زهير
10-05-2005, 07:12 AM
رشيد الخيون
أُعلن أخيرا عن تأسيس حركة تحت مسمى «أهل العراق»، بعد استبدال مسمى «أهل السُنَّة». ونراها التفاتة غير متأخرة ضد الشحن الطائفي والشقاق الفئوي بالعراق اليوم. فعلى الرغم من أن الأحزاب الدينية عموماً لم تجعل عناوينها طائفية إلا أنها ذات تكوين وخطاب طائفيين، بحدود طبيعة الانتماء أو الهدف. لقد تأسس الحزب الإسلامي العراقي، وهو بقية الإخوان المسلمين، سُنَّياً، وتأسس حزب الدعوة الإسلامية شيعياً، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية شيعياً، ومنظمة العمل الإسلامي شيعية، ومثلما اتخذت حركة شيعية اسم «جماعة العلماء المجاهدين في العراق» اتخذت جماعة سُنَّية اسم «هيئة علماء المسلمين في العراق». أي كل يسعى إلى تسييس طائفته أو مذهبه بعنوان مظلل الطائفية والمصالح الشخصية حجره الأساسي، بينما تُنال الحقوق غير منقوصة عبر مشروع وطني.
وبنية سليمة يُفسر الابتعاد عن المجاهرة بالتسمية الطائفية أو المذهبية أن هناك شعوراً بالخجل من الإفصاح بتكريس الطائفية عبر عناوين الأحزاب. وبالتالي هناك رغبة في احتواء الخلاف حتى لا يصل إلى حد التصادم المعلن. كذلك نجد الكل يتحدث ضد الفتنة الطائفية والمذهبية، ويثلب الطرف الآخر بها، ويجري التسابق إلى إعلان الأخوة العراقية، ووحدة الأرض والشعب من على منابر الخطابة. لكن الخطاب المعلن والاسم شيء والتحرك وتبادل المخاوف شيء آخر.
وبلا ريب، تفاءَل العراقيون، من رافضي الطائفية، بإعلان الدكتور عدنان الدليمي، رئيس الوقف السُنّي السابق، استبدال اسم مؤتمر أهل السُنَّة باسم أهل العراق. ومعلوم عندما يُقال أهل العراق يعني المسلمين: السُنَّة والشيعة، عرباً وكُرداً وتركماناً، والمسيحيين: آشوريين وكلداناً، والمندائيين، والأيزيديين، والكاكائيين، وحتى البهائيين، وبقية اليهود، ومكتسبي الجنسية العراقية من بقية الأمم. هؤلاء هم أهل العراق المفترض يعنيهم التنظيم الوطني الجديد كافة.
بيد أن مقدمات المؤتمر لا تبعث التفاؤل بمشروع عراقي خال من الحسابات الفئوية والطائفية. جاء في احد لقاءات ناطقه الرسمي الدكتور الدليمي: أن مؤتمره اتصل بالشيعة من العرب أو العروبيين، على حد عبارته. ويعني هذا أنه لا يشمل الكُرد الفيليين، لأنهم شيعية من غير العرب، ولا التركمان الشيعة، ولا القسم الشيعي من الشبك، لأنهم كُرد؟ صحيح أن مسيحياً ألقى كلمة في جلسة التأسيس، وامتد المؤتمر إلى مدينة الناصرية، وهي ذات كثافة شيعية، وحضره من الكُرد ومن التكوينات الأخرى، لكن الخطاب العام لم يرق إلى مضمون العنوان «أهل العراق». فهو يعتبر ملاحقة الإرهابيين تصفية متعمدة لأهل السُنَّة والعرب. وانسابت من فم ناطقه الرسمي مفردة الشعوبية، ولعله انسياب عفوي، مع أنه يفصح عن خلفية ما زالت تفعل فعلها في النفوس. وحدد المؤتمر السعي إلى تحقيق مطالب الأعضاء السُنَّة في الدستور، والتأكيد على تحبيب الإرهاب باسم المقاومة والجهاد! يعني هذا أن استبدال عنوان «أهل السُنَّة» بـ«أهل العراق» لم ينل غير الألفاظ «أما معانيها فليست تعرف». وإذا كان الأمر كذلك فالمصادرة قد تجاوزت أهل السُنَّة إلى أهل العراق كافة، مثلما صادرت أحزاب ومنظمات شيعية تطلعات فئات ليست قليلة من الشيعة. وأن مَنْ انتسب إلى المؤتمر من بقية التكوينات، شخصية أو أكثر، وظيفته تجميل الصورة وإبعاد الشبهة. وبهذا خابت آمالنا بعد البشارة بتسمية ظاهرها يتعالى على الطائفية، ويجمع العراقيين «إلى كلمة سواء».
