الأمازيغي
10-11-2005, 10:43 PM
حرّم الإساءة إلى الصحابة وزوجات الرسول والطعن فيهم
فضل الله لـ"الوطن": المرجعية لدى الشيعة أقرب إلى الانتخاب الطبيعي
واختلاف الفتاوى يرجع إلى قوة الاستنباط وتنوّع الثقافة
الثقة والثقافة الفقهية
س: ما هي الشروط الواجب توافرها في المرجع الديني؟
ج: تنطلق المرجعية من فكرة رجوع من لا خبرة له إلى أهل الخبرة، وذلك مصداقاً للآية الكريمة: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (النحل:43)، فكل من يملك ثقافة دينية في ما يحتاج الناس إليه، فإنه يرجع إلى المرجعيات التي تملك ثقافة ما يحتاج إليه في الجانب الفقهي الشرعي. فالمرجعية هي حالة ثقافية تتعلّق بالثقافة الفقهية عندما تصل إلى المستوى الذي يمكِّن المجتهد من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، ومن الطبيعي، أنه لا بد للمرجع من أن يكون عادلاً مستقيماً في دينه، وأن تكون له الكفاءة العلمية والاستقامة الدينية. ويعتبر الفقهاء هذين الشرطين هما الأساس، ولكننا نعتقد أن المرجعية تطورت بتطور العصر، لذا أصبح على المرجع أن يملك ثقافة الواقع، وأن يأخذ قسطاً من الثقافة العامة التي تجعله يسد حاجة الأجيال في الإجابة عن أكثر من علامة استفهام. من هنا نقول إن المرجعية التقليدية لا تكفي.
مسميات ومصطلحات
س: متى يصل رجل الدين إلى المرجعية؟ وهل هناك لجنة أو حوزة توافق على هذه المرجعية؟ وما هي أصل مسميات آية الله، وآية الله العظمى؟
ج: المرجعية لدى الشيعة تمثل وضعاً أقرب إلى الانتخاب الطبيعي، فالمرجع يبدأ دراسته داخل الحوزة، ويحصل على الثقة من خلال ثقافته الفقهية، بحيث ينطلق الطلاب إليه ويدرسون عنده، وهنا تنمو الثقة به من خلال الحوزة، وقد تتوفر لديه ظروف خارجية غير المسألة الثقافية لتجعل هذا الإنسان مرجعاً في الأحكام الشرعية من خلال طبيعة البلاد التي ينتمي إليها، والشخصيات التي تثق به، أو من خلال وضعه العام في الحوزة.
أما المسميات، فهذه مصطلحات تم التعارف عليها في الحوزات العلمية، فكلمة آية الله، تعطى للمجتهد في الأمور الفقهية، والذي لم يحصل على المرجعية الفعلية، وآية الله العظمى، تعطى للمجتهد الذي وصل إلى درجة المرجعية الفعلية، بحيث يرجع الناس إليه في الواقع.
الاختلاف في الاستنباط
س: انتشرت كتب الرسائل العلمية للمراجع، ومع أن الكتاب واحد، والسنة النبوية واحدة، ومع ذلك، فإن هناك اختلافاً في بعض الفتاوى. ما سبب ذلك؟
ج: مسألة الاختلاف تدخل في دائرة الاجتهاد، حيث إن الكتاب والسنة ينطلقان من خلال نصوص قد يفهمها شخص من طريق، ويفهمها آخر من طريق أخرى. والمعروف أن النص وإن كان واحداً، ولكن استنباطه في مضمونه الثقافي قد يختلف بين شخص وآخر، من خلال تنوع الثقافة عنده. لذا قد نلتقي في فهم نصوص معينة، وقد نختلف في فهم نصوص أخرى، وقد نتّفق على مسائل فقهية لم يأت بنص بشأنها.
كما أن حركة الاجتهاد تتنوع، فتختلف الفتاوى على هذا الأساس، وهذا ليس مختصاً بمذهب معين، حيث إننا نعرف جلياً أن مذهب السنة يتنوع في عدة مذاهب، وهكذا بالنسبة للشيعة في تنوّع الاجتهاد والمجتهدين.
إن النص وإن كان واحداً، فإن استنباطه في مضمونه الثقافي قد يختلف بين شخص وآخر من خلال تنوع الثقافة عنده.
اللغة هي الأساس
س: كيف تفهم المرجعية في عملية تأويل القرآن والأحاديث حول أصول الدين والصلاة والزكاة والخمس وغيرها؟
ج: من الطبيعي جداً أن قضية الاجتهاد تنطلق، كما ذكرنا، من اختلاف في فهم النص، وفهم القاعدة، ومن ربط الاجتهاد في هذا المجال بكل القضايا. أما بخصوص ما يسمى بالتأويل، فإنه يخضع لقواعد اللغة العربية في فهم النص الذي لا بد من أن يرتكز على وجود بعض المعطيات في الكلام، تكون قرينة على إرادة خلاف الظاهر هنا وهناك.
لا تنافس بين المراجع
س: كثرة عدد مراجع الدين العظام، أدت إلى كثرة الفتاوى الصادرة عنهم، الأمر الذي أدى إلى وجود بعض الاختلافات الخاصة في الفروع، فهل التنافس في إصدار الفتاوى دليل على أهلية المراجع الدينية؟
ج: لا يمكن أن نسمّي ذلك تنافساً، لأن التنافس يكون في أنّ شخصاً يحاول أن يتغلّب على شخص آخر، والقضية ليست كذلك، بل إن كل مرجع يجتهد بحسب ما يدعو إليه اجتهاده وفهمه للنص، بقطع النظر عن وجود شخص آخر أو عدمه، وعندما يوجد أكثر من شخص، فإن اجتهاد واحد لا يرتبط باجتهاد الآخر سلباً أو إيجاباً. لذلك، فإن القضية لا تعتبر تنافساً في هذا المجال، لأن اختلاف الفتاوى إنما ينطلق من اختلاف الاجتهاد، كما هو الحال في اختلاف الفتاوى السياسية أو التربوية أو غيرها، من خلال اختلاف وجهات النظر.
