سلسبيل
09-20-2005, 07:25 AM
د. نجم عبد الكريم
بمناسبة احتفال العالم الشيعي بذكرى المهدي المنتظر
تأكد لي بالتجربة العملية - أن البحث والخوض في موضوع (المهدي المنتظر) شاق الى درجة تغرق من يتناوله في خضم تلاطم أمواج عاتية. ولست في هذا المقال بصدد الكتابة عن موضوع تاريخي أو فقهي يتناول ظاهرة (المهدي المنتظر) عند المذاهب الاسلامية المختلفة حوله، إذ أن ذلك سيضعنا أم اختلافات وجهات النظر كان المسلمون يتساجلون فيها منذ قرون، ولازال البعض منهم يجتر تلك السجلات والخلافات..
بمنتهى البساطة أجيب: كان الحديث مع الصديق عبد الرحمن الراشد، منذ فترة يدور حول ذلك المواطن السعودي الذي قام باقتحام وزارة المالية في مساء أحد الايام - منذ ثلاث سنوات تقريبا - زعمًا أنه (المهدي المنتظر)، وكان الرجل قد لقى حتفه على إثر تبادل اطلاق الرصاص مع حرس الوزارة.. ومنذ عقدين ونصف، كان هناك مهدي أـخر بصحبة جهيمان العتيبي الذي تحصن في مكة.. ومابين هذين التاريخين ظهر مهديون أخرون في مناطق متعددة من أسيا وأفريقيا.. وأمام احدى محاكم القاهرة، يقف الان مهدي،وله أتباع.. والمعروف تاريخيا أن هناك العشرات بل المئات، ظهروا - على امتداد التاريخ - وكل واحد منهم يزعم أنه (المهدي المنتظر).
وعلى صعيد التجربة الشخصية، فلقد كان الظاهرة المهدي تاريخ طويل معي.. حيث نشأت في بيئة تحمل تراثا مصوره أحاديث عن الرسول الله منها على سبيل المثال:
" لاتخلو الأرض من قائم بحجة، إما ظاهر مشهور، أو خائف مستور، لئلا تبطل حجج الله وبيانه.."
وحديث أخر: "القائم المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، اشبه الناس بي خلقا، وخلقا."
وأخر يقول: "لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم للحق منا، وذلك حين يأذن الله عز وجل له.. ومن تبعه نجا، ومن تخلف عنه هلك.. الله الله.
عباد الله..، فأتوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله عز وجل، وخليفتي وهناك العشرات من الاحاديث المماثلة، سواء للنبي علية السلام، والائمة من ال البيت.
فإلى جانب هذا المورث الذي يحتل مكانه كبيرة لدى فئات كبيرة من المسلمين، فهناك ظواهر اخرى، تعايشنا معها، ولا بد لي من الوقوف أمامها.
الفتيات المهديات
سعيت الى المجموعة من الفتيات سمين انفسهن بـ(المهديات)، مستفسرا عن فحوى هذا المسمى؟! فاقسمن لي احداهن - وهي تمت لي بصلة القرابة - أن المهدي يظهر لها مختراقا الحواجز والحوائط والابواب و وهي تراه رأي العين مرتديا لباسا أبيضا، وتصفه بأوصاف نورانية، لان النور يشع من وجهه!! ولما أردت التاكد من رويتها، توجهت بالسؤال الى فتاة اخرى من (المهديات)، فأكدت لي نفس الرواية، واضافت أنه أحيانا يظهر لها في حضور أناس معها، ولكنهم لا يرونه، فرؤيته مقتصرة على من يريدهم أن يرونه فقط.!!
