المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإخوان المسلمون في الأردن والعرش الهاشمي.. صداقة الضرورات!



سلسبيل
10-09-2005, 11:49 AM
الملك عبد الله الأول تحالف معهم من أجل الفكر ومن أجل السياسة أيضا


عمان: مشاري الذايدي

الاردن بلد على صغير مقدراته وثرواته، وعلى حراجة وضعه في الوجود بين انظمة تعاديه سياسيا وايدولوجيا وعلى رأسها البعث السوري والحكم الناصري المصري، اضافة الى وجود تيارات يسارية وناصرية وماركسية كانت على عداء مكشوف مع النظام الهاشمي الملكي، خصوصا في ذروة الهيجان الناصري والبعثي، على الرغم من هذا كله حقق البلد نموذجا فريدا في التعايش مع القوى المختلفة، وملك ديناميكية سياسية لافتة في التحول والتغير وفق الظروف المحيطة، وليس ادل على ذلك من كثرة تشكل الحكومات تبعا لمتطلبات المرحلة، داخليا وخارجيا.

الاردن الآن، وفي ما يتعلق بالموضوع الأصولي، موزع بين هموم الزرقاوي، وما بين فاتورة حماس والمساندة الاخوانية الاردنية لأجندة حماس.

جماعات القاعدة الفكرية والعسكرية على الارض الاردنية، لم تقصر هي الاخرى، حيث لا يمر اسبوع تقريبا دون ان يعرض على محكمة امن الدولة قضية على ملاك النشاط العسكري الاصولي، فما قصة تيار الجهادية السلفية؟ ثم ما هو تأثير المشهد العراقي الذي ينشط فيه الزرقاوي ويرسل اسلحته وسياراته المفخخة من مواقعه في العراق هناك الى الاردن من اجل تفجيرها في مبنى المخابرات أو من اجل تفجيرها في مدعي الدولة العام. وما هي قصة الحنق الشيعي العراقي على الاردن؟ وما هي خلفيات تحذيرات الملك عبد الله الثاني من الهلال الشيعي؟ وكيف ملك النظام السياسي الاردني هذه القدرة على تقديم نموذج مميز في التعاطي مع الاسلاميين من موقع التعاون والاندماج في الحياة السياسية وليس الاقصاء أو المحاربة، وتاريخ الاخوان المسلمين مع العرش الهاشمي يقدم قصة مثيرة في هذا العالم العربي، علاقة زواج مصلحي وتحالف سياسي في بعض الاحيان، لا يخلو من خروج على النص في بعض الاحيان، لكن الامور سرعان ما تعود الى المتن وتغادر الهوامش. في السياقات التالية نقدم اطلالة على هذا المشهد، مبتدئين بقصة الاخوان والمسلمين ثم نتبعها بقصة تيار الجهادية السلفية وعرابها ابو محمد المقدسي وجنرالها ابو مصعب الزرقاوي، ثم نختم بتاثيرات الحالة العراقية على الداخل الاردني.

هل صحيح أن المشهد الاردني لا يمكن أن يعطيك رؤية نموذجية للاطلالة على مصائر الاسلام السياسي ومصادره؟.

وجدت نفسي أردد هذا السؤال الذي استلهمته من نصيحة الباحث اللبناني الشهير في الاسلاميات رضوان السيد، وانا احزم حقائبي مغادرا الأردن بعد اكثر من اسبوع امضيته في الأردن محاورا بعض قيادات الحركة الاخوانية وبعض المراقبين لها والخارجين عليها والمحبين لها والناقمين عليها، ومن لا يعنيهم امرها.

الحقيقة ان المشهد كان نموذجيا، ليس بسبب ثقل الحركة الاخوانية الاردنية على حساب نظيراتها في مصر أو في سورية في العراق، فهذا يرجح اخوان مصر وسورية عليهم، بل لسبب آخر هو «فرادة» العلاقة التي ربطت بين العرش الهاشمي والاخوان المسلمين منذ سنة 1945، ومنذ ان دعى الملك عبد الله الاول، مؤسس المملكة، عبد الحكيم عابدين (توفي 1975 في القاهرة) الى تولي الوزارة، ولكن عابدين، صهر المؤسس حسن البنا، اعتذر، كان هذا في النصف الاول من ثلاثينيات القرن المنصرم.

