باباك خورمدين
09-18-2005, 03:25 PM
دائماً ما تعبر مفردة (التدين) في العُرف العام عن نوع من الالتزام بدين أو عقيدة ما ... وهو ما يدعو الناس إلى إطلاق لفظ (متدين) على الملتزم أو من يسعى لتحقيق أكبر قدر من الالتزام بهذا المعتقد.
إن هذه الرؤية تمثل تبسيطاً بالغاً للواقع الذي يحمل صوراً متعددة للتدين، بعضها قد يتناقض أو يتعارض تماماً مع الآخر .
إن الفارق بين هذه الصور يكمن في مدى ما بذله الإنسان (المتدين) من الجهد وما حصل عليه من معرفة وخبرة خاصة لانتاج تدينه، ما يطلق عليه (التدين الايجابي)، ربما لا يحصل على اليقين بالمعنى الكامل، إلا أنه يكون أكثر وعياً وتجربة مما يجعل القدر المتوفر له من اليقين حقيقياً وأكثر ثباتاً.
على جانب آخر يوجد شكل يعتمد على تلقي التدين، عن طريق الاستقبال السلبي للآراء والأفكار والموروثات بطريقة استهلاكية لا تحتاج سوى قراءة كتاب والاستماع لشريط مسجل .
هذا الشكل يمثل السمة الغالبة للتدين عموماً وهو ناتج عن سعي الانسان الحثيث للحصول على الاطمئنان بوسائل لا تسبب الإرهاق الفكري غير مضمون العواقب .
تبدو عناصر هذا الشكل أكثر التزاماً وحرصاً على ظاهر شعائر وعلامات التدين الواضحة، كما تظهر صرامة واندفاعاً ضخماً في سعيها للدفاع عن عقائدها التي تلقتها بلا جهد ... فأقل بادرة مواجهة أو مناقشة لهذه العقائد أو الأفكار تمثل نوعاً من الاهتزاز والاضطراب لحالة اليقين والاطمئنان التي تتوهم أنها حصلت عليها .
وبالتالي تحرص هذه العناصر على الاستماع والارتباط بخط عقائدي وفكري واحد، وتصاب بغضب هستيري عندما تتم مناقشة أي قضية صغيرة أو كبيرة - حتى لو كانت حادثة تاريخية أو موروث عرفي - بطريقة تختلف أو تتعارض مع نفس الاسلوب والنتائج التي تلقتها به.
فتبدأ بالتمترس خلف ذكائب لا نهائية من الاتهامات ، واسماء رجال الدين (الاعلام الثقات) البراقة الذين يؤيدون موقفها، وترديد أفكارها بأسلوب ببغائي غير واعي .
وفي مرحلة أخرى تأخذ اللهجة صيغة ساخرة أو مشككة في معرفة وقيمة الآخر، وأخيراً تصل إلى الشتائم والتحريض، وهي في لجوئها لهذه الوسائل تسعى أساساً لإسقاط عيوبها ونواقصها الشخصية على الآخر هرباً من حالة الاضطراب المذعور والخوف المرضي من فقدان وهم اليقين الذي تتعلق به، والإفاقة على حقيقة أنها قد تحتاج إلى البحث الجدي مرة أخرى.
إن تميز لغة الخطاب والحوار الخاصة بهذه العناصر بالمصادرة على الآخر والاستعلاء الكاذب لا يشير لثبات أو الثقة في المعتقد ، وإنما لحالة الصدمة التي تعيشها عندما تكتشف وجود رأي مخالف يمثل لها قدر كبير من القلق الناتج عن ضعف وهشاشة يقينها السلبي (الاستهلاكي) الذي تلقته بطريقة تشبه تناول الأطعمة المعلبة.
الواقع إن هذه العناصر لا تعاني في الحقيقة أي أرق بالدين بقدر ما تعاني من الأرق بذواتها التي تسعى لطمئنة أرقها الروحي بأسلوب انتهازي ولو على حساب الآخرين الذين سيتلقون كل النعوت بالكفر والجدل والعناد إذا وقفوا عقبة أمام هذه الغاية ، وهي تمتلك مهارة واضحة في أن تحول انانيتها المذمومة دينياً إلى أنانية مقدسة، فلا غضاضة لديها في الاصطدام بجوهر الدين والمذهب وأخلاقياته مادام ذلك في سبيل الحفاظ والحرص على الموروث الذي تلقته ، ومادام مقترناً بأداء شكليات الدين بمنتهى الورع.
