المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "الباستيل" أشهر السجون السياسية ورمز القهر والطغيان في تاريخ الشعب الفرنسي



المهدى
09-07-2005, 02:46 PM
عندما يثأر الأحرار لحرياتهم يوثقون انتصاراتهم وتسقط القيود


سجن الباستيل أحد أشهور السجون في التاريخ. وهو السجن الفرنسي الذي استهدفته الجماهير الغاضبة في الثورة الفرنسية باعتباره رمزاً للقهر والطغيان.. وسنحكي طرفا من سيرة أشهر سجنائه.. الماركيز دي ساد.. الرجل الرهيب, الغريب, الذي أوحى أسمه لعلماء النفس فيما بعد بالتشخيص لحالة مرضية هي (السادية)..كما نتطرق قليلاً عن الفيلسوف المتمرد فولتير فقد عاني هو أيضا من السجن في الباستيل..

الباستيل السجن الأشهر
مع اندلاع الثورة الفرنسية قام الثوار اول ما قاموا باسقاط وتفجير سجن الباستيل الشهير ليس انتقاما من اشهر سجن سياسي في التاريخ الذي ضم عبر عصوره المختلفة نخبة النبلاء والاقطاعيين ولكن اعلانا عن هدم احد الرموز الهامة للملكية الفرنسية حيث كان السجن الشهير الرمز الكريه للسيطرة والديكتاتورية واصبح لهذا اول مكان يجب هدمه.

وكلمة "باستيل" مأخوذة من الكلمة الفرنسية BASTIDE التي تعني الحصن حيث بني الباستيل في البداية ليحمي الجدار الشرقي لمدينة باريس من القوى المعادية عام 1382 مع جدران يصل ارتفاعها الى 80 قدما واماكن مختلفة لتكون مستودع الاسلحة ولكن الباستيل سرعان ما نال صفة (أسوأ مركز تأمين عسكري) بعد أن استسلم ست مرات في سبع محاولات لاقتحامه..بعدها انهارت اهمية الحصن المنيع ومع بداية القرن السادس عشر اصبح يستخدم فقط كسجن.و خلال عهد الملك لويس الثالث عشر كان الكاردينال راشيليو يسجن به اي شخص يثير ازعاجه محيكا ضده اي تهمة وكان يتم الاعتقال من خلال مذكرة سرية يصدرها الملك ولم يكن يسمح للسجناء بالمحاكمة او حتى بمعرفة اسباب اعتقالهم او ما هي عقوبتهم تحديدا وكان اعداء الملك سرعان ما يؤخذون ويسجنون في احد الابراج العالية المتعددة للباستيل. ومن اشهر سجناء الباستيل الفيلسوف والكاتب الفرنسي فولتير والكاتب الفرنسي غريب الاطوار "ماركيز دي ساد" كما ان من بين اشهر سجناء الباستيل الغامضين الرجل الاسطوري الذي عرف باسم صاحب القناع الحديدي حيث كتب عنه الاديب الفرنسي الكسندر دوما للمرة الاولي وتحول فيما بعد لشخصية مثيرة لجدل المؤرخين حيث لم يتم اثبات ما اذا كانت الشخصية واقعية ام خيالية.

و عندما كان يتم الافراج عن السجناء كان يسمح لهم فقط بالرحيل اذا وافقوا على عدم ذكر اي شيء يخص ما رأوه او سمعوه داخل جدران الباستيل وكان عدم معرفة اي شيء يخص السجن قد خلق شعورا بالرعب والرهبة من ان الملك قد يستخدم السجن ليجبر الشعب على اشياء معينة . وعلى اية حال فان حقيقة الباستيل كانت مختلفة تماما عن تلك الصورة المرعبة التي خلقها الملك. وكانت جميع غرفه حتى عام 1701 قد تركت بلا اي اثاث ولكن سمح فيما بعد للسجناء السياسيين الاثرياء ان يجلبوا معهم اثاثهم بل ان بعضهم كان يسمح له باحضار خدمه الذين كانوا يحصلون على وجبات فاخرة وكان يسمح لهم التحرك بحرية داخل السجن بل ان بعضهم كان يسمح لهم بالسفر الى العاصمة تحت حراسة.
ومنذ عام 1880 في 14 يوليو اعلن يوم الباستيل وانتهاء الملكية الفرنسية.