لا تنافس بين المراجع ، فاختلاف الفتاوى إنما ينطلق من اختلاف الاجتهاد
الحوزات للتعليم
س: لماذا لا تقوم الحوزات العلمية بالتعاون مع بعضها البعض، بإصدار الفتاوى المطابقة للكتاب والسنة النبوية؟
ج: تمثّل الحوزات العلمية جامعة على الطريقة القديمة، فالذين ينتمون إلى الحوزات العلمية، هم الذين يقصدونها من أجل التعلّم على أيدي أساتذة مؤهلين للتدريس في هذا المجال. لذا، فإن قضية الفتاوى في الحوزات تتمثل في الشخصيات التي تصل إلى درجة الاجتهاد وإلى موقع الفتوى، حيث يطلق كل منهم فتواه حسب موقعه العلمي والاجتهادي، ليقرأها الناس ويتبعوها إن رأوا فيه كفاءة لأن يكون مرجعاً للتقليد.
الديـن عـدالة
س: شارك العديد من مراجع الدين في الآونة الأخيرة في القضايا السياسية، وإصدار الفتاوى والأحكام والتوجيهات، فما سبب انخراطهم في هذا المجال؟ وهل يتوجب عليهم إيجاد علاقة مع الحكام والأحزاب السياسية وحركة العولمة؟
ج: عندما ندرس المقولة التي تتحدث عن أنه لا علاقة للدين بالسياسة، ولا دخل لرجال الدين في السياسة، نجد أنه مفهوم خاطئ جاءنا من خلال التجربة الدينية في الغرب، حيث إن رجال الدين هناك، كانوا يطلقون التحريم في بعض النظريات العلمية، وعليه، حدثت مشكلة بين الموقع الديني والمواقع العلمانية، ثم انتهت المعركة بإبعاد رجال الدين عن السياسة.
أما في الإسلام، فنقرأ في قوله تعالى في سورة الحديد: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} (الحديد:25)، حيث تدل هذه الآية على أن قاعدة الدين هي العدالة، فالهدف الأساسي لكل الديانات، هو أن يقوم الناس بالقسط، أي بممارسة العدالة في كل علاقاتهم الخاصة والعامة، سواء على مستوى الواقع الحقوقي أو على مستوى السياسي أو الاجتماعي أو الأمني.
لذلك نقول، إن مسألة الدين مسألة عدالة، فالعدالة تمثل عدالة الحاكم والحكم والقانون والناس بعضهم مع بعض، وعدالة الناس مع الدولة وعليه، فلا عدالة من دون سياسة ونحن، عندما نتحدث عن السياسة، لا نتحدث عن اللعبة السياسية، ولكننا نتحدث عن الرسالة السياسية التي تدير أمور الناس، وتعمل على تطوير أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسة وغيرها. ولهذا، فإن لرجل الدين الحق في القيام بدوره في رعاية الناس في كل قضاياهم. وهنا نستشهد بالنبي الأكرم(ص)، الذي كان يدير المسألة السياسية إلى جانب المسألة الثقافية البشرية، وهكذا بالنسبة للخلفاء على تنوعاتهم، ولا سيما الخلفاء الراشدين، وفي مقدمتهم الإمام علي(ع)، فإنه كان يدير المسألة السياسية كما يدير المسألة الثقافية والأمنية. فلم يكن هناك في بدايات الإسلام فريق سياسي وفريق ديني، بل كانت المسألة تتحرك من خلال السلطة الدينية، التي كانت لا تتحرك سياسياً بشكل استبدادي، بل كانت تستشير الناس، حتى إن الله تعالى أمر الرسول(ص) باستشارة أهل الخبرة: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله} (آل عمران:159)، واعتبر الشورى محوراً لمختلف أوجه الحياة الإسلامية: {وأمرهم شورى بينهم} (الشورى:38).
مقولة "لا علاقة للدين بالسياسة ، ولا دخل لرجال الدين في السياسة" خاطئة فقد كانت السياسة، في بدايات الإسلام، تتحرك من خلال السلطة الدينية، التي كانت لا تتحرك سياسياً بشكل استبدادي
اتصالات مع الجميع
س: هل لدى مراجع الشيعة اتصالات مع علماء السنة؟ وما هي نوعية هذه الاتصالات؟
ج: قد يكون لدى بعض المراجع اتصالات، ولكن هذا النوع من الانفصال الذي حصل بين الطائفة الشيعية والطائفة السنية، أوجد نوعاً من أنواع البعد في عالم التواصل العلمي أو الواقعي أو الفكري، ولكن التطورات الأخيرة، أوجدت نوعاً من أنواع التواصل، وأنا أملك الكثير من الاتصالات مع علماء الدين في لبنان وخارج لبنان، ولنا تعاون مع الشيخ يوسف القرضاوي واتحاد علماء المسلمين، كما أنّ المؤتمرات الإسلامية خلقت نوعاً من التلاقي بين علماء السنة وعلماء الشيعة، حتى على مستوى الأبحاث الفقهية.
الطائفية لا تخدم المذاهب
س: لا تزال كلمة الطائفية تتناقل بين المذاهب الإسلامية، مع وجود مبادرة من الدول الإسلامية للمشاركة في لجنة التقريب بين المذاهب. هل تعتقد أن هذه اللجنة استطاعت وضع خطة لتحقيق الهدف في عدم الخوض في الطائفية؟
ج: إن الطائفية تساهم في تعميق الهوة بين المذاهب، لأنها ليست عنواناً دينياً، بل هي عنوان قبلي عشائري يحصل في الواقع البشري بعيداً عن الجانب الفكري. لذا، فإن الطائفية تتغذى من العصبية القبلية والعشائرية في هذا المجال. أما في ما يتعلق بمجامع التقريب بين المذاهب الإسلامية، فإنها بقيت محصورة في دائرة العلماء والفقهاء، ولم تنـزل إلى الشارع. لذا، فإننا دعونا، وما زلنا ندعو، إلى أن تتحرك قرارات مجامع التقريب بين المذاهب الإسلامية في دائرة الأمة، لتفهم الأمة، أن ما يخيل إليها من هذا الفصل العميق بين المذهبين، ليس واقعياً، وأن المذاهب يلتقي بعضها مع بعض على أكثر من 80% في المسائل الفقهية والكلامية، ما عدا المفردات الحساسة هنا وهناك في قضية الخلافة والإمامة وغيرها.
