المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لبنان وجبران خليل جبران



سلسبيل
09-20-2005, 07:12 AM
سلوى اللوباني

لو لم يكن لبنان وطني لاتخذته وطني

قول لجبران خليل جبران نقش على تمثاله الموجود في الحديقة التي تحمل اسمه في بيروت امام مبنى الاسكوا، وتم افتتاح هذه الحديقة تحت رعاية رفيق الحريري "رحمه الله" عام 2000، تكريماً لابن لبنان العبقري جبران خليل جبران الفيلسوف والاديب والشاعر والرسام، فكتبه لا تزال تطبع من جديد وتلقى اقبالاً من عشاقه، فأصدرت دار نوبليس في بيروت موسوعة تضم معظم أعماله في 10 مجلدات في طبعة جديدة بتجليد فاخر ومن توزيع شركة نيوورلد فيجن في مصر، وتحتوي الموسوعة على عرائس المروج، الارواح المتمردة، الاجنحة المتكسرة، المواكب، دمعة وابتسامة، البدائع والطرائف، العواصف، يسوع ابن الانسان، المجنون السابق- التائه، النبي- حديقة النبي، رمل وزبد، الهة الارض، وتتبع شركة التوزيع في مصر نظاما مالياً يسهل على القراء شراء مثل هذه الموسوعات بالتقسيط الشهري بما يناسب القارئ ايماناً منها بأهمية القراءة ونشر المعرفة والثقافة.

لؤلؤة جبران
كتابات جبران أشبه بمقطوعات موسيقية تدندن بنغمات فكرية وجدانية مليئة بالحكمة، وأقلام كثيرة لا تزال تكتب ولكن من النادر ان تصادف قلماً ينسج، فقلم جبران ينسج عبارات مليئة بالمشاعر والمواقف تسافر بك الى عالم من الروحانيات، وكانك على جزيرة تحيطك أشجار النخيل وأمامك المياه العذبة، وفوقك زرقة السماء وشمسها الصفراء الدافئة، وفي ظل هذه الاجواء يدفعك جبران للتصالح مع نفسك وأنت تقرأ نسيج قلمه كأنك في درس روحاني يسحبك بعيداً عن قتم الحياة ومشاكلها.
قالت محارة لمحارة تجاورها: ان بي ألماً جد عظيم في داخلي..
انه ثقيل ومستدير وانا معه في بلاء وعناء....
وردت المحارة الاخرى بانشراح فيه استعلاء الحمد للسماوات والبحار...
لا أشعر في سري بأي ألم، أنا بخير وعافية داخلاُ وخارجاُ....
ومر في تلك اللحظة سرطان مائي وسمع حوار المحارتين..
قال للتي هي بخير وعافية داخلاً وخارجاً نعم أنت بخير وعافية...
ولكن الالم الذي تحمله جارتك في داخلها...
انما هو لؤلؤة ذات جمال لا حد له.

شقاء وابداع
ولد جبران في أسرة فقيرة عام 1883، في بشري على سفوح جبال الارز في لبنان، شقيق لمريانا وسلطانة، والده كان راعياً للماشية، والدته كميلة رحمة من عائلة محترمة ومتدينة، وكان والد جبران الزوج الثالث لوالدته، فلها ابن " بطرس" من زواج سابق، لم يكن والده مهتماً بشؤون الاسرة ويصرف وقته في السكر، لذلك لم يرسل جبران الى المدرسة، بل ذهب الى كاهن البلدة الذي اكتشف عبقريته منذ الصغر فساعده على تعلم القراءة والكتابة مما أفسح له المجال للمطالعة والتعرف على العلوم الاخرى، دخل والده السجن بعد فترة واضطرت العائلة لبيع منزلهم وقررت والدة جبران الهجرة الى امريكا لتبحث عن حياة افضل، وسافر جبران مع عائلته الى امريكا ولم يتم 20 سنة بعد، استقروا في بوسطن حيث أكبر عدد للجالية اللبنانية تعيش هناك من عام 1895، دخل جبران الى المدرسة من خلال اهتمام الجمعيات الخيرية به، عملت والدته بائعة متجولة لتحصل على المال، فتحت العائلة محلا تجاريا بادارة بطرس بعد تحسن اوضاعهم المادية، ظهرت موهبة الرسم لدى جبران في المدرسة وأثار اعجاب المدرسيين ومدير المدرسة، فاستدعوا الرسام الشهير "هولاند داي" لاعطاء جبران دروس خاصة في الرسم، ويعود الفضل الاول لهولاند باطلاع جبران على المعارض وتوسع معرفته الفنية، والادب العالمي وفنون الكتابة والتصوير الفوتوغرافي، بالاضافة الى مساعدته على بيع بعض من رسوماته كغلافات كتب لاحدى دور النشر، وبدأت الاوساط الادبية والفنية في بوسطن تعرفه وبدأ طريق الشهرة من هناك.


