المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يحدث في إيران: محاولة لدق الأجراس قبل فوات الأوان..!



لمياء
09-23-2005, 06:36 AM
أمير طاهري

فيما يلى احجية. توجد دولة وصل احتياطي النقد الاجنبي فيها الى اعلى مستوياته منذ عقدين، ومع احتمال زيادة اسعار مادة التصدير الرئيسية لديها ودخول 200 مليون دولار الى خزائنها يوميا، فإن عجز ميزانية وهو امر مستمر، وإن كان غير واضح المعالم، منذ اكثر من 8 سنوات تحول الى فائض، وأتاح للحكومة تخصيص اموال لحل مشاكلها المزمنة. والنتائج المنطقية لكل ذلك هي زيادة درامية في قيمة عملة الدولة.

ولكن يبدو ان العكس ما حدث. لماذا؟

الاجابة على المدى القصير هي ان المزيد من الناس يبيعون العملة الايرانية، الريال، ويشترون أي عملة اجنبية يمكنهم الحصول عليها، بما في ذلك الدينار العراقي الجديد. وهو ما يعني خروج رؤوس اموال ضخمة من ايران.

وفي يوم الاحد الماضي حذر اية الله هاشمي شهرودي رئيس المجلس الاعلى للتشريع في طهران، من ان ما بدأ كنزيف بسيط يمكن ان يتحول الى فيضان. وقدر ان قيمة رأس المال الايراني في الخارج تصل الى 700 مليار دولار اميركي، تجمعت عبر ربع قرن ماض. ولكن الاهم من ذلك، طبقا لما ذكره، ان هروب رأس المال يجري بسرعة لم يسبق لها مثيل.

وعرض شهرودي معلومات مثيرة اخرى، توفرت له ومجموعة من كبار الشخصيات الاخرى في طهران.

وقال انه يوجد الآن 10 آلاف شركة ايرانية في دبي فقط. ويمكن اضافة 3500 شركة اخرى تعمل «من مناطق التجارة الحرة» في جزيرة قشم في الخليج، حيث لا تطبق القوانين التجارية للجمهورية الاسلامية. كما تأسست عدة شركات خاصة في العديد من الدول المجاورة ولا سيما في تركيا واذربيجان وارمنيا. وقد ادى ذلك الى مشاهد فكاهية.

فعلى سبيل المثال تمنح الجمهورية الاسلامية عقدا الى شركة مسجلة في دبي او تركيا، ولكنها في الواقع مملوكة بالكامل الى ايرانيين. وفي بعض الحالات فإن هذه الشركات الايرانية «اوف شور» مملوكة جزئيا او بالكامل لشخصيات نافذة داخل النظام.

أصبحت أهمية هذه الأرقام واضحة حينما نتذكر أن مجموع الشركات التي سجلت لأغراض تتعلق بالضرائب من قبل وزارة المالية في إيران تقف عند رقم 18 ألف شركة. والأكثر من ذلك فإن تشكيل شركات خاصة داخل إيران في طور الهبوط منذ عام 1997، والرسالة واضحة من ذلك وهي: بينما المتاجرة مع إيران هي مربحة فإنه من الأسلم عدم إبقاء الأرصدة في إيران وفي الأصل، يعود تسرب الرأسمال من إيران إلى المخاوف من مصادرتها بشكل عشوائي.

خلال العقد الأول الذي تلى الثورة كان بإمكان الملالي أن يصدروا فتاوى لمصادرة بيتك أو تجارتك لصالح أي شخص يحبون. وكان ممكنا للأفراد الذين يذهبون إلى الخارج من أجل العمل أو قضاء العطلة أن يجدوا عند عودتهم أشخاصا يسكنون في بيوتهم، ومعهم فتاوى تصرح لهم بامتلاك البيوت. وما بين عامي 1979 و1983 كانت هناك تأميمات واسعة النطاق في إيران. وكان القطاع العام يشكل عام 1978، أي قبل وصول الملالي إلى السلطة، نسبة 54% من الاقتصاد الوطني. لكن مع حلول عام 1990 ارتفعت الأرقام إلى 78%. ومنذ ذلك الوقت بدأ تقنين الاستثمار الخاص إلى مجال العقارات في معظم المدن وخصوصا في طهران، وإلى شركات خدمات صغيرة مع رأسمال صغير.

لكن تحذيرات شهرودي أكدتها التقارير التي صدرت من كل أنحاء البلد، ووفقها فإن إيران قد تكون متوجهة صوب أزمة اقتصادية لم يشهد لها مثيل.