باباك خورمدين
إن هذه الرؤية تمثل تبسيطاً بالغاً للواقع الذي يحمل صوراً متعددة للتدين، بعضها قد يتناقض أو يتعارض تماماً مع الآخر .
إن الفارق بين هذه الصور يكمن في مدى ما بذله الإنسان (المتدين) من الجهد وما حصل عليه من معرفة وخبرة خاصة لانتاج تدينه، ما يطلق عليه (التدين الايجابي)، ربما لا يحصل على اليقين بالمعنى الكامل، إلا أنه يكون أكثر وعياً وتجربة مما يجعل القدر المتوفر له من اليقين حقيقياً وأكثر ثباتاً.
على جانب آخر يوجد شكل يعتمد على تلقي التدين، عن طريق الاستقبال السلبي للآراء والأفكار والموروثات بطريقة استهلاكية لا تحتاج سوى قراءة كتاب والاستماع لشريط مسجل .
هذا الشكل يمثل السمة الغالبة للتدين عموماً وهو ناتج عن سعي الانسان الحثيث للحصول على الاطمئنان بوسائل لا تسبب الإرهاق الفكري غير مضمون العواقب .
تبدو عناصر هذا الشكل أكثر التزاماً وحرصاً على ظاهر شعائر وعلامات التدين الواضحة، كما تظهر صرامة واندفاعاً ضخماً في سعيها للدفاع عن عقائدها التي تلقتها بلا جهد ... فأقل بادرة مواجهة أو مناقشة لهذه العقائد أو الأفكار تمثل نوعاً من الاهتزاز والاضطراب لحالة اليقين والاطمئنان التي تتوهم أنها حصلت عليها .
وبالتالي تحرص هذه العناصر على الاستماع والارتباط بخط عقائدي وفكري واحد، وتصاب بغضب هستيري عندما تتم مناقشة أي قضية صغيرة أو كبيرة - حتى لو كانت حادثة تاريخية أو موروث عرفي - بطريقة تختلف أو تتعارض مع نفس الاسلوب والنتائج التي تلقتها به.
فتبدأ بالتمترس خلف ذكائب لا نهائية من الاتهامات ، واسماء رجال الدين (الاعلام الثقات) البراقة الذين يؤيدون موقفها، وترديد أفكارها بأسلوب ببغائي غير واعي .
وفي مرحلة أخرى تأخذ اللهجة صيغة ساخرة أو مشككة في معرفة وقيمة الآخر، وأخيراً تصل إلى الشتائم والتحريض، وهي في لجوئها لهذه الوسائل تسعى أساساً لإسقاط عيوبها ونواقصها الشخصية على الآخر هرباً من حالة الاضطراب المذعور والخوف المرضي من فقدان وهم اليقين الذي تتعلق به، والإفاقة على حقيقة أنها قد تحتاج إلى البحث الجدي مرة أخرى.
إن تميز لغة الخطاب والحوار الخاصة بهذه العناصر بالمصادرة على الآخر والاستعلاء الكاذب لا يشير لثبات أو الثقة في المعتقد ، وإنما لحالة الصدمة التي تعيشها عندما تكتشف وجود رأي مخالف يمثل لها قدر كبير من القلق الناتج عن ضعف وهشاشة يقينها السلبي (الاستهلاكي) الذي تلقته بطريقة تشبه تناول الأطعمة المعلبة.
الواقع إن هذه العناصر لا تعاني في الحقيقة أي أرق بالدين بقدر ما تعاني من الأرق بذواتها التي تسعى لطمئنة أرقها الروحي بأسلوب انتهازي ولو على حساب الآخرين الذين سيتلقون كل النعوت بالكفر والجدل والعناد إذا وقفوا عقبة أمام هذه الغاية ، وهي تمتلك مهارة واضحة في أن تحول انانيتها المذمومة دينياً إلى أنانية مقدسة، فلا غضاضة لديها في الاصطدام بجوهر الدين والمذهب وأخلاقياته مادام ذلك في سبيل الحفاظ والحرص على الموروث الذي تلقته ، ومادام مقترناً بأداء شكليات الدين بمنتهى الورع.
باباك خورمدين