في المركز الاسلامي في لوس انجلوس التقيت برجل فلسطيني، أكد انة هو المهدي المنتظر، وحدثني عن اتصالاته الشفهية مابين جبريل علية السلام الذي كثيرا ما يزوره حاملا الية التعليمات الربانية التي تؤهله ليجهر بدعوته الناس لان يلتفوا حوله، باعتباره المهدي المنتظر.. وكان الرجل صاحب محطة البنزين على صلة وطيدة بمعظم اعضاء الجالية العربية والاسلامية.. والبعض منهم ياخذه على محمل الجد. ثم أنه أطلعني على بعض رسائل كان قد بعث بها الى قادة وحكام العالم يطالبهم فيها باتباع ما يصدره اليهم من تعاليم باعتباره المهدي المنتظر..... والما سألته يوما: متى يجهر بدعوته؟!.. أ جاب: عندما يامره الله بذلك عما قريب.!!
عندما كنت ادير إذاعة في لندن في أوائل التسعينات، كان هناك رجل كردي اسمه الزهاوي يتحدث الى كثيرا أحيانا عبر الهواء مباشرة، ليسمعه الناس، وكثيرا ما كان يخصني بحوارات خاصة مثل: ان جبريل رأه ليلة البارحة وهو يقرؤوني السلام،ويخبرني أن الله راضي عني وعن زملائي في الاذاعة كل الرضا، ولكنه يدعو بعض العاملات في الاذاعة لان يعتقن الدين الاسلامي، وخاصة الزميلة سونيا كور وقد دعوته يوما الى مقر الاذاعة، والتقيت به مع جميع من الزملاء ممن كانوا يستمعون الى اطروحاته، فوجدناه رجلا أنيقا، وعلى الرغم من انه قد تجاوز الستين الا أنة على قدر كبير من الوسامة.. وكان يحدثنا عن أتصالاته بالسماء، بمنتهى الثقة بالنفس.. وانه سيجهر بدعوتة عما قريب باعتباره المهدي المنتظر.
صديقي الشاعر المعروف طلال حيدر، زاملتة لمدة شهر كامل في الجزائر بدعوة من الرئيس بو تفليقة، طفنا فيها في معظم الولايات. كان طلال في تلك الرحلة لا يهمل فرضا، ملتزماً بالعبادة.. ولما كنت أعرف أن طلالً كان يقبل على ملذات الدنيا، فسألته عن سر هذا التحول الذي أستجد في حياته، فأخبرني بهذه الرواية:
" انه ذهب إلى العمرة، ثم إلى زيارة قبر الرسول في المدينة.. وهناك في البقيع حينما كان يقرأ الفاتحة على أرواح الأئمة والصحابة، ظهر له المهدي الذي أخذ جادة الصواب والالتزام بقواعد الإيمان..
ثم أخذ يظهر له في أماكن متعددة، وجرى بينهما أكثر من حوار ويتحدث الشاعر طلال حيدر بيقين مطلق، انه تكلم مع المهدي المنتظر.. ولا أظن أن ذلك سراً، فكل من يعرفون الشاعر طلال حيدر، صاروا على بينة مما يرويه لهم مبرراً أسباب التغير الجذري في حياته.
في الأسابيع الماضية كنت في القاهرة، وكان في نيتي إجراء بعض الحوارات الصحفية، وكان من بين من كنت أطمح لمحاورتهم أحد ضباط ثورة يوليو، عرابي العلاقات العربية الإسرائيلية، كما أنه أحتل منصباً كبيراً في عصر السادات و وهو حسن التهامي.. فنصحت بعدم الاقتراب من هذا الرجل، لأنه من السهل عليه أن يقاطعك أثناء الحوار ليقوم هارباً من جلسته قائماً ليرحب بمن لا تراه العين، ولكنك ستستشف من الكلام أنه يتحدث إلى جبريل..!! وهو كثير الحديث عما سيقوم بإصلاحه من الأوضاع عندما يؤذن له بأن يجهر بدعوته باعتباره المهدي المنتظر !!
رحلة البحث
بعد أن استمع الأخ عبد الرحمن الراشد إلى ما رويته له عن ظاهرة المهدي المنتظر حفّزني على كتابة موضوع أتناول فيه تلك الظاهرة، وأن أقف على المبررات التي يستند إليها هؤلاء (المهديون المتكررون) في مختلف العصور الإسلامية.
