المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المرض الذي يقتل طفلا كل 30 ثانية؟



سمير
10-07-2005, 09:08 AM
يهدد 40% من سكان العالم وتكلف إفريقيا 12 مليار دولار سنويا.. رغم أن العالم اكتشفه 1880



يقف العشرات من الفنانين الأفارقة هذا الأسبوع، للغناء لمواجهة مرض ما زال يقتل سنويا اكثر مما يقتل مرض الايدز، غير انه لا ينال من الاهتمام السياسي او نفقات الابحاث العلمية، ما يناله الايدز، هذا المرض إنه مرض الملاريا الذي يتوطن عادة فى البلاد الفقيرة، ويقتل بحسب الاحصاءات المعروفة طفلا كل ثلاثين ثانية. فما هي حكاية هذا المرض؟ ولماذا لم تقض عليه البشرية حتى الآن، وكيف يؤثر على الاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الدول النامية؟ تقدر منظمة الصحية العالمية أن مرض الملاريا يقتل ما بين مليون ومليوني إنسان سنوياً، ويصاب به ما بين 300 إلى 400 مليون. كذلك تشير الاحصاءات الرسمية إلى أن 90% من الوفيات بهذه المرض، تحدث في افريقيا الوسطى (جنوب الصحراء الكبرى) والجنوبية، وإلى أن هذا المرض متوطن أو شبه متوطن، في أكثر من 100 دولة، وبالتالي يهدد نحو 40% من سكان الأرض، وبالذات الأطفال والحوامل وكبار السن.

وقد جاء اسم «ملاريا» من اللغة الايطالية بمعنى «الهواء الرديء»، وهو مكوّن من كلمتي «مال» التي تعني رديء و«آريا» التي تعني هواء. ويعود إلى الطبيب والباحث الفرنسي شارل لوي الفونس لافيران (1845 ـ 1922) اكتشاف سبب، أو بالأحرى، «مسبب» المرض وهو طفيلي أحادي الخلية يسمى «بلازموديوم» عام 1880. ولاحقاً اكتشف أن هذا الطفيلي تنقله إناث البعوض من فصيلة الـ«أنوفيليس»، التي تحتاج إلى الدم لتغذية بيوضها. وكان انتشار هذا المرض، أوسع جغرافياً مما هو عليه اليوم، إذ أمكن القضاء عليه من عدد كبير من الدول المعتدلة المناخ في أواسط القرن العشرين، ومعظمها دول متقدمة اقتصادياً بصفة عامة. وبالتالي اقتصر توطن المرض على مناطق جنوب الصحراء من إفريقيا المدارية والاستوائية، بجانب مناطق أخرى في العالم الثالث (مثل أميركا الوسطى والجنوبية وجنوب آسيا، وجزر غرب المحيط الهادئ وجنوبه).

ويشكل الأطفال، الغالبية العظمى من ضحايا المرض، ويقدّر أن الملاريا تقتل طفلاً كل 30 ثانية في إفريقيا الوسطى والجنوبية، مع الإشارة إلى ان نسبة عالية من الأطفال، الذين ينجون من الموت بعد تعرضهم للإصابة، تسبب لهم الملاريا الحادة مصاعب في التعلم أو تخلفاً عقلية أو حتى أعطاباً دماغية دائمة. أيضاً الحوامل والأجنة من أكثر الفئات تعرّضاً للعدوى، وهي تشكل فريسة سهلة للمرض، وبالتالي حالات الإسقاط وانخفاض وزن المواليد، وفقر الدم الحاد عند الأمهات.

وعلمياً، هناك أربعة أنواع من طفيليات «البلاموديوم» المسببة للمرض، منها اثنان «البلازموديوم فايفاكس» و«البلازموديوم فالكيباروم»، هما الأوسع انتشاراً في إفريقيا، ويعد الثاني (الفالكيبروم) الأكثر خطورة ووبالاً، وهو الذي يتسبب بأعلى معدل وفيات. ومما يشغل الدوائر الصحية العالمية اليوم، أن هذا النوع بالذات عاد إلى الظهور في أنحاء من العالم، كانت قد طهّرت منه في الماضي، ومما يبعث على القلق، أنه لا يوجد علاج سحري واحد للملاريا، وكثيرون يشكون في إمكانية إيجاد هذا العلاج في المستقبل المنظور.

