المهدى
09-07-2005, 02:51 PM
محمد الأمين
أقيم في العام الماضي العديد من النشاطات الثقافية والفنية في مدن ايرانية مختلفة بمناسبة مرور 400 عام على وجودالأرمن في ايران، وقد تم الاحتفاء بهذه الأقلية المؤثرة في التاريخ والثقافة الايرانية والإشادة بدورهم الكبير والمؤثر في المجتمع الايراني. الهدف من هذا التحقيق هو تقديم موجز عن هذه الأقلية وتاثيراتها على مختلف المناحي الثقافية والعمرانية في ايران.
في رواية شهيرة للروائي الايراني عباس معروفي حملت عنوان" سمفونية الموتى"وتدورالأحداث عن جريمة قتل الأخ في أربعينيات القرن العشرين، اذ يتواطأ جميع شخوص الرواية ضد بطلها "آيدين" باستثناء عائلة ميرزايان الأرمنية التي تدير معملا للنجارة، وتقدم هذه العائلة كل الدعم للبطل وهو فنان مسلم متأثر بالفكر الوجودي كي تنقذه من المؤامرة التي يحيكها المجتمع ضده. وليس هذه اشارة عابرة عن تعاطف الأرمن مع ابناء القوميات الاخرى فذاكرة كل ايراني تحتفظ بأمثلة كثيرة عن الرقي الحضاري عند الأرمن وحسن معشرهم وطيبتهم وحسن تعاملهم مختلف القوميات، اضافة الى روح التسامح التي يتحلون بها. وكان الاستشهاد الوارد في رواية معروفي غير منحصر بالبعد الأخلاقي بل يتضمّن التذكير بامتهان الحرف عند الأرمن وبراعتهم المشهود لها في هذا المجال. اذا سألنا أي ايراني من أفضل النجارين في ايران ومن هم افضل منتجي المواد الغذائية ومن هم أحسن الخياطين والميكانيكيين وصناع الأحذية فلاشك أنه سيضع الأرمن في أول القائمة.
في العهد الصفوي وفي فترة حكم شاه عباس الصفوي كانت الهجرة القسرية للارمن نحوايران وقد استقروا في بادئ الأمر في حي جلفا باصفهان ومدن اخرى منها تبريز وهمدان وشيراز ونظرا لمواهبهم وثقافتهم العالية فقد كان لهم دور كبير وطليعي في تحديث ايران فثمة أسماء بارزة من أبناء هذه القومية أغنوا الحياة الايرانية في ميادين السياسة والفن والعلوم والموسيقى والفن التشكيلي والمسرح وفن التصوير والانفتاح على العالم المعاصر وتطوير فن الطباعة والنشر.
ولايمكن لأي أحد أو سلطة في ايران أن تنفي عنهم حقوق المواطنة أو اعتبارهم غير ايرانيين. على خلاف الوضع في الكثير من البلدان العربية التي تحصر الانتماء للوطن بالأنتساب للقبيلة أو كما هو الحال في العراق مع العراقيين الفرس الذين تم اعدام ابنائهم وتهجيرهم من العراق بسبب أصولهم الفارسية. ونظرا لنشاطهم الفعال في حقل التجارة فقد أرسى الأرمن أواصر متينة بين الايرانيين والغرب كما أن انتشار ابناء هذه القومية في أغلب البلدان الاوربية منحهم مكانة متقدمة في الانفتاح على الحداثة الغربية بالمقارنة مع القوميات الاخرى في ايران. طوال اربعمائة عام من تواجدهم في ايران ساهم الأرمن في اغناء اللغة الفارسية دون أن يهملوا لغتهم الأصلية وكان لهم رموز وأسماء كبيرة من الكتاب والمؤلفين نذكر منهم المؤلف الشهير ميرزا ملكم خان.