وبدأت الرحلة، وإذا بي أقف أمام مراجع لا حصر لها ولا نهاية تغطي مساحة كبيرة من التاريخ، وتمتد إلى عصور متعاقبة، ويبدو أن لكل حقبة زمنية مهدي يظهر..!!
ولندع المراجع الشعبية جانباً لنقف أمام المصادر السنيّة لأنها حافلة بأخبار المهدي المنتظر، إذ أن أهل السنة يؤمنون أن الله يؤيد دينه وعباده في أخر الزمان، برجل من أهل البيت يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه.. أي (محمد بن عبد الله).. ويؤمنون أنه يولد في أخر الزمان، حيث تتزامن بداية دعوته مع نزول المسيح عليه السلام، وقد تواترت هذه الأخبار في العديد من المصادر إذ جاء في صحيح البخاري: جزء (4) صفحة (143) باب (نزول عيسى بن مريم): "أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم؟!"
وجاء في سنن ابن ماجة جزء (2)، رقم الحديث (4086): "يكون في أمتي المهدي، ان قصر فسبع، وإلا فتسع، تنعم فيها أمتي نعمة لم تنعم مثلها قط.. تأتي أكلها.. الخ.. "
وجاء في الجامع الصحيح للترمذي جزء (9) و وصفحة (75-74) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، ولو لم يبق في الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم حتى يلي.."
وجاء في سنن ابي داود جزء (2) صفحة (422) وما يشبه الحديث السابق مع اختلاف بسيط في الألفاظ.
ولا يسعني في هذا المجال الإتيان على فحوى النصوص في هذا البحث، ولكنني أحيل من يريد الاطلاع إلى مسند أحمد جزء (3)، صفحة (37)،
وملاحم ابن المنادي صفحة(42)، وأربعون أبي نعيم، وفرائض السمطين جزء (2) صفحة (130)
وميزان الاعتدال جزء(3) صفحة(96)، والصواعق للهيثمي صفحة (166)، وكنز العمال جزء 14)) صفحة (261)، وينابيع المودة صفحة (469)
.. وقد ذكر ابن كثير في (النهاية) فصلاً، ذكر فيه الهدي في أخر الزمان، وفيض القدر للنباوي، وغالية المواعظ لخير الدين الألوسي..
كما أطلعت على مقالة لناصر الدين الألباني، تدور حول (المهدي المنتظر) نشرت في مجلة التمرن الإسلامي، والكثير الكثير من غير هذه المصادر السنية التي أشارت إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء فيها ذكر المهدي، وكل هذه المصادر تتمحور حول حديث قد جاء بأشكال مختلفة، مثلما ورد في مسند أحمد عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله قال: " إبشركم بالمهدي، يبعث في أمتي على اختلاف من الناس، فيملأ الأرض عدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء، وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً، فقال له أحدهم: فما صحاحاً؟! قال: بالسّوية بين الناس ةقال يملأ الله قلوب أمة محمد غنى، ويسعهم عدله."
وجاء في حديث أخر عنه عليه السلام: "إن المهدي من عثرتي، من أهل بيتي، يخرج في أخر الزمان"
ومعظم ما جاء في كتب السنة عن المهدي لا يتجاوز حدود ما ذكرناه أنفاً. وقد ورد في الموسوعة العربية الميسرة المجلد الثاني صفحة ((1764 بعنوان (مهدي):
" من هداه الله، يرد به رجل، يأتي أخر الزمان، يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً.. عقيدة شيعية في أساسها تقوم على (إمام حنفي) سيظهر ويرجع إلى الدنيا ليتولى أمورها."
