زهير
09-19-2005, 11:14 AM
عبد الرحمن الراشد
في واقعة قديمة، نظرت إحدى المحاكم الأمريكية في نزاع بين الطلاب العرب من تنظيمين جامعيين، كلٌّ يدعي حقه في ادارة فرع منظمة الطلاب العرب في الجامعة. النزاع أمام القاضي تمحور حول مسألة اختلاس تبرعات لصندوق المنظمة، وسط تنافس بين فريقين؛ واحد منتسب لحركة القوميين العرب، والثاني من حركة الإخوان المسلمين. القاضي حَكَمَ لطلبة الإخوان الذين اثبتوا ان القوميين اختلسوا أموال الجمعية لأغراضهم الخاصة. وبسبب تلك الحادثة، خسر القوميون العرب الانتخابات الجامعية لاحقا. كانت تلك معركة صغيرة في جامعة امريكية لم يدر بها او يهتم بها إلا قلة. تميز الطلاب العرب بحضور حقيقي في معظم المحافل الجامعية، وكانوا أكثر الجاليات تظاهرا وصراخا. ومع هذا لم تثر نشاطاتهم وأفكارهم احدا لأنها التزمت بسلميتها، واحترمت دائما القوانين التي تسمح بالتظاهر والتحزب وإلقاء المحاضرات، وتعطيهم المقار والخدمات لإقامة أسابيعهم السياسية او الفكرية.
لم تكن الساحة الامريكية العريضة اكثر تسامحا من اليوم، فهناك الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي التي وضعت كل التنظيمات اليسارية تحت الرصد الدائم، ومعظم العرب كانوا يساريي الهوى. ورغم ان نشاطات الطلاب العرب المعادية لواشنطن كانت الغالبة، إلا ان احدا لم يتململ منهم ولم تتربص بهم دوائر الأمن.. السبب في النتيجة، فقد كانت نشاطات فكرية حقيقية تريد كسب العقول وحسب، أما اليوم فقد تبدلت الصورة. اصبح تلاميذ اليوم حركيي عنف، فكرا وأحيانا عملا. كانت أقصى نشاطات المسيسين من الطلاب العرب في الماضي التظاهر وكتابة المنشورات السلمية، ولم تخط أقدامهم خطوة خارج الحرم الجامعي. والمجتمع الحر بطبعه يشجع الساحة الجامعية تحديدا على النشاط السياسي كممارسة تربوية، لأنها المرحلة العمرية التي يتشكل فيها الوعي والمجتمع يحفزه على البلوغ الفكري. تغير الوضع بعد ان تسلل التطرف والمتطرفون في الآونة الأخيرة الذين جعلوا من الجامعات العربية، ولاحقا الأجنبية ساحة للتنظيم، ومعسكرا لا يكتفي بالمناظرات بل تجنيد الطلاب للقتل والقتال.
النتيجة ان التسامح ضاق والصبر نفد، حتى أن معظم قوى المجتمع المحبة للحريات هي الأخرى سكتت عن تضييق الحركة على الطلاب العرب والمسلمين، بعد ان ثبت ان بعضهم استخدم الحريات للتحريض على العنف. وحتى في بريطانيا، آخر قلاع التسامح المنهارة، تسعى روث كيلي وزيرة التربية لحظر نشاطات الطلبة المتطرفين في الجامعات، أي طلابنا بطبيعة الحال. وتأتي الخطوة نتيجة بحث أعده مركز علمي متخصص في الدراسات الأمنية، حذر من تزايد التنظيمات المتطرفة الداعية للارهاب، العاملة في نحو ثلاثين جامعة بريطانية.
