زهير
10-10-2005, 08:15 AM
ناصر شرارة
مجلة الشراع - لبنان
http://www.alshiraa.com/alshiraa/Pictures/ghilaf3.jpg
ميليس يرى ويسمع كل شىء
توضع بتصرف رئيس لجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري القاضي الألماني ديتليف ميليس إمكانات تقنية وتكنولوجية عالية المستوى. واستخدم ميليس هذه الإمكانات من أجل كشف ملابسات عملية الاغتيال.. ما هي هذه الإمكانات التقنية، وما هي حدود الخدمات التي قدمتها للتحقيق، وكيف يستخدمها ميليس بالتزامن مع التحقيق البشري الذي يقوم به.
((الشراع)) تسلط الضوء على الجانب التقني الذي استخدمه ميليس في تحقيقاته، مع رسم صورة للخدمات التي قدمتها للتحقيق:
يستخدم ميليس إمكانات تقنية عالية تقدمها له دول كبرى من أجل إنجاح مهمته بكشف ملابسات جريمة العصر، المكلف بها من قبل الأمم المتحدة بقرار صادر عنها يحمل الرقم 1595. وهذه التقنيات، تتوزع على الجوانب التالية:
أولاً، عملية التنصت على المكالمات الهاتفية، وهي تقسم إلى شقين:
الشق الأول يعتمد على ما لدى الدولة اللبنانية من إمكانات تقنية للتنصت، والشق الثاني يعتمد على عمليات تنصت تقوم بها دول أخرى بما تملكه من وسائل تنصت في المنطقة.
بالنسبة للشق الأول فإن هناك معلومات تؤكد ان لدى الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية إمكانات تقنية للتنصت على عدة مئات من الخطوط الهاتفية وذلك في وقت واحد. وهذه الإمكانات أعطيت لها من قبل فرنسا في وقت سابق وغير بعيد، وتشتمل هذه الإمكانات التقنية على آلات متقدمة تقنياً يتم بواسطتها برمجة الأرقام المراد مراقبتها أو يتم تسجيل مضمون مكالماتها على قرص (D.V.D). وتستطيع كل من الآلات المتواجدة لدى الدولة اللبنانية رصد ومراقبة 50 خطاً في وقت واحد، ما يعني ان هناك إمكانية محدودة لدى الدولة اللبنانية من حيث عدد الخطوط التي بالإمكان مراقبتها في وقت واحد، وقدرة محدودة أيضاً من حيث الجهاز البشري الذي يتوجب عليه القيام بعمليات فرز مضمون المكالمات وتدوينها، علماً انه من ضمن الإمكانات التقنية المتقدمة الموجودة في العالم، يوجد وسائل لـ((اتمتة)) (عملية جعل المراقبة اوتوماتيكية) المراقبة، من خلال استعمال برنامج حاسوب مهمته ((الاستماع)) إلى المكالمات التي يرد بها بعض العبارات المدرجة فيه ويقوم البرنامج بالتعرف عليها: مثلاً عبارة عبوة أو اغتيال أو ابن لادن، الخ.. ويوجد لدى الدولة هذا النوع من البرامج، ولكن تظل المشكلة تكمن في ان الإمكانات التقنية المتوافرة محدودة، وهي تغطي بضع مئات من الخطوط الهاتفية فقط.
أما بالنسبة لموضوع مراقبة الهاتف الخلوي، فإن عملية مراقبته مماثلة تماماً لعملية مراقبة الهاتف العادي، سواء لجهة الدخول إلى سنترالات شركتي الخلوي أو عبر الدخول مباشرة على المكالمات الخلوية الجارية في لبنان.
ان نظام G.M.S المستخدم في لبنان لديه ستة مستويات من التشفير، أي ستة مستويات من تشفير مضمون المكالمات الجارية بين الجهاز المحمول ومركز الخلية الخلوية. وكلما ارتفع مستوى التشفير درجة، كلما صعبت عملية التنصت. ويستخدم لبنان مستوى تشفير (صفر G.M.S)، أي من دون تشفير، وهذا يعني ان جميع المكالمات الهاتفية الخلوية التي تجري في لبنان، مفتوحة أمام أية عملية تنصت. وتجدر الإشارة هنا انه في أوروبا يتم استخدام نظام (G.S.M.S) أي التشفير الأقصى، مما يجعل عملية التنصت أكثر صعوبة.
