المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : واقع المرأة بين الماضي والحاضر



ابوقاسم
07-29-2003, 02:53 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


واقع المرأة بين الماضي والحاضر

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

المرأة في الإسلام بين النظرية والتطبيق


* ساوى الإسلام بين المرأة والرجل على المستوى النظري، ولكن مطالعة التاريخ الإسلامي، لا تكشف أي تجلٍّ لتلك المساواة على مستوى الواقع (الأحكام، السلوك...). إلى ما تردون ذلك؟

ـ لعل سبب ذلك الرئيسي هو:

أولاً: انحراف الواقع الإسلامي السلطوي عن الخلافة وتحوّله إلى ملك يحاكي الممالك التي كانت تحيط بالعالم الإسلامي من فرس وروم.

ثانياً: فقدان الشخصيات القيادية الواعية المؤتمنة على رعاية أصالة الأمة، لأن السلطة الأموية، ومن ثَمَّ العباسية، عملت على إبعاد الرجال الذين كانوا مؤهلين لذلك، وهم الأئمة من أهل البيت(ع)، وعلى عزلهم عن الواقع الاجتماعي العام أو عن التأثير فيه، لو قُدِّر لهم ممارسة بعض التوجهات.

ثالثاً: منع عمر بن الخطاب تدوين السنة بحجة تجنب اختلاط أحاديث النبي(ص) بالقرآن. هذا الأمر أفقدنا جزءاً كبيراً من التجربة النبوية التي دوّنتها الأحاديث، وفتح إمكانية تشويه بعض المسائل عبر الكذب لعدم وجود مصادر مكتوبة، واعتماد الناس على أشخاص معرّضين للنسيان والانحراف والتأثر بالمال أو بأي شيء آخر، (على غرار بعض الرواة من الصحابة)، كما نفذت الإسرائيليات من خلال بعض الأشخاص، أمثال وهب بن منبّه وعبد الله بن سلام، الذين دخلوا إلى الإسلام وكانوا يحاولون تفسير القرآن بطريقة التاريخ التوراتي.

رابعاً: إبعاد الأئمة(ع) عن الحركة التاريخية والثقافية.

خامساً: سيادة الارتباك في أوضاع المجتمع الإسلامي، التي حالت دون تنظيم المجتمع وتركيزه، ودفعت المرأة إلى التخلف، فانطبعت صورتها كإنسان متخلّف، وأصبح من الصعب جداً النظر إليها باحترام من الناحية الفكرية والعقلية، بسبب واقعها المتخلف نفسه.

كل هذه الأسباب استطاعت إرباك الذهنية الإسلامية على صعيد المفاهيم تجاه المرأة وتجاه مسائل أخرى، وأفسحت المجال لسيطرة النظرة الجاهلية في هذا الموضوع، من دون أي حاجز وأيّة صدمة.

* إذا كان الإسلام يقرّ بتساوي المرأة والرجل إنسانياً، فهل يمكننا القول بأن الإسلام يؤمن بشعار المساواة الذي رفعه الغربيون، وكيف؟

ـ في الواقع، إن كلمة المساواة، تذهب باتجاهين :

أحدهما يلغي خصوصية الذكورة والأنوثة، ليكون كلٌّ من الرجل والمرأة إنساناً لا انتماء جنسي خاص له، بحيث لا يتميز عن الآخر بأية خصوصية، ويترتب على ذلك إعطاء المرأة ما يُعطى الرجل من حقوق وواجبات من دون أي فرق بينهما.

وثانيهما يحافظ على التنوع في الخصوصيات الإنسانية التي يتمايز فيها الطرفان، مع إعطاء كل منهما فرصة التحرك في دائرة خصوصيته بحرية، فتنطلق المرأة لتكون حرة إنسانياً كامرأة، وتقوم القوانين التي توضع لمساحة التقائها بالرجل، بحفظ التوازن بين خصوصيتها وخصوصيته، بحيث يتكامل الإنسان بالرجل والمرأة، كما تكامل وجوده بالتقاء الاثنين معاً في صناعة حركة الحياة وفي صناعة نشاطاتها ومشاريعها وما إلى ذلك.

والإسلام يتبنّى المساواة في هذا الاتجاه، فهو يعطي {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} [النساء:32]، {مما قل أو كثر نصيباً مفروضاً} [النساء:7]، أي للمرأة الحق في كل ما تكتسبه دون أن يكون للرجل ـ مهما كانت صفته بالنسبة إليها ـ أية سلطة في اضطهاد هذا الحق، كذلك الأمر بالنسبة إلى الرجل. لذلك نحن نقول إن الإسلام أكد المساواة على أساس أنه أعطى كل إنسان ـ بحسب خصائص وجوده ـ الفرصة التي يستطيع أن يحقق فيها ذاته بشكل حيوي ومتنامٍ، من خلال نظام الشريعة الذي يضع لكل ذي حق حقه، ويحدِّد لكل طرف العناصر التي يمكن أن يتكامل فيها مع الآخر.