ولكن المشكلة أن هذه المعلومات تبقى في دائرة النخبة، وربما نجد أن بعض هذه النخب التي تحضر ندوات التقريب، لا تتفاعل مع التقريب، لأن لديها عقدة إزاء أي رأي آخر أو مذهب مخالف، فهؤلاء لا يحاولون نشر هذه الثقافة التقريبية أو الوحدوية في هذا المجال. وعليه، فهناك العديد من علماء السنة والشيعة الذين يحاولون إثارة القضايا التي تفرق ولا تجمع.
ندعو إلى أن تتحرك قرارات مجامع التقريب بين المذاهب الإسلامية في دائرة الأمة، لا أن تظل محصورة في دائرة العلماء والفقهاء
ولاية الفقيه وشورى الفقهاء
س: يقال إن نظرية ولاية الفقيه، هي من الأساسيات والمبادىء التي يجب على الشيعة الإيمان بها، وهناك من يقول إنها مجال لدخول الحكم الديكتاتوري من الناحية العملية عكس شورى الفقهاء، فما رأي سماحتكم في ذلك؟
ج: من الواضح أن القول بنظرية ولاية الفقيه، وأنها من المبادىء الأساسية التي يتعين على الشيعة العمل بها، هو قول غير علمي، لأن ولاية الفقيه مجرد نظرية فقهية في باب الولايات، فعندما يكون هناك حديث عن ولاية الأب والجد على الأبناء، يعممون ذلك للحديث عن ولاية الفقيه على الأمة. وهناك رأيان حول هذا الموضوع: الأول في الولاية الخاصة الذي يفضله أكثر علماء الشيعة، وآخرهم المرجع الديني الكبير المرحوم السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله، الذي يرى أن لا ولاية للفقيه في الأمور العامة، بل إن الفقيه يملك الولاية على القاصرين والأوقاف التي لا ولي لها، وعلى أموال الغائبين وغيرها، أما الشؤون العامة، فلا يملكها الفقيه، أما الرأي الثاني الذي ترجع إليه فئة قليلة من علماء الشيعة، فهو الذي يقول بالولاية العامة، أي أن للفقيه الولاية العامة على كافة شؤون المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
فالمسألة محل خلاف فقهي بين تيارين، ولكن الذين يذهبون إلى ولاية الفقيه العامة، لا يرون للفقيه الولاية بطريقة الحكم الذاتي، بل إنه يجب أن يكون له الخبرة في شؤون ولايته، وأن يرجع إلى أهل الخبرة، بحيث يكون لديه مستشارون في مختلف المجالات، يشيرون عليه في كل ما لا يملك الخبرة فيه، ويرون أنه إذا انحرف عن الخط الإسلامي والعدالة، وأصبح يحكم بمزاجه الذاتي أو بمحاباة هذا وذاك، فإن ولايته تسقط تلقائياً، لأن من شروط الولاية العدالة، ولا يمكن الإخلال بهذا الشرط. لذا، فإن المسألة تخضع للجانب التطبيقي، حيث إن كثيراً من المبادئ العامة الكبرى التي تمثل خط العدالة، يحولها التطبيق السيئ إلى حالة من الذاتية والفردية.
ولا يمكن القول إن هناك تطبيق مبدأ شورى الفقهاء، بل هناك شورى أهل الخبرة، لأن الفقهاء لا دور لهم في الجوانب الاقتصادية والأمنية. وعليه، يجب الرجوع إلى ذوي الاختصاص كلٌ في مجال عمله.
حدود ولاية الفقيه محل خلاف فقهي، ولكن الذين يذهبون إلى ولاية الفقيه العامة، لا يرون للفقيه الولاية بطريقة الحكم الذاتي
التمسك بالكتاب والسنّة
س: هناك محاولات من قِبَل بعض المنظمات الدولية لإضعاف الأمة الإسلامية، عن طريق إيجاد شرخ بين الطوائف الإسلامية، فما السبيل إلى توحيد الصف الإسلامي؟
ج: الوحدة الإسلامية هي من المسائل التي تمثّل عمق الحركة لقوة الإسلام، لأن المسألة الإسلامية تتحرك في خطين: الأول، وهو الخط الثقافي الذي يتحرك في علم الكلام في ما يختلف فيه المسلمون من القضايا الكلامية، أو في ما يتحرك فيه علم الفقه، والثاني، الخط السياسي، الذي يمثل حركة المسلمين في مصيرهم. أمّا المسألة الثقافية، فتنطلق من الكتاب والسنة، حيث أمرنا الله سبحانه وتعالى بالرجوع إلى الكتاب والسنّة في حالة الخلاف والنـزاع في المسألة الثقافية، كما جاء في الكتاب المبين: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} (النساء:59). وعليه، فإنه يجب على المسلمين اللّقاء في حوارات ثقافية لدراسة خطوط الاتفاق والخلاف في هذا المجال. والجدير بالذكر، أن هناك ما يقارب الثمانين في المائة بما يتفق عليه السنة والشيعة في الفقه الإسلامي، سواء في العبادات أو المعاملات.
أما المسألة الكلامية، فهناك مشكلة الخلافة والإمامة، وما عدا ذلك، هناك التقاء في قاعدتي التوحيد والنبوة، والكثير من أصول العقيدة في الكتاب والسنة. ونحن نعلم أن قضية الخلافة والإمامة دخلت في الجانب الشعوري للإنسان، ولم تقتصر على الجانب الفكري العقيدي، على أن ما أدّى إلى إثارة الحساسيات هو أسلوب إدارتنا لقضايانا الفكرية والاعتقادية، ولكننا نستطيع أن نلتقي ـ مع اختلافنا ـ حول الخلافة والإمامة، نلتقي على ما جاء عن الأئمة(ع) وعن الفريق الآخر، أي فريق الخلافة.