وخلال بدايات استخدام الهاتف الخلوي في لبنان وفق نظام (G.M.S) حدث سجال بين الدولة اللبنانية وشركتي الخلوي، بسبب مطالبة الأجهزة الأمنية اللبنانية هاتين الشركتين بعدم رفع مستوى تشفير (G.M.S) إلى أكثر من مستوى صفر (أي بدون تشفير)، وذلك لضمان إعطاء هذه الأجهزة إمكانية التنصت على المكالمات الهاتفية الخلوية في لبنان دون المرور على سنترالات شركتي الخلوي. وفي بداية الأمر، رفضت الشركتان طلب الدولة هذا، ولكنها في النهاية رضخت لهذا الطلب، حيث أصبح بإمكان الدولة التنصت على الخلوي في لبنان بواسطة أجهزة غير معقدة موجودة لديها، وتتناسب مع مستوى تشفير صفر.
والخلاصة هنا ان بنية الاتصالات في لبنان مكشوفة بالكامل أمام التنصت عليها، ولكن المطلوب لهذه الغاية قدرة أكبر على التنصت، وهذا أمر غير موجود لدى الدولة ولكن ميليس وفره لنفسه عبر الإمكانات التقنية التي جلبها من الخارج أو استعان بها من الخارج. وهنا تبدأ قصة الشق الثاني من التنصت الموجود حالياً في لبنان.
ويكشف أخصائيون في هذا المجال، ان هناك حالياً برنامج تنصت تابع لوكالة الأمن القومي الأميركي (N.S.A) يدعى (ايشلون) الهدف منه التنصت على كافة الاتصالات على مستوى الكوكب. ويمتلك هذا البرنامج بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات البريطانية، أحدث التقنيات في مجال التنصت على الاتصالات الهاتفية والفاكس والـ(E mail) والانترنت. ومركز تشغيل هذا البرنامج موجود في بريطانيا وهو موصول بمركز قيادة وتحكم في واشنطن وله امتداداته وفروعه في القاعدة البريطانية في (Famagousta) في قبرص.
وحصل ميليس من الأميركيين والبريطانيين على معلومات خاصة بعملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من خلال برنامج ايشلون المذكور آنفاً. علماً انه باستطاعة هذا المركز التنصت على كافة المكالمات السلكية واللاسلكية والهاتفية والفاكس والانترنت والـ(e mail) وتخزينها وفرزها وتدوينها بأحدث التقنيات المتوافرة حتى هذا اليوم.
وجدير بالذكر ان لبرنامج ايشلون القدرة على تسجيل كافة المعلومات الصوتية والرقمية التي جرى تبادلها في كل منطقة الشرق الأوسط، مع تحديد مصدر هذه المكالمات والجهة التي تلقتها. ويسمح البرنامج بتخزين هذه المعلومات لسنوات عديدة، ما أمكن استحضار المكالمات التي جرت في لبنان في الفترة اللازمة التي سبقت التحقيق، وسمحت بتوجيهه مؤخراً نحو التدقيق في الاتصالات الخلوية للفترة نفسها المتوافرة لدى الشركات اللبنانية ومطابقتها مع المعلومات عن مضمونها وفقاً لتلك الموجودة في برنامج ايشلون للتنصت. ومن خلال هذه العملية، تعرف ميليس على وجود عمليات إخفاء لاتصالات جرت، قام بها موظفون في إحدى الشركتين الخلويتين الموجودتين في لبنان.
