المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الموضوعية تجاه الأفكار الجديدة ..........الشيخ حسن الصفار



دشتى
09-19-2005, 01:06 AM
كتب:الشيخ حسن الصفار


هناك اسباب وعوامل تحول دون الافكار الجديدة وانتشارها في المجتمعات ومن ابرزها:
1- الاسترسال: حيث يتمثل كثير من الناس مقولة «انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مهتدون».
فيعيش هؤلاء حالة من القناعة والاشباع بما لديهم من الافكار والقناعات بشكل لا يشعرون معها بالحاجة الى الجديد فيسترسلون مع الحالة الموجودة في المجتمعات ولكن هذه الحالة خطأ لانه ليس دائما ما هو سائد صحيح وقد يكون صحيحاً في زمن او ظرف معين والازمنة والظروف تتغير فتحتاج الافكار والقناعات الى تجديد وتغيير واصلاح.

من هنا كانت المجتمعات البشرية في حاجة دائمة الى التجديد والاصلاح في افكارها وارائها وانماط حياتها لان البقاء على وضع حالة معينة ليس شيئاً سليماً فطبيعة الحياة فيها تغير وتطور ولذلك نرى تعدد الانبياء فمع تغير الزمان والمجتمعات ينزل الله تعالى شرائع جديدة وكذلك الحال في تعاليم الاسلام نجد ان باب الاجتهاد مفتوح لتغير وتطور طبيعة الحياة مما يستدعي حدوث تغير وتطور في بعض الاراء والافكار.

ولو تأملنا لوجدنا في اوضاعنا الدينية اراء كانت سائدة وعندما طرحت اراء جديدة رفضت في البداية ولكن بعد مدة من الزمن تلاشى الرأي السابق واصبح الرأي الجديد الذي كان مرفوضاً هو السائد ومن الامثلة على ذلك: صلاة الجمعة اذ لم تكن متعارفة عند مجتمعاتنا الشيعية فالرأي السائد كان يرى ان صلاة الجمعة لا تقام الا بحضور الامام المعصوم او بوجود حاكم شرعي مبسوط اليد وكان هناك من الفقهاء من يرى حرمة اقامة صلاة الجمعة زمن الغيبة اما الان وخلال ربع القرن الاخير «اي بعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة في ايران» تجلى وضع جديد فأقيمت صلاة الجمعة في ايران وشيئا فشيئا بدأت تنتشر في مختلف المناطق والبلدان بالطبع ووجه هذا التغيير بالاستنكار والاستغراب بادئ الامر ولكنه اصبح واقعاً وقبل سنين ما كان يمكن للخطيب الحسيني ان لا يذكر زواج القاسم بن الحسن في اليوم الثامن من المحرم لكن طرح هذا الموضوع الان لم يعد مقبولاً.

2- عدم الثقة بالنفس:

الكثير من الناس لا يسعى للانفتاح على الاراء والافكار الجديدة لعدم ثقتهم بانفسهم لتقويم هذه الافكار ومناقشتها بعكس ما عليه الحال من ثقة الجميع بانفسهم فيما يرتبط بالامور المادية من اكل وشرب ولباس وغيرها وفي المجال الفكري ينبغي ان يكون وضع الناس كذلك فقد منح الله تعالى الانسان عقلا فعليه ان يعمل عقله بالاسلوب الصحيح ولا يعني هذا ان يقبل الانسان كل فكرة جديدة دون دراسة وبحث وانما عليه البحث والتمحيص ليحدد موقفه من اي فكرة والله تعالى يصف المؤمنين بقوله: «الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه» ولفظه «يستمعون» تفيد تقصد الاستماع لا ان يكون ذلك مجرد صدفة و «القول» تعني الاراء والافكار «فيتبعون احسنه» من خلال اعمال عقولهم.

