جمال
10-07-2005, 09:55 AM
تركي علي الربيعو - كاتب سوري.
مع أن مقولة «إسلام العرب وإسلام العجم» قديمة، وتنطوي على ضرب من المفاضلة والتفضيل على صعيد فهم النصوص الدينية، أي تفضيل العرب على العجم في فهم النص وإذكاء ضرب من السماحة تجاه الآخر، إلا أن المقولة اكتست في العقدين الأخيرين أهمية، في إطار التحليلات التي طاولت ظاهرة الإسلام السياسي، وبالأخص الجانب الراديكالي منها، وان كان البعض ـ نصر حامد أبو زيد ـ لا يميل الى التمييز السائد بين الخطاب الإسلامي المعتدل والآخر المتطرف، فالكل سواسية، والفارق لا يزيد على كونه فارقاً في الدرجة وليس على صعيد النوع، فقبل خروج «الجن من القمقم» على حد تعبير محمد حسنين هيكل وبعده، راح الكثير من الباحثين يرقبون عن قلق كل هذا العنف والغلو الأصولي، الذي ينهل من مرجعية دينية سياسية في فهمها للنص القرآني، والتي تجرأت على فهم جديد للنصوص، وعلى إذكاء فقه عنف جهادي ينطوي على ضرب من فبركة جهادية جديدة إذا أخذنا برأي منتصر الزيات في تقويمه لتجربة الجماعة الإسلامية، وذلك عبر مقارباتها النظرية لمسألة العنف الجهادي سواء المتعلق منه بمجاهدة العدو الأقرب أو ذلك المتعلق بمجاهدة العدو الأبعد، والذي جلب على الأمة من الدمار ما قيض كل المنافع التي تصورها الظواهري وزملاؤه الذين انتقلوا من مجاهدة العدو الأقرب الى مجاهدة العدو الأبعد، أي الى رحاب ما سمي بـ «عولمة الإسلام السياسي».
وأمام حالة اللاأدرية التي حكمت الخطاب العربي المعاصر والتي دفعته الى أحضان إرادة عدم معرفة، راحت بعض التحليلات للخطاب الإسلامي تشق طريقها الى الفكر العربي المعاصر، وتحديداً التحليلات التي طاولت الخطاب القطبي، نسبة الى سيد قطب رحمه الله، باعتباره المنتج الإيديولوجي لمعظم الجماعات الإسلامية والحزبية الإسلامية، أضف الى ذلك، الخلاف حول ارثه الفكري، بين مدع تمثيله وآخر متهم بحياده عنه أو داعياً الى تجاوزه (الغنوشي مثلاً)، فمن وجهة نظر بعض الدارسين المحدثين، أن الغلو والتطرف في خطاب سيد قطب، وبخاصة في ما يتعلق بـ «مفهوم الحاكمية «الذي يقوم على تكفير الآخرين الذين لا يحكمون بما انزل الله بحسب تأويل سيد قطب لهذه الآية الكريمة، يأتيه من كعب أخيله الهندي، بصورة أدق، من المصدرين من كونه هندياً في الأصل، وهذا ما يجعل من فهمه للدين فهماً أعجمياً ينطوي على غلو وتطرف، ومن كونه من جهة أخرى، قد أخذ جل مفاهيمه من المدرسة الإسلامية الهندية الباكستانية، وبالضبط، من أبي الأعلى المودودي المفكر الإسلامي المعروف.
في كتابه «سيد قطب: الخطاب والايدولوجيا» يؤكد محمد حافظ دياب أن «مهاجر موشا» والمقصود بذلك سيد قطب حيث مسقط رأسه قرية «موشا» في منطقة أسيوط وعلى ضفاف النيل، هو من أصل هندي وهذا قد يفسر ذلك الغلو والتعارض الكامل الذي يحكم خطابه الذي يقسم العالم فيه الى دارين وفسطاطين: الإيمان والكفر، الحق والباطل، الخير والشر، حاكمية الله وحاكمية البشر، الله والطاغوت والتي لا تقبل أي توسط أو أي مصالحة، إذ المسألة في النهاية مسألة كفر وإيمان، أضف الى ذلك تأثره الكبير بالمفكر الباكستاني ـ الهندي أبو الأعلى المودودي. يكتب محمد حافظ ذياب: إن قارئ الخطاب القطبي لا يملك إلا أن يسجل حضور أكثر مفردات النسق المفهومي كما أورده المودودي، بنوع من إعادة الإنتاج الذي يحكمه الموقف الفكري الراهن لهذا الخطاب، لتقوم بدور جديد في البنية الأيديولوجية التي اتخذها. هذا الدور الجديد يتمثل في تجاوز المودودي وإعطاء أحكامه صفة مطلقة، فيما هي عند المودودي ليست بهذا الإطلاق». إن حافظ ذياب يبرئ المودودي من هذه المطلقات التي وسمت استنتاجات سيد قطب، يقول: «اللافت أن المودودي في حديثه عن الحاكمية والتكفير والجاهلية والتي طاولت المجتمع الهندوسي قد وقف عند القول بارتداد المجتمع دون الأمة، أما قطب فيرى أن الأمة قد كفرت بالإسلام ولم تعد تأخذ بشريعة الله.