ثانياً – الأقمار الصناعية:
.. كما يتضمن برنامج ايشلون مراقبة عبر الأقمار الصناعية لكل منطقة الشرق الأوسط، وذلك على مدار الساعة تقريباً. ومن المؤكد ان ميليس حصل من هذه الأقمار على صور واقعة الجريمة، ذلك ان هذه الأقمار تقوم من جملة ما تقوم به، بمسح فوتوغرافي لبيروت على مدار الساعة. وقد نشرت على الانترنت صورتان مأخوذتان من الأقمار الصناعية لمكان الجريمة، غطتا وقائعها طوال الفترة الزمنية الممتدة قبل عشرين دقيقة وبعد عشرين دقيقة من عملية الاغتيال. والجدير بالذكر ان الصورتين المنشورتين على الانترنت تعرضتا بشكل مقصود إلى تخفيض درجة وضوحهما، وهذا ما يجري بالعادة مع الصور الحساسة المعروضة على الانترنت.
وتجدر الإشارة إلى المميزات التالية التي توفرها صور الأقمار الصناعية:
1- الأقمار الصناعية تستطيع أخذ صورة واحدة على عُشر من الثانية، بمعنى ان هنالك إمكانية لإعادة استحضار الصورة الكاملة لعملية الاغتيال منذ ما قبل حدوثها حتى الانفجار. أي انه باستطاعة هذه الصور بواسطة إعادة تركيبها زمنياً، ان تدل بشكل قاطع على الطريق الذي سلكته شاحنة الميتسوبتشي منذ انطلاقها حتى انفجارها.
2- ان دقة التصوير للأقمار الصناعية التابعة لوكالة الأمن القومي الأميركي العاملة ضمن برنامج ايشلون، عالية جداً، بحيث انها قادرة على تحديد أي شيء يبلغ حجمه متراً واحداً وما فوق. بمعنى آخر، انه باستطاعة هذه الأقمار الصناعية تحديد عدد الأشخاص المتواجدين في منطقة الانفجار قبله وبعده واتجاهات حركتهم. وبالرغم من كون الأقمار الصناعية المستخدمة هي من طراز (k 11) وطرازات أخرى أكثر حداثة، إلا ان تقنياتها لا تستطيع تصوير ملامح الأشخاص، وبالتالي لا تسمح بالتعرف عليهم.
وثمة مشكلة تعترض مدى قدرة ميليس على استخدام هذه المعطيات الهامة للتحقيق التي تزوده بها أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية من خلال عمل برنامج ايشلون، ذلك ان استخدام هذه الوثائق في محاكمة علنية، لبنانية أو دولية، يعرض أسرار قدرات التجسس الحقيقية لدى كل من الأميركيين والبريطانيين للكشف، وهذا أمر تعتبره الدولتان أسرار دولة عليا. وعليه، فإن ما هو مسموح به لميليس للإطلاع، ليس هو ما يستطيع الأخير إبرازه أمام المحكمة كمعطيات من ضمن مضبطة اتهام.
كما ويستفيد ميليس في التحقيقات التي يجريها حالياً، من خدمات برنامج حاسوب متطور جداً يستخدمه جهاز الاستخبارات الألمانية، (B.K.A) وهو يوفر إمكانية إدراج جميع معطيات الجريمة داخل قاعدة بيانات متواصلة وديناميكية، حيث يتم إدخال المعلومات التي جرى الحصول عليها، سواء من خلال الإمكانات التقنية أو عبر الشهود، في هذا البرنامج، ومن ثم يعاد تركيبها بأشكال مختلفة حتى بروز السياق المنطقي الطبيعي الذي يقتنع به المحقق. وقد بدأ جهاز الـ(B.K.A) باستخدام هذه التقنية منذ السبعينيات في صراعه مع ألوية الجيش الأحمر الألماني – أو ما عرف بمنظمة بادر ماينهوف. وقد جرت تعديلات مهمة وكبيرة على هذا البرنامج خلال العقدين المنصرمين.
والواقع ان الميزات التي يمتلكها ميليس من جراء تزويده بثمار التقنيات الآنفة الذكر (من برنامج ايشلون وصولاً إلى خدمات الـB.K.A التقنية)، يمكن تلخيصها بالآتي:
أولاً، يملك ميليس صوراً فوتوغرافية حية ومتحركة عن كيفية حصول عملية الاغتيال منذ وقت مبكر نسبياً لوقوعها ولغاية حدوث الانفجار.
