جون
07-22-2003, 12:16 PM
جنرالات في الجيش العراقي يكشفون أسرار الانهيار السريع لقواتهم: لم تزود وحداتنا بأسلحة كيماوية أو بيولوجية ولم تصدر لنا أوامر بخوض حرب شوارع"
جنرال: قبل بدء الحرب بـ 4 أيام اجتمع بنا صدام وبدا مرهقا ومصفر الوجه ولم يبتسم * قائد فرقة دبابات بالحرس الجمهوري: بينما كان الأميركيون يتحدثون عن معارك شرسة متوقعة معنا كنت قد فقدت الاتصال بالقيادة وهرب 70% من جنودي
تدل المقابلات التي أجريت مع أكثر من عشرين جنرالا وضابطا سابقا في الجيش العراقي، على أن القوات المسلحة العراقية كانت تتكون من عدة جيوش متنافرة ومتنافسة، تفتقر الى القيادة المركزية. وقد أصدر بعض كبار الجنرالات أوامر لوحداتهم بالامتناع عن القتال. وكانت الاعتبارات الأمنية عائقا أمام القادة لاجراء الاتصالات بينهم وتنسيق خطط المعارك. وعندما بدأت الحرب كانت أغلب طائرات السلاح الجوي العراقي قد فككت وأخفيت، وأمرت وحدات الدفاع الجوي بألا تشغل راداراتها ولم تكن بطاريات المدفعية تعمل بأكثر من نصف طاقتها.
وقال كبار الضباط ان الرئيس صدام حسين لم يهزمه فقط الدمار الذي أوقعه به الأميركيون، بل هزمه كذلك جيشه النظامي، الذي لم يكن يشعر باي ولاء لقائد كان يدفع مرتبات أفضل لقواته الخاصة، كما كان يخيف الجنرالات ويجبرهم على الكذب حول الحالة المزرية التي صار اليها جيشه.
ومع أنه لم يكن ممكنا التأكد من صحة الروايات التي أوردها هؤلاء القادة في المقابلات التي أجريت معهم طوال الاسبوع الماضي، الا أن انسجام الروايات التي أدلى بها قادة الوحدات الميدانية ووحدات الرئاسة والقوات الخاصة، أعطت هذه الروايات مصداقية اضافية. وقد طلب عدد قليل من هؤلاء الضباط عدم ذكر أسمائهم.
وأجمع كل القادة الذين أجريت معهم المقابلات، على أنه رغم قلق القوات الأميركية الا أن أيا من الوحدات لم تزود بأسلحة كيمياوية أو بيولوجية. ومع أن القادة العسكريين الأميركيين كانوا يخشون حدوث حمامات دم في شوارع بغداد، الا أن كل القادة أكدوا أن قواتهم لم تصدر اليها أية أوامر بالتراجع الى بغداد وشن حرب مدن من داخل المدينة. وقالوا إن جنودهم هربوا وتراجعوا حفاظا على حياتهم. وقال بعض القادة إنهم وجهوا جنودهم للتراجع وحماية منازلهم وأسرهم، ولكنهم لم يطلبوا منهم شن هجمات على القوات الأميركية.
ونجد اليوم أن هؤلاء الضباط والجنود العراقيين الذين يفوق عددهم 400 ألف، من أكثر المواطنين العراقيين حرمانا وحنقا. وبالنسبة لكبار القادة الذين وهبوا حياتهم لهذه المؤسسة التي كانت تحظى بكثير من الاحترام، ونالوا من وراء ذلك مزايا مالية كبيرة مقابل الحروب السابقة التي انتصروا فيها، فان هذه النهاية كانت مرعبة وجارحة. قال الجنرال محمد علي جاسم، 51 سنة، الذي عمل 31 سنة في الجيش، وكانت قواته بالبصرة أثناء الغزو:
«بكيت بعد سقوط بغداد. لم أبك حتى عندما قتل أبني في حادث وهو صغير. ولكنني بكيت عندما فقدنا بغداد. شعرنا بالعار. نحن قادة عسكريون».