عودة الى الاحزان
عاد جبران الى لبنان بعد أن خافت عائلته من شهرته المبكرة، التحق بمدرسة الحكمة ليتابع دروسه خاصة في اللغة العربية التي كاد ان ينساها الى جانب لغته الانكليزية الضعيفة، وأظهر عبقريته مرة أخرى عندما اعترض على المنهج القديم في التدريس، وبالفعل اقتنعت الادارة برأيه وعدلت المنهج بما يناسب احتياجاته حيث لم يسبق ان اعترض اي طالب على ذلك، تفوق جبران في دروسه العربية والفرنسية والشعر، تعرف جبران في المدرسة على "يوسف الحويك" واصدرا معا مجلة "المنارة" وكانا يحررانها سوية فيما وضع جبران رسومها وحده، اضطر الى السفر الى بوسطن بسرعة ليهتم بشؤون العائلة الصحية والمادية، عندما علم بمرض شقيقته سلطانة ولكنه كان قد وصل بعد وفاتها، ووالدته دخلت المستشفى لاجراء عملية اسئصال خلايا سرطانية، وفي أثناء ذلك عاد شقيقه بطرس من كوبا مصابا بمرض قاتل وتوفي بعد وصوله بايام قليلة، وتفاقمت المآسي في حياة جبران بوفاة والدته بعد فشل العملية لتتوفى في نفس السنة التي توفي فيها بطرس، والجدير بالذكر ان جبران سقط على كتفه وهو في العاشرة من عمره وبقي طوال حياته يعاني بسبب هذا الكسر.


اجنحة النبي
كان جبران يمتلك الكثير من المواهب التي كانت كالاجنحة له يطير بها من عمل الى آخر، فكان مصرا على اتقان الكتابة باللغة الانجليزية فهي تفتح له مجالات أكثر، فقد كان يكتب في جريدة المهاجر باللغة العربية وتصدر في المهجر لذلك لم يكن يقرأها الا عدد قليل من الناس، تعرف بعد فترة على ماري هاسكل المرأة التي كان لها أثر كبير في حياة جبران، كانت تكبره بعشر سنوات، ساعدته كثيرا بعد ان لاحظت ان جبران يكتب بالعربية ومن ثم يترجم الى الانجليزية، كانت تصحح له كتاباته في البداية، ثم شجعته على اتقان اللغة والكتابة مباشرة باللغة الانجليزية، سافر جبران الى باريس ليدرس فن الرسم والنحت والتصوير، ثم عاد الى بوسطن ليعرض الزواج على ماري ولكنها رفضت لفارق السن بينهما، انتقل الى نيويورك للبحث عن المجالات الفكرية والادبية والفنية، ولم يغادرها حتى وفاته، قام برسم العديد من اللوحات لكبار المشاهير، ووضع كل تركيزه في اعماله الادبية، وبدأ يؤلف باللغة الانجليزية وأصدر اكثر من 8 كتب خلال 8 سنوات، كان أهمها كتاب "النبي" الذي لاقى شهرة عالمية ببساطته وعمقه، نشر "النبي" فوصل الى الكنائس، وأصبح يدرّس في الجامعات الأميركية والعالمية، ترجم الى عدة لغات الالمانية والفرنسية والعربية، والجدير بالذكر ان كتاب النبي هو الكتاب الرابع أكثر انتشاراً في العالم.


قدر العظماء
توفي جبران وعمره 48 سنة في مستشفى في نيويورك عام 1931، بعد اصابته بمرض السرطان، تم دفنه في بلدته بشري بعد ان نقلت جثمانه ماري وشقيقته مريانا الى دير مار سركيس الذي اشتروه فيما بعد من الراهبات ليكون مزارا لعاشقين جبران ومقصدا لزواره، وقد كرم جبران بعد وفاته في العديد من البلدان، فانشئت حديقة في واشنطن تحمل اسمه، وأقيم معرض حول البعد الفني للوحاته في معهد العالم العربي في باريس عام 1998، واقيم مؤتمر في جامعة ماريلاند عام 99 بعنوان جبران داعية سلام ورائد في حقوق الانسان، وكرّس هذا المؤتمر جبران رسمياً في المناهج الجامعية الأميركية كشخصية أدبية أميركية من لبنان، بالاضافة الى معرض جبران في متحف سرسق في بيروت عام 99، وقد زار المعرض في هذا العام أكثر من 50 ألف زائر وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ المتحف.


Salwalubani@hotmail.com