماء حالات انسانية كالدمعة، واسماء متعلقة بالبحر والسفن كالشراع، واسماء للجيش كالمارينز، واسماء لاعوان النظام السابق كالصحاف، واسماء الحيات كالكوبرا، واسماء اخرى كالملك، واغلب هذه الاسماء سائدة في أسواق بغداد وبقية المحافظات العراقية، أما في أسواق اقليم كردستان فهناك أسماء كردية اشتهرت بها تلك الاجهزة كما اشتهرت بها موديلات السيارات الحديثة باسماء طريفة وجميلة كمونيكا وليلى علوي وعفريت وشبح وغيرها من الاسماء اللطيفة.

حلم!

وكان أخر المطاف في تحقيقنا هذا، بسؤال وجه الى شاب وهو بائع متجول بماذا تحلم فأجاب أحلم بدار وسيارة وموبايل، وسألناه كيف تحقق حلمك هذا فقال عندما أحصل على الموبايل، وجدنا الجواب منطقي ولا يحمل غرابة وهو ليس بغريب لأن فعلا الموبايل أصبح حاجة وزينة شخصية مميزة في حياة العراقيين.