وعبر التاريخ، ظلت هذه العلاقة مميزة بين العرش والاخوان، إما بسبب الخلاف مع الملك فاروق في مصر، الذي دخل في صراع مكشوف مع الاخوان، خصوصا بعد حرب 48، بين العصابات الصهيونية وجماعات المقاومة المتنوعة، والتي اسهم فيها الاخوان المسلمين في مصر، وتحمس لها حسن البنا بنفسه، وتوجس منه الحكم خيفة، إذ كان الملك فاروق يخشى من استخدام هذا السلاح لقلب نظام حكمه، وكما يذكر برنارد لويس في كتابه (الغرب والشرق الاوسط) فإن قرار الملك فاروق بحل جماعة الاخوان جاء بعد ان اكتشف خطة للاخوان تهدف الى ان يقوم مقاتلو الاخوان العائدون من حرب 48 في فلسطين بمحاصرة القاهرة والقيام بانقلاب للاطاحة بفاروق واعلان الجمهورية الاسلامية، ولا ندري عن تفاصيل هذه الخطة التي يشير اليها لويس، وان كان التاريخ يذكر للاخوان دورهم في ثورة يوليو 52، مع الضباط الاحرار ضد الملكية، وهم الحزب الوحيد الذي استثني من قرار الالغاء الذي اتخذه الضباط الاحرار ضد الاحزاب، لكن العلاقة بين الاخوان والضباط، وتحديدا عبد الناصر سرعان ما تحولت الى عداء، لأسباب كثيرة، وعاد الاخوان الى حالة «اللاشرعية» القانونية، بعد بضعة سنوات من قرار الملك فاروق ورئيس وزرائه النقراشي باشا بحل الجماعة.

الإخوان ومصر وملك الأردن

* في ظل هذه الاجواء، سواء ايام فاورق أو عبد الناصر، اندفع النظام الاردني الى تكريس العلاقة مع الاخوان على طريقة «عدوعدوي صديقي». وظلت هذه العلاقة بسبب حاجة الملك الاردني الى ظهير شعبي وايدولوجي يكافح التيارات اليسارية والقومية المعادية للملكية الاردنية، واثبت الاخوان في لحظات الازمات انهم مع الملك ضد خصومه، وبالاحرى ضد خصومهم في العمق.

لكن هذه العلاقة التحالفية لم تخل من اعتراضات اخوانية على النظام خصوصا في ما يتعلق بوجود الانجليز في الجيش الاردني، وسيروا مظاهرات ضد هذا في العام 1954، ولم تخل هذه العلاقة ايضا من شكوك دفينة لدى النظام بالاخوان فكان يمنعهم من فتح بعض الفروع، خصوصا في منطقة الضفة الغربية، تحت ذرائع فنية وما الى ذلك.

لكن العلاقة بين الهاشميين، والاخوان ظلت علاقة استراتيجية وليست تكتيكية طيلة العقود الماضية، كما يقول بعض المراقبين. موسى المعايطة، ناشط سياسي اردني يرأس (حزب اليسار الديموقراطي الاردني)، وهو حزب يجمع تحت مظلته كثيرا من الشيوعيين السابقين واناسا من التيار الوطني الاردني وبعض الاعيان يقول: «الاخوان حلفاء الحكم الاردني، وكنا نطلق على الاخوان في السبعينات لقب (البوليس الثقافي) لانهم كانوا رأس الحربة في مواجهة التيارات التقدمية والقومية». ويضيف: «كنت منتميا للحزب الشيوعي في 1974، وكنت في حالة محاصرة من قبل النظام، جواز سفري مسحوب، وانا مراقب، بينما وفي نفس تلك اللحظة الزمنية كان الاخواني البارز اسحاق الفرحان وزيرا للتربية في الحكومة!».