الماركيز(دي ساد).. المتوحش
سار النبيل الانيق تحت حراسة الى العاهرة الفرنسية الجميلة في غرفة مؤجرة في الطابق الثاني لمنزل غير مميز خارج ضواحي باريس. وكان المركيز دي ساد يكثر من التردد على مثل هذه المنازل خلال رحلاته الى العاصمة الفرنسية لاسباب تجارية.و كانت طبيعة اعماله على اية حال مجرد لهو صرف وهو نوع من التسلية كان يستمتع به نبلاء فرنسا لاجيال متتالية دون ان يكون لهذا صدى او اتهامات مضادة. ولكن المركيز المتزوج حديثا كان يقيم الكثير من رحلات العربدة في عدة دور دعارة كان يؤجرها حول باريس خلال اكتوبر عام 1763 وان كانت هناك لقاءات فردية خاصة مع العاهرة الصغيرة جين تيستارد.

مع دخول المركيز الى الغرفة دفع مزلاج الباب خلفه وفورا سألها ان كان لها ايمان ديني وما اذا كانت مؤمنة بتعاليم وطقوس العقيدة الكاثوليكية وعندما استجابت مؤكدة بالايجاب قام المركيز بالقاء خطبة رنانة تحمل اكثر الاهانات خسة وحطا من قدرها. ومع شعور الفتاة بالرعب بدأ يصرخ فيها بشكل رهيب ويستخدم اسوأ الالفاظ ضد الكنيسة والرب ثم طلب منها تحمية عدد من الاسواط في النار حتى يحمر لونها وامرها ان تقوم بضربه وبعد هذا أمرها ان يقوم هو بنفس الشيء وعندما رفضت ان يجلدها بدأ يضربها بشكل محموم على وجهها وجسدها وهو يجبرها ان تكرر وراءه الفاظا نابية وكلمات ضد الرب.
وفي الساعة التاسعة صباح اليوم التالى جاءت صاحبة دار الدعارة لتتسلم فتاتها لتجدها في حالة من الذعر الهستيري وقد تكومت على ارض الغرفة شبه ميتة وجراحها تنزف بشدة واسرعت المراة الى مفوض شرطة محلي الذي اخذ شهادة الفتاة. وبعدها تم القبض على "ماركيز دي ساد" لمدة عشرة ايام من قبل مفتش شرطة باريس لويس ماراي وكانت اول مرة يتم فيها إعتقال المركيز بسبب افعاله الفاسقة والداعرة.

ولد الفونس فرانسو دي ساد في 2 يونيو 1740 وهو ابن الكونت جين بابتيست دي ساد والكونتيسة ماريا الينور دو مال كونتيسة دي ساد وهو من احد فروع اسرة باربون الملكية الفرنسية. وكانت والدته قد وظفت لرعاية الاميرة دي كوند ومربية لطفلها الامير دي كوند الصغير.

في بداية حياته تلقي تعليمه على يد عمه ثم دخل مدرسة داخلية لتؤهله لاستكمال تعليمه العسكري. وشارك في حرب السبع سنوات. وتزوج عام 1763 من رينيه بيلاجيه دو مونترويل ابنة قاضي ثري وانجب منها فيما بعد ثلاثة ابناء وعندما توفي والده في يناير 1767 قرر ان يصبح لقبه "ماركيز دي ساد".
بعد فترة قصيرة من زواجه بدأ يحيا حياة داعرة ومليئة بالفضائح وتكرار اساءة معاملة العاهرات صغار السن والعاملين في قصره من الجنسين وفيما بعد بمساعدة من زوجته. وكانت لديه علاقة بأخت زوجته. ثم توالت سلسلة من الفضائح والسلوك المشين تبعها سجنه. حيث حكم عليه بالاعدام عام 1772 ولكنه تمكن من تاجيل الحكم وتمكنت حماته من ان تحصل له على حكم بالعفو ولكنه عاد وسجن عام 1777 في سجن تحت الارض في البندقية. وهناك قابل "كونت دي ميرابو" الشهير بكتابة اعمال مثيرة للشهوة وعلى الرغم من ان كلاهما شعر ببغض شديد تجاه الاخر الا انه عام 1784 بعد محاولة هرب من السجن ارسل دي ساد الى سجن اخر وهو الباستيل في باريس.

