زهير
09-30-2005, 04:51 PM
كتب:أحمد شهاب
كيف يمكن لأمة تعيش تخلفا على المستوى السياسي وعلى المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الثقافي وعلى المستوى الاقتصادي وتحتل مرتبة متأخرة في سلم التطور الدولي وتعيش امية تعليمية وتكنولوجية وتفتقر الى كل اسباب العزة بمسائل خلافية كالتي نرى ونسمع؟ وكيف تسقط اقلام علماء اجلاء يحترمهم الناس وتُعقد عليهم الآمال في منحى الاثارة الطائفية؟
الذي اعرفه ويعرفه الاخرون ان المجتمعات الانسانية عندما تصاب بداء في احد جوانب حياتها، فإنها لا تهنأ عيشا الا اذا قطعت خطوات مهمة في طريق العلاج، فإن استمرار الصراع لأسباب دينية في المجتمعات الغربية ولّد مفاهيم التعددية الدينية، وشيوع الفساد السياسي جعلهم يكرسون عقولهم وابحاثهم في اتجاه تنمية المفهوم الديموقراطي والتمييز لاسباب عرقية ودينية وجنسية ادى لثورة حقوقية وانبثاق مواثيق ومعاهدات حقوق الانسان، هكذا الامر في الجانب التقني اذ ادت العثرات المتزايدة التي تقف امام التواصل الانساني ونقل الخبرات الى تفجر تقنيات الاتصال الفائق السرعة، وادى اهتزاز الاسواق المالية وانغلاقها الى ابتكار سوق عولمية جديدة لا تقف امامها الحدود الدولية، وانتهت الكثير من الاوئبة والامراض بفضل الابحاث والتجارب الطبية الدقيقة والمتواصلة.
بينما لايزال اهتمام المسلمين متوقفا عند حدود اثبات احقيات تاريخية ولايزال عدد كبير منهم منشغلا في قضايا اللاهوت وذات الله وصفاته، وتصدر شهريا عشرات الكتيبات من مختلف التوجهات وبمئات الدنانير في هذا الخصوص، كما انشغل عدد اخر منهم في مسائل عقدية تم التوسع فيها الى درجة ان الخطاب الديني لم يعد يمتلك القدرة على اكثر من الدوران في هذا الفلك ولم يعد خطيب الجامع او خطب المنبر او المحاضر الاسلامي قادرا على الابداع في اكثر من التصديق بصورة جديدة على ما تم قوله في المجال اللاهوتي او العقدي عند رجال مذهبه، والمثير للدهشة ان هؤلاء يعتقدون فعلا انهم يقدمون شيئا جديدا من خلال هذا العرض التقليدي للاشكالات والادلة، والاكثر اثارة ان مجتمعاتنا لاتزال في حالة تفاعل مع هذه الاطروحات رغم انها تعيش من المآسي ما يفرض عليها الخروج حربا ضد هذا الاستهتار في عرض الدين.
في البعد النظري فإن الدين الاسلامي كما نقول ويقول دعاته يدعو الى احترام الانسان ويعلي من شأنه، لكن المسلمين انفسهم لا يرون هذا الاحترام مطبقا في واقع حياتهم، يقال ان الدين بريء من الممارسات الخاطئة، انه لا يتحمل ما انتهى اليه واقع المسلمين اليوم، فالنصوص الدينية دعتهم الى الانشغال بالانسان وحقوقه ومبادئه والسعي للتطور عبر تسخير العلوم والمعارف لصالح اعمار الارض وتنمية مواردها ولكنهم انشغلوا بذات الله وهيئة الملائكة، واحترفوا النقاش حول النزاعات التاريخية وامتهنوا الحديث عن البدعة والضلالة وكانت مدخلهم لوصم مخالفيهم بالانحراف والكفر.
اراد الدين للمسلمين ان يكونوا قوة جاذبة لكل المستضعفين في الارض، ولكل المسالمين ولكل فرد يحترم انسانيته، لكنهم بحثوا عن اسوأ الافكار، وحرفوا ارقى المبادئ فكانوا قوة طاردة تستبعد القريب و تنفر البعيد، وامرهم ربهم ان يحسنوا الظن بالناس فأساؤوا الظن بهم وجعلوهم القاعدة التي يحاكمون وفقها المختلفين معهم في الرأي وبدلوا قاعدة «يد المسلم» بقاعدة «اهل البدع» وقاعدة «نفي العسر والحرج» بقاعدة «سد باب الذرائع».