3- الخوف من الاعتراض:

قسم من الناس قد يقتنعون بصحة الافكار الجديدة ولكنهم يخشون من اعلان اقتناعهم لمعارضة الناس لها وبالتالي يضطر هؤلاء الا يتعاطوا مع الافكار الجديدة خوفا من مواجهة الاعتراض الموجود عند الناس.
وهذا ما واجهه كثيرون في بداية الدعوة الاسلامية ولكن الواعين تجاوزوا هذه الحالة وفي طليعة اولئك مصعب بن عمير «رضي الله عنه» وهو من افضل الشباب الذين كانوا يتمتعون بالدلال والرفاه من قبل اسرهم وكان معروفا بانه اعطر فتى في قريش ولما سمع عن الاسلام اصبح يبحث عنه ويتقصاه الى ان اسلم مع ان اباه وامه كانا من اشد اعداء الاسلام في ذلك الوقت لذلك اخفى عنهما ا سلامه ولكن هناك من افشى امره الى ابويه فواجهته امه بالحقيقة فاعترف لها بذلك وانهالت عليه توبيخاً وتقريعاً وهددته بانها لن ترضى عنه فقال لها: يا اماه لا تشقي على نفسك فاني قد آمنت ولن اترك الدين الحق فلم تقبل امه منه ذلك وسجنوه في البيت وقتروا عليه في الطعام ولكنه اصر على موقفه وبعد ذلك هرب من بيت والده وذات يوم كان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» جالسا مع اصحابه وقد اقبل مصعب يلبس ثوبا بالياً ويظهر عليه اثار الجوع فدمعت عينا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وتأثر الاصحاب وقال «صلى الله عليه وآله وسلم»: كان مصعب وما في مكة ولد اعز منه على ابويه ولكنه ترك كل ذلك حباً لله ولرسوله.

ان الانسان الواعي يتحمل الضغوط ويلتزم بالحق بعيدا عن رضا الناس او عدمه وفي دعاء الامام الحسين «عليه السلام» في يوم عرفة نقرأ هذه الفقرات الرائعة: «ماذا وجد من فقدك وماذا فقد من وجدك» فالانسان الذي يصل الى الحق والحقيقة باقتناع فلا يتنازل عنها من اجل اي شيء اخر حيث لا شيء يوازي الحق او يكون بديلا عنه.

رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» واجه هذه الحالة في المجتمع ولكنه صبر ممتثلا قول الله تعالى: «واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلا» اذ قالوا عنه: ساحر، مجنون، كذاب، مفتري، ولكن هذه الحالة طبيعية واجهها جميع الانبياء والرسل والمصلحين يقول تعالى: «ما يقال لك الا ما قد قيل للرسل من قبلك» وعلى المصلحين ان يعرفوا ان هذا هو الطريق، فعليهم ان لا يضعفوا امام الاشاعات والدعايات والاتهامات فهي حالة طبيعية يواجهها جميع المصلحين وفي الآية الكرمة معنى مهم جداً يقول تعالى: «واهجرهم هجراً جميلا» فالمصلح حينما يطرح اراءه وافكاره الاصلاحية في المجتمع، وتحصل حالة الاعتراض عليه فهنا يتوجب عليه ان يهجر المجتمع ولكن ذلك لا يعني مقاطعة المجتمع او الهروب منه لان ذلك ما يرنو له المناوئون ولكن ينبغي ان يكون هناك اصرار على التداخل والتعاطي والتواصل مع الناس، والهجر الذي تسميه الآية الكريمة بالهجر الجميل يعني عدم التأثر بالدعايات والاشاعات التي تطرح فيكون هجران المصلح للمجتمع متمثلا في عدم الركون الى الجوانب السلبية وعدم التأثر بها والا تنمو لديه مشاعر العداء والبغض والكراهية لابناء المجتمع بل يواصل دعوتهم برفق ومحبة وسعة صدر.

وهكذا كان رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: اذ تحمل وصبر فكتب الله تعالى لرسالته النصر والظفر.