زوربا
09-22-2005, 06:42 AM
سمير عطا الله
لاحظ صاحب ورشة البناء أن إنتاج العمال يزداد بصورة ملحوظة. وأخذ يبحث عن السبب فوجد انهم يطربون لصوت أحد رفاقهم. فقدَّم اليه عرضاً لا يمكن ان يرفض: يتوقف عن حمل الاسمنت ونقل الحجارة الثقيلة على السلالم، ويستمر في الغناء لتشجيع رفاقه. وفيما «مغني الورشة» يؤدي حفلته ذات يوم، سمعه من الجهة المقابلة فنانان لبنانيان من عائلة عطا الله (لا قربى مع الأسف) فعرضا عليه السفر معهما الى بيروت. لكن بيروت كانت لا تزال دائخة بأغاني الشيخ سلامة حجازي، فكيف لها ان تصغي الى مطرب مبتدئ ومغمور؟ وافلس مسرح الشقيقين عطا الله. وارسل مطربنا الى اهله في الاسكندرية يطلب مساعدته بأجرة السفر، وهم غلابة وفقراء. فقراء جداً.
وحاول الغناء في الاسكندرية فاعترض صهره زوج شقيقته. فعاد الى بيروت من جديد. هذه مدينة مليئة بالبشر من كل نوع، والفنون من كل فيض وطوف. وبعد عامين من النجاح النسبي عاد الى الاسكندرية فوجد فيها بيروت اخرى. غير ان الفنان العائد كان قد قرر ألا يقلد الاوروبيين مثل سواه، وان ينسج لحناً عربياً بلدياً مستوحى من الزفة الشعبية في احياء مصر البسيطة. كما قرر في نفسه شيئاً آخر: ان يضع لحنه وحنجرته في خدمة مصر ومحاربة مستعمرها البريطاني الغليظ.
كان ذلك عصر سعد زغلول ومصطفى كامل و«بلادي بلادي بلادي / لك حبي وفؤادي». وفي العام 1917، في الخامسة والعشرين من عمره، انتقل الى القاهرة التي كانت في انتظاره. وفيها يتعرف الى جورج ابيض، رائد العمل المسرحي في مصر. ومن اجل ان يجتذب ابيض الناس الى مسرحياته جعل المطرب الشاب يؤدي وصلات غنائية بين الاستراحات والفصول. لكنه ما لبث ان اكتشف ان الناس لم تعد تأتي لمشاهدة المسرحيات بل لحضور سيد درويش. وصارت القاهرة كلها تغني معه. لكن حياته الخاصة كانت دماراً وسوء تدبير. وحاول اصدقاؤه ومحبوه انقاذه. واقام الشيخ سلامة حجازي حفلة خاصة يعود دخلها الى العبقري الذي اصبح عود مصر ودندنتها وطقطوقتها ايضاً.
واذ تحتفل مصر بذكرى سيد درويش الآن، نفاخر نحن في بيروت، بأنه مرَّ ذات يوم في هذه المدينة. وعندما أراد الاخوان رحباني ان ينصرفا الى التعمق في المدرسة الشرقية للحن والغناء لم يجدا اجمل من سيد درويش. وكان ذلك بنصيحة من محمد عبد الوهاب.
لاحظ صاحب ورشة البناء أن إنتاج العمال يزداد بصورة ملحوظة. وأخذ يبحث عن السبب فوجد انهم يطربون لصوت أحد رفاقهم. فقدَّم اليه عرضاً لا يمكن ان يرفض: يتوقف عن حمل الاسمنت ونقل الحجارة الثقيلة على السلالم، ويستمر في الغناء لتشجيع رفاقه. وفيما «مغني الورشة» يؤدي حفلته ذات يوم، سمعه من الجهة المقابلة فنانان لبنانيان من عائلة عطا الله (لا قربى مع الأسف) فعرضا عليه السفر معهما الى بيروت. لكن بيروت كانت لا تزال دائخة بأغاني الشيخ سلامة حجازي، فكيف لها ان تصغي الى مطرب مبتدئ ومغمور؟ وافلس مسرح الشقيقين عطا الله. وارسل مطربنا الى اهله في الاسكندرية يطلب مساعدته بأجرة السفر، وهم غلابة وفقراء. فقراء جداً.
وحاول الغناء في الاسكندرية فاعترض صهره زوج شقيقته. فعاد الى بيروت من جديد. هذه مدينة مليئة بالبشر من كل نوع، والفنون من كل فيض وطوف. وبعد عامين من النجاح النسبي عاد الى الاسكندرية فوجد فيها بيروت اخرى. غير ان الفنان العائد كان قد قرر ألا يقلد الاوروبيين مثل سواه، وان ينسج لحناً عربياً بلدياً مستوحى من الزفة الشعبية في احياء مصر البسيطة. كما قرر في نفسه شيئاً آخر: ان يضع لحنه وحنجرته في خدمة مصر ومحاربة مستعمرها البريطاني الغليظ.
كان ذلك عصر سعد زغلول ومصطفى كامل و«بلادي بلادي بلادي / لك حبي وفؤادي». وفي العام 1917، في الخامسة والعشرين من عمره، انتقل الى القاهرة التي كانت في انتظاره. وفيها يتعرف الى جورج ابيض، رائد العمل المسرحي في مصر. ومن اجل ان يجتذب ابيض الناس الى مسرحياته جعل المطرب الشاب يؤدي وصلات غنائية بين الاستراحات والفصول. لكنه ما لبث ان اكتشف ان الناس لم تعد تأتي لمشاهدة المسرحيات بل لحضور سيد درويش. وصارت القاهرة كلها تغني معه. لكن حياته الخاصة كانت دماراً وسوء تدبير. وحاول اصدقاؤه ومحبوه انقاذه. واقام الشيخ سلامة حجازي حفلة خاصة يعود دخلها الى العبقري الذي اصبح عود مصر ودندنتها وطقطوقتها ايضاً.
واذ تحتفل مصر بذكرى سيد درويش الآن، نفاخر نحن في بيروت، بأنه مرَّ ذات يوم في هذه المدينة. وعندما أراد الاخوان رحباني ان ينصرفا الى التعمق في المدرسة الشرقية للحن والغناء لم يجدا اجمل من سيد درويش. وكان ذلك بنصيحة من محمد عبد الوهاب.