كان يمكن للاسلام ان يكون اكثر حداثة مما هو عليه الان، وان يستوعب قدرا اكبر من الصور والمفاهيم الجديدة بل كان يمكن ان يقود التطور بما يتلاءم والمنحنى الانساني الذي يعتني به، لكن من احد ابرز الاسباب التي ادت الى انتكاسة المسلمين وشاغلتهم عن التقدم تطور مشروع التجزئة من السياسي الى الديني، فالتجزئة كمشروع سياسي تولد داخل الكيان الاسلامي في وقت مبكر من التاريخ الاسلامي واستهدف ضرب الوحدة والنيل من السلام الداخلي، وتغليب العصبيات الدينية والقبلية على ماعداها، ومحاولة تسويقها داخل المجتمع الاسلامي، وثمة مواجهات حادة يمكن للمهتم بالسير التاريخية ان يطلع عليها في هذا الخصوص.
لكن التطور الملفت للنظر ان هذا المشروع السياسي تحول بفعل حشد الرأي الشرعي والعقدي لدعم اطراف على حساب اخرى الى دين يتم التعبد به، وابرز دليل على ذلك تلك التكوينات المذهبية التي تتولد كل يوم في مجتمعاتنا باسم سياسي او ثقافي او اجتماعي او اعلامي والتي تجد تعضيدا من قبل بعض المفكرين والعلماء وكل واحد منهم يعتقد انه يفعل الاصوب ويقترب الى الله بهذا الفعل.
هذا التعضيد دفع التوجهات الاسلامية الى بذل المساعي نحو تثبيت العلاقة التي تربط كل واحد منهم بالاسلام والدين بعلاقة الاحقية وليس بعلاقة التعبدية، بحيث اصبح الاهتمام بالدين وبالذات المسائل المرتبطة بالعقيدة... غاية لا يصل اليها اهتمام آخر، وانشغل المسملون بدينهم وتراثهم اكثر من انشغال اي امة اخرى بتراثها، وتحول فقهاء الطوائف من كونهم دعاة الى النهل من تراث الاولياء والصالحين الى اولياء واوصياء وحراس للتراث، والفرق ان الدعوة الى الاستزادة من تراث الاولياء يعني استلهام القيم واستنطاق التجارب وفهم السنن، بينما «اولياء التراث» ينتهون الى تقديس الماضي لانه ماض، ولان السلف خير من الخلف، ولان الفقيه الحقيقي هو الذي يكرس جهوده للدفاع عن التاريخ ورجاله، والمؤمن الحقيقي هو الذي لا يشغله في حياته منذ ولادته وحتى مماته سوى الاستماع الى دفاعات الفقيه عن هذا التراث، والدخول في جدليات «ماتت» مع المخالفين حول العقيدة وليكون اسكات الخصم «بالدليل او القوة» هو احد اهم الانتصارات التي يمكن ان تتحقق في هذا المجال.
اعتقد ان الخروج من هذا المأزق يتوقف على قدرتنا على تهميش منهج اولياء التراث للاستفادة السليمة من تراث الاولياء، والاداة الوحيدة القادرة على استيفاء متطلبات هذا الدور هي «ممارسة النقد»، اذ يكتسب النقد اهمية من قدرته البالغة على تفكيك المنظومة المثالية التي يتم الاستغراق بها عادة من قبل المتدينين، اي تحويل النظريات الى مشاريع قابلة للتطبيق، حيث يدفع الاستغراق في النظرية الدينية -كما لاحظ آية الله محمد تقي المدرسي في مباحثه حول التشريع الاسلامي- الى توسعة الثوابت في الدين وتضخمها على حساب المتغيرات وبإمكان النقد ان يقاوم ذلك بصلابة ليمهد الطريق للانتقال من مرحلة الاستغراق في الماضي وحراسة العقيدة الى رحاب البدائل لبناء واقع افضل.
