المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسرار دولة الحرملك



على
10-01-2005, 10:36 PM
أسامة العيسة من القدس


لا يشك كثيرون، في الدور المحوري الذي لعبته النساء في التاريخ السياسي العربي-الإسلامي، ولكنه دور لم يتوقف عنده الباحثون كثيرا، وبقيت بعض مظاهره أشبه بالأساطير ويحيط بها الغموض، ومن بينها ما يمكن أن نسميه مؤسسة الحرملك، التي كانت تضمن "حريم" السلطان أو الوالي،


فيها تضع الخطط، وتنفذ الدسائس، حتى وصفت بأنها دولة داخل دولة، وهو الوصف الذي تتبناه نيفين يسري، وهي حفيدة معاصرة لسلالة تلك المؤسسة، فوالدتها الأميرة زينت إبراهيم حلمي، حفيدة الخديوي إسماعيل.

وشهدت يسري الحياة الملكية في مصر، وبقيت مخلصة إلى ذلك العصر، ورغم أننا لا نعرف عنها ميولا أدبية، إلا أنها أصدرت مؤخرا كتابا أسمته (رواية تاريخية) باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ترجمه ابنها إلى العربية، عن (القدر العجيب لمحمد علي باشا الكبير مؤسس مصر الحديث) وأسمت الكتاب (قسمة) وهي كلمة تركية تعني نصيب الشخص من هذه الدنيا.
والكتاب تحية عاطفية جياشة لمحمد علي وسلالته، ابتعدت كثيرا عن الموضوعية، ومن ابرز ما سلطت عليه المؤلفة الضوء، وان كان في صفحات قليلة، وبشكل عرضي، على الدولة داخل الدولة، أي الحرملك، وتحدثت عن حياته الداخلية وقوانينه.


مصدر الحريم
يضم الحرملك جميع حريم السلطان، من زوجات وشقيقات وجواري وممن يعرفن بملك اليمين، ومصدر هذا العدد الكبير من الحريم:
*الشراء من أسواق العبيد.
*الإهداء من قبل الولاة أو حكام الدول الأخرى.
*الأسيرات والسبايا في حروب السلطان التي لا تتوقف.
*هناك من تضطرهن ظروفهن القاسية إلى الحرملك.

حمام الحريم
ما أن تدخل الواحدة منهن إلى الحرملك، لتنضم إلى حريم عظمته، يعلن إسلامها، وتتلقى برنامجا تربويا وتدريبيا دقيقا، وتعطى كل واحدة منهن مهمة، يتوقع منها أن تتقنها وتتميز بها.
وإذا لم تفعل ذلك، فان العقاب في الانتظار ويتدرج من الحبس إلى الجلد، على يد المخصيين السود، إلى الإعدام.
وإذا كان الحبس والجلد معروفا فان أسلوب الإعدام قاسيا وغريبا، حيث يتم وضع المحكوم عليها بالإعدام في شوال مثقل بالحجارة، ثم يلقى بها في مياه مضيق البوسفور، حيث يقع سراي الحرملك في قصر توبكابه العثماني، وهو مفتوح الان للسياح، ويعتبر أثرا معماريا فريدا بالقرب من المضيق الذي يربط أسيا بأوروبا.
وبسبب هذه العقوبات فان الحريم يسعين إلى الإتقان وهن مرعوبات، ولم يكن يخطر ببال أي واحدة منهن الهروب أو خيانة سيدهن أو سيدتهن.


والدة سلطان
تحتل والدة السلطان المرتبة الأولى في الحرملك، الذي يعج بالحريم ويحرس من قبل الخصيان، الذين لهم مراتبهم ومهامهم المحددة وفقا لقوانين وبروتوكولات.
تعتبر (والدة سلطان) valideh soultan ، أهم سيدة ليس فقط في الحرملك ولكن أيضا في الامبراطوية.

وتقوم على خدمتها عشرات من الفتيات الجميلات ومن المخصيين، ومن بين الفتيات توجد واحدة منهن تعتبر (الملحقة الخصوصية) للوالدة سلطان، ولهذه الملحقة نفوذ مهم في الحرملك، فهي بمثابة سكرتيرة الوالدة سلطان.
وجناح الوالدة سلطان مميز، وغرفتها ذات حوائط وسقف منقوش بالذهب، والجواهر تغطي جسدها، على رأسها تضع إكليلا مرصعا بالماس، وتتزين بعدة عقود، وحلق وخواتم، ومزينة باللؤلؤ والياقوت والزمرد والماس، وحتى رباط حذائها مرصعا بالحجارة الكريمة.


قادن أفندي
الـ قادن أفندي kadin effendi، هي رتبة تمنح للواتي أنجبت الواحدة منهن ولدا من السلطان، وهي بمثابة زوجات غير رسميات للسلطان.
و الـ قادن أفندي، تأتي في المرتبة الثانية في الحرملك، من حيث التسلسل القيادي، بعد الوالدة سلطان.

وتعيش جميع من يحملن لقب قادن أفندي معا، ومن الطبيعي أن يكون التنافس بينهن حادا، لأنه كل واحدة منهن تسعى لان يكون السلطان المقبل ابنها.
ويوجد بين هذه الفئة من النساء تسلسلا أيضا، حسب مكانة الابن، لدى السلطان، وتسمى التي تحتل المرتبة الاولى بينهن (الباشقادان).