هذا الاختصار الميسر جداً في الموسوعة تقابله دراسات مكثفة جداً وموسوعة عند الشيعة، حتى أصبحت لكل فرقة أو طائفة أكثر من مهدي،فالذي يبدو أن ردود الأفعال على الواقع الفاسد، كثيراً ما يتصدى لها مهدي.. لهذا نجد أن معظم قصص المهد يون في القرون الإسلامية الأولى.. قد ارتبطت بحركات سياسية ثورية، غالباً ما تتصدى لرفع الظلم والاضطهاد، وتلتف حول زعيم ينتمي إلى آل بيت النبي، وعندما تفشل الحركة أو يموت الإمام، أو يقتل أو يختفي في ظروف غامضة، سرعان ما يظهر إمام جديد للقيام بثورة جديدة..
.. وقد ورد في الأثر عند النبوختي، والأشعري والقومي والكِشّي أن جماعة زعمت أن الإمام علي بن أبي طالب لم يقتل، ولا يقتل، ولا يموت، حتى يسوق العرب بعصاه، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً..!!
وبعد مذبحة كربلاء، التف البعض حول محمد بن الحنفية – أخ الحسين بن علي – وعندما توفي محمد بن الحنفية في ظروف غامضة، قالت جماعة من أنصاره (الكيسيانية):
"إنه لم يمت، وإنه الإمام المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً". وهناك من أعتقد بمهدوية (أبو هاشم)، وهو أبن محمد الحنفية..
لا نهاية للمهدية
ولو أردنا الوقوف أمام أعداد (المهدي المنتظر) الذين ظهروا في حقب مختلفة من التاريخ، لطال بنا الحديث.. أما المهدي المجمع عليه عند الشيعة الإثنا عشرية فهو محمد بن الحسن العسكري فلا أستطيع الخوض فيه بسبب عدم الاختصاص مما قد يضعنا في مواجهة أخطاء اقبل لنا بالخوض فيها.. فمحمد بن حسن العسكري غاب غيبتان، الغيبة الصغرى، والغيبة الكبرى، وطائفة الشيعة الاثناعشرية تنتظر ظهوره وأصبحت عملية انتظاره تشكل جزءاً هاماً من الممارسات العملية في الفكر الشيعي المعاصر، وما دعوة ولاية الفقيه التي ينادي بها فريق من الشيعة إلا جزءاً من هذه الممارسة حيث يقوم الفقيه مقام المهدي الغائب إلى أن يؤذن له بالظهور.!! مع هذا الإيمان بالمهدي عند الشيعة، فقد ظهر أحد الكتاب منهم وأنكر ولادة محمد بن حسن العسكري – المهدي – تماماً..!! وقد صدر ذلك في كتاب عنوانه (تطور الفكر السياسي الشيعي.. من الشورى إلى ولية الفقيه) لأحمد الكاتب.
وقد تم الرد على هذا الكتاب من أطراف شككت بقدرات مؤلفه،العلمية، كما وجهت إليه اتهامات الارتشاء من قبل المناوئين للشيعة. وقد لا يتسع المجال للحديث عن المهدي الذي ظهر في السودان منذ ثلاثة قرون ليفجر ثورة في مواجهة الإنجليز، كما أن هناك من يردد – محللاً-: إن ظاهرة المهدي تمثل الأمل المشرق عند الشعوب المضطهدة والمستضعفة فالدروز مثلاً ينتظرون الحاكم بأمر الله، واليهود ينتظرون المسيح، والمسيحيون ينتظرون عودة يسوع ابن الرب.. وهلم جرا..
سامح الله الصديق عبد الرحمن الراشد الذي زج بي في موضوع لا معرفة لي بتفاصيله، ولا يثير اهتمامي، لدرجة أنني بعد كتابة هذا المقال أخذت أتساءل: ما هي النتيجة التي خلصت إليها؟! وما فائدة قراء إيلاف من هذا الموضوع؟!
صدقوني إذا ما قلت: رغم المجهود الذي بذلته في البحث، إلا أنني أقولها وبكل صراحة إن مثل هذه الموضوعات لا يخرج منها المرء بفائدة سوى الخوض بما يثير الدقائق الموروثة خاصة لدى أولئك الذين يستقون مرجعياتهم لحياتهم من الأموات في قبورهم..!!