Alshehab4@yahoo.com
كيف يمكن لأمة تعيش تخلفا على المستوى السياسي وعلى المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الثقافي وعلى المستوى الاقتصادي وتحتل مرتبة متأخرة في سلم التطور الدولي وتعيش امية تعليمية وتكنولوجية وتفتقر الى كل اسباب العزة بمسائل خلافية كالتي نرى ونسمع؟ وكيف تسقط اقلام علماء اجلاء يحترمهم الناس وتُعقد عليهم الآمال في منحى الاثارة الطائفية؟
الذي اعرفه ويعرفه الاخرون ان المجتمعات الانسانية عندما تصاب بداء في احد جوانب حياتها، فإنها لا تهنأ عيشا الا اذا قطعت خطوات مهمة في طريق العلاج، فإن استمرار الصراع لأسباب دينية في المجتمعات الغربية ولّد مفاهيم التعددية الدينية، وشيوع الفساد السياسي جعلهم يكرسون عقولهم وابحاثهم في اتجاه تنمية المفهوم الديموقراطي والتمييز لاسباب عرقية ودينية وجنسية ادى لثورة حقوقية وانبثاق مواثيق ومعاهدات حقوق الانسان، هكذا الامر في الجانب التقني اذ ادت العثرات المتزايدة التي تقف امام التواصل الانساني ونقل الخبرات الى تفجر تقنيات الاتصال الفائق السرعة، وادى اهتزاز الاسواق المالية وانغلاقها الى ابتكار سوق عولمية جديدة لا تقف امامها الحدود الدولية، وانتهت الكثير من الاوئبة والامراض بفضل الابحاث والتجارب الطبية الدقيقة والمتواصلة.
بينما لايزال اهتمام المسلمين متوقفا عند حدود اثبات احقيات تاريخية ولايزال عدد كبير منهم منشغلا في قضايا اللاهوت وذات الله وصفاته، وتصدر شهريا عشرات الكتيبات من مختلف التوجهات وبمئات الدنانير في هذا الخصوص، كما انشغل عدد اخر منهم في مسائل عقدية تم التوسع فيها الى درجة ان الخطاب الديني لم يعد يمتلك القدرة على اكثر من الدوران في هذا الفلك ولم يعد خطيب الجامع او خطب المنبر او المحاضر الاسلامي قادرا على الابداع في اكثر من التصديق بصورة جديدة على ما تم قوله في المجال اللاهوتي او العقدي عند رجال مذهبه، والمثير للدهشة ان هؤلاء يعتقدون فعلا انهم يقدمون شيئا جديدا من خلال هذا العرض التقليدي للاشكالات والادلة، والاكثر اثارة ان مجتمعاتنا لاتزال في حالة تفاعل مع هذه الاطروحات رغم انها تعيش من المآسي ما يفرض عليها الخروج حربا ضد هذا الاستهتار في عرض الدين.
في البعد النظري فإن الدين الاسلامي كما نقول ويقول دعاته يدعو الى احترام الانسان ويعلي من شأنه، لكن المسلمين انفسهم لا يرون هذا الاحترام مطبقا في واقع حياتهم، يقال ان الدين بريء من الممارسات الخاطئة، انه لا يتحمل ما انتهى اليه واقع المسلمين اليوم، فالنصوص الدينية دعتهم الى الانشغال بالانسان وحقوقه ومبادئه والسعي للتطور عبر تسخير العلوم والمعارف لصالح اعمار الارض وتنمية مواردها ولكنهم انشغلوا بذات الله وهيئة الملائكة، واحترفوا النقاش حول النزاعات التاريخية وامتهنوا الحديث عن البدعة والضلالة وكانت مدخلهم لوصم مخالفيهم بالانحراف والكفر.
اراد الدين للمسلمين ان يكونوا قوة جاذبة لكل المستضعفين في الارض، ولكل المسالمين ولكل فرد يحترم انسانيته، لكنهم بحثوا عن اسوأ الافكار، وحرفوا ارقى المبادئ فكانوا قوة طاردة تستبعد القريب و تنفر البعيد، وامرهم ربهم ان يحسنوا الظن بالناس فأساؤوا الظن بهم وجعلوهم القاعدة التي يحاكمون وفقها المختلفين معهم في الرأي وبدلوا قاعدة «يد المسلم» بقاعدة «اهل البدع» وقاعدة «نفي العسر والحرج» بقاعدة «سد باب الذرائع».