إذاً، هناك قواسم مشتركة بين مدرسة الخلافة ومدرسة الإمامة، ولعلّنا عندما ندرس مرحلة الخلافة الراشدة، نجد أن الإمام علي(ع)، الذي هو صاحب الحق من وجهة نظر مدرسة الإمامة، نجد أنه قاد حركة الوحدة الإسلامية، فكان يتعاون مع الخلفاء الذين تقدموه، والذين أبعدوه عن موقعه، وكان يعطيهم الرأي والنصيحة والمشورة والفكرة، وكان يقول: "لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة".
لذا، فإن الإمام علي(ع) هو رائد النهضة الإسلامية، إلى درجة أنه كان يرفض الكلمات السلبية التي تصدر من أصحابه ضد الفريق الآخر، وهذا ما جاء في كلمته عندما سمع قوماً من أهل العراق يسبون أهل الشام، وكان في طريقه لقتالهم، فقال لهم: "إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، لكان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللّهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به". لذا، فإنه لم يكتف بالنهي عن السب، بل وضع لهم المنهج التربوي لمعالجة الاختلاف.
هناك ما يقارب الثمانين في المائة بما يتفق عليه السنة والشيعة في الفقه الإسلامي، سواء في العبادات أو المعاملات
هم الإرهابيـون
س: كثرت الاتهامات الموجّهة للمسلمين من قِبَل الإعلام الغربي الذي يصفهم بالإرهاب، فما مصداقية هذه الاتهامات؟ وكيف يمكن التصدي وتحسين صورة المسلمين؟
ج: رداً على هذه الاتهامات، نحن نصف الغربيين بالإرهابيين على حسب منطقهم، حيث إننا نتساءل عن الأساس الذي يصفون فيه المسلمون بالإرهابيين، خاصة أنهم اعتمدوا على عدد من المسلمين الذين قاموا بأعمال العنف الدامي الذي تمّ وصفه بالإرهاب، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما هي نسبة هؤلاء المسلمين الذين يقومون بهذه الأعمال، سواء بالنسبة للأعمال الوحشية في الجزائر، أو أعمال العنف في أمريكا ومدريد ولندن وشرم الشيخ والدار البيضاء والسعودية والعراق؟! فهؤلاء لا يصل عددهم إلى المليون، مع أن عدد المسلمين أكثر من مليار، فكيف يمكن الحكم على مليار شخص عن طريق هؤلاء المليون فقط؟! إذاً أين العدالة، سواء على المستوى القضائي أو السياسي، مع أنّ أغلبية علماء المسلمين والمجموعات الإسلامية يستنكرون ويرفضون هذه الأعمال، لأن هؤلاء لم يكتفوا بممارسة العنف الدامي مع غير المسلمين، بل إنهم قاموا بقتل المسلمين، حتى في مساجدهم، لمجرّد أنهم يختلفون معهم الرأي.
لذا نقول: كيف يمكن اتهام المسلمين والإسلام بالإرهاب، وإن كان هناك من يقول إن هذه الفئة تعتمد على نصوص إسلامية في ما تقوم به، فكذلك هناك الكثير من الغربيين وغيرهم يقومون بتفسير الكثير من المبادئ بطريقة تشرِّع العنف، فماذا عن الماركسية، وهي فكرة غربية؟! وماذا عما تقوم به الدول الكبرى في حروبها؟! ماذا عن قنبلتي هيروشيما وناكازاكي اللتين حصدتا أكثر من مائتي ألف من اليابانيين؟! إن الفهم السيئ لبعض النصوص الدينية، كالفهم السيئ لبعض المبادئ السياسية أو الأمنية أو العسكرية. أما إذا تحدّثنا عن العنف في الغرب، فهناك عنف الألوية الحمراء، وعنف الجيش الإيرلندي، وعنف المافيا، وعنف الاغتصاب الذي وصل إلى رقمٍ قياسي في أمريكا وغيرها، وكذلك عنف الطلبة الذين يقتلون زملاءهم وأساتذتهم، وعنف الأمريكيين الذين ينفتحون على بعض الخطوط الدينية المتخلّفة، كما حدث في أوكلاهوما، وعنف الجريمة بشكل عام.
وعندما ندرس الجريمة في العالم بشكل عام، على المستوى الفردي والجماعي، في حروب الغرب ضد الشعوب الأخرى، هل يمكن القول إن جميع الغربيين إرهابيّون، على أساس المنطق الذي يهاجمون به المسلمين؟ إنّ العدالة تقتضي الحكم على المجرم بجريمته دون التجاوز إلى غيره. لذا علينا أن نؤكد أنّ الدين الإسلامي هو دين العدالة، لأنّ القانون الإسلامي يقول بقتل القاتل فقط، ولا يجوِّز تجاوز الحدّ في القصاص، ومعاقبة أقربائه، كما جاء في القرآن الكريم: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} (الأنعام:164).
ولدينا مثل رائع في هذا المجال، في حكم الإمام علي(ع) في قضية الاعتداء الآثم عليه الذي تمّ من قِبَل عبد الرحمن بن ملجم، عندما جمع عائلته من الأقربين وقال لهم: "يا بني عبد المطلب، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلنّ بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربةً بضربة، ولا يمثّل بالرجل، فإني سمعت رسول الله(ص) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور".
فالإمام علي(ع) وهو الخليفة، يرفض أن يؤخذ أي شخص آخر بجريمة القاتل، ويرفض أن يمثَّل به، ولكنّنا نرى في الأسلوب الأمريكي في معالجة الجريمة، أنهم يعاقبون كل من يتصل بالمجرم، تحت تأثير مبررات وعناوين أخرى. ولكنّ الإسلام يمنع الإنسان المسلم من تجاوز المجرم إلى غيره في مثل هذه المجالات، ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل} (الإسراء:33)، أي لا يقتل غير القاتل في هذا المجال. لذا، نحن نقول إن الغرب إن كان يستعمل هذا المنطق في رمي الإسلام بالإرهاب، والمسلمين بالإرهابيين، فيمكننا استخدام هذا المنطق معه أيضاً، مع أننا لا نستخدمه.