بمناسبة احتفال العالم الشيعي بذكرى المهدي المنتظر
تأكد لي بالتجربة العملية - أن البحث والخوض في موضوع (المهدي المنتظر) شاق الى درجة تغرق من يتناوله في خضم تلاطم أمواج عاتية. ولست في هذا المقال بصدد الكتابة عن موضوع تاريخي أو فقهي يتناول ظاهرة (المهدي المنتظر) عند المذاهب الاسلامية المختلفة حوله، إذ أن ذلك سيضعنا أم اختلافات وجهات النظر كان المسلمون يتساجلون فيها منذ قرون، ولازال البعض منهم يجتر تلك السجلات والخلافات..
بمنتهى البساطة أجيب: كان الحديث مع الصديق عبد الرحمن الراشد، منذ فترة يدور حول ذلك المواطن السعودي الذي قام باقتحام وزارة المالية في مساء أحد الايام - منذ ثلاث سنوات تقريبا - زعمًا أنه (المهدي المنتظر)، وكان الرجل قد لقى حتفه على إثر تبادل اطلاق الرصاص مع حرس الوزارة.. ومنذ عقدين ونصف، كان هناك مهدي أـخر بصحبة جهيمان العتيبي الذي تحصن في مكة.. ومابين هذين التاريخين ظهر مهديون أخرون في مناطق متعددة من أسيا وأفريقيا.. وأمام احدى محاكم القاهرة، يقف الان مهدي،وله أتباع.. والمعروف تاريخيا أن هناك العشرات بل المئات، ظهروا - على امتداد التاريخ - وكل واحد منهم يزعم أنه (المهدي المنتظر).
وعلى صعيد التجربة الشخصية، فلقد كان الظاهرة المهدي تاريخ طويل معي.. حيث نشأت في بيئة تحمل تراثا مصوره أحاديث عن الرسول الله منها على سبيل المثال:
" لاتخلو الأرض من قائم بحجة، إما ظاهر مشهور، أو خائف مستور، لئلا تبطل حجج الله وبيانه.."
وحديث أخر: "القائم المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، اشبه الناس بي خلقا، وخلقا."
وأخر يقول: "لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم للحق منا، وذلك حين يأذن الله عز وجل له.. ومن تبعه نجا، ومن تخلف عنه هلك.. الله الله.
عباد الله..، فأتوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله عز وجل، وخليفتي وهناك العشرات من الاحاديث المماثلة، سواء للنبي علية السلام، والائمة من ال البيت.
فإلى جانب هذا المورث الذي يحتل مكانه كبيرة لدى فئات كبيرة من المسلمين، فهناك ظواهر اخرى، تعايشنا معها، ولا بد لي من الوقوف أمامها.
الفتيات المهديات
سعيت الى المجموعة من الفتيات سمين انفسهن بـ(المهديات)، مستفسرا عن فحوى هذا المسمى؟! فاقسمن لي احداهن - وهي تمت لي بصلة القرابة - أن المهدي يظهر لها مختراقا الحواجز والحوائط والابواب و وهي تراه رأي العين مرتديا لباسا أبيضا، وتصفه بأوصاف نورانية، لان النور يشع من وجهه!! ولما أردت التاكد من رويتها، توجهت بالسؤال الى فتاة اخرى من (المهديات)، فأكدت لي نفس الرواية، واضافت أنه أحيانا يظهر لها في حضور أناس معها، ولكنهم لا يرونه، فرؤيته مقتصرة على من يريدهم أن يرونه فقط.!!