جيش أضعفته الانقسامات كان العميد حسن القباني، 46 سنة، يقود فرقة دبابات بالحرس الجمهوري، وهي القوة الطليعية الأفضل عتادا وعناصر من بقية الأقسام الأخرى بالجيش. وقال انه بعد 12 يوما من الحرب، عندما كان الجنرالات الأميركيون ما زالوا يتحدثون عن معارك شرسة متوقعة مع الحرس الجمهوري، كان هو قد فقد أي أتصال له مع قيادته. وبدأ جنوده يهربون في موجات متلاحقة منذ 3 أبريل (نيسان) أي قبل يوم من تحول دباباته الى هيكل حديدي محروق بعد أن اصابتها القاذفات الأميركية. قال القباني:
« 70% من جنودي ذهبوا الى منازلهم. وقد توصلت الى أننا لا نملك أية فرصة في النصر. ولذلك سمحت لهم بالذهاب. تراجعنا بدون قتال. لم تعد هناك فائدة.. وكان الجميع يعرفون أننا سنخسر أمام الأميركيين».
كان الانهيار السريع للقوات الطليعية العراقية، مثارأ للدهشة من قبل الأميركيين والقادة العراقيين في نفس الوقت. ولكن القادة العراقيين من الجيش النظامي ومن القوات الخاصة، يعتقدون أن الهزيمة لم تكن فقط بسبب القصف الأميركي، بل نتجت عن الخواء الذي نشأ في قلب قوات مسلحة قامت على الخداع وانعدام الثقة واساءة استخدام السلطة.
وكان صدام حسين، يعيد تكوين قواته منذ حرب الخليج الأولى عام 1991، تحديدا لتفادي مثل هذا المصير. وبعد فشل الانتفاضة الشيعية بجنوب العراق، أصبح صدام لا يثق بجيشه الذي يضم في صفوفه كثيرا من الضباط والجنود الشيعة. ولذلك شرع في تكوين القوات الخاصة التي تعمل خارج قيادة الجيش النظامي. قال العقيد عبد الرزاق، الذي قضى حوالي 23 سنة في سلاح المشاة:
«خلق صدام جيوشا صغيرة لحماية قبيلته ومصالحه وأسرته. وكان يخاف أن يتمرد الجيش النظامي عليه».
شكل صدام حسين الحرس الجمهوري الخاص، الذي كان عدده يقدر بـ 15 ألفا الى 25 الفا، ونصب ابنه قصي قائدا له. وفي عام 1995 كون منظمة فدائيي صدام المرعبة، وتتكون من عشرات الآلاف من الشباب، وكان مقصودا منها قمع أي تحرك داخلي أو مظاهرات. وكانت ميليشيا فدائيي صدام بقيادة ابنه الأكثر قسوة عدي. وعند بداية الانتفاضة الفلسطينية في أغسطس (آب) عام 2000 شكل صدام جيش القدس، وهو قوة عسكرية متخصصة لقتال الاسرائيليين. قال العميد رشيد اسلام، 56 سنة، والذي قضى 34 سنة في وحدة مشاة بالجيش العراقي: «لم يكن هناك أي تنسيق بين هذه الجيوش. وهي تكره بعضها البعض».
وقال جنرال بالجيش النظامي مسؤول عن وحدة دفاع جوي ببغداد أنه تلقى أوامر بعدم تشغيل أسلحته لأن الحرس الجمهوري هو المسؤول عن الدفاع عن بغداد. وقد ساعدت الافضلية والامتيازات التي نالتها القوات الخاصة على توسيع الهوة بينها وبين الجيش النظامي. ولم يكن ضباط الجيش النظامي يتقاضون أكثر من ثلث المرتبات التي تتلقاها هذه القوات الخاصة، كما كانت تحظى بقدر أقل من الاحترام وتتسلم معدات أردأ كثيرا من حيث نوعيتها. قال العقيد جمال سالم، 41 سنة، قائد العمليات في أحدى قواعد الامداد الرئيسة على بعد 15 ميلا من بغداد:
«لم نكن نعمل من أجل صدام حسين. كنا نعمل من أجل البلاد. وكان ذلك واجبنا. انني أحب الجيش. ونحن لم نقاتل الأميركيين. وعندما سمعنا أنهم داخل بغداد، كان كل شيء قد انتهى».