يعج تحليل الخطاب القطبي بالاتهامات لسيد قطب بالمثالية والطوباوية والرسولية والاجرومية، ولكن ما يفسر ذلك كله هو أصله الأعجمي ونحته لمفاهيم أعجمية قالها المودودي عن المجتمع الهندي هناك ولكن سيد قطب قام بتعميمها على المجتمع العربي وعلى الأمة الإسلامية.
وإذا كان محمد حافظ ذياب يزكي المودودي على حساب سيد قطب، فإن نصر حامد أبو زيد في تحليله للخطاب الديني يجعل من سيد قطب مجرد شارح لأبي الأعلى المودودي، فهو لا يزيد عن كونه صدى لصوت المودودي. فالمودودي هو الحاضر المستمر في خطاب سيد قطب والذي لا يكاد قطب أكثر من شارح لأفكار المودودي ومفسر لها ولكن مع فارق يميل دائماً للمودودي، فقد استدعى المودودي مفهوم الحاكمية في إطار الصراع على السلطة بين المسلمين والهندوس في شبه القارة الهندية عشية الاستقلال، وله بعض العذر في ذلك، إلا أن العذر يجب أن يغيب عن سيد قطب الذي قاده هذا المفهوم (أنظر كتاب أبو زيد عن «الخطاب الديني»)
لا يهدف القائلون بحضور الإسلام العجمي في خطاب سيد قطب الى تفهمه، بل الى إدانته، كونه لم يقف عند حدود الإسلام الأعجمي وقضاياه، بل وراح يطبقها بصـورة اشد غلواً على مجتمع مغاير وواقع مختـلف، والسؤال هو هل هناك حقاً إسلام أعجمي يغاير بفهمه الإسلام العربي، الجواب يقدمه فهمي هويدي في كتابه «طالبان: جند الله في المعركة الغلط، 2001» ففي محاولة منه لتفهم سلوك «جند الله» وليس الدفـاع عنـهم كما ارتـأى البعض، يرى هويدي أن شبه القارة الهندية التي تضم الهند وباكستان وبنغلاديش، تغص بالمدارس الدينية التي أنشأتها مختلف العرق والجماعات، الشيعية والسنية، وبين مدارس أهل السنة، هناك مدرسة شديدة المحافظة يطلق عليها «الديوبندية» نسبة الى بلدة ديوبند الهندية، التي تقع في شمال مديـنـة دلهي، وعـلى بعد 144 كلم. وقـد تأسست في تـلك البلدة مدرسة دينية إسلامية في سنة 1867، أي قبل أكثر من 130 عاماً، وذاع صيتها وازدهرت حتى أطلق عليها «أزهر الهند» ولا يختلف احد على أنها قامت بدور كبير في خدمة السنة النبوية والعلوم الدينية الأخرى، كما أنها خرّجت علماء كباراً اثروا الثقـافة الإسلامية في الهند، وبعد أن كانت المدرسة الديوبندية مزدهرة، فإنها ضعفت وترهلت، لكنها ظلّت نموذجاً أنشئت على نسقه أكثر من عشرة آلاف مدرسة في شبه القارة الهندية. والاتفاق كما يرى هويدي أن عناصر «طالبان» قد تشربوا معارفهم وتفكيرهم من هذه المدارس والتي تجاوزتها الثقافة الإسلامية والأزهر الشريف قبل ستين أو سبعين عاماً.
محاولات في فهم الغلو والتطرف الذي يطبع عالمنا العربي والإسلامي، بعضها محكوم بإرادة الإيديولوجيا والآخر بإرادة المعرفة، ولكن جميع هذه المحاولات التي تسعى لأن تتلمس خيطاً أبيض يفرق بين الليل والنهار، بين الكفر والإيمان، تصدم بقراءات جديدة صدرت مع بداية الألفية ومفادها أن منهج التكفير والغلو يمثل بنية داخل الخطاب الإسلامي ويمتد على طول تاريخ الإسلام، من حروب الردة الى حروبنا المعاصرة (عبد الإله بلقزيز «الدين والسياسة، 2001»)، بهذا نعود الى ما سمّاه منتصر الزيات بـ «سياسة تقطيع الملابس» وجلد الذات وعندها لا ينفع التفريق على علاته الكثيرة بين إسلام أعجمي وآخر عربي؟.