في المركز الاسلامي في لوس انجلوس التقيت برجل فلسطيني، أكد انة هو المهدي المنتظر، وحدثني عن اتصالاته الشفهية مابين جبريل علية السلام الذي كثيرا ما يزوره حاملا الية التعليمات الربانية التي تؤهله ليجهر بدعوته الناس لان يلتفوا حوله، باعتباره المهدي المنتظر.. وكان الرجل صاحب محطة البنزين على صلة وطيدة بمعظم اعضاء الجالية العربية والاسلامية.. والبعض منهم ياخذه على محمل الجد. ثم أنه أطلعني على بعض رسائل كان قد بعث بها الى قادة وحكام العالم يطالبهم فيها باتباع ما يصدره اليهم من تعاليم باعتباره المهدي المنتظر..... والما سألته يوما: متى يجهر بدعوته؟!.. أ جاب: عندما يامره الله بذلك عما قريب.!!
عندما كنت ادير إذاعة في لندن في أوائل التسعينات، كان هناك رجل كردي اسمه الزهاوي يتحدث الى كثيرا أحيانا عبر الهواء مباشرة، ليسمعه الناس، وكثيرا ما كان يخصني بحوارات خاصة مثل: ان جبريل رأه ليلة البارحة وهو يقرؤوني السلام،ويخبرني أن الله راضي عني وعن زملائي في الاذاعة كل الرضا، ولكنه يدعو بعض العاملات في الاذاعة لان يعتقن الدين الاسلامي، وخاصة الزميلة سونيا كور وقد دعوته يوما الى مقر الاذاعة، والتقيت به مع جميع من الزملاء ممن كانوا يستمعون الى اطروحاته، فوجدناه رجلا أنيقا، وعلى الرغم من انه قد تجاوز الستين الا أنة على قدر كبير من الوسامة.. وكان يحدثنا عن أتصالاته بالسماء، بمنتهى الثقة بالنفس.. وانه سيجهر بدعوتة عما قريب باعتباره المهدي المنتظر.
صديقي الشاعر المعروف طلال حيدر، زاملتة لمدة شهر كامل في الجزائر بدعوة من الرئيس بو تفليقة، طفنا فيها في معظم الولايات. كان طلال في تلك الرحلة لا يهمل فرضا، ملتزماً بالعبادة.. ولما كنت أعرف أن طلالً كان يقبل على ملذات الدنيا، فسألته عن سر هذا التحول الذي أستجد في حياته، فأخبرني بهذه الرواية:
" انه ذهب إلى العمرة، ثم إلى زيارة قبر الرسول في المدينة.. وهناك في البقيع حينما كان يقرأ الفاتحة على أرواح الأئمة والصحابة، ظهر له المهدي الذي أخذ جادة الصواب والالتزام بقواعد الإيمان..
ثم أخذ يظهر له في أماكن متعددة، وجرى بينهما أكثر من حوار ويتحدث الشاعر طلال حيدر بيقين مطلق، انه تكلم مع المهدي المنتظر.. ولا أظن أن ذلك سراً، فكل من يعرفون الشاعر طلال حيدر، صاروا على بينة مما يرويه لهم مبرراً أسباب التغير الجذري في حياته.
في الأسابيع الماضية كنت في القاهرة، وكان في نيتي إجراء بعض الحوارات الصحفية، وكان من بين من كنت أطمح لمحاورتهم أحد ضباط ثورة يوليو، عرابي العلاقات العربية الإسرائيلية، كما أنه أحتل منصباً كبيراً في عصر السادات و وهو حسن التهامي.. فنصحت بعدم الاقتراب من هذا الرجل، لأنه من السهل عليه أن يقاطعك أثناء الحوار ليقوم هارباً من جلسته قائماً ليرحب بمن لا تراه العين، ولكنك ستستشف من الكلام أنه يتحدث إلى جبريل..!! وهو كثير الحديث عما سيقوم بإصلاحه من الأوضاع عندما يؤذن له بأن يجهر بدعوته باعتباره المهدي المنتظر !!
رحلة البحث
بعد أن استمع الأخ عبد الرحمن الراشد إلى ما رويته له عن ظاهرة المهدي المنتظر حفّزني على كتابة موضوع أتناول فيه تلك الظاهرة، وأن أقف على المبررات التي يستند إليها هؤلاء (المهديون المتكررون) في مختلف العصور الإسلامية.