الانقسامات عميقة وشائعة حتى داخل الجيش النظامي. وقال كبار الجنرالات ان صدام حسين كان يتبرع بصورة منتظمة بسيارات جديدة وساعات روليكس وأموال لكبار الجنرلات، وقد شهد بذلك بعض الذين تسلموا مثل هذه الهدايا. وقال العقيد أبو علاء زهيري، 45 سنة، والذي عمل 23 سنة، بوحدة صواريخ:
«كان الجيش قد سئم الوضع وأصابه ارهاق شديد بعد خوض ثلاث حروب. وكان القادة يتلقون هدايا كثيرة، بينما كان الجنود يتضورون جوعا».
في الأيام الأخيرة للحرب، وبعد أن دمرت المعدات وبعد أن تفرق قادته في غير انتظام، وهرب زملاؤه، قال النقيب أحمد حسن، 38 سنة، والذي كانت وحدة المشاة التي يقودها مسؤولة عن الدفاع عن مدينة كركوك الشمالية، أنه فقد أي دافع يحمله على القتال. وقال متذكرا:
«سألت قائدي: «لماذا أنتظر؟ الناس ورائي يتراجعون. وقد جردت نفسي من رتبتي وودعت كل شيء عرفته لمدة 13 سنة».
وقال كبار القادة ان نظام الرشاوى الذي كان يسير عليه صدام، أفرخ جوا من الخديعة والتضليل جعل صدام يعتقد أن قواته تدخل هذه الحرب وهي أفضل عدة واستعدادا مما كانت عليه في الواقع. وذكر الجنرال ياسين محمد طه الجبوري، ضابط المدفعية الذي عمل 38 سنة بالجيش النظامي، أنه استدعي الى اجتماع مع الرئيس عام 1999، وأن الأخير طلب منه مساعدة وزارة الدفاع في بناء أكبر قطعة مدفعية في العالم. وقد صمم الجيش، بمساعدة بعض الاخصائيين، مدفعا قطره 210 ملليمتر، أي أكثر من ثماني بوصات. ولأن المدفع كان بهذه الضخامة فقد كان الجبوري والاخصائيون يعلمون أنه لن يعمل. ولكن مع ذلك واصل الجبوري اكمال التصميم وأعد وثائق أداة مزورة لاقناع الرئيس أن المشروع يسير على خير وجه. قال الجبوري:
«لا يمكن لأحد أن يخبره بأن فكرته لا تصلح. وكان يجود علينا بالجوائز والهدايا».
في صباح 16 مارس(آذار)، أي قبل أربعة ايام من بداية الحرب، كان الجنرال كريم سعدون، القائد بسلاح الجو الذي قضى 25 سنة بالقوات المسلحة، من ضمن 150 من كبار الضباط الذين نقلوا الى مجمع تحت الأرض خارج بغداد. كان صدام حسين جالسا على المنصة وكان ابنه قصي يقف الى جانبه من وقت لآخر ليشعل له سيجاره الكوبي، بينما كان هو يحاضر ضباطه عن الحرب وسط سيل من الاساءات للولايات المتحدة. وعندما فتح صدام الباب للتعليقات تقدم سعدون وقال:
«نحن مستعدون للقتال من أجل بلادنا. نحن نأمل ألا تكون هناك حرب، ولكنها اذا جاءت فاننا مستعدون للموت».
وقال سعدون، أنه وكل الذين تحدثوا ذلك الصباح عن استعداد قواتنا للقتال، كانوا يكذبون. كانوا خائفين من قول الحقيقة للرئيس. فقد كانت طائراتهم ودباباتهم وأسلحتهم الأخرى على درجة من البلى بحيث لا يمكن أن تصمد أمام الأسلحة الأميركية. وأضاف:
«كنا نعرف أنه لا توجد اية طريقة لقتال الأميركيين. وكنا نعرف اننا سنخسر الحرب».
