لا يوجد
10-10-2005, 01:08 AM
كتاب فرنسي جديد عن تنظيم القاعدة
دبي - فراج اسماعيل
أكد خبير الجماعات الاسلامية د.كمال حبيب حدوث تحول رهيب في فكر أسامة بن لادن وأيمن الظواهري من واقع تحليل خطاباتهما الأخيرة خاصة ما يتعلق بالثاني، مما يجعل كتاب "القاعدة بالنص" الذي صدر في باريس مؤخرا لتوصيف فكر القاعدة، غير مستوف للمتغيرات التي حصلت للقيادات الرئيسية لهذا التنظيم خلال وجودها في الكهوف بعد سقوط طالبان.
وقال حبيب الذي كان أبرز منظري تنظيم الجهاد الذي يتزعمه الظواهري خلال مرحلته الأولى، وقضى في السجن 10 سنوات في قضية اغتيال الرئيس السابق أنور السادات إنه قام بتحليل متعمق لخطابات أيمن الظواهري التي بثت في الشهور الأخيرة عبر الانترنت وبعض الفضائيات، ورصد تحولات فكرية كبيرة تختص بمفاهيم الحرية والجماهير والانتخابات وهي مفاهيم كانت غائبة تماما عن مشروعه الفكري، ونفس هذا التحول وجد صداه في خطابات اسامة بن لادن في مرحلة الكهوف.
كتاب «القاعدة بالنصّ» صدر حديثاً في باريس عن «المنشورات الجامعية الفرنسية» وضمّ مختارات من «نصوص» أربعة من أصحاب التجارب الجهادية هم: عبدالله عزام، أسامة بن لادن، أيمن الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي.
وتقول صحيفة "الحياة" الأحد 9/10/2005 أن النصوص هنا تعني الخطب «الجهادية» والحوارات المكتوبة والمتلفزة والأقوال والتصريحات، وقد اختارها وترجمها من العربية الى الفرنسية المستعرب جان بيار ميلّلي. و «المختارات» هذه تمثل خلاصة الفكر الجهادي وتقدّم بوضوح عقيدة «القاعدة» وبعدها الايديولوجي انطلاقاً من النصوص نفسها.
مدخل إلى فكر القاعدة وعقيدتها
الكتاب تآزر في تأليفه أربعة باحثين أكاديميين فرنسيين، ووضع مقدّمته الباحث المتخصص في شؤون العالم العربي والاسلامي جيل كيبيل، ويمكن اعتبار هذه المقدمة بمثابة مدخل أساسي الى فكر «القاعدة» وعقيدتها. وقد أرفق الباحثون الفرنسيون النصوص بمقدمات تناولت الجهاديين الأربعة في سيرهم الحياتية والنضالية، اضافة الى الشروح والتعليقات التي وضعوها على هامش هذه النصوص.
ويوافق د.حبيب على اعتبار الباحثين الأربعة، د. عبدالله عزام بمثابة البوتقة الايديولوجية التي خرج منها فكر تنظيم القاعدة، قائلا إن أية مناقشة لفكر القاعدة لابد أن تشمله رغم أن جذوره الأساسية اخوانية، وكانت رؤيته معتدلة بحكم عمره وخبرته المختلفة، لكنه في الحقيقة جزء من عملية تأسيس القاعدة على المستوى الحركي.
أضاف: الأهم هنا كيف ستتم معالجة خطابه، وأنا اعتقد أن المسألة الأساسية لعبدالله عزام لا تتعلق بموضوع التكفير مثلا، أو بتأويلات ذات طابع جديد في الشريعة، مثل ذلك الكتاب الذي طالعته شخصيا "الجامع في طلب العلم الشريف" لسيد امام الشريف، وإنما التحول الضخم الذي طرأ على أفكاره قبل اغتياله في عملية مفخخة عام 1989.. لقد كان هو أمير تنظيم الجهاد، بمعنى أنه أمير أيمن الظواهري نفسه.
