تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عالم كامل من الراحة والطبيعة والأساطير الخالدة في الغابات السوداء في جنوب ألمانيا



yasmeen
10-07-2005, 09:26 AM
http://www.asharqalawsat.com/2005/10/05/images/travel.326653.jpg



كولون (ألمانيا): ماجد الخطيب

تعتبر الغابات السوداء في جنوب غرب ألمانيا من أجمل المناطق الطبيعية المحمية والخضراء في أوروبا. وتتحول هذه الخريطة الفسيفسائية الساحرة الألوان في الصيف، إلى سجادة جليدية بيضاء تطرزها الشمس بأشعتها الذهبية في الشتاء. وربما أن جاذبية المنطقة و«عرسها السياحي» الدائم يكمن بالضبط في هذا التنوع الجمالي المتطرف الذي يتمتع فيه البشر والحيوانات على حد سواء بالشمس صيفا وشتاء.

الغابات السوداء باختصار تشكل الغابات السوداء المثلث الجنوبي الغربي من ألمانيا في البقعة الممتدة بين ألمانيا وفرنسا وسويسرا. وهي منطقة من الغابات الكثيفة بطول 160 كم بين بفورتسهايم في الشمال وفالدسهوت في الجنوب، وبعرض 20 كم بين كارلسروهة وشتوتغارت و60 كم بين شفيننغن وفرايبورغ. وهذا يعني أن نهر الراين يحدها من الجنوب حيث تقع سويسرا ثم يحدها من الغرب أيضا حيث يلتوي بزاوية قائمة عند «بازل» السويسرية. واضافة إلى عدة أنهار وبحيرات وشلالات، يخترق الغابات نهر النيكر بتعرجاته الشديدة مكونا تشكيلات طبيعية غاية في الجمال.كما تمتد الغابات السوداء لتلتقي بأجمل سهول نهر الدانوب في الشرق.

عدا ذلك فهي منطقة جبلية وعرة عند قدم جبال الألب تخترقها العديد من الوديان والسهول. وتقسم الغابات السوداء إلى ثلاث مناطق هي الشمالية والوسطى والجنوبية، وتعتبر قمة هورنسغرندة أعلى جبالها في الشمال (1166 متر) وقمة فيلدبيرغ ( 149 م) وقمة بيلشن (1241 م) في الجنوب وقمة جبل كاندل في الوسط (1241 م). وتنخفض الغابات في الغرب إلى ارتفاع 200 متر فوق سطح الأرض فتشكل مسطحات خضراء لمختلف النشاطات. وهناك العديد من البحيرات الجبلية التي توفر مكانا لاستجمام السواح ومسطحات مائية لممارسة الرياضة المائية. منها بحيرة تيتيزي وشلوخزي، وموملزي وفيلازي ولاغونا باورلاند، إضافة إلى بحيرة «بودن سي» الكبيرة التي لا تبتعد سوى كيلومترات عن غرب شفيننغن.

تجتذب المنطقة شتاء وصيفا مئات الآلاف من المصطافين والباحثين عن الراحة والاستجمام على الطبيعة وفي العيادات الصحية من ألمانيا وسويسرا والنمسا وفرنسا وكافة أنحاء العالم. وكأي منطقة غابات جبلية فهي غابات سوداء لها قصصها وطرائفها واساطيرها وأكاذيبها «البيضاء» عن الدببة والجن والسعالي. ويقال إن أهالي الغابات السوداء يستقبلون ضيوفهم بالزهور والمعجنات والمشروب الذي تعده جنيات المنطقة. كما أنهم لا يدخرون الغالي والنفيس في خدمة الضيوف والسواح الذين يجوبون الغابات مشيا على الأقدام أو على الدراجات. وتحكي إحدى الطرائف التاريخية عن مدينة هورنبيرغ عن جلوس أمير جديد عام 1546 على عرش الغابات السوداء. وقررت المدينة استقبال الأمير في كرنفال ملون لا تنقصه اطلاقات المدافع. وهكذا تم تحضير المدافع والقذائف وتلميعها وهيئت الموائد والاقداح بانتظار الأمير الجديد. لاحظ الرجل في برج الكنيسة عاصفة غبار مقبلة فأعطى أمر اطلاق المدافع احتفاء بالأمير. وهكذا أطلقوا المدافع حتى آخر البارود ولم يتبق لهم ما يطلقونه حينما أقبل الموكب واتضح أنه عربة فلاح يقود قطيعا من الثيران.

