سياسى
09-13-2005, 08:02 AM
ساعته المائة مطلية بالذهب ومثبتة فوق أفيال وجمال.. وبعضها يعود إلى القرن الثامن عشر
فرساي(فرنسا): مارليس سيمونز *
يعمل برنارد درو في قصر فرساي كصانع ومصلح لساعاتها العريقة التاريخية والبالغ عددها 100 ساعة، والتي كانت في زمان آخر تتحرك مصدرة صوت «تك تك» داخل أبهى الأماكن في أوروبا. ففي كل يوم اثنين وحينما يكون القصر مغلقا ينطلق درو في مهمته السرية مع عدة ضبط صغيرة للساعات وحزمة مفاتيح ثقيلة ليفتح تلك التحف الغريبة التي تنتمي إلى عصر الباروك مثلما هو الحال مع القصر نفسه. فهناك واجهات ساعات مطلية بالذهب مثبتة على جمال برونزية أو فيلة من الرخام. ولبعضها صناديق موسيقية مخفية في داخلها. تلك القطع التي تعود إلى القرن الثامن عشر والتي نجت من أيدي اللصوص والثورة الفرنسية، لا تسجل الوقت واليوم والشهر فقط، بل حركات الكواكب.
لكن كل ذلك لا يبدو مؤثرا على عمل درو، 49 سنة، صاحب الوجه العابس والشاربين الكثين، والذي تعمل ساعته معصمه على البطارية. هناك وفي جولته الأخيرة راح يتنقل بين متاهة القصر عبر سلالمه الخلفية متسللا من صالون إلى آخر ومن فجوة في جدار إلى أخرى وكأنه يقوم بزيارة لبيت عائلته القديم، وهو يقوم بوقفات من وقت إلى آخر حيث يقوم بشد لوزن ما هنا، أو يدفع برفق لرقاص ساعة هناك. وحينما سئل لمَ هو يقوم بهذا الجهد لضبط الوقت في مكان توقف الزمن فيه؟ كان جوابه «حسنا، الساعات الموجودة في هذا المكان لها وظيفتان؛ أولا، عليها أن تحتفظ بجمالها، وأن تعمل بشكل مضبوط. لا يبدو المكان جميلا إن كانت ساعاته غير مضبوطة».
لكن ليس الوقت المضبوط الذي يدفع باستمرار عمل درو هنا بل هو أن فرنسا تهتم كثيرا بالمهارات التقليدية حتى مع تبنيها للأسلوب الأميركي في إنتاج سلع ذات استهلاك واسع.
قد تكون مهمة درو هي وحيدة من نوعها لكنها تعطي الفرصة لتلمس الطاقة والتكاليف الكبيرة التي يقدمها هذا البلد للحفاظ على إرثه الثقافي ومتاحفه والتي من خلالها يرى الكثيرون أنها تمثل الهوية الثقافية القومية لفرنسا. وتعبر فرنسا وبصوت عال عن حاجتها للحفاظ على تميزها وغالبا ما تحذر من أن المصنع والتجارة المعولمين إذا تركا بدون قيود قد ينجحان في النهاية بتغطية العالم كله بغطاء ذي شكل واحد.
وتشغل الحكومة فريقا من الرجال والنساء ـ يتغير عدد أفراده حسب المشروع الذي في طور التنفيذ ـ خبراء بالحفر على الخشب أو الحجر أو تصليح الزخارف المجصصة أو المعمولة على الحديد أو تأهيل أمتار من الأطر والأنسجة. وحرف من هذا النوع لا تحظى بتقدير كبير في بلدان أخرى، لكنها تعد ذات قيمة قومية كبيرة في فرنسا. ان الاستثمار في التاريخ يؤتي ثماره. وباعتبارها واحدة من المواقع السياحية الرئيسية في العالم جاء الى فرنسا 75 مليون زائر عام 2004. ويرى فرساي 10 ملايين شخص سنويا.