وبدأت الرحلة، وإذا بي أقف أمام مراجع لا حصر لها ولا نهاية تغطي مساحة كبيرة من التاريخ، وتمتد إلى عصور متعاقبة، ويبدو أن لكل حقبة زمنية مهدي يظهر..!!
ولندع المراجع الشعبية جانباً لنقف أمام المصادر السنيّة لأنها حافلة بأخبار المهدي المنتظر، إذ أن أهل السنة يؤمنون أن الله يؤيد دينه وعباده في أخر الزمان، برجل من أهل البيت يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه.. أي (محمد بن عبد الله).. ويؤمنون أنه يولد في أخر الزمان، حيث تتزامن بداية دعوته مع نزول المسيح عليه السلام، وقد تواترت هذه الأخبار في العديد من المصادر إذ جاء في صحيح البخاري: جزء (4) صفحة (143) باب (نزول عيسى بن مريم): "أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم؟!"
وجاء في سنن ابن ماجة جزء (2)، رقم الحديث (4086): "يكون في أمتي المهدي، ان قصر فسبع، وإلا فتسع، تنعم فيها أمتي نعمة لم تنعم مثلها قط.. تأتي أكلها.. الخ.. "
وجاء في الجامع الصحيح للترمذي جزء (9) و وصفحة (75-74) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، ولو لم يبق في الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلك اليوم حتى يلي.."
وجاء في سنن ابي داود جزء (2) صفحة (422) وما يشبه الحديث السابق مع اختلاف بسيط في الألفاظ.
ولا يسعني في هذا المجال الإتيان على فحوى النصوص في هذا البحث، ولكنني أحيل من يريد الاطلاع إلى مسند أحمد جزء (3)، صفحة (37)،
وملاحم ابن المنادي صفحة(42)، وأربعون أبي نعيم، وفرائض السمطين جزء (2) صفحة (130)
وميزان الاعتدال جزء(3) صفحة(96)، والصواعق للهيثمي صفحة (166)، وكنز العمال جزء 14)) صفحة (261)، وينابيع المودة صفحة (469)
.. وقد ذكر ابن كثير في (النهاية) فصلاً، ذكر فيه الهدي في أخر الزمان، وفيض القدر للنباوي، وغالية المواعظ لخير الدين الألوسي..
كما أطلعت على مقالة لناصر الدين الألباني، تدور حول (المهدي المنتظر) نشرت في مجلة التمرن الإسلامي، والكثير الكثير من غير هذه المصادر السنية التي أشارت إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء فيها ذكر المهدي، وكل هذه المصادر تتمحور حول حديث قد جاء بأشكال مختلفة، مثلما ورد في مسند أحمد عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله قال: " إبشركم بالمهدي، يبعث في أمتي على اختلاف من الناس، فيملأ الأرض عدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء، وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً، فقال له أحدهم: فما صحاحاً؟! قال: بالسّوية بين الناس ةقال يملأ الله قلوب أمة محمد غنى، ويسعهم عدله."
وجاء في حديث أخر عنه عليه السلام: "إن المهدي من عثرتي، من أهل بيتي، يخرج في أخر الزمان"
ومعظم ما جاء في كتب السنة عن المهدي لا يتجاوز حدود ما ذكرناه أنفاً. وقد ورد في الموسوعة العربية الميسرة المجلد الثاني صفحة ((1764 بعنوان (مهدي):
" من هداه الله، يرد به رجل، يأتي أخر الزمان، يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً.. عقيدة شيعية في أساسها تقوم على (إمام حنفي) سيظهر ويرجع إلى الدنيا ليتولى أمورها."