خلا هذا، هناك تاريخ لتسمية «أهل العراق» محمل بآلام الحروب والفتن. قال أحد أساتذة الجامعة من القوميين العرب في ندوة وصفت بالأكاديمية، ثأراً للنظام السابق: «كيف يرفع العراقيون رؤوسهم وقد قال فيهم الخليفة علي بن أبي طالب: يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق»؟ ورغم سريان القولة على ألسنة المحدثين والخطباء، وجريان حبر الأقلام بها، إلا أن سماعها والاستشهاد بها بشماتة، وفي هذا الوقت بالذات، له مغزى مؤذٍ، إذا علمنا بعظم منزلة الإمام علي لدى أهل العراق عامة.
لا أبث معلومة جديدة إذا قلت ان سُنَّة العراق ينافسون مواطنيهم الشيعة على حب علي، ولا يتأخر الكثير منهم في القول: «نحن أتباع أهل البيت». وأن المزارات بين حارات المدن السُنّية، واختلاقهم لرواية تلمذة الإمام أبي حنيفة للإمام جعفر الصادق، حسب ما نسب للأول «لولا السنتان لهلك النعمان» تصديق لما يدعون. بينما لا يتعدى زمن الرواية زمن مختلقها شاه عبد العزيز الدهلوي (ت1823)، ومختصرها محمود شكري الآلوسي (ت1924) في «مختصر التحفة الاثني عشرية»، وكلاهما من علماء أهل السُنَّة والجماعة.
نعم، ذم علي بن أبي طالب أهل البصرة، في يوم الجمل. قال: «عهدكم شقاق ودينكم نفاق»، ويعني مَنْ بايعه ونكث بيعته. لكنه لم يقلها بالعراقيين وبالنص الشائع، مثلما ورد على لسان زميلنا أستاذ التاريخ. أرى هناك مَنْ اختلق هذه النسبة، كي تبقى تحوم لعنةً فوق رؤوس العراقيين إلى أبد الآبدين، وهم لم ينجوا بعد من لعنة بابل القديمة. والثابت، حسب الموثقات من الروايات، أن صاحب قولة «أهل العراق أهل الشقاق والنفاق» هو ابن الزبير، لا علي بن أبي طالب. قالها إثر مقتل أخيه مصعب: «ألا إن أهل العراق أهل الشقاق والنفاق، باعوه بأقل ثمن كانوا يأخذونه به» (ابن قتيبة، عيون الأخبار). ثم قالها الحجاج عندما تداول العراقيون نبأ وفاته الكاذب: «إن طائفة من أهل العراق، أهل الشقاق والنفاق، نزعْ الشيطان بينهم، فقالوا مات الحجاج!» (عيون الأخبار).
إن حقيقة ما قاله الإمام علي بن أبي طالب في أهل العراق كان نصاً بليغاً مقارنة بما نُسب إليه، وكأنه يناشدهم اليوم، واصفاً تعثرهم في اغتنام فرصة بناء دولة معافاة من هيمنة فرد أو جماعة. قال: «أما بعد يا أهل العراق، فإنما أنتم كالمرأة الحامل، حملت فلما أتمت أملصت (أسقطت جنينها ميتاً)» (نهج البلاغة). وها هم العراقيون يتقاسم الاحتلال والإرهاب أفئدتهم: فئة متمسكة بالاحتلال خوفاً من صولة الإرهاب وحرب داخلية مرتقبة، وفئة متمسكة بمغازلة الإرهاب خوفاً من نوايا الاحتلال، وشبح رايات سُود قد تقدم من جهة الشرق، وهذه المرة صفوية لا عباسية. وبين هذا وذاك تتساقط الأحلام ميتة.