ويتفق حبيب مع ما جاء في الكتاب بأن القاعدة تنظيم افتراضي، لا يمكن أن تلمس جسمه، فقد انتقل في مرحلة ما بعد سقوط طالبان التنظيم من الحالة الرأسية إلى الحالة الافقية، مكونا شبكة غير مرئية ممتدة دون ان تعرف أين الرأس منها أو الأطراف.
واستطرد: ايمن الظواهري عنده مشروع فكري كان قائما في البداية على اعتبار الحكام الموجودين مغتصبين للسلطة ومرتدين، وأن هناك اجماعا على ان المرتد لا بدّ من الخروج عليه.. أخذ هذه الأفكار وذهب بها لأفغانستان حيث قابل عبدالله عزام واسامة بن لادن مع بقية المجموعات (الأصولية) العابرة للقارات التي اجتمعت كلها هناك، حيث بدأ يحصل مزج للأفكار.
وعبر عن اعتقاده بأن الوضع العسكري في أفغانستان جعل أيمن الظواهري ومجموعته يتشددون في أفكارهم، ثم ادركوا فيما بعد ان امريكا هي الخطر على الاسلام، لأنهم بعد انتصار المجاهدين الأفغان والدعم الامريكي لهم، اكتشفوا محاولة المخابرات الامريكية تفتيت انتصار المجاهدين بان الخطر في امريكا. ومن هنا حصل التحول إلى ادراك انها هي العدو، وساعد في ذلك تغير استراتيجيات الولايات المتحدة تجاه تنظيم الجهاد ودخولها في حرب معه.
اتجاه القاعدة لفكرة الحرية والديمقراطية والانتخابات
وقال حبيب: عندي اقتناع حاليا بان اسامة بن لادن والظواهري عندهما تحول كبير في بعض أفكارهما بناء على تحليل خطاباتهما الاخيرة، فهذه الخطابات تخدم مفهوم الحرية. مثلا الظواهري بدأ يتكلم عن الحرية وهي فكرة ليست أساسية عند أي حركة، وبدأ يتكلم عن أهمية الجماهير، بعد أن كان فكرهم الأساسي أنه لابد أن تكون هناك طليعة تقوم بمسألة التغيير بعيدا عن الجماهير.
وأشار إلى أن الظواهري بدأ يتكلم عن أهمية التجار والعلماء، وهذا أيضا ما حصل مع فكر بن لادن.. وبدأ يتكلم في موضوع الانتخابات وموقفه منها، بعد أن كان يرفضها ولا يراها وسيلة لتغيير الحكم، وهذا يدحض حسب رأيه النظرية التي توصل إليها مؤلفو كتاب "القاعدة بالنص" بأن الظواهري هو "ابن النصوص العقائدية الشائكة".. فقد بدأ جزء من الواقع يدخل عقله وعقل المجموعة القيادية للقاعدة على الأقل.
واعتبر د. كمال حبيب أن من الخطأ اعتماد مؤلفي الكتاب على النصوص القديمة لدراسة فكر القاعدة، خاصة ان الظواهري انفتح على عوالم وخبرات ورؤى مختلفة للعالم احدثت توازنا في فكره بعد أن أصبح للواقع تأثير كبير على أفكاره.
الكتاب الفرنسي وصف «القاعدة» بأنها ظاهرة «افتراضية» تخدمها آلة «الانترنت» وتعمّم مبادئها. فـ «القاعدة» خارج وسائل الاتصال المرئية والمسموعة والوسائل الالكترونية، لا وجود «مادّياً» أو ملموساً لها.
ويشير جيل كيبيل أنها «ظاهرة يتعذّر ادراكها» على رغم دخول الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول التاريخ من بابه الواسع. ولعل المطاردة المستميتة لأسامة بن لادن والظواهري لم تجدِ حتى الآن، فلا يزالان يظهران على شاشات العالم كله، ويتوعّد كل منهما باعتداء مشهدي مدمّر.