قبل أن يغادر الجنرالات القاعة، سلم مساعدو صدام كل واحد منهم مليون دينار عراقي نقدا ( وكانت تساوي 5000 دولار). وقال سعدون ان الرئيس بدا شاحبا ومرهقا وكان وجهه مصفرا. ولم يكن نفس صدام الباسم المرح الذي شاهده سعدون عام 2001، في اجتماع مشابه، كانت هديته حوالي 20 ألف دولار.
في أواخر شهر فبراير (شباط) أمر السلاح الجوي بتفكيك طائراته، حسب شهادة سعدون وغيره من ضباط السلاح الجوي. وقد فكت الأجنحة من الطائرات، وهو تمرين ظلت القوات الجوية تمارسه منذ حرب الخليج عام 1991. وكانت هذه تخفى في المزارع والأحياء السكنية. وقال سعدون ان الطيارين اصبحوا من المهارة بحيث يمكنهم فك أجنحة طائرة الميج ـ 21 في ساعتين فقط.
كان العراق قد فقد كثيرا من طائراته في حرب الخليج، عندما دمرتها الطائرات الأميركية في الجو وفي الأرض، وعندما رفضت ايران اعادة أكثر من 100 طائرة قادها الطيارون العراقيون الى البلد الجار، تفاديا لتدميرها. وعندما شنت هذه الحرب لم يكن لضباط السلاح الجوي أي عمل يمكن القيام به. قال العقيد ديار عبد، 36 سنة، وهو قائد جناح بجنوب بغداد:
«لم تكن لدينا أوامر. ظللنا باقين في القاعدة. وفكرت أننا فقدنا بلادنا. لماذا لا يصدرون لنا الأوامر؟ لم يكن قادة القاعدة يعرفون ماذا يعملون».
وقال سعدون أن أغلب القواعد الجوية ليست لديها دفاعات. وقال:
«أعطونا كلاشنيكوف فقط لا غير. لم يعطونا أية أسلحة دفاع جوي. وقلنا لهم هل يمكن أن تعطونا قنابل تطلقها الصواريخ؟ فقالوا لا».
قبل اسبوعين من سقوط بغداد كانت القاعدة الجوية قد فقدت اتصالها مع الرئاسة التي لا تبعد عنها أكثر من عدة أميال. وقال سعدون ان بعض الضباط كانوا يحضرون بعد كل يومين وفي يدهم رسائل مكتوبة وأخرى شفاهية عن أوضاع الحرب. وقد وصل المبعوث الأخير قبل سقوط بغداد بيومين.
لا حماسة للقتال:
قال عبد الرزاق الذي قضى أكثر من نصف عمره في الجيش: «كنا مستعدين للقتال».
وكانت قواته ومعداته قد تحركت قبل عشرين يوما من الهجوم الأميركي، من القواعد العسكرية الى المخازن والمدارس والمنازل الخاصة. وقال ان قوته كانت مسلحة تسليحا جيدا، بالمدفعية الثقيلة والصواريخ المضادة للدبابات، ومدافع المورتر والأر بي جي، والكلاشنيكوف استعدادا لقتال الشوارع. وقال العقيد:
«ولكن مع ذلك، لم يكن أحد يتوقع أن ينفذ بوش تحذيراته بالغزو. وكنا نتوقع أن تقف كل الدول العربية ضد بوش وتوقف الحرب».
وقال عبد الرزاق انه كان يقود وحدة من الجيش النظامي تتكون من 15 ألفا، ولكن الجيران يقولون ان العقيد اختير قبل عامين لقيادة وحدة من الفدائيين. وكانت مهمة وحدته هي حماية تقاطع طرق هام على أطراف بغداد، وهو موقع توكل حمايته عادة لأكثر القوات ولاء لصدام. وكان عبد الرزاق يشير مرارا الى الفدائيين أثناء كلامه. في الايام الأولى للحرب، كانت الأخبار التي تصل من الجنوب ترفع من الروح المعنوية لقواته. وقال:
«كل الأخبار كانت جيدة جدا. كنا نوقف تقدم القوات الأميركية. كانت الروح المعنوية للقوات عالية في بغداد. وكانت القوات مصممة على حماية المدينة».