أُعلن أخيرا عن تأسيس حركة تحت مسمى «أهل العراق»، بعد استبدال مسمى «أهل السُنَّة». ونراها التفاتة غير متأخرة ضد الشحن الطائفي والشقاق الفئوي بالعراق اليوم. فعلى الرغم من أن الأحزاب الدينية عموماً لم تجعل عناوينها طائفية إلا أنها ذات تكوين وخطاب طائفيين، بحدود طبيعة الانتماء أو الهدف. لقد تأسس الحزب الإسلامي العراقي، وهو بقية الإخوان المسلمين، سُنَّياً، وتأسس حزب الدعوة الإسلامية شيعياً، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية شيعياً، ومنظمة العمل الإسلامي شيعية، ومثلما اتخذت حركة شيعية اسم «جماعة العلماء المجاهدين في العراق» اتخذت جماعة سُنَّية اسم «هيئة علماء المسلمين في العراق». أي كل يسعى إلى تسييس طائفته أو مذهبه بعنوان مظلل الطائفية والمصالح الشخصية حجره الأساسي، بينما تُنال الحقوق غير منقوصة عبر مشروع وطني.
وبنية سليمة يُفسر الابتعاد عن المجاهرة بالتسمية الطائفية أو المذهبية أن هناك شعوراً بالخجل من الإفصاح بتكريس الطائفية عبر عناوين الأحزاب. وبالتالي هناك رغبة في احتواء الخلاف حتى لا يصل إلى حد التصادم المعلن. كذلك نجد الكل يتحدث ضد الفتنة الطائفية والمذهبية، ويثلب الطرف الآخر بها، ويجري التسابق إلى إعلان الأخوة العراقية، ووحدة الأرض والشعب من على منابر الخطابة. لكن الخطاب المعلن والاسم شيء والتحرك وتبادل المخاوف شيء آخر.
وبلا ريب، تفاءَل العراقيون، من رافضي الطائفية، بإعلان الدكتور عدنان الدليمي، رئيس الوقف السُنّي السابق، استبدال اسم مؤتمر أهل السُنَّة باسم أهل العراق. ومعلوم عندما يُقال أهل العراق يعني المسلمين: السُنَّة والشيعة، عرباً وكُرداً وتركماناً، والمسيحيين: آشوريين وكلداناً، والمندائيين، والأيزيديين، والكاكائيين، وحتى البهائيين، وبقية اليهود، ومكتسبي الجنسية العراقية من بقية الأمم. هؤلاء هم أهل العراق المفترض يعنيهم التنظيم الوطني الجديد كافة.
بيد أن مقدمات المؤتمر لا تبعث التفاؤل بمشروع عراقي خال من الحسابات الفئوية والطائفية. جاء في احد لقاءات ناطقه الرسمي الدكتور الدليمي: أن مؤتمره اتصل بالشيعة من العرب أو العروبيين، على حد عبارته. ويعني هذا أنه لا يشمل الكُرد الفيليين، لأنهم شيعية من غير العرب، ولا التركمان الشيعة، ولا القسم الشيعي من الشبك، لأنهم كُرد؟ صحيح أن مسيحياً ألقى كلمة في جلسة التأسيس، وامتد المؤتمر إلى مدينة الناصرية، وهي ذات كثافة شيعية، وحضره من الكُرد ومن التكوينات الأخرى، لكن الخطاب العام لم يرق إلى مضمون العنوان «أهل العراق». فهو يعتبر ملاحقة الإرهابيين تصفية متعمدة لأهل السُنَّة والعرب. وانسابت من فم ناطقه الرسمي مفردة الشعوبية، ولعله انسياب عفوي، مع أنه يفصح عن خلفية ما زالت تفعل فعلها في النفوس. وحدد المؤتمر السعي إلى تحقيق مطالب الأعضاء السُنَّة في الدستور، والتأكيد على تحبيب الإرهاب باسم المقاومة والجهاد! يعني هذا أن استبدال عنوان «أهل السُنَّة» بـ«أهل العراق» لم ينل غير الألفاظ «أما معانيها فليست تعرف». وإذا كان الأمر كذلك فالمصادرة قد تجاوزت أهل السُنَّة إلى أهل العراق كافة، مثلما صادرت أحزاب ومنظمات شيعية تطلعات فئات ليست قليلة من الشيعة. وأن مَنْ انتسب إلى المؤتمر من بقية التكوينات، شخصية أو أكثر، وظيفته تجميل الصورة وإبعاد الشبهة. وبهذا خابت آمالنا بعد البشارة بتسمية ظاهرها يتعالى على الطائفية، ويجمع العراقيين «إلى كلمة سواء».