كان يمكن للاسلام ان يكون اكثر حداثة مما هو عليه الان، وان يستوعب قدرا اكبر من الصور والمفاهيم الجديدة بل كان يمكن ان يقود التطور بما يتلاءم والمنحنى الانساني الذي يعتني به، لكن من احد ابرز الاسباب التي ادت الى انتكاسة المسلمين وشاغلتهم عن التقدم تطور مشروع التجزئة من السياسي الى الديني، فالتجزئة كمشروع سياسي تولد داخل الكيان الاسلامي في وقت مبكر من التاريخ الاسلامي واستهدف ضرب الوحدة والنيل من السلام الداخلي، وتغليب العصبيات الدينية والقبلية على ماعداها، ومحاولة تسويقها داخل المجتمع الاسلامي، وثمة مواجهات حادة يمكن للمهتم بالسير التاريخية ان يطلع عليها في هذا الخصوص.
لكن التطور الملفت للنظر ان هذا المشروع السياسي تحول بفعل حشد الرأي الشرعي والعقدي لدعم اطراف على حساب اخرى الى دين يتم التعبد به، وابرز دليل على ذلك تلك التكوينات المذهبية التي تتولد كل يوم في مجتمعاتنا باسم سياسي او ثقافي او اجتماعي او اعلامي والتي تجد تعضيدا من قبل بعض المفكرين والعلماء وكل واحد منهم يعتقد انه يفعل الاصوب ويقترب الى الله بهذا الفعل.
هذا التعضيد دفع التوجهات الاسلامية الى بذل المساعي نحو تثبيت العلاقة التي تربط كل واحد منهم بالاسلام والدين بعلاقة الاحقية وليس بعلاقة التعبدية، بحيث اصبح الاهتمام بالدين وبالذات المسائل المرتبطة بالعقيدة... غاية لا يصل اليها اهتمام آخر، وانشغل المسملون بدينهم وتراثهم اكثر من انشغال اي امة اخرى بتراثها، وتحول فقهاء الطوائف من كونهم دعاة الى النهل من تراث الاولياء والصالحين الى اولياء واوصياء وحراس للتراث، والفرق ان الدعوة الى الاستزادة من تراث الاولياء يعني استلهام القيم واستنطاق التجارب وفهم السنن، بينما «اولياء التراث» ينتهون الى تقديس الماضي لانه ماض، ولان السلف خير من الخلف، ولان الفقيه الحقيقي هو الذي يكرس جهوده للدفاع عن التاريخ ورجاله، والمؤمن الحقيقي هو الذي لا يشغله في حياته منذ ولادته وحتى مماته سوى الاستماع الى دفاعات الفقيه عن هذا التراث، والدخول في جدليات «ماتت» مع المخالفين حول العقيدة وليكون اسكات الخصم «بالدليل او القوة» هو احد اهم الانتصارات التي يمكن ان تتحقق في هذا المجال.
اعتقد ان الخروج من هذا المأزق يتوقف على قدرتنا على تهميش منهج اولياء التراث للاستفادة السليمة من تراث الاولياء، والاداة الوحيدة القادرة على استيفاء متطلبات هذا الدور هي «ممارسة النقد»، اذ يكتسب النقد اهمية من قدرته البالغة على تفكيك المنظومة المثالية التي يتم الاستغراق بها عادة من قبل المتدينين، اي تحويل النظريات الى مشاريع قابلة للتطبيق، حيث يدفع الاستغراق في النظرية الدينية -كما لاحظ آية الله محمد تقي المدرسي في مباحثه حول التشريع الاسلامي- الى توسعة الثوابت في الدين وتضخمها على حساب المتغيرات وبإمكان النقد ان يقاوم ذلك بصلابة ليمهد الطريق للانتقال من مرحلة الاستغراق في الماضي وحراسة العقيدة الى رحاب البدائل لبناء واقع افضل.
Alshehab4@yahoo.com