ويقول المشرفون ان القصر، بغرفه البالغ عددها 700 غرفة، وآلاف النوافذ والنصب والشمعدانات والتحف الفنية، ظل شيئا ثمينا خاضعا للحماية والصيانة منذ ستينات القرن السابع عشر عندما انتقل اليه لويس الرابع عشر. وفي الوقت الحالي يعتني به 900 من الموظفين على الرغم من أن مئات آخرين يعملون في مشروع التجديد الطموح للمتحف. وقد بدأ الاصلاح الكبير عام 2003 ومن المتوقع أن يستمر لمدة 17 عاما، وينفق عليه ما يزيد على 450 مليون دولار من الأموال الحكومية والخاصة. ويأمل درو أن يشتمل التجديد على بعض الساعات الاستثنائية المخزونة والتي تنتظر تصليحها.
وقد لا تبدو الساعات كبيرة الأهمية في اطار الفخامة الملكية هنا، ولكن الفرنسيين يختلفون. وقال ماثيو دا فينها، المؤرخ في مركز الأبحاث بفرساي، إن «الساعات كانت هامة هنا حتى في القرن السابع عشر لأن الحياة في القصر كانت مليئة بالنشاط والطقوس. وكانت هناك أوقات محددة لنهوض الملك وللصلاة ولاجتماعات الحكومة ولتناول الطعام وللتمشي وللصيد وللحفلات الموسيقية وما الى ذلك. وكان على الجميع أن يكونوا على أهبة الاستعداد».
وقال انه كان للويس الرابع عشر اربعة من صناع الساعات يعملون لديه «وعندما كان يسافر كانوا يذهبون معه مصطحبين الكثير من الساعات». وذلك يشير الى ارث الساعات هنا، وعمل السيد درو الذي تعلم حرفته من ابيه وجده، وقال «إن كل ساعة هنا فريدة في نوعها لأنها مصنوعة كعمل فني قبل عصر الإنتاج الكبير». وتوقف عند الساعة الأقدم، التي يعود تاريخ صنعها الى عام 1706، وهو يوجه الضوء الى طائفة معقدة من الأوزان والعجلات المسننة والأحزمة والمحاور، وقال «إن كل واحدة مختلفة عن الأخرى كثيرا، وأنا لا أعرف الساعة حقا الى أن افككها. ومن الطبيعي أنه ليست هناك تعليمات». وقام بتفعيل صندوق موسيقى الساعة وهو عرض ميكانيكي مغلق عادة «لأنه يسبب ازدحامات في هذه الغرفة. واذ تطلق المطارق الصغيرة الأصوات في منتصف النهار ينشر نسران اجنحتهما ويخرج نموذج مصغر لملك يضع التاج على رأسه. اسمع ذلك الصوت. انه ما يزال بوضع ممتاز». وأظهر درو رهبته أمام ساعة باسيمنت، التي سميت باسم صانعها، وهو مهندس وفلكي. وكانت متوجة بكرة زجاجية. وفي داخلها تسجل حلقات ذهبية حركات الكواكب، وقال «إن هذا تقويم دائم، اذ يمكن ان يظهر التاريخ حتى عام 9999».
هل يعرف كيف يصلحها؟ كلا، أجاب «ومن حسن الحظ أنه ليست هناك ضرورة لذلك». وقد تحرك ماراً بالعاملين الذين كانوا يضعون الشمع على أرضية القصر. وقد بدا يسيرا نسيان الزمن هنا. ولكن درو كان يواصل عمله، ذلك أنه كان ما يزال يتعين عليه أن يحفز بعضا من المتلكئين. وكما لو أنه يريد أن يشير الى انه لم يكن يعيش في الماضي، قال انه يعتني ايضا بساعتين كهربائيتين عملاقتين في ملعب باريس الرياضي الرئيسي. ولكنه يحدد الخط الفاصل مقابل الحداثة في موضع معين، وأضاف «لن أستخدم هاتفا محمولا. ذلك مثير للأعصاب. وفي مهنتي يتعين علي التركيز».