الإخوان محور الرياض ـ عمان

* إذن هي علاقة معقدة ومركبة، بين سياسي حاذق، هو الملك عبد الله الاول ومن ثم حفيده الملك حسين، وبين حركة اسلامية لم تجد لها في الزمن العربي الناصري والبعثي، وفي زمن الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي والرأسمالي، سندا من الدول العربية الا في الاردن والسعودية، يقول ابراهيم غرايبة، الباحث الاردني في شؤون الاخوان المسلمين، واحد اعضائهم البارزين في السابق، والذي استقل عنهم وكون موقفا نقديا من التجربة: «كان هناك محور اسمه محور الرياض ـ عمان، لإزاء عبد الناصر ومن يدور في فلكه، وما نشاط الحركة الاخوانية بشكل علني في الاردن أو بشكل غير مباشر في السعودية الا من مفاعيل هذا التحالف ضد الناصرية».

ويتابع: «قدوم السكرتير العام للاخوان المسلمين عبد الحكيم عابدين الى الاردن ولقاؤه الملك عبد الله في منتصف الثلاثينيات لا يمكن تفسيره وفق مظلة الصراع السياسي في المنطقة، بل بسبب شخصي وثقافي بحت للملك، حيث كان عبد الله الاول مهتما بالجوانب الدينية والاصلاحية، ومن هنا يمكن فهم دعوته لعابدين من اجل استيطان الاردن وتولي الوزارة». ويواصل «الاخوان الى نهاية الثلاثينات كانوا حركة اصلاح ديني، نشاطهم السياسي وفورتهم بدأت مع الاربعينات، خصوصا بعد تفاعل القضية الفلسطينية، ونشاط الحاج امين الحسيني في توفير الدعم للقضية وحشد الدعم لقضية القدس، ومن هنا تحالف آل الحسيني، موسى كاظم والحاج امين وغيرهما، ومن خلال المجلس الاسلامي الاعلى، مع بعض الرموز الاسلامية من مصر وخارج مصر وانشأوا المؤتمر الاسلامي في القدس والذي كان المصري سعيد رمضان زوج بنت حسن البنا، هو امينه العام».

سعيد رمضان من اوائل رواد قياديي اخوان مصر الذين تولوا مهمة التوطين للاخوان في ارض الضفة الغربية، وتحديدا في القدس التي انشأ فيها شعبة للاخوان المسلمين في 26 اكتوبر 1945، وبمساعدة الجماعة في مصر جرى افتتاح فروع اخرى في فلسطين، التي كان ظل الملك عبد الله ممدودا عليها بشكل أو بآخر. واستضاف الملك عبد الله الاول سعيد رمضان، يقول ابراهيم غرايبة: «حمل الرجل الشهير بقدراته الخطابية سعيد رمضان الجواز الاردني الذي منحه اياه الملك، واظنه ظل معه الى ان توفاه الله بعدما اقام في سويسرا».

كان سعيد رمضان يخطب في الجامع الحسيني في عمان، الذي كان جامع الملك، ومن شدة تاثيره الخطابي كان يستقطب حتى غير المسلمين، كما يذكر المسيحي الاردني جمال الشاعر في مذكراته، حسبما يشير ابراهيم غرايبة. هذه العلاقة تطورت الى اعتراف رسمي بحركة الاخوان ومنحت ترخيصا للعمل من قبل الملك عبد الله بموافقة مجلس الوزراء سنة 1946.

الإخوان الأردنيون والمشهد الفلسطيني؟

* من البداية، كان من الواضح ان اخوان الاردن ليسوا في جانب كبير، الا افرازا فلسطينيا كما يذكر مؤرخ اخوان الاردن موسى زيد الكيلاني، خصوصا ان الملك عبد الله الاول لم يكن يخفي طموحه الحار الى توحيد فلسطين وسوريا ايضا تحت راية مملكته الهاشمية، وكانت القدس الشرقية تتبع الادارة الهاشمية الى ان حصلت هزيمة 67، ثم انتهى الامر تماما بعد فك الارتباط الرسمي بالضفة الغربية في 1988.