ثانياً، ان هذه الصور الفوتوغرافية عن وقائع حصول الجريمة، لا يمكنها تقديم فرصة للتعرف على أي شيء أو أي تفصيل فيها يقل حجمه عن المتر الواحد. وعليه فإن هذه الصورة لا تستطيع كشف ملامح الجناة.
ثالثاً، يوجد لدى ميليس صورة كاملة عن كافة المكالمات الهاتفية الخلوية والثابتة التي جرت في لبنان ما قبل وبعد الجريمة، بما في ذلك تحديد الجهة الصادرة منها والواردة إليها، مع توقيتات حصولها والمدة التي استغرقتها، وأيضاً تفاصيل مضامينها، الأمر الذي وفره برنامج (ايشلون).
رابعاً، بالرغم من حيازة ميليس على معطيات هامة تتعلق بالجريمة، إن لجهة مضامين وتوقيتات المكالمات السلكية واللاسلكية التي حصلت قبل حدوثها وبعد ذلك، أو لجهة الصور الفوتوغرافية عبر الأقمار الصناعية التي تغطي فترة حصولها، إلا ان جزءاً من هذه المعطيات لا يستطيع ميليس إبرازها أمام المحكمة اللبنانية أو الدولية ضمن مضبطة اتهام بالنظر لكونها تعتبر من الأسرار المحظور كشفها بالنسبة للدولة التي تمتلكها، ما يحتم على ميليس بالتالي مطابقة المعلومات والوثائق التي بحوزته والمأخوذة من برنامج (ايشلون) مع معلومات أخرى من مصادر لبنانية ليس هناك مشكلة في مجال إدراجها ضمن مضبطة اتهام.
وهذا هو الأمر الذي يركز عليه ميليس في التحقيقات التي يجريها في الفترة الأخيرة، وهو الحصول على معطيات من مصادر لبنانية بشرية أو تقنية تطابق الوقائع الدامغة التي حصل عليها من التقنيات الأجنبية المحظور عليه تضمينها جميعها في مضبطة اتهام.
مجلة الشراع - لبنان
http://www.alshiraa.com/alshiraa/Pictures/ghilaf3.jpg
ميليس يرى ويسمع كل شىء
توضع بتصرف رئيس لجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري القاضي الألماني ديتليف ميليس إمكانات تقنية وتكنولوجية عالية المستوى. واستخدم ميليس هذه الإمكانات من أجل كشف ملابسات عملية الاغتيال.. ما هي هذه الإمكانات التقنية، وما هي حدود الخدمات التي قدمتها للتحقيق، وكيف يستخدمها ميليس بالتزامن مع التحقيق البشري الذي يقوم به.
((الشراع)) تسلط الضوء على الجانب التقني الذي استخدمه ميليس في تحقيقاته، مع رسم صورة للخدمات التي قدمتها للتحقيق:
يستخدم ميليس إمكانات تقنية عالية تقدمها له دول كبرى من أجل إنجاح مهمته بكشف ملابسات جريمة العصر، المكلف بها من قبل الأمم المتحدة بقرار صادر عنها يحمل الرقم 1595. وهذه التقنيات، تتوزع على الجوانب التالية:
أولاً، عملية التنصت على المكالمات الهاتفية، وهي تقسم إلى شقين:
الشق الأول يعتمد على ما لدى الدولة اللبنانية من إمكانات تقنية للتنصت، والشق الثاني يعتمد على عمليات تنصت تقوم بها دول أخرى بما تملكه من وسائل تنصت في المنطقة.
