المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإنجليزية في طنجة من لغة إبداع إلى لغة شحاذة



مجاهدون
09-23-2005, 06:57 AM
أحمد نجيم


يتنقل ديفيد بين مقاهي "لاكورنيش" مدينة طنجة في الشمال المغربي، موزعا عينيه بين البحر، الذي يحمل بعبوره إلى أوربا، وبين زبائن المقاهي عل قلوبهم ترق لحاله "رجاء سيدي بعض المال لشراء الخبز، إنني جائع"، جملة يقودها باللغة الإنجليزية مبديا تأثرا كبيرا. ديفيد البالغ 28 سنة جاء من غانا طامحا في بلوغ الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، غير أنه لم يتجاوز آخر محطة، طنجة، ليمكث بها لأشهر طويلة "أحب أن أتجول في هذا الكورنيش القريب، أشعر أنني قريب من أوربا، أتنفس الرياح القادمة منها، حاملا بأن تطأ قدماي أرضها يوما".

في انتظار حلمه هذا يظل ديفيد متنقلا بين المقاهي مقتصرا في عمله على ما تجود به أيادي المغاربة والسياح الأجانب بالمدينة. إذا كان ديفيد اختار البحث عن قوت يومه باللغة الإنجليزية قرب ميناء المدينة فإن وينسلي، المواطن النيجيري، يبحث عن رزقه بمقاهي أشهر شارع في المدينة "البوليفار"، هذا المواطن القادم من نيجيريا عبر الجزائر، يقول أنه يعيش في المغرب منذ ثلاث سنوات "جئت إلى المغرب طمعا في بلوغ أوربا، لكنني فشلت في ذلك، لهذا أضطر إلى أن أشحذ في غياب وظيفة". يقطن ويلنسي رفقة ثلاثة من مواطنيه في فندق متواضع بالسوق الداخلي لمدينة طنجة، واستطاع أن يتعلم كلمات بالعربية لتوظيفها في إقناع المارة بمنحه "يرق حال المغاربة عندما أتكلم معهم بالعربية" يقول الشاب النيجيري. ديفيد ووينسلي، عينة من فئة أضحت توظف الإنجليزية للشحاذة.

الشحاذة باللغة الإنجليزية أضحت أمرا مألوفا وعاديا لدى سكان هذه المدينة، "ألفنا استعمال اللغتين الفرنسية والإنجليزية من قبل الأفارقة لاستجداء الناس" يقول أحد سكان مدينة طنجة.
غير أن هذه الألفة لا تعني تقبل الوافدين الجدد بصدر رحب، ففي العدد 283 من الجريدة الأسبوعية الجهوية "الشمال"، وصف الأفارقة ب"الجراد الأسود"، وأوضحت الأسبوعية أن هذا "الجراد الأسود" بدأ "يغزو شمال المغرب". الغريب أن هذا الغلاف الذي أدانته جمعيات مدنية في مدن الشمال المغربي، قدم صورة قاتمة حول هؤلاء في مدن الشمال خاصة طنجة، فاتهمم ب"اقتحام جماعي لعمارة سكنية في حي البرانص بطنجة" و"تحويلها إلى مقر لهم" و"طرق أبواب المنازل والمكاتب وولوج المؤسسات التعليمية"، بل ذهب كاتب المقال إلى القول أن هؤلاء الأفارقة "يقتاتون بوسائل حاطة بالكرامة الإنسانية" وتحدث عن "تفشي الحمل غير الشرعي وسط هؤلاء الأفارقة".

وختم قائلا "إن الجراد الأسود الوافد من الأصقاع الإفريقية، عبر حدود الجزائر، إلى مدن الشمال، باعتبارها منفذا إلى أوربا، يفاقم من تردي الأوضاع بهذه المناطق، ويندر بكارثة" ثم أضاف أنه يجب التنسيق مع السفارات الإفريقية لوضع "حدا لهذا الغزو المتنامي الخطير".
ورغم اعتذار مدير الجريدة خالد مشبال، عن وصف الأفارقة ب"الجراد الأسود"، إلا أن حدة كتابة هذا المقال يكشف عن تضايق كبير لعدد من سكان مدن الشمال المغربي.

مدينة طنجة ظلت مدينة دولية أثناء استعمار كل مناطق المغرب، كان المتحدثون بالإنجليزية من الأميركيين والبريطانيين، وسحرت بموقعها المتميز كبار الكتاب العالميين، إما للإقامة بصفة نهائية، كحال الكاتب الأميركي الراحل بول بولز، أو لقضاء فترات قصيرة كحال الراحل تينيسي وليامس وآخرين، وظلت اللغة الإنجليزية مقترنة بالثقافة والفكر والحلم الأميركي، غير أن تلك الصورة بدأت تتغير مع استعمال هذه اللغة من قبل أفارقة أجبروا على المكوث فيها في انتظار يوم يصلون فيه إلى أوربا.