جنرال: قبل بدء الحرب بـ 4 أيام اجتمع بنا صدام وبدا مرهقا ومصفر الوجه ولم يبتسم * قائد فرقة دبابات بالحرس الجمهوري: بينما كان الأميركيون يتحدثون عن معارك شرسة متوقعة معنا كنت قد فقدت الاتصال بالقيادة وهرب 70% من جنودي
تدل المقابلات التي أجريت مع أكثر من عشرين جنرالا وضابطا سابقا في الجيش العراقي، على أن القوات المسلحة العراقية كانت تتكون من عدة جيوش متنافرة ومتنافسة، تفتقر الى القيادة المركزية. وقد أصدر بعض كبار الجنرالات أوامر لوحداتهم بالامتناع عن القتال. وكانت الاعتبارات الأمنية عائقا أمام القادة لاجراء الاتصالات بينهم وتنسيق خطط المعارك. وعندما بدأت الحرب كانت أغلب طائرات السلاح الجوي العراقي قد فككت وأخفيت، وأمرت وحدات الدفاع الجوي بألا تشغل راداراتها ولم تكن بطاريات المدفعية تعمل بأكثر من نصف طاقتها.
وقال كبار الضباط ان الرئيس صدام حسين لم يهزمه فقط الدمار الذي أوقعه به الأميركيون، بل هزمه كذلك جيشه النظامي، الذي لم يكن يشعر باي ولاء لقائد كان يدفع مرتبات أفضل لقواته الخاصة، كما كان يخيف الجنرالات ويجبرهم على الكذب حول الحالة المزرية التي صار اليها جيشه.
ومع أنه لم يكن ممكنا التأكد من صحة الروايات التي أوردها هؤلاء القادة في المقابلات التي أجريت معهم طوال الاسبوع الماضي، الا أن انسجام الروايات التي أدلى بها قادة الوحدات الميدانية ووحدات الرئاسة والقوات الخاصة، أعطت هذه الروايات مصداقية اضافية. وقد طلب عدد قليل من هؤلاء الضباط عدم ذكر أسمائهم.
وأجمع كل القادة الذين أجريت معهم المقابلات، على أنه رغم قلق القوات الأميركية الا أن أيا من الوحدات لم تزود بأسلحة كيمياوية أو بيولوجية. ومع أن القادة العسكريين الأميركيين كانوا يخشون حدوث حمامات دم في شوارع بغداد، الا أن كل القادة أكدوا أن قواتهم لم تصدر اليها أية أوامر بالتراجع الى بغداد وشن حرب مدن من داخل المدينة. وقالوا إن جنودهم هربوا وتراجعوا حفاظا على حياتهم. وقال بعض القادة إنهم وجهوا جنودهم للتراجع وحماية منازلهم وأسرهم، ولكنهم لم يطلبوا منهم شن هجمات على القوات الأميركية.
ونجد اليوم أن هؤلاء الضباط والجنود العراقيين الذين يفوق عددهم 400 ألف، من أكثر المواطنين العراقيين حرمانا وحنقا. وبالنسبة لكبار القادة الذين وهبوا حياتهم لهذه المؤسسة التي كانت تحظى بكثير من الاحترام، ونالوا من وراء ذلك مزايا مالية كبيرة مقابل الحروب السابقة التي انتصروا فيها، فان هذه النهاية كانت مرعبة وجارحة. قال الجنرال محمد علي جاسم، 51 سنة، الذي عمل 31 سنة في الجيش، وكانت قواته بالبصرة أثناء الغزو:
«بكيت بعد سقوط بغداد. لم أبك حتى عندما قتل أبني في حادث وهو صغير. ولكنني بكيت عندما فقدنا بغداد. شعرنا بالعار. نحن قادة عسكريون».
