زوربا
09-21-2005, 08:20 AM
الاتحاد الاماراتية
د. عبدالحميد الأنصاري
هذه المجازر الرهيبة التي تحصد أرواح العراقيين الأبرياء من الشيعة، ألا ينبغي أن تستدعي وقفة قوية من علماء السنة في العالم الإسلامي؟! أين علماء الوسطية والاعتدال؟! أين دعاة التقارب بين المذاهب؟! أين المشايخ الحكماء من أهل الحل والعقد؟!
بالأمس القريب، حين تحصن إرهابيو الفلوجة بالمساجد والبيوت، تعالت أصوات علماء السنة في إدانة قوات التحالف وارتفعت الأكف ضارعة أن ينصر الله مجاهدي الفلوجة ودعا لهم إمام الحرمين في ليلة القدر وتظاهر أنصارهم في أكثر من بلد عربي.. لماذا لا يتكلم هؤلاء وهم يرون المذابح الدامية في الشيعة؟! لماذا لا يستنكرون؟! لماذا لا يجرمون وحشية الزرقاوي؟!
الجنون الإرهابي فاق كل التصورات، وتفننت العقلية الإرهابية في ابتكار وسائل وأساليب للفتك وإزهاق الأرواح لا تخطر حتى على بال إبليس. هل تصدقون ما نقلته وكالات الأنباء من أن إرهابيي "تلعفر" قتلوا طفلاً ووضعوا لغماً في جثته وانتظروا وصول أهله لتسلم جثته ثم فجروها بهدف قتلهم -السياسة 15/9-2005 وقاموا بقصف عشوائي على المناطق المأهولة وأصابوا عدداً من الأطفال والأهالي، لتنقل بعض الفضائيات تلك المشاهد منسوبة إلى القوات العراقية والأميركية؟ وفي الكاظمية، في ساحة العروبة، حيث يتجمع عمال أتوا من محافظات الجنوب الشيعية بحثاً عن لقمة العيش، استدرج إرهابي يقود شاحنة مجموعة من العمال الشيعة متظاهراً بأنه مقاول يبحث عن أيدٍ عاملة، فلما تجمع هؤلاء الفقراء حول حافلته فجرها فيهم لتتطاير أجسادهم وتصبح أشلاء، وسقط في هذه المجزرة وحدها (112) قتيلاً و(126) جريحاً. ولعلنا نتذكر مذبحة الحلة في فبراير الماضي والتي سقط فيها (125) قتيلاً من المجندين الأبرياء اصطفوا في ذلك الصباح الباكر لاستخراج وثائق حكومية.
قد لا تصدقون كيف توحش الإجرام في العراق! فقد نشرت "الشرق الأوسط" -2/6- تقريراً بعنوان "بعد الكلاب المفخخة، البطيخ المسموم لقتل العراقيين"، لقد فخخوا مكباً وفجروه في دورية في كركوك وسمموا البطيخ ووزعوه على نقاط التفتيش في الموصل ليموت بعض الجنود العراقيين ويتسمم بعضهم.
لا حرمة لشيء ولا قدسية لأي مكان، مزارات الشيعة ومساجدهم تتعرض لتفجيراتهم، لقد وضعوا عبوة ناسفة عند باب مسجد للشيعة لينفجر في إمام المسجد ويجرح 3 من المصلين. يبحث الانتحاري عن أفضل أهدافه في أكبر تجمعات الشيعة ليفجر نفسه، في سوق الخضار، في المستشفى، في محطة الحافلات. لقد بلغت حصيلة الإرهاب في شهر مايو فقط (672) قتيلاً و(1174) جريحاً عراقياً. وبلغ إجمالي القتلى العراقيين (50) ألفاً مقابل (1658) من قوات التحالف. ما دلالة هذه الأرقام المخيفة؟!
لقد كتبتُ من قبل منبهاً إلى أن "الشيعة" هم المستهدفون -أساساً- في حرب الزرقاوي لا "قوات التحالف"، وها هو الزرقاوي بنفسه يؤكد ذلك قائلاً: "إن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أعلن الحرب الشاملة على الشيعة الروافض أينما وجدوا في العراق".
إن الإرهابيين موجودون لدى جميع الشعوب وفي كل الأديان، هناك النازيون وهناك الفاشيون، وهناك العنصريون.. ولكن لم يشهد العالم إجراماً يماثل إجرام الزرقاوي وجماعته في بشاعته، ولا وحشية مثل وحشيته.