بالنسبة للشق الأول فإن هناك معلومات تؤكد ان لدى الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية إمكانات تقنية للتنصت على عدة مئات من الخطوط الهاتفية وذلك في وقت واحد. وهذه الإمكانات أعطيت لها من قبل فرنسا في وقت سابق وغير بعيد، وتشتمل هذه الإمكانات التقنية على آلات متقدمة تقنياً يتم بواسطتها برمجة الأرقام المراد مراقبتها أو يتم تسجيل مضمون مكالماتها على قرص (D.V.D). وتستطيع كل من الآلات المتواجدة لدى الدولة اللبنانية رصد ومراقبة 50 خطاً في وقت واحد، ما يعني ان هناك إمكانية محدودة لدى الدولة اللبنانية من حيث عدد الخطوط التي بالإمكان مراقبتها في وقت واحد، وقدرة محدودة أيضاً من حيث الجهاز البشري الذي يتوجب عليه القيام بعمليات فرز مضمون المكالمات وتدوينها، علماً انه من ضمن الإمكانات التقنية المتقدمة الموجودة في العالم، يوجد وسائل لـ((اتمتة)) (عملية جعل المراقبة اوتوماتيكية) المراقبة، من خلال استعمال برنامج حاسوب مهمته ((الاستماع)) إلى المكالمات التي يرد بها بعض العبارات المدرجة فيه ويقوم البرنامج بالتعرف عليها: مثلاً عبارة عبوة أو اغتيال أو ابن لادن، الخ.. ويوجد لدى الدولة هذا النوع من البرامج، ولكن تظل المشكلة تكمن في ان الإمكانات التقنية المتوافرة محدودة، وهي تغطي بضع مئات من الخطوط الهاتفية فقط.
أما بالنسبة لموضوع مراقبة الهاتف الخلوي، فإن عملية مراقبته مماثلة تماماً لعملية مراقبة الهاتف العادي، سواء لجهة الدخول إلى سنترالات شركتي الخلوي أو عبر الدخول مباشرة على المكالمات الخلوية الجارية في لبنان.
ان نظام G.M.S المستخدم في لبنان لديه ستة مستويات من التشفير، أي ستة مستويات من تشفير مضمون المكالمات الجارية بين الجهاز المحمول ومركز الخلية الخلوية. وكلما ارتفع مستوى التشفير درجة، كلما صعبت عملية التنصت. ويستخدم لبنان مستوى تشفير (صفر G.M.S)، أي من دون تشفير، وهذا يعني ان جميع المكالمات الهاتفية الخلوية التي تجري في لبنان، مفتوحة أمام أية عملية تنصت. وتجدر الإشارة هنا انه في أوروبا يتم استخدام نظام (G.S.M.S) أي التشفير الأقصى، مما يجعل عملية التنصت أكثر صعوبة.
وخلال بدايات استخدام الهاتف الخلوي في لبنان وفق نظام (G.M.S) حدث سجال بين الدولة اللبنانية وشركتي الخلوي، بسبب مطالبة الأجهزة الأمنية اللبنانية هاتين الشركتين بعدم رفع مستوى تشفير (G.M.S) إلى أكثر من مستوى صفر (أي بدون تشفير)، وذلك لضمان إعطاء هذه الأجهزة إمكانية التنصت على المكالمات الهاتفية الخلوية في لبنان دون المرور على سنترالات شركتي الخلوي. وفي بداية الأمر، رفضت الشركتان طلب الدولة هذا، ولكنها في النهاية رضخت لهذا الطلب، حيث أصبح بإمكان الدولة التنصت على الخلوي في لبنان بواسطة أجهزة غير معقدة موجودة لديها، وتتناسب مع مستوى تشفير صفر.
والخلاصة هنا ان بنية الاتصالات في لبنان مكشوفة بالكامل أمام التنصت عليها، ولكن المطلوب لهذه الغاية قدرة أكبر على التنصت، وهذا أمر غير موجود لدى الدولة ولكن ميليس وفره لنفسه عبر الإمكانات التقنية التي جلبها من الخارج أو استعان بها من الخارج. وهنا تبدأ قصة الشق الثاني من التنصت الموجود حالياً في لبنان.
ويكشف أخصائيون في هذا المجال، ان هناك حالياً برنامج تنصت تابع لوكالة الأمن القومي الأميركي (N.S.A) يدعى (ايشلون) الهدف منه التنصت على كافة الاتصالات على مستوى الكوكب. ويمتلك هذا البرنامج بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات البريطانية، أحدث التقنيات في مجال التنصت على الاتصالات الهاتفية والفاكس والـ(E mail) والانترنت. ومركز تشغيل هذا البرنامج موجود في بريطانيا وهو موصول بمركز قيادة وتحكم في واشنطن وله امتداداته وفروعه في القاعدة البريطانية في (Famagousta) في قبرص.