جيش أضعفته الانقسامات كان العميد حسن القباني، 46 سنة، يقود فرقة دبابات بالحرس الجمهوري، وهي القوة الطليعية الأفضل عتادا وعناصر من بقية الأقسام الأخرى بالجيش. وقال انه بعد 12 يوما من الحرب، عندما كان الجنرالات الأميركيون ما زالوا يتحدثون عن معارك شرسة متوقعة مع الحرس الجمهوري، كان هو قد فقد أي أتصال له مع قيادته. وبدأ جنوده يهربون في موجات متلاحقة منذ 3 أبريل (نيسان) أي قبل يوم من تحول دباباته الى هيكل حديدي محروق بعد أن اصابتها القاذفات الأميركية. قال القباني:
« 70% من جنودي ذهبوا الى منازلهم. وقد توصلت الى أننا لا نملك أية فرصة في النصر. ولذلك سمحت لهم بالذهاب. تراجعنا بدون قتال. لم تعد هناك فائدة.. وكان الجميع يعرفون أننا سنخسر أمام الأميركيين».
كان الانهيار السريع للقوات الطليعية العراقية، مثارأ للدهشة من قبل الأميركيين والقادة العراقيين في نفس الوقت. ولكن القادة العراقيين من الجيش النظامي ومن القوات الخاصة، يعتقدون أن الهزيمة لم تكن فقط بسبب القصف الأميركي، بل نتجت عن الخواء الذي نشأ في قلب قوات مسلحة قامت على الخداع وانعدام الثقة واساءة استخدام السلطة.
وكان صدام حسين، يعيد تكوين قواته منذ حرب الخليج الأولى عام 1991، تحديدا لتفادي مثل هذا المصير. وبعد فشل الانتفاضة الشيعية بجنوب العراق، أصبح صدام لا يثق بجيشه الذي يضم في صفوفه كثيرا من الضباط والجنود الشيعة. ولذلك شرع في تكوين القوات الخاصة التي تعمل خارج قيادة الجيش النظامي. قال العقيد عبد الرزاق، الذي قضى حوالي 23 سنة في سلاح المشاة:
«خلق صدام جيوشا صغيرة لحماية قبيلته ومصالحه وأسرته. وكان يخاف أن يتمرد الجيش النظامي عليه».
شكل صدام حسين الحرس الجمهوري الخاص، الذي كان عدده يقدر بـ 15 ألفا الى 25 الفا، ونصب ابنه قصي قائدا له. وفي عام 1995 كون منظمة فدائيي صدام المرعبة، وتتكون من عشرات الآلاف من الشباب، وكان مقصودا منها قمع أي تحرك داخلي أو مظاهرات. وكانت ميليشيا فدائيي صدام بقيادة ابنه الأكثر قسوة عدي. وعند بداية الانتفاضة الفلسطينية في أغسطس (آب) عام 2000 شكل صدام جيش القدس، وهو قوة عسكرية متخصصة لقتال الاسرائيليين. قال العميد رشيد اسلام، 56 سنة، والذي قضى 34 سنة في وحدة مشاة بالجيش العراقي: «لم يكن هناك أي تنسيق بين هذه الجيوش. وهي تكره بعضها البعض».
وقال جنرال بالجيش النظامي مسؤول عن وحدة دفاع جوي ببغداد أنه تلقى أوامر بعدم تشغيل أسلحته لأن الحرس الجمهوري هو المسؤول عن الدفاع عن بغداد. وقد ساعدت الافضلية والامتيازات التي نالتها القوات الخاصة على توسيع الهوة بينها وبين الجيش النظامي. ولم يكن ضباط الجيش النظامي يتقاضون أكثر من ثلث المرتبات التي تتلقاها هذه القوات الخاصة، كما كانت تحظى بقدر أقل من الاحترام وتتسلم معدات أردأ كثيرا من حيث نوعيتها. قال العقيد جمال سالم، 41 سنة، قائد العمليات في أحدى قواعد الامداد الرئيسة على بعد 15 ميلا من بغداد:
«لم نكن نعمل من أجل صدام حسين. كنا نعمل من أجل البلاد. وكان ذلك واجبنا. انني أحب الجيش. ونحن لم نقاتل الأميركيين. وعندما سمعنا أنهم داخل بغداد، كان كل شيء قد انتهى».