وللملاريا تكلفة إنسانية ومادية باهظة. فهي ليست فقط مرضا يتركز في مناطق فقيرة من العالم، حرم مواطنوها من الإمكانيات الوقائية والتوعية المنظمة والتجهيزات التقنية الكافية لدرء خطره، بل يؤدي المرض إلى مفاقمة الأوضاع المعيشية، ويسهم بتدمير اقتصادات عدد من الدول الفقيرة التي يتوطن فيها. خاصة أن المرض يقلّص الانتاجية ويهز الاستقرار الاجتماعي.

اليوم يقدّر أن مرض الملاريا يكلّف أفريقيا أكثر من 12 مليار دولار أميركي سنوياً، بشكل خسارة في الناتج الوطني. وتشير تقارير متخصصة إلى أن ثمة حاجة إلى حوالي ملياري دولار سنوياً، لخفض عدد الإصابات إلى النصف بحلول عام 2010، مع العلم أن نحو 600 مليون دولار فقط، تنفق حالياً في مكافحة المرض وعلاجه.

وفي هذا النطاق تجدر الإشارة إلى طفيليات الملاريا، تمكنت في عدد من الدول من مقاومة الأدوية الرخيصة، ويرى الخبراء أنه من الممكن تأخير المقاومة باستخدام طرق علاجية تجمع توليفة من الأدوية تصنيع بعضها مثل الـ«أرتيميسينين» عالي التكلفة نسبياً.

من ناحية ثانية، وبعدما نجحت الحملات التوعية في دول الغرب ـ وبالذات في أوروبا ـ بمختلف أشكال المعاناة في العالم الثالث، منذ حملة الفنان الآيرلندي الأصل بوب غيلدوف لمكافحة المجاعة في أثيوبيا، خلال منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي، تنشط حالياً عدد الحكومات والمؤسسات والشركات الخاصة والمشاهير في تنظيم حملات غايتها التوعية ورفع مستوى التعاون العام والإسهام بتمويل مشاريع مكافحة مرض الملاريا وعلاجه.

ويأتي هذا التطور ظاهرةً إيجابية جداً لمحو الإنطباع الراسخ عند كثيرين، حتى في العالم المتقدم، بأن الأوبئة والأمراض التي تقتل عشرات، بل مئات الألوف سنوياً في الدول الفقيرة، بالكاد تحظى باهتمام أو تعاطف أو دعم من «دول الشمال» الغنية، التي أتاح لها مستواها المعيشي الراقي تطهير اراضيها من هذه الآفات. والحقيقة انه بالنظر إلى الدول التي تعاني من الملاريا، يتأكد تماماً البعد السياسي والتنموي للانقسام العالمي الحاد الحاصل بين الدول المتقدمة والدول الفقيرة.

وكان عضو البرلمان البريطاني ستيفن أوبرايان، واحداً من الشخصيات السياسية الأوروبية العديدة التي اعتبرت مكافحة الملاريا من الأولويات على المستوى العالمي. وعبر المحيط الأطلسي نوقشت في العاصمة الأميركية واشنطن التوصيات المقترحة في الكونغرس، لتسليط الضوء على الحاجة إلى قيادة الولايات المتحدة لجهود مكافحة الملاريا، وساهم في النشاطات المعدة في هذا السياق، عدد من اهل السياسة والإعلام والفن في الولايات المتحدة، وانضم بعضهم إلى حملة «قهر مرض الملاريا عبر الشراكة»، التي تضم منظمة الصحة العالمية ومجلس الصحة العالمي، فهل سيأتي الغد من دون ان يموت طفل بسبب الملاريا؟