العدالة تقتضي الحكم على المجرم بجريمته دون التجاوز إلى غيره
فضل الله لـ"الوطن": المرجعية لدى الشيعة أقرب إلى الانتخاب الطبيعي
واختلاف الفتاوى يرجع إلى قوة الاستنباط وتنوّع الثقافة
الثقة والثقافة الفقهية
س: ما هي الشروط الواجب توافرها في المرجع الديني؟
ج: تنطلق المرجعية من فكرة رجوع من لا خبرة له إلى أهل الخبرة، وذلك مصداقاً للآية الكريمة: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (النحل:43)، فكل من يملك ثقافة دينية في ما يحتاج الناس إليه، فإنه يرجع إلى المرجعيات التي تملك ثقافة ما يحتاج إليه في الجانب الفقهي الشرعي. فالمرجعية هي حالة ثقافية تتعلّق بالثقافة الفقهية عندما تصل إلى المستوى الذي يمكِّن المجتهد من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، ومن الطبيعي، أنه لا بد للمرجع من أن يكون عادلاً مستقيماً في دينه، وأن تكون له الكفاءة العلمية والاستقامة الدينية. ويعتبر الفقهاء هذين الشرطين هما الأساس، ولكننا نعتقد أن المرجعية تطورت بتطور العصر، لذا أصبح على المرجع أن يملك ثقافة الواقع، وأن يأخذ قسطاً من الثقافة العامة التي تجعله يسد حاجة الأجيال في الإجابة عن أكثر من علامة استفهام. من هنا نقول إن المرجعية التقليدية لا تكفي.
مسميات ومصطلحات
س: متى يصل رجل الدين إلى المرجعية؟ وهل هناك لجنة أو حوزة توافق على هذه المرجعية؟ وما هي أصل مسميات آية الله، وآية الله العظمى؟
ج: المرجعية لدى الشيعة تمثل وضعاً أقرب إلى الانتخاب الطبيعي، فالمرجع يبدأ دراسته داخل الحوزة، ويحصل على الثقة من خلال ثقافته الفقهية، بحيث ينطلق الطلاب إليه ويدرسون عنده، وهنا تنمو الثقة به من خلال الحوزة، وقد تتوفر لديه ظروف خارجية غير المسألة الثقافية لتجعل هذا الإنسان مرجعاً في الأحكام الشرعية من خلال طبيعة البلاد التي ينتمي إليها، والشخصيات التي تثق به، أو من خلال وضعه العام في الحوزة.
أما المسميات، فهذه مصطلحات تم التعارف عليها في الحوزات العلمية، فكلمة آية الله، تعطى للمجتهد في الأمور الفقهية، والذي لم يحصل على المرجعية الفعلية، وآية الله العظمى، تعطى للمجتهد الذي وصل إلى درجة المرجعية الفعلية، بحيث يرجع الناس إليه في الواقع.
الاختلاف في الاستنباط
س: انتشرت كتب الرسائل العلمية للمراجع، ومع أن الكتاب واحد، والسنة النبوية واحدة، ومع ذلك، فإن هناك اختلافاً في بعض الفتاوى. ما سبب ذلك؟
ج: مسألة الاختلاف تدخل في دائرة الاجتهاد، حيث إن الكتاب والسنة ينطلقان من خلال نصوص قد يفهمها شخص من طريق، ويفهمها آخر من طريق أخرى. والمعروف أن النص وإن كان واحداً، ولكن استنباطه في مضمونه الثقافي قد يختلف بين شخص وآخر، من خلال تنوع الثقافة عنده. لذا قد نلتقي في فهم نصوص معينة، وقد نختلف في فهم نصوص أخرى، وقد نتّفق على مسائل فقهية لم يأت بنص بشأنها.
كما أن حركة الاجتهاد تتنوع، فتختلف الفتاوى على هذا الأساس، وهذا ليس مختصاً بمذهب معين، حيث إننا نعرف جلياً أن مذهب السنة يتنوع في عدة مذاهب، وهكذا بالنسبة للشيعة في تنوّع الاجتهاد والمجتهدين.
إن النص وإن كان واحداً، فإن استنباطه في مضمونه الثقافي قد يختلف بين شخص وآخر من خلال تنوع الثقافة عنده.
اللغة هي الأساس
س: كيف تفهم المرجعية في عملية تأويل القرآن والأحاديث حول أصول الدين والصلاة والزكاة والخمس وغيرها؟
ج: من الطبيعي جداً أن قضية الاجتهاد تنطلق، كما ذكرنا، من اختلاف في فهم النص، وفهم القاعدة، ومن ربط الاجتهاد في هذا المجال بكل القضايا. أما بخصوص ما يسمى بالتأويل، فإنه يخضع لقواعد اللغة العربية في فهم النص الذي لا بد من أن يرتكز على وجود بعض المعطيات في الكلام، تكون قرينة على إرادة خلاف الظاهر هنا وهناك.
لا تنافس بين المراجع
س: كثرة عدد مراجع الدين العظام، أدت إلى كثرة الفتاوى الصادرة عنهم، الأمر الذي أدى إلى وجود بعض الاختلافات الخاصة في الفروع، فهل التنافس في إصدار الفتاوى دليل على أهلية المراجع الدينية؟
ج: لا يمكن أن نسمّي ذلك تنافساً، لأن التنافس يكون في أنّ شخصاً يحاول أن يتغلّب على شخص آخر، والقضية ليست كذلك، بل إن كل مرجع يجتهد بحسب ما يدعو إليه اجتهاده وفهمه للنص، بقطع النظر عن وجود شخص آخر أو عدمه، وعندما يوجد أكثر من شخص، فإن اجتهاد واحد لا يرتبط باجتهاد الآخر سلباً أو إيجاباً. لذلك، فإن القضية لا تعتبر تنافساً في هذا المجال، لأن اختلاف الفتاوى إنما ينطلق من اختلاف الاجتهاد، كما هو الحال في اختلاف الفتاوى السياسية أو التربوية أو غيرها، من خلال اختلاف وجهات النظر.