مع أن مقولة «إسلام العرب وإسلام العجم» قديمة، وتنطوي على ضرب من المفاضلة والتفضيل على صعيد فهم النصوص الدينية، أي تفضيل العرب على العجم في فهم النص وإذكاء ضرب من السماحة تجاه الآخر، إلا أن المقولة اكتست في العقدين الأخيرين أهمية، في إطار التحليلات التي طاولت ظاهرة الإسلام السياسي، وبالأخص الجانب الراديكالي منها، وان كان البعض ـ نصر حامد أبو زيد ـ لا يميل الى التمييز السائد بين الخطاب الإسلامي المعتدل والآخر المتطرف، فالكل سواسية، والفارق لا يزيد على كونه فارقاً في الدرجة وليس على صعيد النوع، فقبل خروج «الجن من القمقم» على حد تعبير محمد حسنين هيكل وبعده، راح الكثير من الباحثين يرقبون عن قلق كل هذا العنف والغلو الأصولي، الذي ينهل من مرجعية دينية سياسية في فهمها للنص القرآني، والتي تجرأت على فهم جديد للنصوص، وعلى إذكاء فقه عنف جهادي ينطوي على ضرب من فبركة جهادية جديدة إذا أخذنا برأي منتصر الزيات في تقويمه لتجربة الجماعة الإسلامية، وذلك عبر مقارباتها النظرية لمسألة العنف الجهادي سواء المتعلق منه بمجاهدة العدو الأقرب أو ذلك المتعلق بمجاهدة العدو الأبعد، والذي جلب على الأمة من الدمار ما قيض كل المنافع التي تصورها الظواهري وزملاؤه الذين انتقلوا من مجاهدة العدو الأقرب الى مجاهدة العدو الأبعد، أي الى رحاب ما سمي بـ «عولمة الإسلام السياسي».
وأمام حالة اللاأدرية التي حكمت الخطاب العربي المعاصر والتي دفعته الى أحضان إرادة عدم معرفة، راحت بعض التحليلات للخطاب الإسلامي تشق طريقها الى الفكر العربي المعاصر، وتحديداً التحليلات التي طاولت الخطاب القطبي، نسبة الى سيد قطب رحمه الله، باعتباره المنتج الإيديولوجي لمعظم الجماعات الإسلامية والحزبية الإسلامية، أضف الى ذلك، الخلاف حول ارثه الفكري، بين مدع تمثيله وآخر متهم بحياده عنه أو داعياً الى تجاوزه (الغنوشي مثلاً)، فمن وجهة نظر بعض الدارسين المحدثين، أن الغلو والتطرف في خطاب سيد قطب، وبخاصة في ما يتعلق بـ «مفهوم الحاكمية «الذي يقوم على تكفير الآخرين الذين لا يحكمون بما انزل الله بحسب تأويل سيد قطب لهذه الآية الكريمة، يأتيه من كعب أخيله الهندي، بصورة أدق، من المصدرين من كونه هندياً في الأصل، وهذا ما يجعل من فهمه للدين فهماً أعجمياً ينطوي على غلو وتطرف، ومن كونه من جهة أخرى، قد أخذ جل مفاهيمه من المدرسة الإسلامية الهندية الباكستانية، وبالضبط، من أبي الأعلى المودودي المفكر الإسلامي المعروف.
في كتابه «سيد قطب: الخطاب والايدولوجيا» يؤكد محمد حافظ دياب أن «مهاجر موشا» والمقصود بذلك سيد قطب حيث مسقط رأسه قرية «موشا» في منطقة أسيوط وعلى ضفاف النيل، هو من أصل هندي وهذا قد يفسر ذلك الغلو والتعارض الكامل الذي يحكم خطابه الذي يقسم العالم فيه الى دارين وفسطاطين: الإيمان والكفر، الحق والباطل، الخير والشر، حاكمية الله وحاكمية البشر، الله والطاغوت والتي لا تقبل أي توسط أو أي مصالحة، إذ المسألة في النهاية مسألة كفر وإيمان، أضف الى ذلك تأثره الكبير بالمفكر الباكستاني ـ الهندي أبو الأعلى المودودي. يكتب محمد حافظ ذياب: إن قارئ الخطاب القطبي لا يملك إلا أن يسجل حضور أكثر مفردات النسق المفهومي كما أورده المودودي، بنوع من إعادة الإنتاج الذي يحكمه الموقف الفكري الراهن لهذا الخطاب، لتقوم بدور جديد في البنية الأيديولوجية التي اتخذها. هذا الدور الجديد يتمثل في تجاوز المودودي وإعطاء أحكامه صفة مطلقة، فيما هي عند المودودي ليست بهذا الإطلاق». إن حافظ ذياب يبرئ المودودي من هذه المطلقات التي وسمت استنتاجات سيد قطب، يقول: «اللافت أن المودودي في حديثه عن الحاكمية والتكفير والجاهلية والتي طاولت المجتمع الهندوسي قد وقف عند القول بارتداد المجتمع دون الأمة، أما قطب فيرى أن الأمة قد كفرت بالإسلام ولم تعد تأخذ بشريعة الله.