الغموض لا يزال يكتنف «القاعدة» بصفتها كياناً و «المجازات» اليومية التي توصف بها لم تستطع أن تضيء هذا الكيان أو تفضحه. فهذه «الكوكبة الارهابية» كما يصفها كيبيل فرضت قواعد جديدة للعلاقة بين الدول والأوطان والمجتمعات، وبين العنف ومشهديته المتلفزة. ونمّت أيضاً عن أشكال جديدة للتعبئة العسكرية، فيما هي تحاول إحياء مصطلحات ورموز قديمة ترتبط بالعصور الوسطى أكثر مما ترتبط بالعصر المعلوماتي ومنها مثلاً: التماس الشهادة، التمذهب الديني والارشاد العقائدي وسواها.
عولمة حركة الجهاد خلال 20 عاما
خلال عشرين سنة تحوّلت حركة «الجهاد» من كونها حركة مسلّحة أو «محلية» (في معنى ما) الى حركة عالمية، وانتقلت مما يسمى حرب «العصابات» الى «الارهاب الأعمى» كما يعبّر كيبيل، هذا الارهاب الذي يضرب بلا هوادة. وكان من الطبيعي أن يتناول خطاب «القاعدة» مفهوم الصراع الدموي بين «الخير» الذي تجسده الجماعة الأصولية (بن لادن هو احدى ايقونات هذا الخير) و «الشر» المتمثل في الغرب أو «العدو البعيد» بحسب تعبير بن لادن نفسه.
وقد أدرك الأخير منذ انطلاق «القاعدة» مدى الأثر الذي تتركه الفضائيات والانترنت في صميم الشباب الذي يملك ثقافة اسلامية حية. فبين الاعتداءات الرهيبة وصورها في وسائل الاعلام المرئية الهادفة الى التأثير في «الجماهير»، يبرز «الخطاب» الأصولي عبر الانترنت، وغايته التوجّه الى الشبان المتحمّسين وحثهم على الفعل. وهذا «الخطاب» المعمّم إعلامياً هو النقطة الرئيسة التي لا يمكن من دونها تفكيك رموز الارهاب «القاعدي».
هكذا لا يمكن تفسير اندفاع «القاعدة» بعيداً من حضور الانترنت والشاشات الفضائية، كما يقول الباحث عمر صاغي الذي تناول ظاهرة بن لادن في الكتاب. واذا كان الظواهري من جيل بن لادن، فهو لا يزال ابن النصوص العقائدية الشائكة، فيما أصبح بن لادن ابن «المجتمع المشهدي» وابن التلفزيون و «الكليبات» المصوّرة، وهذا ما صنع قوّته في قلب «القاعدة».
الظواهري الثوري والايديولوجي الأول
ويصف الباحث ستيفان دو لاكروا شخص المصري أيمن الظواهري في «القاعدة» بـ «الثوري المقتنع» و«الايديولوجي الأول» و«العقل». ويرى أن هدفه هو ترسيخ المشروع الجهادي ضمن الشرعية الدينية التاريخية والتي لا جدل حولها.
أما نظريته في «الالتزام» الجهادي فلا تخلو من بعض التعقّد. والظواهري هو «صلة الوصل» بين فكر عبدالله عزام والمجموعات الاسلامية المسلحة، وهو «المفكر الرئيس للتعبئة»، وقد نظّر لمفهوم «العمليات الاستشهادية». إلا أن الظواهري يظل يمثل مع المجاهد الفلسطيني عبدالله عزام الشخصين المثقفين في المجموعة.
وسمّي عزام الذي تناوله في الكتاب الباحث توماس هيغهامر بـ «رائد الحرب المقدّسة في أفغانستان»، وقد ألف كتباً هي بمثابة مراجع لدى حركة «الجهاد» المسلّح. يقول عزام: «الجهاد هو البندقية ولا شيء آخر. لا تفاوض، لا تداول ولا حوار». وقصر عزام الجهاد في طابعه العسكري والدفاعي على خلاف «القاعدة» التي جعلت من الجهاد صراعاً ايديولوجياً وهجومياً ضدّ الغرب وفي قلب عواصمه ومدنه.
ويقال ان سرّ بن لادن لا يمكن تفسيره إلا انطلاقاً من أثر الفكر الذي رسّخه عزام وهو لم يحظ بالشهرة العالمية التي حظي بها رفاقه. أما أبو مصعب الزرقاوي فيصفه جان بيار ميلّلي بـ «الخارج عن الصفّ» و «سفير القاعدة» في بلاد ما بين النهرين.