لقد اقترن تأسيس الجامعات ومدارس التعليم الحديث في ايران بالأرمن. واذا اعتبرنا دار لفنون الجامعة العلمية الأولى التي تتوفر على شوط التعليم العصري كدراسة الطب والهندسة واللغات الاجنبية فلابد من التركيز على رسالة مؤسس دار الفنون وهو الصدر الأعظم اميركبير في عهد ناصر الدين شاه الى الشخصية العلمية الشهيرة في ايران اي موسيو جان داود: (الى زبدة المسيحية ذي الشأن الرفيع في الفطنة والنباهة المترجم الدولة الايرانية الأكفأ).
وقد عمل موسيو جان ولسنوات طويلة مستشارا لأمير كبير كما كان سفيرا للحكومة الايرانية في النمسا وقد اختار الأساتذة الكفؤين للتدريس في دار الفنون. ولم تثمر نشاطات موسيو جان كثيرا اثر المؤامرة التي استهدفت امير كبير وانتهت بقتله في حمام فين في مدينة كاشان. الا أن شخصية أرمنية مرموقة اخرى واصلت جهود المشروع التحديثي في ايران وهو الدكتور بازيل ارمني الذي أسس للطب الحديث في ايران وقلص من مكانة الطب التقليدي.
الأرمن وجامعة طهران
لم تخل الجامعات الايرانية كجامعة طهران وجامعة تبريزوجامعة بهشتي وجامعة ابادان من اساتذة كبار كان لهم الفضل في تخريج اكثر من جيل من الكفاءات العلمية . ويمكن اعتبار جامعة اصفهان الأكثر أهمية بالنسبة للأرمن فقد أسسوا فيها فرعا للأرمنولوجي (كل ما يتعلق بتاريخ وثقافة وحياة الأرمن) ثم تم تطوير الفكرة وأنشأ في عام 1970 المعهد الأرمني.
كان الأرمن سباقين في الانفتاح على التعليم الحديث بالمقارنة مع سائر القوميات في ايران. ميرزا حسن خان رشدية أسم يحظى باحترام الاوساط التعليمية في ايران ففي القن التاسع عشر بذل جهودا كبيرة من اجل تأسيس الدارس الحديثة في ايران ويحكى ان أثناء عودة ناصر الدين شاه من رحلتهالى اوربا واثناء وصوله الى نخجوان(وكانت جزءا من الأراضي الايرانية آنذاك)أمر رشيدية تلامذته بحمل الأعلام على جانبي الطريق التي ستمر فيها عربة الملك من باب الترحيب به وحينما رأى ناصر الدين شاه منظر عشرات الأطفال الذين يحيونه بأعلام ملونة نزل من عربته وتفقد المدرسة وتحادث مع رشيدية ووافق على طلبه في تأسيس مدارس حديثة في المدن الاخرى كما أمر أن ينتقل رشيدية معه الى طهران ليباشر عمله هناك.
لكن حاشية الملك الرافضة لتأسيس مدارس عصرية في ايران حبست رشيدية في نخجوان وأبلغت الشاه انه تأخر عن اللحاق بهم. بعد هروبه من السجن عاود ميرزا حسن رشيدية نشاطه التعليمي في كل من أرمينيا وايران ،يقول رائد الشعر الفارسي المعاصر نيما يوشيج في هذا الصدد: كلما شيد رشيدية مدرسة هجم عليها المتحجرون وهدموها بالمعاول وضربوا طلابه. لقد هرب من طهران الى مشهد وحينما أغلقوا مدرسته في مشهد سافر الى تبريز وأسس مدارس للتعليم العالي هناك وفي نهاية المطاف انتصر على ذوي الأذهان المتحجرة والعقول المتخشبة وبفضل جهوده شاعت مدارس التعليم الحديث في جميع المدن الايرانية". كما أنشأ الأرمن مكتبات كبيرة في ايران ويُذكر لهم تأسيس أول مدرسة للبنات الأرمنيات وذلك عام 1858.