في 2 يوليو 1789 صرخ المركيز من زنزانته لمن في الخارج " انهم يقتلون السجناء هنا " مما تسبب في شغب شديد. وبعد يومين نقل الى مصح عقلي بالقرب من باريس وبعدها بايام تم الهجوم على الباستيل ايذانا ببدء الثورة الفرنسية في 14 يوليو 1789. واطلق سراحه عام 1790 ثم حصلت زوجته على اذن الطلاق منه بعدها بفترة قصيرة.

كان قد بدأ الكتابة وهو في الباستيل وفي عام 1782 اكمل كتابه الشهير (حوار بين قسيس ورجل يحتضر) والذي عبر فيه عن إلحاده من خلال اعترافات وهمية للقسيس عن خطاياه في حياته السابقة. ثم كانت رواية (120 يوما من الشذوذ) التي كتبها عام 1785 ووصف فيها عدد من تجاربه الجنسية المنحرفة مع مجموعة من الفتيات المراهقات وفي عام 1787 كتب النسخة المبكرة من رواية (جاستين) التي نشرت عام 1791 وفيها يصف سوء حظ فتاة ظلت تعتقد في ان الله رحيم على الرغم من انه ابتلاها بكل المصائب الى ان تصل في النهاية الى الكفر والالحاد وقد تبعها برواية (جولييت) عام 1798 هي شقيقة (جوستين) التي اختارت الالحاد منذ البدء ورفضت تعاليم الكنيسة وتبنت فلسفة المتعة وكان ايضا من بين اعماله الفلسفية كتاب (فلسفة في غرفة النوم) عام 1795 و(جرائم الحب عام 1800) بالاضافة الى عدد من المسرحيات.

وتحتوي اعمال المركيز دي ساد على وصف مفصل لاشكال من السلوك الفاسد والاغتصاب والعنف وتجاوز المفاهيم الاخلاقية في ابسط صورها كما انه يعلن دوما بين صفحات كتبه عن ازدرائه لآراء الكنيسة وإلحاده ورفضه لجميع المعايير الاخلاقية ودفاعه المتطرف عن الحياة من أجل المتعة واللذة الخالصة.

التقي عقب خروجه من السجن ومن المصح العقلي بداية من عام 1790 مع السيدة ماري كويسنت وهي ام بلا زوج من الطبقة العاملة وقضي معها بقية حياته وتمكن من ان يتواءم نفسياً مع ظروف الثورة الفرنسية وحرص على كسب رضا قياداتها مما جعله في النهاية يحصل على مناصب حكومية على الرغم من اصوله الارستقراطية. وخلال ما يعرف بعهد الرعب الذي بدأ عقب الثورة الفرنسية عام 1793 تم ايداعه السجن مرة اخرى بسبب ما اعتبر اراء سياسية مؤيدة للملكية وسجن لمدة عام وحكم عليه بالاعدام ولكنه تمكن في اخر لحظة من الهرب من المقصلة وابدى نفاقا كبيرا ليكسب ود رجال الثورة مرة اخرى.

في عام 1801 امر نابليون بونابرت بالقاء القبض على مؤلف رواية (جوستين) المجهول الهوية وتم مرة اخرى سجن الماركيز دون محاكمة في سجن شهير اخر هو بيسيتير وبعد تدخل من اسرته اعلن انه مجنون وارسل مرة اخرى الى المصح العقلي وسمح لعشيقته ماري بان تعيش معه في المصح كما سمح له ان يقدم عدة عروض مسرحية مع نزلاء المصح كممثلين.و في كما اقام الماركيز علاقة مع نزيلة مراهقة في الثانية عشر من عمرها هي مادلين ليكريك واستمرت العلاقة اربع سنوات حتى وفاة دي ساد في المصح عام 1814 وقام ابنه الكبير عقب وفاته بحرق كل ما تبقي من المخطوطات اليدوية لاعماله التي لم تنشر ودفن دي ساد في مقبرة المصحة ثم سرقت فيما بعد جمجمته ليجري عليها اختبارات علمية سرية لمعرفة هل كان انسانا ام شيطانا كما اشيع عنه.