خلا هذا، هناك تاريخ لتسمية «أهل العراق» محمل بآلام الحروب والفتن. قال أحد أساتذة الجامعة من القوميين العرب في ندوة وصفت بالأكاديمية، ثأراً للنظام السابق: «كيف يرفع العراقيون رؤوسهم وقد قال فيهم الخليفة علي بن أبي طالب: يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق»؟ ورغم سريان القولة على ألسنة المحدثين والخطباء، وجريان حبر الأقلام بها، إلا أن سماعها والاستشهاد بها بشماتة، وفي هذا الوقت بالذات، له مغزى مؤذٍ، إذا علمنا بعظم منزلة الإمام علي لدى أهل العراق عامة.
لا أبث معلومة جديدة إذا قلت ان سُنَّة العراق ينافسون مواطنيهم الشيعة على حب علي، ولا يتأخر الكثير منهم في القول: «نحن أتباع أهل البيت». وأن المزارات بين حارات المدن السُنّية، واختلاقهم لرواية تلمذة الإمام أبي حنيفة للإمام جعفر الصادق، حسب ما نسب للأول «لولا السنتان لهلك النعمان» تصديق لما يدعون. بينما لا يتعدى زمن الرواية زمن مختلقها شاه عبد العزيز الدهلوي (ت1823)، ومختصرها محمود شكري الآلوسي (ت1924) في «مختصر التحفة الاثني عشرية»، وكلاهما من علماء أهل السُنَّة والجماعة.
نعم، ذم علي بن أبي طالب أهل البصرة، في يوم الجمل. قال: «عهدكم شقاق ودينكم نفاق»، ويعني مَنْ بايعه ونكث بيعته. لكنه لم يقلها بالعراقيين وبالنص الشائع، مثلما ورد على لسان زميلنا أستاذ التاريخ. أرى هناك مَنْ اختلق هذه النسبة، كي تبقى تحوم لعنةً فوق رؤوس العراقيين إلى أبد الآبدين، وهم لم ينجوا بعد من لعنة بابل القديمة. والثابت، حسب الموثقات من الروايات، أن صاحب قولة «أهل العراق أهل الشقاق والنفاق» هو ابن الزبير، لا علي بن أبي طالب. قالها إثر مقتل أخيه مصعب: «ألا إن أهل العراق أهل الشقاق والنفاق، باعوه بأقل ثمن كانوا يأخذونه به» (ابن قتيبة، عيون الأخبار). ثم قالها الحجاج عندما تداول العراقيون نبأ وفاته الكاذب: «إن طائفة من أهل العراق، أهل الشقاق والنفاق، نزعْ الشيطان بينهم، فقالوا مات الحجاج!» (عيون الأخبار).
إن حقيقة ما قاله الإمام علي بن أبي طالب في أهل العراق كان نصاً بليغاً مقارنة بما نُسب إليه، وكأنه يناشدهم اليوم، واصفاً تعثرهم في اغتنام فرصة بناء دولة معافاة من هيمنة فرد أو جماعة. قال: «أما بعد يا أهل العراق، فإنما أنتم كالمرأة الحامل، حملت فلما أتمت أملصت (أسقطت جنينها ميتاً)» (نهج البلاغة). وها هم العراقيون يتقاسم الاحتلال والإرهاب أفئدتهم: فئة متمسكة بالاحتلال خوفاً من صولة الإرهاب وحرب داخلية مرتقبة، وفئة متمسكة بمغازلة الإرهاب خوفاً من نوايا الاحتلال، وشبح رايات سُود قد تقدم من جهة الشرق، وهذه المرة صفوية لا عباسية. وبين هذا وذاك تتساقط الأحلام ميتة.