لقد استنكر العالم جرائم الزرقاوي ضد الشيعة ووقف وزراء دفاع الأطلسي حداداً على أرواح ضحايا بغداد وأدان المجتمع الدولي إدانة واسعة الفظائع الإرهابية. فأين علماء السنة؟! وأين لجان حقوق الإنسان؟! وأين منظمات المجتمع المدني في البلاد العربية؟! وأين النقابات واتحادات العمال؟! لماذا هذه الازدواجية الأخلاقية البغيضة؟!
دعونا نتساءل ومن منطلق المسؤولية: لماذا يستمر "الإرهاب" عند المسلمين وبهذه الضراوة والتوحّش؟ يجيبك "الأيديولوجيون" من القوميين والإسلاميين: بسبب "الاحتلال"، بسبب "المظالم"، بسبب "القهر"، بسبب "الهيمنة الأميركية". وهي أسباب واهية، الاحتلال موجود في أماكن عديدة، والمظالم والقهر موجودة عند شعوب عديدة وبشكل أعظم مما عندنا، ومع ذلك لا نجد عندهم مثل "إرهابنا"، ثم كيف نقتنع بهذه الحجج الواهية ونحن نرى أن الإرهاب الهمجي يحصد أرواح الأبرياء في كل مكان، في العراق، في السعودية، في مصر، في المغرب، في اليمن، في بريطانيا؟! من أراد مقاومة "المحتل" أو دفع "المظالم" أو رفع "القهر" لا يقتل المدنيين ويستهدف تجمعات العمال الفقراء.
وكثير من المحللين الموضوعيين يرجعون السبب إلى تشبع هؤلاء بالكتابات التكفيرية وبخاصة لشيخ التكفيرية السلفية ومنظرها "أبو محمد المقدسي" القائل بتكفير الحكومات العربية بدعوى أنها تحارب الإسلام وشريعته وإن واجبهم الفوري يقتضي خلع هذه الحكومات الكافرة لإقامة الحكومة الإسلامية مكانها -مشاري الذايدي، الشرق الأوسط 31/5/2005 وذكر الشيخ العبيكان أن هؤلاء الشباب الذين تحدث إليهم اعترفوا بتأثير كتابات المقدسي عليهم (له 30 مؤلفاً ومئات الفتاوى على موقعه الإلكتروني الخاص) -يوسف الديني، الشرق الأوسط 9/9/2005. وأتصور أن كل ذلك صحيح ولكنه -في نظري- غير كافٍ في تحويل إنسان إلى "قنبلة بشرية ناسفة"، كثيرون يكفرون، وكثيرون يكرهون، وكثيرون متعصبون ولكنهم لا يقتلون الآخرين ولا ينتحرون! الإنسان لا يضحي بنفسه إلا لأمر غلاّب، وهوس جبار استحكم على نفسه وعقله وقلبه. إنه "التحريض" ثم "التمجيد" ثم "التبرير"، إنه ثقافة "فجر نفسك وادخل الجنة"، لا يفجر "التكفيري" نفسه في الآخرين حتى لو كفّرهم وكرههم إلا إذا وجد حوله مناخاً يمجد التفجير ويحرض له ويبرر له.
فالإرهاب لكي يحيا وينتعش يحتاج إلى مناخ تحريضي، وبيئة تمجيدية، وثقافة تبريرية. وهذا هو ما تكفل به بعض العرب، وقام به جيش من الصحفيين وقطاع عريض من الإعلاميين وجماعات ورموز دينية وقومية. لقد جندت فضائيات نفسها لخدمة الطرح الإرهابي وتبريره، ووظفت منابر بيوت الله لخدمة أجندة سياسية، وتخصصت منابر دينية لإصدار فتاوى تمجد تفجير النفس ولو في المدنيين ما داموا على صلة بالمحتل وسمته "أسمى أنواع الجهاد"، غير المواقع الإلكترونية الأصولية التي تتبادل التهاني والتبريك عقب العمل الإرهابي، إضافة إلى الكتيبات والأشرطة التي تتحدث عن خوارق وكرامات الجهاد.
إذن الفكر التكفيري ليس وحده المسؤول وإنما المناخ التحريضي، التمجيدي، التبريري هو المسؤول الأول عن ضراوة الإرهاب القاعدي. ولقد تعرض شباب العالم الإسلامي إلى كم هائل من الضغط التحريضي عبر الإعلام والمنابر الدينية لدفعهم إلى ساحة الهلاك بحجة الجهاد ومقاومة المحتل، وذهبت نفوس وطاقات وموارد هدراً، وذلك هو "الإثم الأعظم". الآن بعد قرار مجلس الأمن بحضور قادة العالم بحظر "التحريض" هل نأمل في مراجعة للذات والتوقف عن لعب هذا الدور المدمر؟ هل تُفعّل الدول العربية قرار مجلس الأمن؟ هل نستطيع رفع دعوى على المحرّضين والمكفرين -حماية لأبنائنا-؟
د. عبدالحميد الأنصاري
هذه المجازر الرهيبة التي تحصد أرواح العراقيين الأبرياء من الشيعة، ألا ينبغي أن تستدعي وقفة قوية من علماء السنة في العالم الإسلامي؟! أين علماء الوسطية والاعتدال؟! أين دعاة التقارب بين المذاهب؟! أين المشايخ الحكماء من أهل الحل والعقد؟!