دبي - فراج اسماعيل
أكد خبير الجماعات الاسلامية د.كمال حبيب حدوث تحول رهيب في فكر أسامة بن لادن وأيمن الظواهري من واقع تحليل خطاباتهما الأخيرة خاصة ما يتعلق بالثاني، مما يجعل كتاب "القاعدة بالنص" الذي صدر في باريس مؤخرا لتوصيف فكر القاعدة، غير مستوف للمتغيرات التي حصلت للقيادات الرئيسية لهذا التنظيم خلال وجودها في الكهوف بعد سقوط طالبان.
وقال حبيب الذي كان أبرز منظري تنظيم الجهاد الذي يتزعمه الظواهري خلال مرحلته الأولى، وقضى في السجن 10 سنوات في قضية اغتيال الرئيس السابق أنور السادات إنه قام بتحليل متعمق لخطابات أيمن الظواهري التي بثت في الشهور الأخيرة عبر الانترنت وبعض الفضائيات، ورصد تحولات فكرية كبيرة تختص بمفاهيم الحرية والجماهير والانتخابات وهي مفاهيم كانت غائبة تماما عن مشروعه الفكري، ونفس هذا التحول وجد صداه في خطابات اسامة بن لادن في مرحلة الكهوف.
كتاب «القاعدة بالنصّ» صدر حديثاً في باريس عن «المنشورات الجامعية الفرنسية» وضمّ مختارات من «نصوص» أربعة من أصحاب التجارب الجهادية هم: عبدالله عزام، أسامة بن لادن، أيمن الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي.
وتقول صحيفة "الحياة" الأحد 9/10/2005 أن النصوص هنا تعني الخطب «الجهادية» والحوارات المكتوبة والمتلفزة والأقوال والتصريحات، وقد اختارها وترجمها من العربية الى الفرنسية المستعرب جان بيار ميلّلي. و «المختارات» هذه تمثل خلاصة الفكر الجهادي وتقدّم بوضوح عقيدة «القاعدة» وبعدها الايديولوجي انطلاقاً من النصوص نفسها.
مدخل إلى فكر القاعدة وعقيدتها
الكتاب تآزر في تأليفه أربعة باحثين أكاديميين فرنسيين، ووضع مقدّمته الباحث المتخصص في شؤون العالم العربي والاسلامي جيل كيبيل، ويمكن اعتبار هذه المقدمة بمثابة مدخل أساسي الى فكر «القاعدة» وعقيدتها. وقد أرفق الباحثون الفرنسيون النصوص بمقدمات تناولت الجهاديين الأربعة في سيرهم الحياتية والنضالية، اضافة الى الشروح والتعليقات التي وضعوها على هامش هذه النصوص.
ويوافق د.حبيب على اعتبار الباحثين الأربعة، د. عبدالله عزام بمثابة البوتقة الايديولوجية التي خرج منها فكر تنظيم القاعدة، قائلا إن أية مناقشة لفكر القاعدة لابد أن تشمله رغم أن جذوره الأساسية اخوانية، وكانت رؤيته معتدلة بحكم عمره وخبرته المختلفة، لكنه في الحقيقة جزء من عملية تأسيس القاعدة على المستوى الحركي.
أضاف: الأهم هنا كيف ستتم معالجة خطابه، وأنا اعتقد أن المسألة الأساسية لعبدالله عزام لا تتعلق بموضوع التكفير مثلا، أو بتأويلات ذات طابع جديد في الشريعة، مثل ذلك الكتاب الذي طالعته شخصيا "الجامع في طلب العلم الشريف" لسيد امام الشريف، وإنما التحول الضخم الذي طرأ على أفكاره قبل اغتياله في عملية مفخخة عام 1989.. لقد كان هو أمير تنظيم الجهاد، بمعنى أنه أمير أيمن الظواهري نفسه.
ويتفق حبيب مع ما جاء في الكتاب بأن القاعدة تنظيم افتراضي، لا يمكن أن تلمس جسمه، فقد انتقل في مرحلة ما بعد سقوط طالبان التنظيم من الحالة الرأسية إلى الحالة الافقية، مكونا شبكة غير مرئية ممتدة دون ان تعرف أين الرأس منها أو الأطراف.