هناك بالطبع إمكانية أن يكون الدافع وراء تأكيد شهرودي ما لحق بجناحه الذي لقي هزيمة كبيرة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ومنذ ذلك الوقت خسر عددا من المواقع الرئيسية، كجزء من تطهيرات الرئيس محمود أحمدي نجاد للإدارة. ومن المتوقع أن يفقد كل من الشهرودي ومعلمه الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني عمليهما قريبا، فيما لا يمكن النظر لتحذيرات شهرودي فقط باعتبارها نقدا لأحمدي نجاد.

فالإدارة الإيرانية الجديدة قد اعترفت ضمنا أن هناك خللا حينما طلبت من جميع البنوك، والتي هي كلها ملك للدولة، بتأجيل منح قروض تزيد عن 300 مليون ريال. وهذا ناجم عن المخاوف من أن الأفراد والشركات الخاصة يستدينون النقود من أجل شراء الدولارات فقط أو أي عملة أجنبية، كحاجز لهم ضد أي هبوط لاحق بقيمة العملة الإيرانية.

ولأن كمية الـ300 مليون ريال لا تزيد عن 45000 دولار أميركي، فإن القرار يكشف عن أن حتى المدخرات الصغيرة بدأ أصحابها يحولونها إلى عملة أجنبية. والسبب الحقيقي لحالة عدم الاستقرار الاقتصادي في طهران هو حرب الطبول التي ما انفكت الإدارة الجديدة تشنها.

تبددت الآمال في احتمال ان تؤدي زيارة احمدي نجاد الى الامم المتحدة في المساعدة بتخفيف حدة الأزمة الدبلوماسية بشأن المزاعم حول برنامج ايران النووي. هذه الآمال بددها أداء احمدي نجاد في نيويورك، وهو أداء وصفه حتى المتعاطفون معه بأنه «أخرق». لم يفشل احمدي نجاد في تهدئة الاوضاع فحسب، بل خرج على المألوف واستعدى الاوروبيين الذين ظلوا يحاولون جاهدين الإبقاء على العملية الدبلوماسية بشأن التوصل الى حل للمشكلة.

موقف طهران الجديد الذي ينم عن غرور واعتداد بالنفس، اعتبره كثيرون مؤشرا على ان القيادة الايرانية تسعى الى مواجهة عسكرية محدودة مع الولايات المتحدة، وأنها واثقة من كسب هذه المواجهة.

قال ابراهيم اصغرزاد، زعيم «الطلاب» الذين استولوا على السفارة الاميركية في طهران عام 1979 وضابط الاحتياط في الحرس الثوري الايراني، ان الحكومة الايرانية الجديدة بقيادة احمدي نجاد «تسعى جادة الى الحرب»، وجاءت تحذيرات مشابهة من كل من رفسنجاني والرئيس الاسبق محمد خاتمي، في لقاءات مختلفة مع شخصيات اجنبية في المنطقة خلال الشهر الجاري.

وتعزز من هذه التكهنات عسكرة الحكومة الايرانية على نحو لافت للنظر، من خلال تعيين ضباط في الحرس الثوري في مواقع مدنية في مختلف انحاء البلاد،، فيما هناك ايضا وجود لما يشبه الاستعدادات الواسعة للحرب في عدة محافظات ايرانية خصوصا على الحدود مع العراق.

يمكن القول ان شهرودي وآخرين على حق فيما يتعلق بلفت الانتباه الى النتائج الاقتصادية المترتبة على سياسة تسعى الى تصعيد التوتر بدلا عن السعي الى التقارب. إلا ان شهرودي والذين يدركون الشراك والمخاطر المستقبلية، يجب ايضا ان يوضحوا للناس النتائج السياسية والعسكرية لسياسة مثل هذه.

والى ذلك وعلى الرغم من هزيمتهم في الانتخابات الاخيرة، فإن لرفسنجاني وشهرودي وخاتمي موالين داخل المؤسسة الحاكمة، إن لم يكن على مستوى البلاد. لذا، على هؤلاء تعبئة هؤلاء المؤيدين حول المطالبة بإجراء نقاش عام حول «سياسة الحرب» المزعومة.

ليس ثمة سبب يدعو ايران الى الانسياق الى نزاع عسكري مع أي جهة في هذا الوقت. كما ليس هناك أي ضمانات تحول دون إضرار هذا النزاع بالمصالح القومية المشروعة لإيران.

ويبقى القول انه اذا كانت الحكومة الايرانية الجديدة تسير دون وعي نحو الحرب، حسبما اشار رفسنجاني وشهرودي، فإن من واجب الجميع لفت الانتباه ودق أجراس الانذار قبل فوات الأوان.