بالأمس القريب، حين تحصن إرهابيو الفلوجة بالمساجد والبيوت، تعالت أصوات علماء السنة في إدانة قوات التحالف وارتفعت الأكف ضارعة أن ينصر الله مجاهدي الفلوجة ودعا لهم إمام الحرمين في ليلة القدر وتظاهر أنصارهم في أكثر من بلد عربي.. لماذا لا يتكلم هؤلاء وهم يرون المذابح الدامية في الشيعة؟! لماذا لا يستنكرون؟! لماذا لا يجرمون وحشية الزرقاوي؟!
الجنون الإرهابي فاق كل التصورات، وتفننت العقلية الإرهابية في ابتكار وسائل وأساليب للفتك وإزهاق الأرواح لا تخطر حتى على بال إبليس. هل تصدقون ما نقلته وكالات الأنباء من أن إرهابيي "تلعفر" قتلوا طفلاً ووضعوا لغماً في جثته وانتظروا وصول أهله لتسلم جثته ثم فجروها بهدف قتلهم -السياسة 15/9-2005 وقاموا بقصف عشوائي على المناطق المأهولة وأصابوا عدداً من الأطفال والأهالي، لتنقل بعض الفضائيات تلك المشاهد منسوبة إلى القوات العراقية والأميركية؟ وفي الكاظمية، في ساحة العروبة، حيث يتجمع عمال أتوا من محافظات الجنوب الشيعية بحثاً عن لقمة العيش، استدرج إرهابي يقود شاحنة مجموعة من العمال الشيعة متظاهراً بأنه مقاول يبحث عن أيدٍ عاملة، فلما تجمع هؤلاء الفقراء حول حافلته فجرها فيهم لتتطاير أجسادهم وتصبح أشلاء، وسقط في هذه المجزرة وحدها (112) قتيلاً و(126) جريحاً. ولعلنا نتذكر مذبحة الحلة في فبراير الماضي والتي سقط فيها (125) قتيلاً من المجندين الأبرياء اصطفوا في ذلك الصباح الباكر لاستخراج وثائق حكومية.
قد لا تصدقون كيف توحش الإجرام في العراق! فقد نشرت "الشرق الأوسط" -2/6- تقريراً بعنوان "بعد الكلاب المفخخة، البطيخ المسموم لقتل العراقيين"، لقد فخخوا مكباً وفجروه في دورية في كركوك وسمموا البطيخ ووزعوه على نقاط التفتيش في الموصل ليموت بعض الجنود العراقيين ويتسمم بعضهم.
لا حرمة لشيء ولا قدسية لأي مكان، مزارات الشيعة ومساجدهم تتعرض لتفجيراتهم، لقد وضعوا عبوة ناسفة عند باب مسجد للشيعة لينفجر في إمام المسجد ويجرح 3 من المصلين. يبحث الانتحاري عن أفضل أهدافه في أكبر تجمعات الشيعة ليفجر نفسه، في سوق الخضار، في المستشفى، في محطة الحافلات. لقد بلغت حصيلة الإرهاب في شهر مايو فقط (672) قتيلاً و(1174) جريحاً عراقياً. وبلغ إجمالي القتلى العراقيين (50) ألفاً مقابل (1658) من قوات التحالف. ما دلالة هذه الأرقام المخيفة؟!
لقد كتبتُ من قبل منبهاً إلى أن "الشيعة" هم المستهدفون -أساساً- في حرب الزرقاوي لا "قوات التحالف"، وها هو الزرقاوي بنفسه يؤكد ذلك قائلاً: "إن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أعلن الحرب الشاملة على الشيعة الروافض أينما وجدوا في العراق".
إن الإرهابيين موجودون لدى جميع الشعوب وفي كل الأديان، هناك النازيون وهناك الفاشيون، وهناك العنصريون.. ولكن لم يشهد العالم إجراماً يماثل إجرام الزرقاوي وجماعته في بشاعته، ولا وحشية مثل وحشيته.
لقد استنكر العالم جرائم الزرقاوي ضد الشيعة ووقف وزراء دفاع الأطلسي حداداً على أرواح ضحايا بغداد وأدان المجتمع الدولي إدانة واسعة الفظائع الإرهابية. فأين علماء السنة؟! وأين لجان حقوق الإنسان؟! وأين منظمات المجتمع المدني في البلاد العربية؟! وأين النقابات واتحادات العمال؟! لماذا هذه الازدواجية الأخلاقية البغيضة؟!