يعج تحليل الخطاب القطبي بالاتهامات لسيد قطب بالمثالية والطوباوية والرسولية والاجرومية، ولكن ما يفسر ذلك كله هو أصله الأعجمي ونحته لمفاهيم أعجمية قالها المودودي عن المجتمع الهندي هناك ولكن سيد قطب قام بتعميمها على المجتمع العربي وعلى الأمة الإسلامية.
وإذا كان محمد حافظ ذياب يزكي المودودي على حساب سيد قطب، فإن نصر حامد أبو زيد في تحليله للخطاب الديني يجعل من سيد قطب مجرد شارح لأبي الأعلى المودودي، فهو لا يزيد عن كونه صدى لصوت المودودي. فالمودودي هو الحاضر المستمر في خطاب سيد قطب والذي لا يكاد قطب أكثر من شارح لأفكار المودودي ومفسر لها ولكن مع فارق يميل دائماً للمودودي، فقد استدعى المودودي مفهوم الحاكمية في إطار الصراع على السلطة بين المسلمين والهندوس في شبه القارة الهندية عشية الاستقلال، وله بعض العذر في ذلك، إلا أن العذر يجب أن يغيب عن سيد قطب الذي قاده هذا المفهوم (أنظر كتاب أبو زيد عن «الخطاب الديني»)
لا يهدف القائلون بحضور الإسلام العجمي في خطاب سيد قطب الى تفهمه، بل الى إدانته، كونه لم يقف عند حدود الإسلام الأعجمي وقضاياه، بل وراح يطبقها بصـورة اشد غلواً على مجتمع مغاير وواقع مختـلف، والسؤال هو هل هناك حقاً إسلام أعجمي يغاير بفهمه الإسلام العربي، الجواب يقدمه فهمي هويدي في كتابه «طالبان: جند الله في المعركة الغلط، 2001» ففي محاولة منه لتفهم سلوك «جند الله» وليس الدفـاع عنـهم كما ارتـأى البعض، يرى هويدي أن شبه القارة الهندية التي تضم الهند وباكستان وبنغلاديش، تغص بالمدارس الدينية التي أنشأتها مختلف العرق والجماعات، الشيعية والسنية، وبين مدارس أهل السنة، هناك مدرسة شديدة المحافظة يطلق عليها «الديوبندية» نسبة الى بلدة ديوبند الهندية، التي تقع في شمال مديـنـة دلهي، وعـلى بعد 144 كلم. وقـد تأسست في تـلك البلدة مدرسة دينية إسلامية في سنة 1867، أي قبل أكثر من 130 عاماً، وذاع صيتها وازدهرت حتى أطلق عليها «أزهر الهند» ولا يختلف احد على أنها قامت بدور كبير في خدمة السنة النبوية والعلوم الدينية الأخرى، كما أنها خرّجت علماء كباراً اثروا الثقـافة الإسلامية في الهند، وبعد أن كانت المدرسة الديوبندية مزدهرة، فإنها ضعفت وترهلت، لكنها ظلّت نموذجاً أنشئت على نسقه أكثر من عشرة آلاف مدرسة في شبه القارة الهندية. والاتفاق كما يرى هويدي أن عناصر «طالبان» قد تشربوا معارفهم وتفكيرهم من هذه المدارس والتي تجاوزتها الثقافة الإسلامية والأزهر الشريف قبل ستين أو سبعين عاماً.
محاولات في فهم الغلو والتطرف الذي يطبع عالمنا العربي والإسلامي، بعضها محكوم بإرادة الإيديولوجيا والآخر بإرادة المعرفة، ولكن جميع هذه المحاولات التي تسعى لأن تتلمس خيطاً أبيض يفرق بين الليل والنهار، بين الكفر والإيمان، تصدم بقراءات جديدة صدرت مع بداية الألفية ومفادها أن منهج التكفير والغلو يمثل بنية داخل الخطاب الإسلامي ويمتد على طول تاريخ الإسلام، من حروب الردة الى حروبنا المعاصرة (عبد الإله بلقزيز «الدين والسياسة، 2001»)، بهذا نعود الى ما سمّاه منتصر الزيات بـ «سياسة تقطيع الملابس» وجلد الذات وعندها لا ينفع التفريق على علاته الكثيرة بين إسلام أعجمي وآخر عربي؟.