واستطرد: ايمن الظواهري عنده مشروع فكري كان قائما في البداية على اعتبار الحكام الموجودين مغتصبين للسلطة ومرتدين، وأن هناك اجماعا على ان المرتد لا بدّ من الخروج عليه.. أخذ هذه الأفكار وذهب بها لأفغانستان حيث قابل عبدالله عزام واسامة بن لادن مع بقية المجموعات (الأصولية) العابرة للقارات التي اجتمعت كلها هناك، حيث بدأ يحصل مزج للأفكار.
وعبر عن اعتقاده بأن الوضع العسكري في أفغانستان جعل أيمن الظواهري ومجموعته يتشددون في أفكارهم، ثم ادركوا فيما بعد ان امريكا هي الخطر على الاسلام، لأنهم بعد انتصار المجاهدين الأفغان والدعم الامريكي لهم، اكتشفوا محاولة المخابرات الامريكية تفتيت انتصار المجاهدين بان الخطر في امريكا. ومن هنا حصل التحول إلى ادراك انها هي العدو، وساعد في ذلك تغير استراتيجيات الولايات المتحدة تجاه تنظيم الجهاد ودخولها في حرب معه.
اتجاه القاعدة لفكرة الحرية والديمقراطية والانتخابات
وقال حبيب: عندي اقتناع حاليا بان اسامة بن لادن والظواهري عندهما تحول كبير في بعض أفكارهما بناء على تحليل خطاباتهما الاخيرة، فهذه الخطابات تخدم مفهوم الحرية. مثلا الظواهري بدأ يتكلم عن الحرية وهي فكرة ليست أساسية عند أي حركة، وبدأ يتكلم عن أهمية الجماهير، بعد أن كان فكرهم الأساسي أنه لابد أن تكون هناك طليعة تقوم بمسألة التغيير بعيدا عن الجماهير.
وأشار إلى أن الظواهري بدأ يتكلم عن أهمية التجار والعلماء، وهذا أيضا ما حصل مع فكر بن لادن.. وبدأ يتكلم في موضوع الانتخابات وموقفه منها، بعد أن كان يرفضها ولا يراها وسيلة لتغيير الحكم، وهذا يدحض حسب رأيه النظرية التي توصل إليها مؤلفو كتاب "القاعدة بالنص" بأن الظواهري هو "ابن النصوص العقائدية الشائكة".. فقد بدأ جزء من الواقع يدخل عقله وعقل المجموعة القيادية للقاعدة على الأقل.
واعتبر د. كمال حبيب أن من الخطأ اعتماد مؤلفي الكتاب على النصوص القديمة لدراسة فكر القاعدة، خاصة ان الظواهري انفتح على عوالم وخبرات ورؤى مختلفة للعالم احدثت توازنا في فكره بعد أن أصبح للواقع تأثير كبير على أفكاره.
الكتاب الفرنسي وصف «القاعدة» بأنها ظاهرة «افتراضية» تخدمها آلة «الانترنت» وتعمّم مبادئها. فـ «القاعدة» خارج وسائل الاتصال المرئية والمسموعة والوسائل الالكترونية، لا وجود «مادّياً» أو ملموساً لها.
ويشير جيل كيبيل أنها «ظاهرة يتعذّر ادراكها» على رغم دخول الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول التاريخ من بابه الواسع. ولعل المطاردة المستميتة لأسامة بن لادن والظواهري لم تجدِ حتى الآن، فلا يزالان يظهران على شاشات العالم كله، ويتوعّد كل منهما باعتداء مشهدي مدمّر.
الغموض لا يزال يكتنف «القاعدة» بصفتها كياناً و «المجازات» اليومية التي توصف بها لم تستطع أن تضيء هذا الكيان أو تفضحه. فهذه «الكوكبة الارهابية» كما يصفها كيبيل فرضت قواعد جديدة للعلاقة بين الدول والأوطان والمجتمعات، وبين العنف ومشهديته المتلفزة. ونمّت أيضاً عن أشكال جديدة للتعبئة العسكرية، فيما هي تحاول إحياء مصطلحات ورموز قديمة ترتبط بالعصور الوسطى أكثر مما ترتبط بالعصر المعلوماتي ومنها مثلاً: التماس الشهادة، التمذهب الديني والارشاد العقائدي وسواها.