وحصل ميليس من الأميركيين والبريطانيين على معلومات خاصة بعملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من خلال برنامج ايشلون المذكور آنفاً. علماً انه باستطاعة هذا المركز التنصت على كافة المكالمات السلكية واللاسلكية والهاتفية والفاكس والانترنت والـ(e mail) وتخزينها وفرزها وتدوينها بأحدث التقنيات المتوافرة حتى هذا اليوم.
وجدير بالذكر ان لبرنامج ايشلون القدرة على تسجيل كافة المعلومات الصوتية والرقمية التي جرى تبادلها في كل منطقة الشرق الأوسط، مع تحديد مصدر هذه المكالمات والجهة التي تلقتها. ويسمح البرنامج بتخزين هذه المعلومات لسنوات عديدة، ما أمكن استحضار المكالمات التي جرت في لبنان في الفترة اللازمة التي سبقت التحقيق، وسمحت بتوجيهه مؤخراً نحو التدقيق في الاتصالات الخلوية للفترة نفسها المتوافرة لدى الشركات اللبنانية ومطابقتها مع المعلومات عن مضمونها وفقاً لتلك الموجودة في برنامج ايشلون للتنصت. ومن خلال هذه العملية، تعرف ميليس على وجود عمليات إخفاء لاتصالات جرت، قام بها موظفون في إحدى الشركتين الخلويتين الموجودتين في لبنان.
ثانياً – الأقمار الصناعية:
.. كما يتضمن برنامج ايشلون مراقبة عبر الأقمار الصناعية لكل منطقة الشرق الأوسط، وذلك على مدار الساعة تقريباً. ومن المؤكد ان ميليس حصل من هذه الأقمار على صور واقعة الجريمة، ذلك ان هذه الأقمار تقوم من جملة ما تقوم به، بمسح فوتوغرافي لبيروت على مدار الساعة. وقد نشرت على الانترنت صورتان مأخوذتان من الأقمار الصناعية لمكان الجريمة، غطتا وقائعها طوال الفترة الزمنية الممتدة قبل عشرين دقيقة وبعد عشرين دقيقة من عملية الاغتيال. والجدير بالذكر ان الصورتين المنشورتين على الانترنت تعرضتا بشكل مقصود إلى تخفيض درجة وضوحهما، وهذا ما يجري بالعادة مع الصور الحساسة المعروضة على الانترنت.
وتجدر الإشارة إلى المميزات التالية التي توفرها صور الأقمار الصناعية:
1- الأقمار الصناعية تستطيع أخذ صورة واحدة على عُشر من الثانية، بمعنى ان هنالك إمكانية لإعادة استحضار الصورة الكاملة لعملية الاغتيال منذ ما قبل حدوثها حتى الانفجار. أي انه باستطاعة هذه الصور بواسطة إعادة تركيبها زمنياً، ان تدل بشكل قاطع على الطريق الذي سلكته شاحنة الميتسوبتشي منذ انطلاقها حتى انفجارها.
2- ان دقة التصوير للأقمار الصناعية التابعة لوكالة الأمن القومي الأميركي العاملة ضمن برنامج ايشلون، عالية جداً، بحيث انها قادرة على تحديد أي شيء يبلغ حجمه متراً واحداً وما فوق. بمعنى آخر، انه باستطاعة هذه الأقمار الصناعية تحديد عدد الأشخاص المتواجدين في منطقة الانفجار قبله وبعده واتجاهات حركتهم. وبالرغم من كون الأقمار الصناعية المستخدمة هي من طراز (k 11) وطرازات أخرى أكثر حداثة، إلا ان تقنياتها لا تستطيع تصوير ملامح الأشخاص، وبالتالي لا تسمح بالتعرف عليهم.
