المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : توماس فريدمان ....رسالة من نيوأورليانز إلى بغداد



زهير
09-10-2005, 07:16 AM
الاتحاد الاماراتية


السادة المحترمون زعماء الأكراد والشيعة والسُنة: تحية طيبة وبعد، باعتباري شخصاً يتمنى لكم كل خير، فإنني أكتب إليكم هذه الرسالة كي أنقل لكم حقيقة ما أحس به بشأن الطريقة التي ستؤثر بها تداعيات الإعصار "كاترينا" على مهمة الولايات المتحدة في العراق. دعوني أبدأ حديثي إليكم بتشبيه استخدمه "مايكل ماندلباوم" في كتاب له سيصدر حديثاً. يقول "ماندلباوم" في هذا الكتاب: "إن الوجود العسكري الأميركي في العراق اليوم، يشبه السدود والحواجز التي كانت مقامة لحماية نيوأورليانز من الفيضان. فالمعادل للفيضان في الحالة العراقية هو الحرب الأهلية التي ستندلع بين الأكراد والسنة والشيعة. أما الوجود العسكري الأميركي هناك فهو المعادل للسدود والحواجز التي تحول دون نشوب تلك الحرب".

لذلك، فإن السؤال المحوري في العراق الآن هو: هل ستكون عمليتكم الدستورية التي تتكشف تفاصيلها أمامنا الآن، قادرة على التوصل إلى اتفاق يقوم على تقاسم السلطة بين طوائفه الثلاث الرئيسية، ويكون بمثابة سد مبني محلياً، ولديه القدرة على الاستمرار دون عون من أحد، وعلى وقاية العراق من الحرب الأهلية، والحلول في النهاية محل الوجود العسكري الأميركي. إن هذا السؤال يكتسب صفة عاجلة في أعقاب الإعصار "كاترينا". ليس قصدي من ذلك القول إننا سنسحب قواتنا غداً، ولا حتى بعد الانتخابات البرلمانية التي ستجري عندكم في شهر ديسمبر المقبل، ولكنني أود القول إننا بعد ذلك سندخل - كما تعرفون- سنة انتخابات الكونجرس التي لا يعرف أحد ما يمكن أن يحدث فيها من ضغوط، ولا ما يمكن أن تسفر عنه مثل تلك الضغوط.

تسألونني لماذا؟ حسنا سأقول لكم، لأن "الديمقراطيين" يا سادة عارضوا حرب العراق منذ البداية، ولأن الكثير من "الجمهوريين" أصبحوا الآن لا يؤيدون تلك الحرب على النحو الذي أصبحت عليه باستثناء جورج بوش فقط. فالرئيس هو الذي يحمل تلك الحرب على كتفيه الآن، وكلما ضعف الرئيس سياسياً كما حدث بفعل إعصار "كاترينا"، كلما قلت قدرته على الاستمرار في حمل عبء الحرب. أتفق معكم في أن الرئيس قد قال بالفعل إننا سنبذل قصارى جهودنا لإنهاء المهمة في العراق، ولكن يجب ألا ننسى أنه قد قال ذلك قبل أن تبرز أمامه مهمة ضخمة جديدة يتعين عليه أن يقوم بها.

هل تتخيلون مثلا ما يمكن أن يحدث إذا ما اضطر الرئيس بوش إلى التوجه إلى الكونجرس هذا الأسبوع للمطالبة بتخصيص 100 مليون دولار لمواصلة مهمته في العراق، في الوقت الذي توجد فيه مدينة أميركية بكاملها بحاجة إلى إعادة بناء من جديد؟

وإذا ما انتقلنا للحديث عن مسودة دستوركم فإنني أقول لكن إنني أعتبر هذه الوثيقة - وعلى مستوى من المستويات- وثيقة رائعة حقاً، ومثالا نادرا على الكيفية التي يمكن أن يقوم بها ممثلون منتخبون في شعب عربي بإدارة حوار أفقي وصياغة عقدهم الاجتماعي الخاص. ولكن يجب أن تعلموا أن مسودة الدستور هذه لن تكتب لها الحياة إلا إذا قام السنة في العراق، وعن طيب خاطر بتبنيها، وهم لم يفعلوا ذلك حتى الآن.

بعض هؤلاء السُنة يشعر بالخوف، وبعضهم يناور استعداداً للانتخابات، وبعضهم يعمل بسوء نية، وبعضهم لا يزال يتوهم أن حزب "البعث" سيعود إلى السلطة مرة أخرى. والسُنة من ذوي النوايا الحسنة، وهم كُثر في العراق بالمناسبة، يمكن اجتذابهم للعملية السياسية، إذا ما قام الدستور بالتأسيس لحكومة مركزية تمتلك مقومات الاستمرار والحياة من الناحية السياسية والاقتصادية، وليس التأسيس لانفصال الشيعة والأكراد، وترك السُنة معزولين في وسط العراق من دون سلطة أو نفط.

إنني أعرف وأقدر حجم المرارة التي يشعر بها الشيعة والأكراد بسبب المعاناة التي تعرضوا لها على أيدي القتلة من "البعثيين" السنة والفاشيين الجهاديين. ولكن يجب على هؤلاء أن يعرفوا أن مصلحتهم ومصلحتنا في الحقيقة هي أن يروا ما إذا كان بإمكانهم اجتذاب المزيد من السُنة العراقيين الذين يدركون أن مستقبلهم المضمون يكمن في العمل مع العراق الجديد، وليس محاولة تقويضه.

والسؤال هنا هو: هل سيضطر العراقيون السُنة - شأنهم في ذلك شأن الفلسطينيين- إلى إضاعة جيل بأكمله في محاولة لعكس عجلة التاريخ، وإضاعة أنفسهم والعراق أيضا في سياق ذلك؟ أم أنه يتعين عليهم في النهاية أن يعترفوا بالحقيقة وهي أنهم أقلية لا يمكن لها بعد الآن أن تحكم العراق بأكمله بأسلوب فاشي، ولكنهم يستطيعون مع ذلك الحصول على نصيبهم من السلطة والنفط في إطار عراق حر؟ لا أعرف الإجابة عن ذلك.

الطريقة الوحيدة لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال، هي أن نتقدم إلى السُنة بعرض لا يمكنهم أن يرفضوه. لو كان هناك دستور يحظى من حيث الجوهر بدعم جميع الأطراف الرئيسية في العراق، فسيظل لدينا في مثل هذه الحالة وقت وإمكانية للخروج بمحصلة لائقة في العراق. صحيح أن بوش يقول إنه ينوي البقاء على الدرب ومواصلة المهمة حتى النهاية في العراق مهما تطلب ذلك، ولكن السيد الرئيس يجب أن يعرف أنه من دون دستور يتم تبنيه من قبل المجتمعات الثلاثة الرئيسية في العراق فلن يكون هناك درب يمكنه أن يواصل السير عليه.

وإذا ما انهار جسر الاستقرار الممثل في الوجود العسكري الأميركي الذي يساعد على بقاء العراق موحداً حتى الآن، فإن ما سيحدث هناك في تلك الحالة سيجعلكم تحسدون نيوأورليانز. فمعظم سكان نيوأورليانز كان لديهم على الأقل مكان يأوون إليه عندما ضرب الإعصار ضربته، أما أنتم وجيرانكم فلن يكون لديكم مثل هذا المأوى.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"