الانقسامات عميقة وشائعة حتى داخل الجيش النظامي. وقال كبار الجنرالات ان صدام حسين كان يتبرع بصورة منتظمة بسيارات جديدة وساعات روليكس وأموال لكبار الجنرلات، وقد شهد بذلك بعض الذين تسلموا مثل هذه الهدايا. وقال العقيد أبو علاء زهيري، 45 سنة، والذي عمل 23 سنة، بوحدة صواريخ:
«كان الجيش قد سئم الوضع وأصابه ارهاق شديد بعد خوض ثلاث حروب. وكان القادة يتلقون هدايا كثيرة، بينما كان الجنود يتضورون جوعا».
في الأيام الأخيرة للحرب، وبعد أن دمرت المعدات وبعد أن تفرق قادته في غير انتظام، وهرب زملاؤه، قال النقيب أحمد حسن، 38 سنة، والذي كانت وحدة المشاة التي يقودها مسؤولة عن الدفاع عن مدينة كركوك الشمالية، أنه فقد أي دافع يحمله على القتال. وقال متذكرا:
«سألت قائدي: «لماذا أنتظر؟ الناس ورائي يتراجعون. وقد جردت نفسي من رتبتي وودعت كل شيء عرفته لمدة 13 سنة».
وقال كبار القادة ان نظام الرشاوى الذي كان يسير عليه صدام، أفرخ جوا من الخديعة والتضليل جعل صدام يعتقد أن قواته تدخل هذه الحرب وهي أفضل عدة واستعدادا مما كانت عليه في الواقع. وذكر الجنرال ياسين محمد طه الجبوري، ضابط المدفعية الذي عمل 38 سنة بالجيش النظامي، أنه استدعي الى اجتماع مع الرئيس عام 1999، وأن الأخير طلب منه مساعدة وزارة الدفاع في بناء أكبر قطعة مدفعية في العالم. وقد صمم الجيش، بمساعدة بعض الاخصائيين، مدفعا قطره 210 ملليمتر، أي أكثر من ثماني بوصات. ولأن المدفع كان بهذه الضخامة فقد كان الجبوري والاخصائيون يعلمون أنه لن يعمل. ولكن مع ذلك واصل الجبوري اكمال التصميم وأعد وثائق أداة مزورة لاقناع الرئيس أن المشروع يسير على خير وجه. قال الجبوري:
«لا يمكن لأحد أن يخبره بأن فكرته لا تصلح. وكان يجود علينا بالجوائز والهدايا».
في صباح 16 مارس(آذار)، أي قبل أربعة ايام من بداية الحرب، كان الجنرال كريم سعدون، القائد بسلاح الجو الذي قضى 25 سنة بالقوات المسلحة، من ضمن 150 من كبار الضباط الذين نقلوا الى مجمع تحت الأرض خارج بغداد. كان صدام حسين جالسا على المنصة وكان ابنه قصي يقف الى جانبه من وقت لآخر ليشعل له سيجاره الكوبي، بينما كان هو يحاضر ضباطه عن الحرب وسط سيل من الاساءات للولايات المتحدة. وعندما فتح صدام الباب للتعليقات تقدم سعدون وقال:
«نحن مستعدون للقتال من أجل بلادنا. نحن نأمل ألا تكون هناك حرب، ولكنها اذا جاءت فاننا مستعدون للموت».
وقال سعدون، أنه وكل الذين تحدثوا ذلك الصباح عن استعداد قواتنا للقتال، كانوا يكذبون. كانوا خائفين من قول الحقيقة للرئيس. فقد كانت طائراتهم ودباباتهم وأسلحتهم الأخرى على درجة من البلى بحيث لا يمكن أن تصمد أمام الأسلحة الأميركية. وأضاف:
«كنا نعرف أنه لا توجد اية طريقة لقتال الأميركيين. وكنا نعرف اننا سنخسر الحرب».