ولم يقتصر دور الأرمن في تأسيس مدارس حديثة بالعهد القاجاري ففي زمن رضا شاه بهلوي أنشأت السيدة الأرمنية برسابه هوسبيان اول روضة للأطفال وحصلت عام 1930 على مجوز رسمي من وزارة الثقافة. ثم أسست وأشرفت على مدرسة ابتدائية وأخرى متوسطة. وكانت الفارسية هي اللغة المعتمدة في مدارس برسابه. يعتقد الدكتور صدر الدين الهي استاذ قسم الصحافة والاعلام أن مدارس هذه السيدة الأرمنية حظيت بشهرة واسعة في الأوساط المتعلمة في ايران :"من المؤسف ان الحكومة الايرانية أغلقت هذه المدارس بعد انتصار الثورة الايرانية واضطرت برسابه للسفر الى أميركا وقد توفيت عام 1998 هناك". مدارس "مريم" وكوشش ومهرجردن ورستم وكلبنكيان هي من المدارس الشهيرة التي أسسها الأرمن في طهران وساهمت في ترسيخ مكانة المدارس الحديثة في طهران وبالرغم من اغلاق مدارسهم التي اعتمدت اللغة الارمنية بدستور من رضا شاه فقد واصل ابناء هذه القومية دورهم الريادي في مجال التعليم.
نوستالجيا الأرمن
السيدة سيمين زرنكار(تنحدر من عائلة مسلمة) تسرد ذكرياتها عن الأرمن في طهران وتقول: "في مرحلة الاعدادية في عشرينات القرن الماضي كان في كل صف مجموعة من الطلاب الأرمن يفوق عددهم باقي القوميات والأقليات. أغلب أساتذتنا كانوا من الأرمن. أستاذتنا في درس اللغة الانجليزية كانت سيدة أرمنية جميلة جدا وفي غاية اللطف. أرقى المقاهي ومحلات بيع الساندويتشات كان يملكها ويديرها الأرمن. امن المقاهي التي افتتحها الأرمن في طهران لابد أن أشير الى مقهى كاليفرنيا المجاورة لجامعة طهران والتي كانت مركزا للمثقفين.
المعماريون الأرمن
في العهد القاجاري شيّد المعمارون الأرمن أفضل عمارات مركز مدينة طهران. نذكر منها بناية البريد وقصر العدل وعمارة وزارة الخارجية وعمارة بانك سبه والمتحف الايراني وقصر المرمر الذي يعتبر من التحف النادرة في فن العمران الايراني. يقول مسعود نوربخش مؤلف كتاب طهران برواية التاريخ: "لقد وضع رضا شاه خطة البناء بنفسه وكان المشرف الأول على تنفيذها ،وقد طرد جميع المهندسين الذين أشركهم في تنفيذ البناء ولم يقتنع الّا بالمهندس والمعمار الأرمني الكبير لئون تادوسيان".
يعتبر مبنى وزارة الخارجية في ميدان مشق بطهران من معالم العاصمة. وهو من تصميم المعمار الأرمني غابريل غوريكيان المولود في تركيا عام 1900. هاجر غوريكيان مع عائلته الى ايران عام 1915 إثر المجازر البشعة التي تعرّض لها الأرمن على يد الأتراك. وبعد حصوله على الجنسية الايرانية سافر الى اوربا ثم عاد بدعوة من رضا شاه الى ايران وحقق مشاريع عمرانية ضخمة في طهران ومدن أخرى أضافت الكثير الى رصيده كأسم بارز في المشهد المعماري العالمي.
صمم غوريكيان مبنى وزارة الخارجية ونفّذ المشروع المهندس الأرمني الكال گالستيانس. وقد انجز غوريكيان بالتعاون مع گالستيانس مشاريع عمرانية تعد من أجمل مباني طهران القديمة في عهد رضا شاه مثل قصر العدل الواقع في قلب العاصمة. ويرى بعض الخبراء في مجال الفن المعماري أن أهم معماري القرن العشرين في ايران هم غابريل غوريكيان وپل آبكار وارطان هوانسيان وكما يتضح من اسمائهم فهم جميعا من ارامنة ايران.