فولتير يدفع الثمن
ولد فولتير في باريس واسمه الاصلي فرانسواز ماري ارويت ولد في 12 نوفمبر 1694 وكان احد ابرز الفلاسفة الفرنسيين هو أيضاً كاتب مهم من كتاب عصر التنوير..

توفيت والدته وهو في السابعة من عمره وكان الطفل الخامس وقبله شقيقين توأمين وأخت وأخ آخر مات بعد ميلاده, وعندما بلغ العاشرة من عمره أرسل الى كلية لويس لو غراند وظل بها حتى عام 1711 وعلى الرغم من انه انكر فيما بعد التعاليم التي تلقاها في المدرسة الكاثوليكية الا انها شكلت معارفه الاولي وغالبا هي نفس الفترة التي غرست فيه حالة العشق الى المسرح.

و في عام 1711 وهو في السابعة عشر من عمره عاد الى منزله وبدأت المعركة التقليدية بين أب رفض ان يعتبر الادب مهنة وابن رغب بشدة في ان يمتهن الادب وخاصة الفن المسرحي . وهكدا اجبر فولتير على دراسة القانون في حين انفق احد اصدقاء والده على تعليمه ومنه تعرف على ابرز شعراء وكتاب عصره.

و عندما عاد مرة اخرى بعد انهاء دراسته الجامعية الى بلدته تظاهر بانه يعمل في مكتب قانوني ولكنه في الواقع كان يكتب قصائد التشهير ومقالات ادبية وخلال فترة وفاة الملك لويس الرابع عشر عاد فولتير الى باريس ليغوص مرة اخرى في الادب ويقدم (مأساة اوديب) وخلال تلك الفترة تقرب الى دائرة الدوقة الجميلة والطموحة دوقة دو ماين وبدأ فولتير يعبر عن كراهية الدوقة المحمومة ضد الوصي على العرش فيليب الثاني امير اورلانز وساعد على تأليف هجاء لاذع عليه.و في مايو 1716 تم نفيه بسبب الهجاء الى مدينة تول ثم الى سولي فيما بعد وعندما سمح له بالعودة تم الاشتباه في انه شارك في كتابه مقالات قذف عنيفة. وكان قد تم اغراءه من جاسوس يدعي بيوريجارد في اعتراف هزلي او حقيقي وارسل الى سجن الباستيل في مايو 1717 وهناك اعاد صياغة (أوديب) وبدأ في كتابة (هنريات) وقرر ان يغير اسمه وكانت فترة السجن قد جددت مهاراته الفنية بشكل كبير و. عقب خروجه من الباستيل في ابريل عام 1718 عرف باسم فولتير وان كان لم يهجر ابدا اسمه الاصلي.

ولكنه سجن مرة اخرى في نهاية عام 1725 حيث كان قد رد بشكل شديد اللهجة على احد النبلاء وبعدها ارسل فورا مرة اخرى الى سجن الباستيل وظل به لفترة غير محددة ثم نفي الى انكلترا حيث برز نجمه هناك وكتب عدة مسرحيات غير انه بعد وفاة النبيل عاد مرة اخرى الى باريس وقدم عدة مسرحيات واعمالاً نقدية.ثم قبل عام 1751 دعوة من ملك بوروسيا (الملك فريدريك الاكبر) وانتقل للحياة في برلين ولكن سرعان ما ادى اسلوبه النقدي اللاذع وغروره الى اغضاب الملك وحاشيته مما ادى في النهاية الى اعتقاله مرة اخرى وتم ترحيله عام 1753 ومنها تنقل بين الدول الاوروبية المختلفة ونزل ضيفا على ملوكها الى ان كانت عودته النهائية الى باريس وهو في الثالثة والثمانين من عمره حيث حظي بترحيب كبير وقدم ليري عرض مسرحيته ايرين ولكنه توفي وهو في طريقه الى باريس في 30 مايو عام 1778.و بسبب ارائه النقدية رفضت الكنيسة ان يتم دفنه في ارض الكنيسة ودفن في مدينة كوبنهاجن ثم نقلت بقاياه عام 1791 الى باريس.