وتحرص كل قادن على لبس مجوهراتها، للتمتع بها أولا، وثانيا لإظهار مكانتها لدى السلطان، لان هذه الجواهر تكون عادة مهداة منه.

وحسب العرف في الحرملك، فان مكانة القادن ليست أبدية وكذلك المجوهرات المهداة إليها، فعندما يأتي سلطان جديد يأتي بـ (قوادن) جديدة معه، ويتم سحب الهدايا من الـ (قوادن) القديمة لمنحها للجديدات.

وتحظى الـ (قوادن)، بخدمة مجموعة من الحسان والمخصيين، وتخاطب كل قادن الأخرى بلقب (كردش) أي: أختاه، ولكن هذه المخاطبة لا تعكس بأي حال من الأحوال مشاعر كل قادن اتجاه (أختها) القادن الأخرى، ففي الحرملك تعيش الحريم في صراع بقاء لا ينتهي.


الجوزده وأخواتها
ولا يقتصر الحرملك بالطبع على والدة سلطان وبناتها، وعلى القوادن وأولادهن، ولكنه يضم جواري له مراتب ومهام أخرى، ومنهن: الكلفة، وجمعها كلفوات، وهي جارية لها مقام أعلى من باقي الخدم، وللكلفوات دور محوري في الحرملك.
وما أن تصبح الجارية (كلفة) حتى تطمح للارتقاء درجة أخرى ولكن مؤثرة لتصبح (جوزده).
والـ جوزده guzdeh، لقب معناه (في العين) ولكنه اصطلاحا يستخدم في وصف من نجحت في لفت نظر سيدها، وهي مرتبة التي تستحوذ عليها تجعلها في مقام أعلى من الكلفة في الحرملك.

وإذا أصبحت الواحدة (جوزده)، فان طموحها أن ترتقي درجة أخرى لتصبح (إقبال).
والـ إقبال ikbal، لقب يطلق على المفضلة مؤقتا لدى السلطان، وهي مكانة مهمة في الحرملك، وارقى من الجوزده.

وعندما تصبح الجارية (إقبال) فأمنيتها تكون أن تحمل من السلطان، وتأتي له بولد، لتصير قادن، ويمكن أن يلعب القدر لعبته وتصبح أما للسلطان. بعد أن يموت السلطان الحالي ويعتلي ابنها العرش، ومعه تصبح (والدة سلطان) تملك مفاتيح القوة والتأثير.
والمراتب كثيرة في الحرملك ومنها الهزينة دار (خزيندار) أي أمينة الخزينة، وكذلك هناك أمينة المجوهرات وهي مرتبة ترفع صاحبتها على باقي الخدم.

ويتجاوز دور الخصيان كثيرا مجال الخدمة، ولهم دور مؤثر في الحياة السياسية، وكبيرهم يدعى الكيزلار اغاسه، أي رئيس المخصيين، والذي كان الأوربيون يطلقون عليه السامي الأسود، وهو ذو نفوذ ورتبته في التسلسل القيادي تأتي بعد الوزير مباشرة.
وهناك ألقاب كثيرة كانت تطلق على حريم السلطان وولاته، ومن بينها لقب (هانم أفندي) الذي حملته زوجة محمد علي، والذي يمنح لزوجات الولاة اللاتي لسن من سلالة العائلة المالكة.


غموض ساحر
أثار السحر والغموض الذي أحاط بالحرملك، الكتاب والمؤلفين طوال قرون، ويمكن الإشارة، ببعض التحفظ، إلى اشهر نص اثري عربي وهو (ألف ليلة وليلة) الذي استوحى اغلب حكاياته من الجواري وخصوصا في العهد العباسي، وقدمت هذه الليالي صورة لبعض الحكام، مثل هارون الرشيد، ما زالت هي الشائعة حتى الان، وكذلك لبعض نسائه وشقيقاته مثل العباسة، التي اشتهرت قصة عشقها بجعفر البرمكي.

وكتب احد ابرز الناثرين العرب وهو الجاحظ، رسالة في الجواري والقيان، يضاف إلى ذلك كتاب (الأغاني) للاصفهاني.

ولم تفلح هذه المؤلفات وغيرها، في كشف الستر عن عالم النساء والحريم الغامض، رغم القصص الكثيرة التي يمتزج بها الحقيقي بالخيال، والاستشهادات الشعرية الكثيرة، وإنما زادت هذا العالم الساحر غموضا، وهو ما الهم عشرات الفنانين الغربيين الاف اللوحات التي صورت نساء الشرق، وتخيلت ما يجري في الحرملك من خلال لوحات ما زالت متداولة حتى الان.
وكتب مستشرقون عشرات الكتب عن الحريم والحرملك واعدت السينما الغربية أفلاما، وعرضت مسرحيات، وما زالت تقدم بعض الفرق الأجنبية عروضا مستوحاة عن العالم الساحر والغامض، الذي ينتظر أن يقترب منه باحثون من العرب أو الشرقيين، ليمزقوا الكثير من أستاره الكثيفة.