من انجازات المعمار الشهير ارطان هوانسيان يمكن الاشارة الى مبنى مصرف سبه في ميدان توبخانه وفندق دربند وفندق فردوسي وقصر شهناز بهلوي. اما المعمار آبكار فقد صمم عشرات المباني الادارية في طهران ومدن ايرانية اخرى، ويمكن ذكر مبنى الضرائب كأحد أهم انجازاته المعمارية. ولابد من ذكر معمار أرمني آخر له مهارات فنية عالية وهو اوجن افتاندايليانس الذي صمم قاعة الثقافة ووزارة الثقافة والفنون ومطار مهرآباد الدولي وكنيسة سركيس واعدادية رضاشاه.
ان اغلب المباني الحديثة في العاصمة طهران هي من انجازات المعمارين الأرمن. ونذكر منها قاعة رودكي وسينما متروبل وسينما ونياكارا وسينما غولدن سيتي وسينما كريستال. ومن الصعب ان نذكر في هذا التحقيق جميع انجازات المعمارين الأرمن ونكتفي بالاشارة الى جزء منها: 31 كنيسة في مدينة اصفهان. عشرات المساجد في مدينة قم وفي مقدمتها مسجد المدينة. اضافة الى المحطة المركزية للمواصلات. واهم شوارع ومباني مدينة تبريز. عشرات الكنائس في اقليم اذربايجان الايراني. في كتاب يحمل عنوان "موسوعة العلماء الأرمن"يذكر الباحث انت لازاريان ان اكثر من 150 معمارا ارمنيا صمموا ونفذوا اهم المشاريع العمرانية الايرانية في القرن العشرين.
في جميع المدن والمناطق التي سكنها الأرمن ثمة،على الأقل، بناء تاريخي له ميزات فنية رفيعة. وبالتعاون مع مؤسسات ثقافية مختلفة كمؤسسة الحفاظ على التراث الفني قام المهندسون الأرمن بترميم العديد من هذه الأبنية التي تدل على الذوق الرفيع والابداع الخلاق والمهارات العالية التي يتمتع بها أبناء هذه القومية.
أقيم في العام الماضي العديد من النشاطات الثقافية والفنية في مدن ايرانية مختلفة بمناسبة مرور 400 عام على وجودالأرمن في ايران، وقد تم الاحتفاء بهذه الأقلية المؤثرة في التاريخ والثقافة الايرانية والإشادة بدورهم الكبير والمؤثر في المجتمع الايراني. الهدف من هذا التحقيق هو تقديم موجز عن هذه الأقلية وتاثيراتها على مختلف المناحي الثقافية والعمرانية في ايران.
في رواية شهيرة للروائي الايراني عباس معروفي حملت عنوان" سمفونية الموتى"وتدورالأحداث عن جريمة قتل الأخ في أربعينيات القرن العشرين، اذ يتواطأ جميع شخوص الرواية ضد بطلها "آيدين" باستثناء عائلة ميرزايان الأرمنية التي تدير معملا للنجارة، وتقدم هذه العائلة كل الدعم للبطل وهو فنان مسلم متأثر بالفكر الوجودي كي تنقذه من المؤامرة التي يحيكها المجتمع ضده. وليس هذه اشارة عابرة عن تعاطف الأرمن مع ابناء القوميات الاخرى فذاكرة كل ايراني تحتفظ بأمثلة كثيرة عن الرقي الحضاري عند الأرمن وحسن معشرهم وطيبتهم وحسن تعاملهم مختلف القوميات، اضافة الى روح التسامح التي يتحلون بها. وكان الاستشهاد الوارد في رواية معروفي غير منحصر بالبعد الأخلاقي بل يتضمّن التذكير بامتهان الحرف عند الأرمن وبراعتهم المشهود لها في هذا المجال. اذا سألنا أي ايراني من أفضل النجارين في ايران ومن هم افضل منتجي المواد الغذائية ومن هم أحسن الخياطين والميكانيكيين وصناع الأحذية فلاشك أنه سيضع الأرمن في أول القائمة.