عولمة حركة الجهاد خلال 20 عاما
خلال عشرين سنة تحوّلت حركة «الجهاد» من كونها حركة مسلّحة أو «محلية» (في معنى ما) الى حركة عالمية، وانتقلت مما يسمى حرب «العصابات» الى «الارهاب الأعمى» كما يعبّر كيبيل، هذا الارهاب الذي يضرب بلا هوادة. وكان من الطبيعي أن يتناول خطاب «القاعدة» مفهوم الصراع الدموي بين «الخير» الذي تجسده الجماعة الأصولية (بن لادن هو احدى ايقونات هذا الخير) و «الشر» المتمثل في الغرب أو «العدو البعيد» بحسب تعبير بن لادن نفسه.
وقد أدرك الأخير منذ انطلاق «القاعدة» مدى الأثر الذي تتركه الفضائيات والانترنت في صميم الشباب الذي يملك ثقافة اسلامية حية. فبين الاعتداءات الرهيبة وصورها في وسائل الاعلام المرئية الهادفة الى التأثير في «الجماهير»، يبرز «الخطاب» الأصولي عبر الانترنت، وغايته التوجّه الى الشبان المتحمّسين وحثهم على الفعل. وهذا «الخطاب» المعمّم إعلامياً هو النقطة الرئيسة التي لا يمكن من دونها تفكيك رموز الارهاب «القاعدي».
هكذا لا يمكن تفسير اندفاع «القاعدة» بعيداً من حضور الانترنت والشاشات الفضائية، كما يقول الباحث عمر صاغي الذي تناول ظاهرة بن لادن في الكتاب. واذا كان الظواهري من جيل بن لادن، فهو لا يزال ابن النصوص العقائدية الشائكة، فيما أصبح بن لادن ابن «المجتمع المشهدي» وابن التلفزيون و «الكليبات» المصوّرة، وهذا ما صنع قوّته في قلب «القاعدة».
الظواهري الثوري والايديولوجي الأول
ويصف الباحث ستيفان دو لاكروا شخص المصري أيمن الظواهري في «القاعدة» بـ «الثوري المقتنع» و«الايديولوجي الأول» و«العقل». ويرى أن هدفه هو ترسيخ المشروع الجهادي ضمن الشرعية الدينية التاريخية والتي لا جدل حولها.
أما نظريته في «الالتزام» الجهادي فلا تخلو من بعض التعقّد. والظواهري هو «صلة الوصل» بين فكر عبدالله عزام والمجموعات الاسلامية المسلحة، وهو «المفكر الرئيس للتعبئة»، وقد نظّر لمفهوم «العمليات الاستشهادية». إلا أن الظواهري يظل يمثل مع المجاهد الفلسطيني عبدالله عزام الشخصين المثقفين في المجموعة.
وسمّي عزام الذي تناوله في الكتاب الباحث توماس هيغهامر بـ «رائد الحرب المقدّسة في أفغانستان»، وقد ألف كتباً هي بمثابة مراجع لدى حركة «الجهاد» المسلّح. يقول عزام: «الجهاد هو البندقية ولا شيء آخر. لا تفاوض، لا تداول ولا حوار». وقصر عزام الجهاد في طابعه العسكري والدفاعي على خلاف «القاعدة» التي جعلت من الجهاد صراعاً ايديولوجياً وهجومياً ضدّ الغرب وفي قلب عواصمه ومدنه.
ويقال ان سرّ بن لادن لا يمكن تفسيره إلا انطلاقاً من أثر الفكر الذي رسّخه عزام وهو لم يحظ بالشهرة العالمية التي حظي بها رفاقه. أما أبو مصعب الزرقاوي فيصفه جان بيار ميلّلي بـ «الخارج عن الصفّ» و «سفير القاعدة» في بلاد ما بين النهرين.