على أية حال، هذه هي ليست الحال عام 2005، فعدد الفنادق والمطاعم في الغابات السوداء اليوم أكثف من أية منطقة أخرى في ألمانيا. ويمكن للسائح أن يختار بين المبيت على الجبال أو السهول، بين البنسيونات والموتيلات، بين الأكواخ «الفلاحية» التقليدية التي تميز الغابات السوداء وبين الفنادق الراقية. وتقدم هذه الفنادق والمطاعم، بالنظر لثقافتها «المطبخية» المتنوعة، الوجبات على الطريقة الألمانية والسويسرية والفرنسية. وتتنوع الوجبات المفضلة في المنطقة بين لحوم الحيوانات والطيور البرية، بين الاسماك النهرية من الراين والدانوب والبنيكر، والأغذية النباتية الشهية التي تزخر بها الجبال وخصوصا أنواع الفطر والبطاطا التي ترتفع إلى 150 نوعا.

32 مصحا

* ورغم شهرة المنطقة السياحية فهي منطقة مصحات واستجمام في الدرجة الأولى وتجتذب آلاف المعانين من آلام المفاصل والظهر والذين يبحثون عن اعادة التأهيل بعد نهوضهم من أمراض مزمنة وثقيلة. وهناك 32 مصحا في الغابات السوداء تساندها عشرات الفنادق التي تقدم خدمات الـ عافية (Wellness) وتحمل تصريحا رسميا من السلطات الصحية الألمانية بممارسة هذه الخدمات. وتنتشر هذه المصحات في مختلف مدن المنطقة وتعمل شتاء وصيفا. وعلى هذا الأساس فان مدينة بادن بادن المعروفة تشتهر كمدينة للمصحات والاستجمام.وتعتبر مصحات مورغ وبادهورنالب وفيلدباد وليبزيل من اشهر مصحات بادن المعروفة بمائها العليل وحماماتها الحارة التي تستمد مياهها المعدنية من الجبال. تضاف إليها حمامات فيتا كلاسيكا في بادن كورزنغن وحمامات «كاسيوبيا ثيرما» في بادن فايلر والعديد غيرها.

ويمكن للباحث عن الاستراحة بعد اشهر عمل شديدة أن يجد في المناطق القريبة من شلالات تريبرغر أو في منطقتي البيئة المحمية في رولبان وقرب فرايبورغ ملاذا له.

رياضة شتوية وصيفية

* ونظرا لتنوع ونموذجية الجو للرياضة تحفل المنطقة بالمسابقات المحلية والعالمية التي تمتد بين التزلج على الجليد في الشتاء والتزلج على الماء في الصيف. وتعتبر رياضات المشي والدراجات والتجوال في الغابات وتسلق الجبال (تبقى قممها بيضاء في الصيف) والسباحة والتزلج على الماء وقيادة الزوارق الصغيرة (الكانو) وغيرها من الرياضات الصيفية الشهيرة في المنطقة. وتوفر الثلوج الكثيفة في الشتاء ملاعب لمحبي التزلج وسباقات الركض على الجليد والرماية والصيد. هذا بالإضافة إلى أن الغابات هي من أهم مناطق الرحلات المدرسية والتعريف بالتاريخ والجيولوجيا نظرا لجبالها الغرانيتية والصخرية وكهوفها القديمة التي نحتتها الطبيعة منذ انجلاء العصر الجليدي. وتخصصت مدن الغابات ببناء «الفنادق الرياضية» التي تهتم بالرياضيين في الشتاء والصيف وتوفر المدربين والتجهيزات الرياضية اللازمة.

قصة الساعات

* نضيف أيضا أن قرب المنطقة من سويسرا منح أهلها موهبة أخرى هامة هي صناعة الساعات. فالمنطقة مشهورة بصناعة الساعات الدقيقة التي واكبت تطور مثيلتها في بازل وزيورخ. وأضاف أهل المنطقة على ساعاتهم لمسات جبال واشجار الغابات السوداء فصنعوا أجسادها من الجوز والبلوط والأيك والغرانيت. ويمكن لمن يرغب أن يزور متحف الساعات في فورتفانغن للتعرف على قصة الغابات السوداء لصناعة الساعات الأولى التي كانت بعقرب للساعات فقط.

زيارات مهمة

* هناك العديد من المناطق والآثار التي تستحق المشاهدة مثل كنيسة بلازين، التي تعتبر ثالث كنيسة أوروبية نحاسية من ناحية الحجم، ودير البرسباخ في بينيدكتن الذي يبلغ عمره 900 سنة وبني من صخور الغرانيت المقتلعة من نهر الراين، وبرج فريدريش (بني 1891) والذي شيد في أعلى نقطة في مدينة بادن (1002.50 م). ويمكن من هذا البرج القاء نظرة شاملة على المنطقة.

أخيرا، يمكن لمن يود قضاء الوقت على الطبيعة أن ينصب خيمته في العراء وأن يقتات على ما توفره له الغابات السوداء من طرائد، شرط أن لا يتحول نفسه إلى طريدة.