في العهد الصفوي وفي فترة حكم شاه عباس الصفوي كانت الهجرة القسرية للارمن نحوايران وقد استقروا في بادئ الأمر في حي جلفا باصفهان ومدن اخرى منها تبريز وهمدان وشيراز ونظرا لمواهبهم وثقافتهم العالية فقد كان لهم دور كبير وطليعي في تحديث ايران فثمة أسماء بارزة من أبناء هذه القومية أغنوا الحياة الايرانية في ميادين السياسة والفن والعلوم والموسيقى والفن التشكيلي والمسرح وفن التصوير والانفتاح على العالم المعاصر وتطوير فن الطباعة والنشر.
ولايمكن لأي أحد أو سلطة في ايران أن تنفي عنهم حقوق المواطنة أو اعتبارهم غير ايرانيين. على خلاف الوضع في الكثير من البلدان العربية التي تحصر الانتماء للوطن بالأنتساب للقبيلة أو كما هو الحال في العراق مع العراقيين الفرس الذين تم اعدام ابنائهم وتهجيرهم من العراق بسبب أصولهم الفارسية. ونظرا لنشاطهم الفعال في حقل التجارة فقد أرسى الأرمن أواصر متينة بين الايرانيين والغرب كما أن انتشار ابناء هذه القومية في أغلب البلدان الاوربية منحهم مكانة متقدمة في الانفتاح على الحداثة الغربية بالمقارنة مع القوميات الاخرى في ايران. طوال اربعمائة عام من تواجدهم في ايران ساهم الأرمن في اغناء اللغة الفارسية دون أن يهملوا لغتهم الأصلية وكان لهم رموز وأسماء كبيرة من الكتاب والمؤلفين نذكر منهم المؤلف الشهير ميرزا ملكم خان.
لقد اقترن تأسيس الجامعات ومدارس التعليم الحديث في ايران بالأرمن. واذا اعتبرنا دار لفنون الجامعة العلمية الأولى التي تتوفر على شوط التعليم العصري كدراسة الطب والهندسة واللغات الاجنبية فلابد من التركيز على رسالة مؤسس دار الفنون وهو الصدر الأعظم اميركبير في عهد ناصر الدين شاه الى الشخصية العلمية الشهيرة في ايران اي موسيو جان داود: (الى زبدة المسيحية ذي الشأن الرفيع في الفطنة والنباهة المترجم الدولة الايرانية الأكفأ).
وقد عمل موسيو جان ولسنوات طويلة مستشارا لأمير كبير كما كان سفيرا للحكومة الايرانية في النمسا وقد اختار الأساتذة الكفؤين للتدريس في دار الفنون. ولم تثمر نشاطات موسيو جان كثيرا اثر المؤامرة التي استهدفت امير كبير وانتهت بقتله في حمام فين في مدينة كاشان. الا أن شخصية أرمنية مرموقة اخرى واصلت جهود المشروع التحديثي في ايران وهو الدكتور بازيل ارمني الذي أسس للطب الحديث في ايران وقلص من مكانة الطب التقليدي.
الأرمن وجامعة طهران
لم تخل الجامعات الايرانية كجامعة طهران وجامعة تبريزوجامعة بهشتي وجامعة ابادان من اساتذة كبار كان لهم الفضل في تخريج اكثر من جيل من الكفاءات العلمية . ويمكن اعتبار جامعة اصفهان الأكثر أهمية بالنسبة للأرمن فقد أسسوا فيها فرعا للأرمنولوجي (كل ما يتعلق بتاريخ وثقافة وحياة الأرمن) ثم تم تطوير الفكرة وأنشأ في عام 1970 المعهد الأرمني.
