المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبدالهادي الصالح : مسودة تنظيم الإعلام لغير زماننا ومدعاة للسخرية



لن انثني
10-01-2023, 12:04 PM
https://media.alanba.com.kw/resources/imgwriters1/83_pic20220112200608255.jpg?w=430&h=235

مسودة تنظيم الإعلام لغير زماننا


الأحد 2023/10/1

المصدر : الأنباء

بقلم : د .عبدالهادي الصالح

طبعا من صميم الأعمال السيادية للدولة ان تنظم الاعلام على أراضيها تحت قيود الحريات الدستورية.

لكن من المعلوم ان ثورة المعلومات والتواصل العالمي حطمت جميع أدوات ووسائل القيود الرقابية الحكومية، ومهما حاولت واجتهدت لكبح جماح هذه الثورة، فإن الوسائل الالكترونية في كل ساعة تبهر الانسانية بالمزيد من الأعاجيب! حتى الموتى أيقظتهم من قبورهم فأصبحوا يتحدثون صوتا وصورة! بما لم يتكلموا به قط في حياتهم، وذلك بفضل الذكاء الاصطناعي، مما يهدد المجتمع الانساني بنكسة أخلاقية غير مسبوقة تتضاءل معها المحظورات السياسية، مما يضعف المؤسسات التربوية وحماة القيم، إلا ما شاء الله تعالى.

إن مسودة تنظيم الاعلام الكويتي الجديد المطروحة للتقييم، بجانب إيجابياتها لكن توجد فيها سلبيات ومواجع، فبالإضافة الى ما طرحه الاعلامي الاستاذ فيصل الدويسان في دراسته المميزة والمنشورة في «الأنباء» (2023/9/28)، نورد ملاحظاتنا السريعة التالية مع التغافل عن تفاصيلها التي تحتاج الى دراسة متأنية ليس محلها هنا:

1- مبالغ الكفالة تصل الى نصف مليون دينار والغرامات الى 40 ألفا، مبالغ فيها، وتعجيزية، كما ان ذلك يشجع المواطنين على تأسيس مؤسساتهم الاعلامية خارج البلاد، والبث الفضائي من هناك كفيل بالانتشار العالمي ومنها وطنهم الكويت!

2- أثناء اعداد هذا المقال وصلني من موقع إدارة الواتساب: «كيفية إنشاء قناة واتساب» خلال ثوان معدودة دون أن يتضمن شروطا ومستندات وخبرات ودفع كفالات بآلاف الدنانير ولا غرامات بالمثل!

علاوة على عشرات من القنوات الممنهجة من خارج البلاد وتبث الى العالم ولها مستقبلوها الكثر هناك من دون ان يستطيع القانون الكويتي ان يطولها.

فكان الأفضل تسهيل انشاء قنوات محلية بشروط ميسرة، ليسهل رقابتها مباشرة.

3- في كل أداة إعلامية بمسودة القانون تشترط ان يكون المتقدم لها او المسؤول الاول فيها جامعيا!

بمعنى يحق لدكتور الطب البيطري ان يطلب ترخيصا اعلاميا بينما خريج المعاهد التطبيقية تخصص علوم اجتماعية وإنسانية مرفوض تماما!

نقيض الدولة التي تردد انها مهتمة بهذا النوع من التعليم العملي وتشجع عليه!

والأدهى والأمر أن واقعنا اليوم يشهد في كل بيت ان الاطفال الذين لا يكادون يبلغون السادس من الابتدائي يفهمون بتعقيدات الاعلام عبر الهواتف الذكية كمصدر ومستقبل وإعادة بث البرامج وإنشاء القنوات وفك رموز الهكر واعادة البرمجة...إلخ!

4- المادة 38 من المسودة، تجرم نشر المؤلفات والمطبوعات التي تقرر عدم نشرها أو تداولها. والمواد 41 حتى 46 تضع شروطا وتقرر اجراءات معقدة أمام طباعة الصحف الأجنبية في الكويت! وهو أمر مع الأسف يثير السخرية! فالنشر الالكتروني للكتب والمصنفات الفنية، يتم الآن عبر الفضاء العالمي برمشة العين ومجانا! بل تعاني الصحف اليوم من تراجع نسبة شراء النسخ الورقية، وتعتمد نشر النسخ الالكترونية قبل ان تدور مكائن الطبع. وقس على ذلك الكتب والأفلام والبرامج المتداولة المتاحة والممنوعة.

بل تنتشر خرائط إلكترونية للعالم، ما عليك الا أن تضع طرف اصبعك على أي دولة لتنطلق اذاعتها!

والخلاصة ان مسودة هذا القانون بعموميته كتبت لزمان ماض غير زماننا هذا!

حتى وإن كان هذا من حق الدولة لا ينازعها أحد فيه، لكن القوانين الاعلامية المحلية لم تعد ذات جدوى مع ثورة المعلومات الالكترونية والاتصالات الفضائية.

أصبحت الانسانية في مواجهة تحديات غير مسبوقة لا جدوى في مواجهتها إلا بتبني الشفافية وبمزيد من حماية الآراء وحق الاطلاع على المعلومات وتداولها، والتوسع في تشجيع الرقابة الشعبية بالنقد والاعتراض،

والمصداقية والجدية في محاربة الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي، وهو أمر يحتاج الى جهود أممية أشمل من أن تقوم دولة بمفردها.

a.alsalleh@yahoo.com