والقوانين الأخيرة تلاحق النشر والإنترنت، وصريحة بتجريم من يحرض على العنف، لأنها تعتبره السبب الرئيسي في القتل ويخالف مبدأ حرية التعبير السلمي. الحقيقة ان متطرفينا أفسدوا على انفسهم كل مساحة، ولو صغيرة، لصالح قضاياهم، وآخرها الحركات الطلابية التي كان لها دور تاريخي في تجييش الرأي العام إيجابيا.
alrashed@asharqalawsat.com
في واقعة قديمة، نظرت إحدى المحاكم الأمريكية في نزاع بين الطلاب العرب من تنظيمين جامعيين، كلٌّ يدعي حقه في ادارة فرع منظمة الطلاب العرب في الجامعة. النزاع أمام القاضي تمحور حول مسألة اختلاس تبرعات لصندوق المنظمة، وسط تنافس بين فريقين؛ واحد منتسب لحركة القوميين العرب، والثاني من حركة الإخوان المسلمين. القاضي حَكَمَ لطلبة الإخوان الذين اثبتوا ان القوميين اختلسوا أموال الجمعية لأغراضهم الخاصة. وبسبب تلك الحادثة، خسر القوميون العرب الانتخابات الجامعية لاحقا. كانت تلك معركة صغيرة في جامعة امريكية لم يدر بها او يهتم بها إلا قلة. تميز الطلاب العرب بحضور حقيقي في معظم المحافل الجامعية، وكانوا أكثر الجاليات تظاهرا وصراخا. ومع هذا لم تثر نشاطاتهم وأفكارهم احدا لأنها التزمت بسلميتها، واحترمت دائما القوانين التي تسمح بالتظاهر والتحزب وإلقاء المحاضرات، وتعطيهم المقار والخدمات لإقامة أسابيعهم السياسية او الفكرية.
لم تكن الساحة الامريكية العريضة اكثر تسامحا من اليوم، فهناك الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي التي وضعت كل التنظيمات اليسارية تحت الرصد الدائم، ومعظم العرب كانوا يساريي الهوى. ورغم ان نشاطات الطلاب العرب المعادية لواشنطن كانت الغالبة، إلا ان احدا لم يتململ منهم ولم تتربص بهم دوائر الأمن.. السبب في النتيجة، فقد كانت نشاطات فكرية حقيقية تريد كسب العقول وحسب، أما اليوم فقد تبدلت الصورة. اصبح تلاميذ اليوم حركيي عنف، فكرا وأحيانا عملا. كانت أقصى نشاطات المسيسين من الطلاب العرب في الماضي التظاهر وكتابة المنشورات السلمية، ولم تخط أقدامهم خطوة خارج الحرم الجامعي. والمجتمع الحر بطبعه يشجع الساحة الجامعية تحديدا على النشاط السياسي كممارسة تربوية، لأنها المرحلة العمرية التي يتشكل فيها الوعي والمجتمع يحفزه على البلوغ الفكري. تغير الوضع بعد ان تسلل التطرف والمتطرفون في الآونة الأخيرة الذين جعلوا من الجامعات العربية، ولاحقا الأجنبية ساحة للتنظيم، ومعسكرا لا يكتفي بالمناظرات بل تجنيد الطلاب للقتل والقتال.
النتيجة ان التسامح ضاق والصبر نفد، حتى أن معظم قوى المجتمع المحبة للحريات هي الأخرى سكتت عن تضييق الحركة على الطلاب العرب والمسلمين، بعد ان ثبت ان بعضهم استخدم الحريات للتحريض على العنف. وحتى في بريطانيا، آخر قلاع التسامح المنهارة، تسعى روث كيلي وزيرة التربية لحظر نشاطات الطلبة المتطرفين في الجامعات، أي طلابنا بطبيعة الحال. وتأتي الخطوة نتيجة بحث أعده مركز علمي متخصص في الدراسات الأمنية، حذر من تزايد التنظيمات المتطرفة الداعية للارهاب، العاملة في نحو ثلاثين جامعة بريطانية.
والقوانين الأخيرة تلاحق النشر والإنترنت، وصريحة بتجريم من يحرض على العنف، لأنها تعتبره السبب الرئيسي في القتل ويخالف مبدأ حرية التعبير السلمي. الحقيقة ان متطرفينا أفسدوا على انفسهم كل مساحة، ولو صغيرة، لصالح قضاياهم، وآخرها الحركات الطلابية التي كان لها دور تاريخي في تجييش الرأي العام إيجابيا.
alrashed@asharqalawsat.com