* خدمة «نيويورك تايمز»
فرساي(فرنسا): مارليس سيمونز *
يعمل برنارد درو في قصر فرساي كصانع ومصلح لساعاتها العريقة التاريخية والبالغ عددها 100 ساعة، والتي كانت في زمان آخر تتحرك مصدرة صوت «تك تك» داخل أبهى الأماكن في أوروبا. ففي كل يوم اثنين وحينما يكون القصر مغلقا ينطلق درو في مهمته السرية مع عدة ضبط صغيرة للساعات وحزمة مفاتيح ثقيلة ليفتح تلك التحف الغريبة التي تنتمي إلى عصر الباروك مثلما هو الحال مع القصر نفسه. فهناك واجهات ساعات مطلية بالذهب مثبتة على جمال برونزية أو فيلة من الرخام. ولبعضها صناديق موسيقية مخفية في داخلها. تلك القطع التي تعود إلى القرن الثامن عشر والتي نجت من أيدي اللصوص والثورة الفرنسية، لا تسجل الوقت واليوم والشهر فقط، بل حركات الكواكب.
لكن كل ذلك لا يبدو مؤثرا على عمل درو، 49 سنة، صاحب الوجه العابس والشاربين الكثين، والذي تعمل ساعته معصمه على البطارية. هناك وفي جولته الأخيرة راح يتنقل بين متاهة القصر عبر سلالمه الخلفية متسللا من صالون إلى آخر ومن فجوة في جدار إلى أخرى وكأنه يقوم بزيارة لبيت عائلته القديم، وهو يقوم بوقفات من وقت إلى آخر حيث يقوم بشد لوزن ما هنا، أو يدفع برفق لرقاص ساعة هناك. وحينما سئل لمَ هو يقوم بهذا الجهد لضبط الوقت في مكان توقف الزمن فيه؟ كان جوابه «حسنا، الساعات الموجودة في هذا المكان لها وظيفتان؛ أولا، عليها أن تحتفظ بجمالها، وأن تعمل بشكل مضبوط. لا يبدو المكان جميلا إن كانت ساعاته غير مضبوطة».
لكن ليس الوقت المضبوط الذي يدفع باستمرار عمل درو هنا بل هو أن فرنسا تهتم كثيرا بالمهارات التقليدية حتى مع تبنيها للأسلوب الأميركي في إنتاج سلع ذات استهلاك واسع.
قد تكون مهمة درو هي وحيدة من نوعها لكنها تعطي الفرصة لتلمس الطاقة والتكاليف الكبيرة التي يقدمها هذا البلد للحفاظ على إرثه الثقافي ومتاحفه والتي من خلالها يرى الكثيرون أنها تمثل الهوية الثقافية القومية لفرنسا. وتعبر فرنسا وبصوت عال عن حاجتها للحفاظ على تميزها وغالبا ما تحذر من أن المصنع والتجارة المعولمين إذا تركا بدون قيود قد ينجحان في النهاية بتغطية العالم كله بغطاء ذي شكل واحد.
وتشغل الحكومة فريقا من الرجال والنساء ـ يتغير عدد أفراده حسب المشروع الذي في طور التنفيذ ـ خبراء بالحفر على الخشب أو الحجر أو تصليح الزخارف المجصصة أو المعمولة على الحديد أو تأهيل أمتار من الأطر والأنسجة. وحرف من هذا النوع لا تحظى بتقدير كبير في بلدان أخرى، لكنها تعد ذات قيمة قومية كبيرة في فرنسا. ان الاستثمار في التاريخ يؤتي ثماره. وباعتبارها واحدة من المواقع السياحية الرئيسية في العالم جاء الى فرنسا 75 مليون زائر عام 2004. ويرى فرساي 10 ملايين شخص سنويا.