وكان لافتا ان يكون ابرز رموز الاخوان القدماء هم من ابرز قادة القتال الاخواني في فلسطين، فقد كان اول مراقب عام للاخوان الشيخ عبد اللطيف ابوقورة هو من قادة كتائب حرب 48، وكذلك كامل الشريف وزير الاوقاف وعضو مجلس الاعيان، والذي يصنف نفسه باعتباره قريبا من الاخوان ومعجبا قديما بحسن البنا الذي التقاه حينما قدم الى النقب اثناء تلك المواجهات بين عصابات الصهيونية والمتطوعين العرب ومنهم الاخوان المسلمين.

كامل الشريف نموذج لحالة الدخول الاخواني على الساحة الفلسطينية والاردنية، والنشاط فيها، فمنذ البدء كانت القضية الفلسطنية تحتل مكانة مركزية في ادبيات وتحرك الاخوان، بل يذكر كامل الشريف في احد لقاءاته الاعلامية ان البنا اخبره قبل مقتله بايام بأنه سيأتي مع مقاتلين للموت على ارض فلسطين، وكامل الشريف يعود بأصوله الى مدينة العريش المصرية، ترك مصر وعادى عبد الناصر استمرارا لعداوة الاخوان، واحتضنه الملك عبد الله، واصبح نائبا لسعيد رمضان في المؤتمر الاسلامي للقدس، وتولى وزارة الاوقاف وعين سفيرا وعضوا في مجلس الاعيان، وقد كان من أصحاب فكرة انشاء رابطة العالم الاسلامي في مكة، وعرض الفكرة على الملك سعود هو وسعيد رمضان واخرين من قيادات الاخوان فوافق عليها الملك سعود بن عبد العزيز، كما يذكر يوسف القرضاوي في مذكراته.

التحالف ضد انقلاب57

* هذا جزء من حديث التاريخ، والذي يقول ان حركة الاخوان في بداياتها كانت مؤيدة من قبل كثير من الاردنيين سواء من ذوي الاصول الشرق اردنية او من ذوي الاصول المنتمية للضفة الغربية من نهر الاردن. ومن الرموز الاردنية الشرقية المؤسسة كان الزعيم المحلي احمد الطراونة، وعشيرته من مدينة الكرك، وهو والد فايز الطراونة رئيس الحكومة والديوان الملكي السابق، ونائب رئيس مجلس الاعيان حاليا، والذي قال: «والدي كان من ابرز داعمي حركة الاخوان في بدايتها في الاردن، وكان ذلك بسبب عاطفته الدينية ثم بسبب المنافسة والخلاف الحاصل بين الملكين عبد الله وفاروق، لكنه تخلى عنهم لاحقا بسبب خلافات سياسية، حينما بالغوا في التسيس اول الخمسينيات».

تكرست علاقة الاخوان أكثر بالنظام بعدما انحازوا الى صفه ضد المحاولة الانقلابية سنة 1957، والتي دبرها بعض الناصريين والقوميين بتواطؤ مع رئيس الحكومة الناصري سليمان النابلسي، وكان الملك حسين يشعر بذلك وينتظر لحظة كشف الاوراق، وقد مهد لذلك، بمزيد من التقارب مع الاخوان، وعقد الاخوان مؤتمرات واجتماعات جماهيرية لحشد الدعم للملك حسين، نصير الاسلام ضد الشيوعية والالحاد، والهجوم على خصومه، وكما يقول الكاتب موسى الكيلاني: «التقت مصالح الاخوان المسلمين في الاردن مع نظام الحكم في مواجهة الخصوم». يقول علي ابو السكر، النائب الاخواني الحالي في البرلمان الاردني، واحد ابرز المتحمسين لمقاومة التطبيع: «من الطبيعي ان الاخوان في السابق تحالفوا مع الانظمة التي كانت تنتمي للمعسكر الغربي ضد المعسكر الشرقي، لأن المعسكر الشرقي الشيوعي وحلفاءه في العالم العربي كانوا هم اعداءنا».