لا تنافس بين المراجع ، فاختلاف الفتاوى إنما ينطلق من اختلاف الاجتهاد
الحوزات للتعليم
س: لماذا لا تقوم الحوزات العلمية بالتعاون مع بعضها البعض، بإصدار الفتاوى المطابقة للكتاب والسنة النبوية؟
ج: تمثّل الحوزات العلمية جامعة على الطريقة القديمة، فالذين ينتمون إلى الحوزات العلمية، هم الذين يقصدونها من أجل التعلّم على أيدي أساتذة مؤهلين للتدريس في هذا المجال. لذا، فإن قضية الفتاوى في الحوزات تتمثل في الشخصيات التي تصل إلى درجة الاجتهاد وإلى موقع الفتوى، حيث يطلق كل منهم فتواه حسب موقعه العلمي والاجتهادي، ليقرأها الناس ويتبعوها إن رأوا فيه كفاءة لأن يكون مرجعاً للتقليد.
الديـن عـدالة
س: شارك العديد من مراجع الدين في الآونة الأخيرة في القضايا السياسية، وإصدار الفتاوى والأحكام والتوجيهات، فما سبب انخراطهم في هذا المجال؟ وهل يتوجب عليهم إيجاد علاقة مع الحكام والأحزاب السياسية وحركة العولمة؟
ج: عندما ندرس المقولة التي تتحدث عن أنه لا علاقة للدين بالسياسة، ولا دخل لرجال الدين في السياسة، نجد أنه مفهوم خاطئ جاءنا من خلال التجربة الدينية في الغرب، حيث إن رجال الدين هناك، كانوا يطلقون التحريم في بعض النظريات العلمية، وعليه، حدثت مشكلة بين الموقع الديني والمواقع العلمانية، ثم انتهت المعركة بإبعاد رجال الدين عن السياسة.
أما في الإسلام، فنقرأ في قوله تعالى في سورة الحديد: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} (الحديد:25)، حيث تدل هذه الآية على أن قاعدة الدين هي العدالة، فالهدف الأساسي لكل الديانات، هو أن يقوم الناس بالقسط، أي بممارسة العدالة في كل علاقاتهم الخاصة والعامة، سواء على مستوى الواقع الحقوقي أو على مستوى السياسي أو الاجتماعي أو الأمني.
لذلك نقول، إن مسألة الدين مسألة عدالة، فالعدالة تمثل عدالة الحاكم والحكم والقانون والناس بعضهم مع بعض، وعدالة الناس مع الدولة وعليه، فلا عدالة من دون سياسة ونحن، عندما نتحدث عن السياسة، لا نتحدث عن اللعبة السياسية، ولكننا نتحدث عن الرسالة السياسية التي تدير أمور الناس، وتعمل على تطوير أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسة وغيرها. ولهذا، فإن لرجل الدين الحق في القيام بدوره في رعاية الناس في كل قضاياهم. وهنا نستشهد بالنبي الأكرم(ص)، الذي كان يدير المسألة السياسية إلى جانب المسألة الثقافية البشرية، وهكذا بالنسبة للخلفاء على تنوعاتهم، ولا سيما الخلفاء الراشدين، وفي مقدمتهم الإمام علي(ع)، فإنه كان يدير المسألة السياسية كما يدير المسألة الثقافية والأمنية. فلم يكن هناك في بدايات الإسلام فريق سياسي وفريق ديني، بل كانت المسألة تتحرك من خلال السلطة الدينية، التي كانت لا تتحرك سياسياً بشكل استبدادي، بل كانت تستشير الناس، حتى إن الله تعالى أمر الرسول(ص) باستشارة أهل الخبرة: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله} (آل عمران:159)، واعتبر الشورى محوراً لمختلف أوجه الحياة الإسلامية: {وأمرهم شورى بينهم} (الشورى:38).
مقولة "لا علاقة للدين بالسياسة ، ولا دخل لرجال الدين في السياسة" خاطئة فقد كانت السياسة، في بدايات الإسلام، تتحرك من خلال السلطة الدينية، التي كانت لا تتحرك سياسياً بشكل استبدادي
اتصالات مع الجميع
س: هل لدى مراجع الشيعة اتصالات مع علماء السنة؟ وما هي نوعية هذه الاتصالات؟
ج: قد يكون لدى بعض المراجع اتصالات، ولكن هذا النوع من الانفصال الذي حصل بين الطائفة الشيعية والطائفة السنية، أوجد نوعاً من أنواع البعد في عالم التواصل العلمي أو الواقعي أو الفكري، ولكن التطورات الأخيرة، أوجدت نوعاً من أنواع التواصل، وأنا أملك الكثير من الاتصالات مع علماء الدين في لبنان وخارج لبنان، ولنا تعاون مع الشيخ يوسف القرضاوي واتحاد علماء المسلمين، كما أنّ المؤتمرات الإسلامية خلقت نوعاً من التلاقي بين علماء السنة وعلماء الشيعة، حتى على مستوى الأبحاث الفقهية.
الطائفية لا تخدم المذاهب
س: لا تزال كلمة الطائفية تتناقل بين المذاهب الإسلامية، مع وجود مبادرة من الدول الإسلامية للمشاركة في لجنة التقريب بين المذاهب. هل تعتقد أن هذه اللجنة استطاعت وضع خطة لتحقيق الهدف في عدم الخوض في الطائفية؟
ج: إن الطائفية تساهم في تعميق الهوة بين المذاهب، لأنها ليست عنواناً دينياً، بل هي عنوان قبلي عشائري يحصل في الواقع البشري بعيداً عن الجانب الفكري. لذا، فإن الطائفية تتغذى من العصبية القبلية والعشائرية في هذا المجال. أما في ما يتعلق بمجامع التقريب بين المذاهب الإسلامية، فإنها بقيت محصورة في دائرة العلماء والفقهاء، ولم تنـزل إلى الشارع. لذا، فإننا دعونا، وما زلنا ندعو، إلى أن تتحرك قرارات مجامع التقريب بين المذاهب الإسلامية في دائرة الأمة، لتفهم الأمة، أن ما يخيل إليها من هذا الفصل العميق بين المذهبين، ليس واقعياً، وأن المذاهب يلتقي بعضها مع بعض على أكثر من 80% في المسائل الفقهية والكلامية، ما عدا المفردات الحساسة هنا وهناك في قضية الخلافة والإمامة وغيرها.