وثمة مشكلة تعترض مدى قدرة ميليس على استخدام هذه المعطيات الهامة للتحقيق التي تزوده بها أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية من خلال عمل برنامج ايشلون، ذلك ان استخدام هذه الوثائق في محاكمة علنية، لبنانية أو دولية، يعرض أسرار قدرات التجسس الحقيقية لدى كل من الأميركيين والبريطانيين للكشف، وهذا أمر تعتبره الدولتان أسرار دولة عليا. وعليه، فإن ما هو مسموح به لميليس للإطلاع، ليس هو ما يستطيع الأخير إبرازه أمام المحكمة كمعطيات من ضمن مضبطة اتهام.
كما ويستفيد ميليس في التحقيقات التي يجريها حالياً، من خدمات برنامج حاسوب متطور جداً يستخدمه جهاز الاستخبارات الألمانية، (B.K.A) وهو يوفر إمكانية إدراج جميع معطيات الجريمة داخل قاعدة بيانات متواصلة وديناميكية، حيث يتم إدخال المعلومات التي جرى الحصول عليها، سواء من خلال الإمكانات التقنية أو عبر الشهود، في هذا البرنامج، ومن ثم يعاد تركيبها بأشكال مختلفة حتى بروز السياق المنطقي الطبيعي الذي يقتنع به المحقق. وقد بدأ جهاز الـ(B.K.A) باستخدام هذه التقنية منذ السبعينيات في صراعه مع ألوية الجيش الأحمر الألماني – أو ما عرف بمنظمة بادر ماينهوف. وقد جرت تعديلات مهمة وكبيرة على هذا البرنامج خلال العقدين المنصرمين.
والواقع ان الميزات التي يمتلكها ميليس من جراء تزويده بثمار التقنيات الآنفة الذكر (من برنامج ايشلون وصولاً إلى خدمات الـB.K.A التقنية)، يمكن تلخيصها بالآتي:
أولاً، يملك ميليس صوراً فوتوغرافية حية ومتحركة عن كيفية حصول عملية الاغتيال منذ وقت مبكر نسبياً لوقوعها ولغاية حدوث الانفجار.
ثانياً، ان هذه الصور الفوتوغرافية عن وقائع حصول الجريمة، لا يمكنها تقديم فرصة للتعرف على أي شيء أو أي تفصيل فيها يقل حجمه عن المتر الواحد. وعليه فإن هذه الصورة لا تستطيع كشف ملامح الجناة.
ثالثاً، يوجد لدى ميليس صورة كاملة عن كافة المكالمات الهاتفية الخلوية والثابتة التي جرت في لبنان ما قبل وبعد الجريمة، بما في ذلك تحديد الجهة الصادرة منها والواردة إليها، مع توقيتات حصولها والمدة التي استغرقتها، وأيضاً تفاصيل مضامينها، الأمر الذي وفره برنامج (ايشلون).
رابعاً، بالرغم من حيازة ميليس على معطيات هامة تتعلق بالجريمة، إن لجهة مضامين وتوقيتات المكالمات السلكية واللاسلكية التي حصلت قبل حدوثها وبعد ذلك، أو لجهة الصور الفوتوغرافية عبر الأقمار الصناعية التي تغطي فترة حصولها، إلا ان جزءاً من هذه المعطيات لا يستطيع ميليس إبرازها أمام المحكمة اللبنانية أو الدولية ضمن مضبطة اتهام بالنظر لكونها تعتبر من الأسرار المحظور كشفها بالنسبة للدولة التي تمتلكها، ما يحتم على ميليس بالتالي مطابقة المعلومات والوثائق التي بحوزته والمأخوذة من برنامج (ايشلون) مع معلومات أخرى من مصادر لبنانية ليس هناك مشكلة في مجال إدراجها ضمن مضبطة اتهام.
وهذا هو الأمر الذي يركز عليه ميليس في التحقيقات التي يجريها في الفترة الأخيرة، وهو الحصول على معطيات من مصادر لبنانية بشرية أو تقنية تطابق الوقائع الدامغة التي حصل عليها من التقنيات الأجنبية المحظور عليه تضمينها جميعها في مضبطة اتهام.