احتكاكات وشكوك .. لا تلغي جوهر الحلف

* واستمر هذا الحلف، رغم بعض الاحتكاكات العابرة بين الاخوان والنظام، والتي كان من جرائها سجن المراقب العام المخضرم محمد عبد الرحمن خليفة (ابو ماجد) اكثر من مرة، خليفة الذي تولى موقع المراقب بعد الثري الاردني عبد اللطيف ابوقورة صاحب المواقف الحادة ضد الوجود الانجليزي في الاردن، (الخليفة) محمد خليفة كان يشد الحبل ويرخيه من النظام، كان يشد اذا رأى ان الحكومة تسير في غير اتجاه أهداف الاخوان الرئيسية المتمثلة بتطبيق الشريعة الاسلامية وفرض الحياة الاخلاقية على المجتمع وفق رؤية الاخوان، خصوصا في ما يتعلق بوضع النساء والترفيه والفن والاختلاط التعليمي، بالاضافة لطبيعة العلاقة مع الغرب واسرائيل.

وبعد أشهر قليلة من مساندة الاخوان للملك حسين ضد حركة 57، وبعد تقارب الملك حسين معهم لدرجة انه كان يزور مقر الاخوان ويتبرع لهم، وبعدما حصلت المواجهة وانتصر النظام على الانقلابيين بمساندة الاخوان، حصل احتكاك جديد بين الحكم والاخوان، فقبل المواجهة بقليل وفي نهاية 1957 ومنتصف 1958 قطعت الدول العربية معوناتها عن الاردن، جراء قمع الحركة الناصرية، فتقدمت امريكا وسدت الفجوة بمساعدات عاجلة للاردن، وهو ما عرف بمبدأ (سد الفراغ) الذي تبناه الرئيس الأميركي آيزنهاور، الأمر الذي اثار غضب الاخوان المسلمين، وعارضوا خطوات الحكم الاردني، وسارت مظاهرت اخوانية، فسجن المراقب العام خليفة، ووضع اعضاء آخرون تحت المراقبة. وفي خريف 1959 تم سجن المراقب العام خليفة بعد توزيع منشوارت اخوانية تتهم النظام بتعمد تأخير حل القضية الفلسطينية، وأتلفت الحركة وثائقها خوفا. وسجن المراقب مرة اخرى في صيف 1960 بعد احتجاجات اخوانية على «التساهل الاخلاقي» من قبل الحكومة والذي تمثل بالسماح بتقديم عروض منافية للاخلاق من قبل شركات اجنبية تجسدت في عروض راقصة على الجليد، ونقلت انباء عن اعتقالات للاخوان بتهمة الهجوم على دور السينما واماكن اللهو الاخرى، على غرار ما صنع اخوان مصر، كما يذكر موسى زيد الكيلاني. وصوت عدد من نواب الاخوان ومنهم يوسف العظم نائب معان وعبد المجيد الشريدة نائب اربد، بحجب الثقة عن حكومة وصفي التل سنة 1963 لانها فشلت في تطبيق احكام الاسلام ولانها لم تقم بالجهاد ضد اسرائيل.

بيد ان كل هذه الاحتكاكات، لم تخرم عروة العلاقة والتحالف الكبير، يقول ممدوح العبادي، وهو نائب رئيس مجلس النواب الاردني، واحد السياسيين البارزين من ذوي الخلفيات العلمانية: «انا لا اتفق مع كثير من افكار الاخوان، لكن هم الحزب الوحيد الذي لم يضرب الدولة الاردنية منذ خمسين عاما مضت».