ولكن المشكلة أن هذه المعلومات تبقى في دائرة النخبة، وربما نجد أن بعض هذه النخب التي تحضر ندوات التقريب، لا تتفاعل مع التقريب، لأن لديها عقدة إزاء أي رأي آخر أو مذهب مخالف، فهؤلاء لا يحاولون نشر هذه الثقافة التقريبية أو الوحدوية في هذا المجال. وعليه، فهناك العديد من علماء السنة والشيعة الذين يحاولون إثارة القضايا التي تفرق ولا تجمع.
ندعو إلى أن تتحرك قرارات مجامع التقريب بين المذاهب الإسلامية في دائرة الأمة، لا أن تظل محصورة في دائرة العلماء والفقهاء
ولاية الفقيه وشورى الفقهاء
س: يقال إن نظرية ولاية الفقيه، هي من الأساسيات والمبادىء التي يجب على الشيعة الإيمان بها، وهناك من يقول إنها مجال لدخول الحكم الديكتاتوري من الناحية العملية عكس شورى الفقهاء، فما رأي سماحتكم في ذلك؟
ج: من الواضح أن القول بنظرية ولاية الفقيه، وأنها من المبادىء الأساسية التي يتعين على الشيعة العمل بها، هو قول غير علمي، لأن ولاية الفقيه مجرد نظرية فقهية في باب الولايات، فعندما يكون هناك حديث عن ولاية الأب والجد على الأبناء، يعممون ذلك للحديث عن ولاية الفقيه على الأمة. وهناك رأيان حول هذا الموضوع: الأول في الولاية الخاصة الذي يفضله أكثر علماء الشيعة، وآخرهم المرجع الديني الكبير المرحوم السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله، الذي يرى أن لا ولاية للفقيه في الأمور العامة، بل إن الفقيه يملك الولاية على القاصرين والأوقاف التي لا ولي لها، وعلى أموال الغائبين وغيرها، أما الشؤون العامة، فلا يملكها الفقيه، أما الرأي الثاني الذي ترجع إليه فئة قليلة من علماء الشيعة، فهو الذي يقول بالولاية العامة، أي أن للفقيه الولاية العامة على كافة شؤون المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
فالمسألة محل خلاف فقهي بين تيارين، ولكن الذين يذهبون إلى ولاية الفقيه العامة، لا يرون للفقيه الولاية بطريقة الحكم الذاتي، بل إنه يجب أن يكون له الخبرة في شؤون ولايته، وأن يرجع إلى أهل الخبرة، بحيث يكون لديه مستشارون في مختلف المجالات، يشيرون عليه في كل ما لا يملك الخبرة فيه، ويرون أنه إذا انحرف عن الخط الإسلامي والعدالة، وأصبح يحكم بمزاجه الذاتي أو بمحاباة هذا وذاك، فإن ولايته تسقط تلقائياً، لأن من شروط الولاية العدالة، ولا يمكن الإخلال بهذا الشرط. لذا، فإن المسألة تخضع للجانب التطبيقي، حيث إن كثيراً من المبادئ العامة الكبرى التي تمثل خط العدالة، يحولها التطبيق السيئ إلى حالة من الذاتية والفردية.
ولا يمكن القول إن هناك تطبيق مبدأ شورى الفقهاء، بل هناك شورى أهل الخبرة، لأن الفقهاء لا دور لهم في الجوانب الاقتصادية والأمنية. وعليه، يجب الرجوع إلى ذوي الاختصاص كلٌ في مجال عمله.
حدود ولاية الفقيه محل خلاف فقهي، ولكن الذين يذهبون إلى ولاية الفقيه العامة، لا يرون للفقيه الولاية بطريقة الحكم الذاتي
التمسك بالكتاب والسنّة
س: هناك محاولات من قِبَل بعض المنظمات الدولية لإضعاف الأمة الإسلامية، عن طريق إيجاد شرخ بين الطوائف الإسلامية، فما السبيل إلى توحيد الصف الإسلامي؟
ج: الوحدة الإسلامية هي من المسائل التي تمثّل عمق الحركة لقوة الإسلام، لأن المسألة الإسلامية تتحرك في خطين: الأول، وهو الخط الثقافي الذي يتحرك في علم الكلام في ما يختلف فيه المسلمون من القضايا الكلامية، أو في ما يتحرك فيه علم الفقه، والثاني، الخط السياسي، الذي يمثل حركة المسلمين في مصيرهم. أمّا المسألة الثقافية، فتنطلق من الكتاب والسنة، حيث أمرنا الله سبحانه وتعالى بالرجوع إلى الكتاب والسنّة في حالة الخلاف والنـزاع في المسألة الثقافية، كما جاء في الكتاب المبين: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول} (النساء:59). وعليه، فإنه يجب على المسلمين اللّقاء في حوارات ثقافية لدراسة خطوط الاتفاق والخلاف في هذا المجال. والجدير بالذكر، أن هناك ما يقارب الثمانين في المائة بما يتفق عليه السنة والشيعة في الفقه الإسلامي، سواء في العبادات أو المعاملات.
أما المسألة الكلامية، فهناك مشكلة الخلافة والإمامة، وما عدا ذلك، هناك التقاء في قاعدتي التوحيد والنبوة، والكثير من أصول العقيدة في الكتاب والسنة. ونحن نعلم أن قضية الخلافة والإمامة دخلت في الجانب الشعوري للإنسان، ولم تقتصر على الجانب الفكري العقيدي، على أن ما أدّى إلى إثارة الحساسيات هو أسلوب إدارتنا لقضايانا الفكرية والاعتقادية، ولكننا نستطيع أن نلتقي ـ مع اختلافنا ـ حول الخلافة والإمامة، نلتقي على ما جاء عن الأئمة(ع) وعن الفريق الآخر، أي فريق الخلافة.