دعونا نتساءل ومن منطلق المسؤولية: لماذا يستمر "الإرهاب" عند المسلمين وبهذه الضراوة والتوحّش؟ يجيبك "الأيديولوجيون" من القوميين والإسلاميين: بسبب "الاحتلال"، بسبب "المظالم"، بسبب "القهر"، بسبب "الهيمنة الأميركية". وهي أسباب واهية، الاحتلال موجود في أماكن عديدة، والمظالم والقهر موجودة عند شعوب عديدة وبشكل أعظم مما عندنا، ومع ذلك لا نجد عندهم مثل "إرهابنا"، ثم كيف نقتنع بهذه الحجج الواهية ونحن نرى أن الإرهاب الهمجي يحصد أرواح الأبرياء في كل مكان، في العراق، في السعودية، في مصر، في المغرب، في اليمن، في بريطانيا؟! من أراد مقاومة "المحتل" أو دفع "المظالم" أو رفع "القهر" لا يقتل المدنيين ويستهدف تجمعات العمال الفقراء.
وكثير من المحللين الموضوعيين يرجعون السبب إلى تشبع هؤلاء بالكتابات التكفيرية وبخاصة لشيخ التكفيرية السلفية ومنظرها "أبو محمد المقدسي" القائل بتكفير الحكومات العربية بدعوى أنها تحارب الإسلام وشريعته وإن واجبهم الفوري يقتضي خلع هذه الحكومات الكافرة لإقامة الحكومة الإسلامية مكانها -مشاري الذايدي، الشرق الأوسط 31/5/2005 وذكر الشيخ العبيكان أن هؤلاء الشباب الذين تحدث إليهم اعترفوا بتأثير كتابات المقدسي عليهم (له 30 مؤلفاً ومئات الفتاوى على موقعه الإلكتروني الخاص) -يوسف الديني، الشرق الأوسط 9/9/2005. وأتصور أن كل ذلك صحيح ولكنه -في نظري- غير كافٍ في تحويل إنسان إلى "قنبلة بشرية ناسفة"، كثيرون يكفرون، وكثيرون يكرهون، وكثيرون متعصبون ولكنهم لا يقتلون الآخرين ولا ينتحرون! الإنسان لا يضحي بنفسه إلا لأمر غلاّب، وهوس جبار استحكم على نفسه وعقله وقلبه. إنه "التحريض" ثم "التمجيد" ثم "التبرير"، إنه ثقافة "فجر نفسك وادخل الجنة"، لا يفجر "التكفيري" نفسه في الآخرين حتى لو كفّرهم وكرههم إلا إذا وجد حوله مناخاً يمجد التفجير ويحرض له ويبرر له.
فالإرهاب لكي يحيا وينتعش يحتاج إلى مناخ تحريضي، وبيئة تمجيدية، وثقافة تبريرية. وهذا هو ما تكفل به بعض العرب، وقام به جيش من الصحفيين وقطاع عريض من الإعلاميين وجماعات ورموز دينية وقومية. لقد جندت فضائيات نفسها لخدمة الطرح الإرهابي وتبريره، ووظفت منابر بيوت الله لخدمة أجندة سياسية، وتخصصت منابر دينية لإصدار فتاوى تمجد تفجير النفس ولو في المدنيين ما داموا على صلة بالمحتل وسمته "أسمى أنواع الجهاد"، غير المواقع الإلكترونية الأصولية التي تتبادل التهاني والتبريك عقب العمل الإرهابي، إضافة إلى الكتيبات والأشرطة التي تتحدث عن خوارق وكرامات الجهاد.
إذن الفكر التكفيري ليس وحده المسؤول وإنما المناخ التحريضي، التمجيدي، التبريري هو المسؤول الأول عن ضراوة الإرهاب القاعدي. ولقد تعرض شباب العالم الإسلامي إلى كم هائل من الضغط التحريضي عبر الإعلام والمنابر الدينية لدفعهم إلى ساحة الهلاك بحجة الجهاد ومقاومة المحتل، وذهبت نفوس وطاقات وموارد هدراً، وذلك هو "الإثم الأعظم". الآن بعد قرار مجلس الأمن بحضور قادة العالم بحظر "التحريض" هل نأمل في مراجعة للذات والتوقف عن لعب هذا الدور المدمر؟ هل تُفعّل الدول العربية قرار مجلس الأمن؟ هل نستطيع رفع دعوى على المحرّضين والمكفرين -حماية لأبنائنا-؟