* عند مقارنة النظرية بالواقع، نجد أن وضع المرأة في الحركات الإسلامية اليوم ليس في المستوى المطلوب، فهناك ميل إلى حبس المرأة في البيت ومنعها من أداء أي دور فاعل حتى عند زوجات القياديين قبل غيرهم، وهذه الظاهرة موجودة حتى في أكثر الحركات الإسلامية انفتاحاً، وهي الحركة الإسلامية في لبنان. أيُّ مستقبل للمرأة المسلمة يُرجى في ظل هذا الوضع؟ وكيف تفسرون ذلك؟

ـ أولاً؛ إنّ الحركة الإسلامية كانت حركة الرجل لا حركة المرأة، والرجل في هذه الحالة يأخذ امتيازاته. وثانياً؛ إن أغلب القياديين تزوجوا من نساء لسن على مستوى من الثقافة نتيجة ظروفهم في أول شبابهم. وثالثاً؛ إن الأشخاص القياديين مشغولون من الصباح حتى المساء، وإطلاق زوجاتهم للعمل الإسلامي يربك حركتهم في العمل في ظل عدم وجود مؤسسات اجتماعية تساعدها على التحرك. من هنا، نشأت صعوبة حركة المرأة في بعض المواقع. رابعاً؛ من الملفت أن الحركة الإسلامية جاءت من فوق، أي أنها حركة سياسية وليست حركة ثقافية، لذا، فإن حركتهم لا تعكس بعداً ثقافياً يمكن التأسيس عليه. لكن على المرأة، مع ذلك كله، أن تناضل وتجاهد لتكتسب لنفسها مواقع متقدمة.

واقع المرأة المعاصرة اليوم

* ما رأيكم بواقع المرأة في عصرنا الحالي؟

ـ هناك إيجابيات كثيرة لحركة المرأة في العصر الحالي، لأن المرأة التي فُتحت لها أبواب المعرفة، استطاعت إبداع الكثير في مواقع العلم، والمرأة التي فتحت لها أبواب العمل والتجربة ومنحت فرصة اكتساب الخبرة، استطاعت تحقيق الكثير من النتائج الإيجابية على هذا المستوى، وهكذا بالنسبة للواقع السياسي والاجتماعي والثقافي بشكل عام، لكن لا يمنعنا ذلك من القول إن هذه النهضة، التي استطاعت تحقيق الكثير من المكاسب للمرأة، قد اقترنت بالكثير من الأمور التي تسيء إلى أخلاقيتها وإلى صورتها. فإذا كانت الأوضاع السابقة قد جعلتها مجرد أداة متعة للرجل، فإن الواقع المعاصر لم ينأَ بها عن ذلك، بل أكده من خلال السياسة الإعلامية التي وظفت صورة المرأة في ترويج السلع الاستهلاكية، حيث جعلت من استخدامها، عارية أو شبه عارية في الإعلانات، وسيلةً لاجتذاب عيون الرجال إلى السلعة المراد تسويقها. من هنا، راجت فكرة مسابقات ملكات الجمال أو فكرة عرض الأزياء، بحيث أصبحت تهتم بجسدها لتجذب الرجال، وأصبح جسد المرأة هو المحدد الأساس لقيمتها ومكانتها في المجتمع.

لذا، فإن جمال المرأة الجسدي أصبح مطلوباً في الكثير من الوظائف، بوصفه أداة ترويج ناجحة، فأرباب العمل في الإعلام والتجارة وحتى الصناعة، يشترطون الجمال في البائعة والسكرتيرة والمذيعة من أجل اجتذاب الزبائن وتحصيل المال والجاه، حتى إن أجهزة المخابرات بدأت تستخدم المرأة في أعمال الجاسوسية لاجتذاب الناس وتطويعهم لخططها في المخابرات وما إلى ذلك، كما إن نظرة الرجل إلى المرأة تحكمها عقلية الحريم، على الرغم من اختفاء الحريم كنظام، فالشباب يتعاملون مع النساء كطرائد يفاخرون في العدد الذي يصطادونه منهن. إن النظرة إلى المرأة كجسد لم تتبدل عن السابق، بل تعززت أكثر بأسلوب معاصر، وهذا ما نلاحظه من كون فرص من تملك خبرة وثقافة في العمل أقلَّ من فرص من تملك الجمال والجاذبية، حتى في المجالات التي تتطلب العلم والثقافة لا الجمال والجاذبية، الأمر الذي يعني أن العصر الحاضر لم يستطع الارتفاع بقيمة المرأة، إذ لا يكفي المجتمع تهيئة فرص العمل أو الثقافة لها، لكي نقول إن قيمة المرأة سجلت ارتفاعاً في بورصة المجتمع، بل لا بد من تبديل النظرة إليها، من مجرد جسد يجتذب الغريزة، إلى إنسان يفرض احترامه، وعندها فقط يمكن الإقرار بأن المرأة باتت في المستوى والحضور الإنسانيين اللذين تستحقهما كإنسانة أولاً وأخيراً.

* إذا كان للإعلام دور أساسي في تأكيد النظرة إلى المرأة كجسد. ما الذي يتوجب على وسائل الإعلام فعله برأيكم لتصحيح ذلك؟

ـ على وسائل الإعلام احترام المرأة، كما عليها احترام الرجل، وذلك من خلال احترام إنسانية المرأة والرجل على حدٍّ سواء، لأن ذلك فقط ما يمكن أن يخلق مجتمعاً متوازناً وسليماً. إن استخدام المرأة كعنصر إعلامي يسيء إلى المرأة من جهة، ويسيء إلى الرجال، ولا سيما الشباب المراهقين من جهة أخرى. وبذلك، فإنهم في الوقت الذي يعملون فيه للوصول إلى الأرباح في سياستهم الإعلانية، يسببون السقوط الاجتماعي في بعض المواقع.