مروان المعشر نائب رئيس مجلس الوزراء والناطق الرسمي باسم الحكومة قال: «في السابق كانت هناك ظروف دولية واقليمية وكان هناك الحرب الباردة وتحالفاتها، وكنا في الاردن ضد المعسكر الشرقي وامتداداته الحزبية والايدلوجية، ومن هنا كانت خصوصية موقع الاخوان المسلمين في الحياة السياسية الاردنية».

أيلول الأسود والإخوان

* هذه العلاقة التاريخية التي اشار اليها العبادي والمعشر عمدها الدم في بعض اللحظات، كما حصل حينما انحاز الاخوان بشكل سياسي، كما يصف البعض موقف الاخوان حينها، الى صف الحكومة في مواجهتها مع الفصائل الفلسطينية المسلحة بقيادة ياسر عرفات في سبتمبر (ايلول) 1970، أو ما عرف بمواجهات ايلول الاسود، هذه المواجهة التي خضعت لقراءات متعددة لاحقا، فمن يرى ان حركة الاخوان في الاردن ليست الا «تعبيرا فلسطينا محضا» كان يرى ان الدافع الرئيسي لموقف الاخوان بالانحياز الى النظام ضد فتح ومن معها، كان بتأثير العناصر الشرق اردنية داخل الحركة الاخوانية، حمية للدولة الاردنية، لكن مراقبا اردنيا مطلعا قال: «لا أعتقد ان موقف الاخوان في ايلول نابع من خلفية اقليمية بقدر ما انه نابع من خلفية سياسية».

ويتابع: «الفدائيون الفلسطينيون كانوا خليطا من البعث والناصريين وحتى الماركسيين، بالاضافة طبعا للعناصر القريبة من فكر الاخوان، ولا ننس خلفية ابو اياد وعرفات وابو جهاد الاخوانية». ويضيف: «الاخوان دخلوا متأخرين على العمل الفدائي في هذه المرحلة، بعدما سبقتهم تلك التيارات، واتفقوا مع فتح على انشاء معسكر اسمه (معسكر الشيوخ) في منطقة الشلالة شمال شرقي مدينة اربد، وكان يشرف عليه من قبل فتح منذر الدجاني، اصبح سفيرا لفلسطين في الجزائر لاحقا، لكن وبعدما اتضح دعم عبد الناصر ونظام صلاح جديد البعثي في سوريا للفدائيين، واتخاذ هذا الدعم وسيلة لشن حرب عملية على النظام اردني نفسه، بدأ الاخوان بالتراجع، لان البعثيين وعبد الناصر اعداء لهم، والملك حسين اقرب لهم، مع الاخذ بالاعتبار انه في تلك الفترة بطش النظام السوري بالاخوان لديه، واشتهرت في هذا الصدد قضية الشيخ حبنكة «الميداني» الذي نكل به البعثيون في سوريا بعد عودته من الحج».

الإخوان لم ينحازوا إلى أحد

* بسام العموش، الاخواني القيادي المعروف في الاردن، والذي خرج بعد خلاف عاصف مع الاخوان سنة 1997، واصبح مستقلا، يقول: «الاخوان لم ينحازوا لطرف ضد طرف في حرب ايلول، بل لزموا الحياد، مع وجود رغبة دفينة بانتصار النظام الاردني، وكان منطقهم في ذلك انها حرب بين المسلمين لا يجوز الخوض فيها، ثم انهم يعتقدون ان ياسر عرفات قد اخل بالاتفاق الضمني الذي ابرمته فتح مع الاخوان في الاردن، والذي يقضي بأن تتعاون فتح مع الاخوان في شن عمليات عسكرية في فلسطين، تتبناها فتح وينفذها عناصر الاخوان انطلاقا من الاردن». ويتابع بسام العموش: «هناك سبب آخر للحياد، فقد كنا نرى، وانا شاهد على تلك اللحظة، ان فتح اعتدت على حق السلطة الاردنية في السيادة على ارضها، وكانوا دولة داخل دولة، واعلنوا عن قيام (جمهورية الوحدات) وهو مخيم فلسطيني في عمان، ورفعوا شعارات من نوع (كل السلطة للمقاومة). والذي اثار قلق الاخوان ايضا، هو الصبغة الماركسية والبعثية على بعض قوى الفدائيين».