ويقول المشرفون ان القصر، بغرفه البالغ عددها 700 غرفة، وآلاف النوافذ والنصب والشمعدانات والتحف الفنية، ظل شيئا ثمينا خاضعا للحماية والصيانة منذ ستينات القرن السابع عشر عندما انتقل اليه لويس الرابع عشر. وفي الوقت الحالي يعتني به 900 من الموظفين على الرغم من أن مئات آخرين يعملون في مشروع التجديد الطموح للمتحف. وقد بدأ الاصلاح الكبير عام 2003 ومن المتوقع أن يستمر لمدة 17 عاما، وينفق عليه ما يزيد على 450 مليون دولار من الأموال الحكومية والخاصة. ويأمل درو أن يشتمل التجديد على بعض الساعات الاستثنائية المخزونة والتي تنتظر تصليحها.
وقد لا تبدو الساعات كبيرة الأهمية في اطار الفخامة الملكية هنا، ولكن الفرنسيين يختلفون. وقال ماثيو دا فينها، المؤرخ في مركز الأبحاث بفرساي، إن «الساعات كانت هامة هنا حتى في القرن السابع عشر لأن الحياة في القصر كانت مليئة بالنشاط والطقوس. وكانت هناك أوقات محددة لنهوض الملك وللصلاة ولاجتماعات الحكومة ولتناول الطعام وللتمشي وللصيد وللحفلات الموسيقية وما الى ذلك. وكان على الجميع أن يكونوا على أهبة الاستعداد».
وقال انه كان للويس الرابع عشر اربعة من صناع الساعات يعملون لديه «وعندما كان يسافر كانوا يذهبون معه مصطحبين الكثير من الساعات». وذلك يشير الى ارث الساعات هنا، وعمل السيد درو الذي تعلم حرفته من ابيه وجده، وقال «إن كل ساعة هنا فريدة في نوعها لأنها مصنوعة كعمل فني قبل عصر الإنتاج الكبير». وتوقف عند الساعة الأقدم، التي يعود تاريخ صنعها الى عام 1706، وهو يوجه الضوء الى طائفة معقدة من الأوزان والعجلات المسننة والأحزمة والمحاور، وقال «إن كل واحدة مختلفة عن الأخرى كثيرا، وأنا لا أعرف الساعة حقا الى أن افككها. ومن الطبيعي أنه ليست هناك تعليمات». وقام بتفعيل صندوق موسيقى الساعة وهو عرض ميكانيكي مغلق عادة «لأنه يسبب ازدحامات في هذه الغرفة. واذ تطلق المطارق الصغيرة الأصوات في منتصف النهار ينشر نسران اجنحتهما ويخرج نموذج مصغر لملك يضع التاج على رأسه. اسمع ذلك الصوت. انه ما يزال بوضع ممتاز». وأظهر درو رهبته أمام ساعة باسيمنت، التي سميت باسم صانعها، وهو مهندس وفلكي. وكانت متوجة بكرة زجاجية. وفي داخلها تسجل حلقات ذهبية حركات الكواكب، وقال «إن هذا تقويم دائم، اذ يمكن ان يظهر التاريخ حتى عام 9999».
هل يعرف كيف يصلحها؟ كلا، أجاب «ومن حسن الحظ أنه ليست هناك ضرورة لذلك». وقد تحرك ماراً بالعاملين الذين كانوا يضعون الشمع على أرضية القصر. وقد بدا يسيرا نسيان الزمن هنا. ولكن درو كان يواصل عمله، ذلك أنه كان ما يزال يتعين عليه أن يحفز بعضا من المتلكئين. وكما لو أنه يريد أن يشير الى انه لم يكن يعيش في الماضي، قال انه يعتني ايضا بساعتين كهربائيتين عملاقتين في ملعب باريس الرياضي الرئيسي. ولكنه يحدد الخط الفاصل مقابل الحداثة في موضع معين، وأضاف «لن أستخدم هاتفا محمولا. ذلك مثير للأعصاب. وفي مهنتي يتعين علي التركيز».
* خدمة «نيويورك تايمز»