هذا الاختصار الميسر جداً في الموسوعة تقابله دراسات مكثفة جداً وموسوعة عند الشيعة، حتى أصبحت لكل فرقة أو طائفة أكثر من مهدي،فالذي يبدو أن ردود الأفعال على الواقع الفاسد، كثيراً ما يتصدى لها مهدي.. لهذا نجد أن معظم قصص المهد يون في القرون الإسلامية الأولى.. قد ارتبطت بحركات سياسية ثورية، غالباً ما تتصدى لرفع الظلم والاضطهاد، وتلتف حول زعيم ينتمي إلى آل بيت النبي، وعندما تفشل الحركة أو يموت الإمام، أو يقتل أو يختفي في ظروف غامضة، سرعان ما يظهر إمام جديد للقيام بثورة جديدة..
.. وقد ورد في الأثر عند النبوختي، والأشعري والقومي والكِشّي أن جماعة زعمت أن الإمام علي بن أبي طالب لم يقتل، ولا يقتل، ولا يموت، حتى يسوق العرب بعصاه، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً..!!
وبعد مذبحة كربلاء، التف البعض حول محمد بن الحنفية – أخ الحسين بن علي – وعندما توفي محمد بن الحنفية في ظروف غامضة، قالت جماعة من أنصاره (الكيسيانية):
"إنه لم يمت، وإنه الإمام المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً". وهناك من أعتقد بمهدوية (أبو هاشم)، وهو أبن محمد الحنفية..
لا نهاية للمهدية
ولو أردنا الوقوف أمام أعداد (المهدي المنتظر) الذين ظهروا في حقب مختلفة من التاريخ، لطال بنا الحديث.. أما المهدي المجمع عليه عند الشيعة الإثنا عشرية فهو محمد بن الحسن العسكري فلا أستطيع الخوض فيه بسبب عدم الاختصاص مما قد يضعنا في مواجهة أخطاء اقبل لنا بالخوض فيها.. فمحمد بن حسن العسكري غاب غيبتان، الغيبة الصغرى، والغيبة الكبرى، وطائفة الشيعة الاثناعشرية تنتظر ظهوره وأصبحت عملية انتظاره تشكل جزءاً هاماً من الممارسات العملية في الفكر الشيعي المعاصر، وما دعوة ولاية الفقيه التي ينادي بها فريق من الشيعة إلا جزءاً من هذه الممارسة حيث يقوم الفقيه مقام المهدي الغائب إلى أن يؤذن له بالظهور.!! مع هذا الإيمان بالمهدي عند الشيعة، فقد ظهر أحد الكتاب منهم وأنكر ولادة محمد بن حسن العسكري – المهدي – تماماً..!! وقد صدر ذلك في كتاب عنوانه (تطور الفكر السياسي الشيعي.. من الشورى إلى ولية الفقيه) لأحمد الكاتب.
وقد تم الرد على هذا الكتاب من أطراف شككت بقدرات مؤلفه،العلمية، كما وجهت إليه اتهامات الارتشاء من قبل المناوئين للشيعة. وقد لا يتسع المجال للحديث عن المهدي الذي ظهر في السودان منذ ثلاثة قرون ليفجر ثورة في مواجهة الإنجليز، كما أن هناك من يردد – محللاً-: إن ظاهرة المهدي تمثل الأمل المشرق عند الشعوب المضطهدة والمستضعفة فالدروز مثلاً ينتظرون الحاكم بأمر الله، واليهود ينتظرون المسيح، والمسيحيون ينتظرون عودة يسوع ابن الرب.. وهلم جرا..
سامح الله الصديق عبد الرحمن الراشد الذي زج بي في موضوع لا معرفة لي بتفاصيله، ولا يثير اهتمامي، لدرجة أنني بعد كتابة هذا المقال أخذت أتساءل: ما هي النتيجة التي خلصت إليها؟! وما فائدة قراء إيلاف من هذا الموضوع؟!
صدقوني إذا ما قلت: رغم المجهود الذي بذلته في البحث، إلا أنني أقولها وبكل صراحة إن مثل هذه الموضوعات لا يخرج منها المرء بفائدة سوى الخوض بما يثير الدقائق الموروثة خاصة لدى أولئك الذين يستقون مرجعياتهم لحياتهم من الأموات في قبورهم..!!