كان الأرمن سباقين في الانفتاح على التعليم الحديث بالمقارنة مع سائر القوميات في ايران. ميرزا حسن خان رشدية أسم يحظى باحترام الاوساط التعليمية في ايران ففي القن التاسع عشر بذل جهودا كبيرة من اجل تأسيس الدارس الحديثة في ايران ويحكى ان أثناء عودة ناصر الدين شاه من رحلتهالى اوربا واثناء وصوله الى نخجوان(وكانت جزءا من الأراضي الايرانية آنذاك)أمر رشيدية تلامذته بحمل الأعلام على جانبي الطريق التي ستمر فيها عربة الملك من باب الترحيب به وحينما رأى ناصر الدين شاه منظر عشرات الأطفال الذين يحيونه بأعلام ملونة نزل من عربته وتفقد المدرسة وتحادث مع رشيدية ووافق على طلبه في تأسيس مدارس حديثة في المدن الاخرى كما أمر أن ينتقل رشيدية معه الى طهران ليباشر عمله هناك.
لكن حاشية الملك الرافضة لتأسيس مدارس عصرية في ايران حبست رشيدية في نخجوان وأبلغت الشاه انه تأخر عن اللحاق بهم. بعد هروبه من السجن عاود ميرزا حسن رشيدية نشاطه التعليمي في كل من أرمينيا وايران ،يقول رائد الشعر الفارسي المعاصر نيما يوشيج في هذا الصدد: كلما شيد رشيدية مدرسة هجم عليها المتحجرون وهدموها بالمعاول وضربوا طلابه. لقد هرب من طهران الى مشهد وحينما أغلقوا مدرسته في مشهد سافر الى تبريز وأسس مدارس للتعليم العالي هناك وفي نهاية المطاف انتصر على ذوي الأذهان المتحجرة والعقول المتخشبة وبفضل جهوده شاعت مدارس التعليم الحديث في جميع المدن الايرانية". كما أنشأ الأرمن مكتبات كبيرة في ايران ويُذكر لهم تأسيس أول مدرسة للبنات الأرمنيات وذلك عام 1858.
ولم يقتصر دور الأرمن في تأسيس مدارس حديثة بالعهد القاجاري ففي زمن رضا شاه بهلوي أنشأت السيدة الأرمنية برسابه هوسبيان اول روضة للأطفال وحصلت عام 1930 على مجوز رسمي من وزارة الثقافة. ثم أسست وأشرفت على مدرسة ابتدائية وأخرى متوسطة. وكانت الفارسية هي اللغة المعتمدة في مدارس برسابه. يعتقد الدكتور صدر الدين الهي استاذ قسم الصحافة والاعلام أن مدارس هذه السيدة الأرمنية حظيت بشهرة واسعة في الأوساط المتعلمة في ايران :"من المؤسف ان الحكومة الايرانية أغلقت هذه المدارس بعد انتصار الثورة الايرانية واضطرت برسابه للسفر الى أميركا وقد توفيت عام 1998 هناك". مدارس "مريم" وكوشش ومهرجردن ورستم وكلبنكيان هي من المدارس الشهيرة التي أسسها الأرمن في طهران وساهمت في ترسيخ مكانة المدارس الحديثة في طهران وبالرغم من اغلاق مدارسهم التي اعتمدت اللغة الارمنية بدستور من رضا شاه فقد واصل ابناء هذه القومية دورهم الريادي في مجال التعليم.
نوستالجيا الأرمن
السيدة سيمين زرنكار(تنحدر من عائلة مسلمة) تسرد ذكرياتها عن الأرمن في طهران وتقول: "في مرحلة الاعدادية في عشرينات القرن الماضي كان في كل صف مجموعة من الطلاب الأرمن يفوق عددهم باقي القوميات والأقليات. أغلب أساتذتنا كانوا من الأرمن. أستاذتنا في درس اللغة الانجليزية كانت سيدة أرمنية جميلة جدا وفي غاية اللطف. أرقى المقاهي ومحلات بيع الساندويتشات كان يملكها ويديرها الأرمن. امن المقاهي التي افتتحها الأرمن في طهران لابد أن أشير الى مقهى كاليفرنيا المجاورة لجامعة طهران والتي كانت مركزا للمثقفين.