إذاً، هناك قواسم مشتركة بين مدرسة الخلافة ومدرسة الإمامة، ولعلّنا عندما ندرس مرحلة الخلافة الراشدة، نجد أن الإمام علي(ع)، الذي هو صاحب الحق من وجهة نظر مدرسة الإمامة، نجد أنه قاد حركة الوحدة الإسلامية، فكان يتعاون مع الخلفاء الذين تقدموه، والذين أبعدوه عن موقعه، وكان يعطيهم الرأي والنصيحة والمشورة والفكرة، وكان يقول: "لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة".
لذا، فإن الإمام علي(ع) هو رائد النهضة الإسلامية، إلى درجة أنه كان يرفض الكلمات السلبية التي تصدر من أصحابه ضد الفريق الآخر، وهذا ما جاء في كلمته عندما سمع قوماً من أهل العراق يسبون أهل الشام، وكان في طريقه لقتالهم، فقال لهم: "إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، لكان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللّهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به". لذا، فإنه لم يكتف بالنهي عن السب، بل وضع لهم المنهج التربوي لمعالجة الاختلاف.
هناك ما يقارب الثمانين في المائة بما يتفق عليه السنة والشيعة في الفقه الإسلامي، سواء في العبادات أو المعاملات
هم الإرهابيـون
س: كثرت الاتهامات الموجّهة للمسلمين من قِبَل الإعلام الغربي الذي يصفهم بالإرهاب، فما مصداقية هذه الاتهامات؟ وكيف يمكن التصدي وتحسين صورة المسلمين؟
ج: رداً على هذه الاتهامات، نحن نصف الغربيين بالإرهابيين على حسب منطقهم، حيث إننا نتساءل عن الأساس الذي يصفون فيه المسلمون بالإرهابيين، خاصة أنهم اعتمدوا على عدد من المسلمين الذين قاموا بأعمال العنف الدامي الذي تمّ وصفه بالإرهاب، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما هي نسبة هؤلاء المسلمين الذين يقومون بهذه الأعمال، سواء بالنسبة للأعمال الوحشية في الجزائر، أو أعمال العنف في أمريكا ومدريد ولندن وشرم الشيخ والدار البيضاء والسعودية والعراق؟! فهؤلاء لا يصل عددهم إلى المليون، مع أن عدد المسلمين أكثر من مليار، فكيف يمكن الحكم على مليار شخص عن طريق هؤلاء المليون فقط؟! إذاً أين العدالة، سواء على المستوى القضائي أو السياسي، مع أنّ أغلبية علماء المسلمين والمجموعات الإسلامية يستنكرون ويرفضون هذه الأعمال، لأن هؤلاء لم يكتفوا بممارسة العنف الدامي مع غير المسلمين، بل إنهم قاموا بقتل المسلمين، حتى في مساجدهم، لمجرّد أنهم يختلفون معهم الرأي.
لذا نقول: كيف يمكن اتهام المسلمين والإسلام بالإرهاب، وإن كان هناك من يقول إن هذه الفئة تعتمد على نصوص إسلامية في ما تقوم به، فكذلك هناك الكثير من الغربيين وغيرهم يقومون بتفسير الكثير من المبادئ بطريقة تشرِّع العنف، فماذا عن الماركسية، وهي فكرة غربية؟! وماذا عما تقوم به الدول الكبرى في حروبها؟! ماذا عن قنبلتي هيروشيما وناكازاكي اللتين حصدتا أكثر من مائتي ألف من اليابانيين؟! إن الفهم السيئ لبعض النصوص الدينية، كالفهم السيئ لبعض المبادئ السياسية أو الأمنية أو العسكرية. أما إذا تحدّثنا عن العنف في الغرب، فهناك عنف الألوية الحمراء، وعنف الجيش الإيرلندي، وعنف المافيا، وعنف الاغتصاب الذي وصل إلى رقمٍ قياسي في أمريكا وغيرها، وكذلك عنف الطلبة الذين يقتلون زملاءهم وأساتذتهم، وعنف الأمريكيين الذين ينفتحون على بعض الخطوط الدينية المتخلّفة، كما حدث في أوكلاهوما، وعنف الجريمة بشكل عام.
وعندما ندرس الجريمة في العالم بشكل عام، على المستوى الفردي والجماعي، في حروب الغرب ضد الشعوب الأخرى، هل يمكن القول إن جميع الغربيين إرهابيّون، على أساس المنطق الذي يهاجمون به المسلمين؟ إنّ العدالة تقتضي الحكم على المجرم بجريمته دون التجاوز إلى غيره. لذا علينا أن نؤكد أنّ الدين الإسلامي هو دين العدالة، لأنّ القانون الإسلامي يقول بقتل القاتل فقط، ولا يجوِّز تجاوز الحدّ في القصاص، ومعاقبة أقربائه، كما جاء في القرآن الكريم: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} (الأنعام:164).
ولدينا مثل رائع في هذا المجال، في حكم الإمام علي(ع) في قضية الاعتداء الآثم عليه الذي تمّ من قِبَل عبد الرحمن بن ملجم، عندما جمع عائلته من الأقربين وقال لهم: "يا بني عبد المطلب، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلنّ بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربةً بضربة، ولا يمثّل بالرجل، فإني سمعت رسول الله(ص) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور".
فالإمام علي(ع) وهو الخليفة، يرفض أن يؤخذ أي شخص آخر بجريمة القاتل، ويرفض أن يمثَّل به، ولكنّنا نرى في الأسلوب الأمريكي في معالجة الجريمة، أنهم يعاقبون كل من يتصل بالمجرم، تحت تأثير مبررات وعناوين أخرى. ولكنّ الإسلام يمنع الإنسان المسلم من تجاوز المجرم إلى غيره في مثل هذه المجالات، ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل} (الإسراء:33)، أي لا يقتل غير القاتل في هذا المجال. لذا، نحن نقول إن الغرب إن كان يستعمل هذا المنطق في رمي الإسلام بالإرهاب، والمسلمين بالإرهابيين، فيمكننا استخدام هذا المنطق معه أيضاً، مع أننا لا نستخدمه.
العدالة تقتضي الحكم على المجرم بجريمته دون التجاوز إلى غيره