قبل أن يغادر الجنرالات القاعة، سلم مساعدو صدام كل واحد منهم مليون دينار عراقي نقدا ( وكانت تساوي 5000 دولار). وقال سعدون ان الرئيس بدا شاحبا ومرهقا وكان وجهه مصفرا. ولم يكن نفس صدام الباسم المرح الذي شاهده سعدون عام 2001، في اجتماع مشابه، كانت هديته حوالي 20 ألف دولار.
في أواخر شهر فبراير (شباط) أمر السلاح الجوي بتفكيك طائراته، حسب شهادة سعدون وغيره من ضباط السلاح الجوي. وقد فكت الأجنحة من الطائرات، وهو تمرين ظلت القوات الجوية تمارسه منذ حرب الخليج عام 1991. وكانت هذه تخفى في المزارع والأحياء السكنية. وقال سعدون ان الطيارين اصبحوا من المهارة بحيث يمكنهم فك أجنحة طائرة الميج ـ 21 في ساعتين فقط.
كان العراق قد فقد كثيرا من طائراته في حرب الخليج، عندما دمرتها الطائرات الأميركية في الجو وفي الأرض، وعندما رفضت ايران اعادة أكثر من 100 طائرة قادها الطيارون العراقيون الى البلد الجار، تفاديا لتدميرها. وعندما شنت هذه الحرب لم يكن لضباط السلاح الجوي أي عمل يمكن القيام به. قال العقيد ديار عبد، 36 سنة، وهو قائد جناح بجنوب بغداد:
«لم تكن لدينا أوامر. ظللنا باقين في القاعدة. وفكرت أننا فقدنا بلادنا. لماذا لا يصدرون لنا الأوامر؟ لم يكن قادة القاعدة يعرفون ماذا يعملون».
وقال سعدون أن أغلب القواعد الجوية ليست لديها دفاعات. وقال:
«أعطونا كلاشنيكوف فقط لا غير. لم يعطونا أية أسلحة دفاع جوي. وقلنا لهم هل يمكن أن تعطونا قنابل تطلقها الصواريخ؟ فقالوا لا».
قبل اسبوعين من سقوط بغداد كانت القاعدة الجوية قد فقدت اتصالها مع الرئاسة التي لا تبعد عنها أكثر من عدة أميال. وقال سعدون ان بعض الضباط كانوا يحضرون بعد كل يومين وفي يدهم رسائل مكتوبة وأخرى شفاهية عن أوضاع الحرب. وقد وصل المبعوث الأخير قبل سقوط بغداد بيومين.
لا حماسة للقتال:
قال عبد الرزاق الذي قضى أكثر من نصف عمره في الجيش: «كنا مستعدين للقتال».
وكانت قواته ومعداته قد تحركت قبل عشرين يوما من الهجوم الأميركي، من القواعد العسكرية الى المخازن والمدارس والمنازل الخاصة. وقال ان قوته كانت مسلحة تسليحا جيدا، بالمدفعية الثقيلة والصواريخ المضادة للدبابات، ومدافع المورتر والأر بي جي، والكلاشنيكوف استعدادا لقتال الشوارع. وقال العقيد:
«ولكن مع ذلك، لم يكن أحد يتوقع أن ينفذ بوش تحذيراته بالغزو. وكنا نتوقع أن تقف كل الدول العربية ضد بوش وتوقف الحرب».
وقال عبد الرزاق انه كان يقود وحدة من الجيش النظامي تتكون من 15 ألفا، ولكن الجيران يقولون ان العقيد اختير قبل عامين لقيادة وحدة من الفدائيين. وكانت مهمة وحدته هي حماية تقاطع طرق هام على أطراف بغداد، وهو موقع توكل حمايته عادة لأكثر القوات ولاء لصدام. وكان عبد الرزاق يشير مرارا الى الفدائيين أثناء كلامه. في الايام الأولى للحرب، كانت الأخبار التي تصل من الجنوب ترفع من الروح المعنوية لقواته. وقال:
«كل الأخبار كانت جيدة جدا. كنا نوقف تقدم القوات الأميركية. كانت الروح المعنوية للقوات عالية في بغداد. وكانت القوات مصممة على حماية المدينة».