المعماريون الأرمن
في العهد القاجاري شيّد المعمارون الأرمن أفضل عمارات مركز مدينة طهران. نذكر منها بناية البريد وقصر العدل وعمارة وزارة الخارجية وعمارة بانك سبه والمتحف الايراني وقصر المرمر الذي يعتبر من التحف النادرة في فن العمران الايراني. يقول مسعود نوربخش مؤلف كتاب طهران برواية التاريخ: "لقد وضع رضا شاه خطة البناء بنفسه وكان المشرف الأول على تنفيذها ،وقد طرد جميع المهندسين الذين أشركهم في تنفيذ البناء ولم يقتنع الّا بالمهندس والمعمار الأرمني الكبير لئون تادوسيان".
يعتبر مبنى وزارة الخارجية في ميدان مشق بطهران من معالم العاصمة. وهو من تصميم المعمار الأرمني غابريل غوريكيان المولود في تركيا عام 1900. هاجر غوريكيان مع عائلته الى ايران عام 1915 إثر المجازر البشعة التي تعرّض لها الأرمن على يد الأتراك. وبعد حصوله على الجنسية الايرانية سافر الى اوربا ثم عاد بدعوة من رضا شاه الى ايران وحقق مشاريع عمرانية ضخمة في طهران ومدن أخرى أضافت الكثير الى رصيده كأسم بارز في المشهد المعماري العالمي.
صمم غوريكيان مبنى وزارة الخارجية ونفّذ المشروع المهندس الأرمني الكال گالستيانس. وقد انجز غوريكيان بالتعاون مع گالستيانس مشاريع عمرانية تعد من أجمل مباني طهران القديمة في عهد رضا شاه مثل قصر العدل الواقع في قلب العاصمة. ويرى بعض الخبراء في مجال الفن المعماري أن أهم معماري القرن العشرين في ايران هم غابريل غوريكيان وپل آبكار وارطان هوانسيان وكما يتضح من اسمائهم فهم جميعا من ارامنة ايران.
من انجازات المعمار الشهير ارطان هوانسيان يمكن الاشارة الى مبنى مصرف سبه في ميدان توبخانه وفندق دربند وفندق فردوسي وقصر شهناز بهلوي. اما المعمار آبكار فقد صمم عشرات المباني الادارية في طهران ومدن ايرانية اخرى، ويمكن ذكر مبنى الضرائب كأحد أهم انجازاته المعمارية. ولابد من ذكر معمار أرمني آخر له مهارات فنية عالية وهو اوجن افتاندايليانس الذي صمم قاعة الثقافة ووزارة الثقافة والفنون ومطار مهرآباد الدولي وكنيسة سركيس واعدادية رضاشاه.
ان اغلب المباني الحديثة في العاصمة طهران هي من انجازات المعمارين الأرمن. ونذكر منها قاعة رودكي وسينما متروبل وسينما ونياكارا وسينما غولدن سيتي وسينما كريستال. ومن الصعب ان نذكر في هذا التحقيق جميع انجازات المعمارين الأرمن ونكتفي بالاشارة الى جزء منها: 31 كنيسة في مدينة اصفهان. عشرات المساجد في مدينة قم وفي مقدمتها مسجد المدينة. اضافة الى المحطة المركزية للمواصلات. واهم شوارع ومباني مدينة تبريز. عشرات الكنائس في اقليم اذربايجان الايراني. في كتاب يحمل عنوان "موسوعة العلماء الأرمن"يذكر الباحث انت لازاريان ان اكثر من 150 معمارا ارمنيا صمموا ونفذوا اهم المشاريع العمرانية الايرانية في القرن العشرين.
في جميع المدن والمناطق التي سكنها الأرمن ثمة،على الأقل، بناء تاريخي له ميزات فنية رفيعة. وبالتعاون مع مؤسسات ثقافية مختلفة كمؤسسة الحفاظ على التراث الفني قام المهندسون الأرمن بترميم العديد من هذه الأبنية التي تدل على الذوق الرفيع والابداع الخلاق والمهارات العالية التي يتمتع بها أبناء هذه القومية.