ويتذكر الدكتور بسام في هذا الصدد كيف ان عدنان ابو عودة، وكان مستشارا للملك، وهو من اصل فلسطيني، قال في وصف تلك اللحظة حينها: «لم يبق الا القول (كش ملك) للاعلان عن ازاحة العرش الهاشمي عن الحكم!».

ويتابع العموش: «اذكر ان ياسر عرفات استدعى ثلاثة من قيادات الاخوان في الاردن، ومنهم ذيب انيس (نائب سابق في البرلمان عن الزرقاء)، الى جبل الحسين في عمان واخبرهم بنيته القيام بعمل عسكري ضد الملك حسين بحجة ان النظام ضد المقاومة، فرفض الاخوان وتحديدا ذيب انيس ذلك، واعترضوا عليه قائلين: ليس لك حجة في ذلك، وبندقيتنا موجهة من اجل العمل في فلسطين، فغضب عليهم ابو عمار غضبا شديدا». العموش يقول: «لا يوجد اي خلفية اقليمية في موقف الاخوان من حرب ايلول، وليس صحيحا القول بانه موقف صاغه التيار الشرق اردني داخل الحركة، لقد كان موقفا اجماعيا من الاخوان». فايز الطراونة أشار الى انه قد يكون لبعض العناصر الشرق اردنية تاثير في موقف الاخوان من حرب ايلول، لكنه يؤكد على ان «السبب الرئيسي في الموقف الجيد للاخوان اثناء مواجهات ايلول هو شعور الاخوان ان لا بديل لهم سوى النظام الاردني».

تفاعلات أيلول داخل الإخوان

* لكن لحظة ايلول القت بظلالها على تشكلات وتفاعلات الحركة من داخلها. فحسب مراقب اردني، قال: «كان هناك جزء من شباب الحركة الاخوانية، وأغلبهم من اصول فلسطينية، قد رفضوا انضمام الاخوان الى اول حكومة تشكل بعد مواجهة ايلول، وهي الحكومة التي شارك فيها القيادي الاخواني، اسحاق الفرحان وزيرا للتربية، بحجة ان الحكم قد تلوث بالدم الفلسطني».

ويتابع: «الحكم الاردني ثمن للاخوان هذه المشاركة خصوصا أن الفرحان هو اردني من اصل فلسطيني، ولكن الشباب الرافضين اصبحوا لاحقا هم من يطلق عليهم الشيوخ الصقور في الحركة».

لكن ابراهيم غرايبة قال: «لا أعتقد ان سبب اعتراض بعض شباب الحركة، واغلبهم كان يعمل في دول الخليج، ومنهم الدكتور محمد ابو فارس، على الانضمام للحكومة المشكلة بعيد مواجهات ايلول نابع من خلفية مشهد ايلول وصداماته، بل من خلفية ايدولوجية خصوصا ايدولوجية حزب التحرير القائلة بعدم شرعية كل البنى والأطر الحكومية الجاهلية، هذا موقف المعارضين حينها». ويستدرك الغرايبة:

«لاحقا وبعد عدة سنوات علق بعض شباب الاخوان انتقادهم لاسحاق الفرحان على مشجب المشاركة في حكومة ايلول». لكن ما هي ملامح هذه الصقورية، ومن هم الحمائم، ثم كيف انعكس الجدل على الهوية الاردنية الاردنية ام الاردنية الفلسطينة على الاخوان؟ وكيف تعاطى الاخوان مع مبدأ المشاركة في الحكومات، وهل صحيح أن حماس هي المحرك الفعلي لحركة الاخوان الاردنيين، وان العناصر القيادية الشرق اردنية هي مجرد واجهات للديكور...

هذه الاسئلة هي محور الحلقة القادمة.