yasmeen
09-07-2005, 08:35 AM
المستشار القضائي بوزارة العدل السعودية يتحدث لـ «الشرق الاوسط» عن تجربته في مناقشة السجناء بالسعودية
http://www.asharqalawsat.com/2005/09/07/images/interview.321905.jpg
الرياض: تركي الصهيل
كثير من المطلوبين موظفون ولا علاقة لسوء الأوضاع المادية بانحرافهم * أعمار المضللين تتراوح ما بين الـ 16 والـ 30 * المطلوبون أمنيا مرضى عقول لا بد من علاجهم بالنقاش والأدلة اعاد عبد المحسن العبيكان، المستشار القضائي بوزارة العدل السعودية عضو مجلس الشورى السعودي، الاسباب التي غررت ببعض من الشبان السعوديين لاعتناق افكار تكفيرية خاطئة إلى انهم قد غرر بهم من الداخل والخارج. وقال العبيكان في حوار لـ«الشرق الاوسط» ان التغرير من الخارج «كان له التأثير الأكبر على عقول المطلوبين أمنيا، وبالأخص من تنظيم القاعدة، وكان لكتب أبو قتادة المقدسي بالغ الأثر في اللوثة التي أصابت عقولهم، فهم يعتمدون على كتبه، والتي بها ضلال كبير ومغالطات، ومما أثر على عقولهم بعض الأشرطة والكتب التي انتشرت في السعودية».
واوضح العبيكان انه ناقش الكثير من السجناء في سجون السعودية وان كثيرا من هذه المناقشات أدت الى تصحيح أفكار الكثيرين منهم الذين تراوحت أعمارهم ما بين الـ 16 والـ 30 عاما ، مشيرا الى انه كان للكتب المهربة القادمة من خارج البلاد الدور الأكبر في التأثير على أفكارهم. والعبيكان الذي دأب ان يقف بوجه الخطأ، عرَّضته آراؤه في الآونة الأخيرة الى حملات شعواء من قبل الأصوليين والمتطرفين، ولكنه كان دائما يقف في وجوههم، ويبدي استعداده لمناقشتهم ومحاورتهم. وفي ما يلي نص الحديث :
* كيف يتم قياس تراجع المطلوبين أمنيا من الناحية الفكرية، لا سيما أن بعضهم لا يزال في السجن؟ وكيف تتم عملية تزكيتهم؟ ـ في الحقيقة، أن المناصحة تتم عن طريق جلسات مناقشة، في مكان مناسب، حيث يطلب من السجين أن يبدي جميع ما لديه من شبه، والأدلة التي يعتمد عليها، ويناقش ويعرف بالحق، وما هو معنى هذه الأدلة، والكثير ولله الحمد اقتنعوا، بعضهم من جلسة واحدة، وبعضهم من جلستين، والبعض الآخر من ثلاث جلسات. ثم بعد ذلك، يكتب محضر بأنه تمت المناقشة، واتضح على سبيل المثال، رجوع هذا الشخص عن فكره، واستقامة أحواله، ونوصي بإخراجه من السجن، وبالفعل خرج البعض منهم، وقام بعضهم بزيارتي في المسجد بين فترة وأخرى، فهناك من خرجوا واستقامت أحوالهم ولله الحمد.
* ما هي أبرز القواعد الفقهية التي يستند إليها المطلوبون أمنيا، أو دعنا نقول المغرر بهم، وما الذي استشفتموه من خلال مناصحتهم؟
ـ أكثر الشبه لديهم شبهة التكفير، فدائما يرون أن إعانة الحكومة ـ بحسب اعتقادهم ـ للكفار في حربهم على المسلمين، وطبعا الإعانة لم تحصل، والإعانة ليست بمحرمة على الإطلاق، بل هي على ثلاث حالات، فالحالة الأولى: أن تكون توليا تاما مطلقا عاما، فهذا كفر مخرج عن ملة الإسلام وهو مراد من أطلق الكفر. الدليل قوله تعالى:
«يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين» المائدة: 51 . وقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وإنا اعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل» الممتحنة :1 . قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير الآيات ما نصه:
«نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وان يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعد على ذلك، فقال تعالى: «فليس من الله في شيء» آل عمران: 28. أي : ومن يرتكب نهي الله في هذا، فقد برئ من الله، كما قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة» إلى أن قال «ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل». وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا» النساء: 144. وقال تعالى:
«يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم» المائدة: 51 . وقال تعالى بعد ذكر موالاة المؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب: «والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» الأنفال: 73 . وقال الإمام ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ :
«من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه رضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه». وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ـ رحمهم الله : «قد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة». وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ :
«إن كان توليا تاما كان ذلك كفرا وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه». والحالة الثانية: أن تكون لأجل تحصيل مصلحة خاصة للمتولي والمظاهر وليس هناك ما يلجئ إليها من خوف ونحوه، فهذا حرام وليس بكفر، والدليل: قصة حاطب بن أبي بلتعة، رضي الله عنه، التي رواها البخاري ومسلم، رحمهما الله، وغيرهما، وهي انه كتب كتابا لقريش يخبرهم فيه باستعداد النبي صلى الله عليه وسلم للزحف على مكة إذ كان يتجهز لفتحها وكان يكتم ذلك ليبغت قريشا على غير استعداد منها فتضطر إلى قبول الصلح وما كان يريد حربا، وأرسل حاطب كتابه مع جارية وضعته في عقاص شعرها، فأعلم الله نبيه بذلك فأرسل في اثرها عليا والزبير والمقداد، رضي الله عنهم، وقال:
«انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها»، فلما أتي به قال: «يا حاطب ما هذا»؟ فقال: يا رسول الله لا تعجل عليّ. إني كنت حليفا لقريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم ان اتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، ولم افعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: «اما انه قد صدقكم»، واستأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في قتله فلم يأذن له، قالوا وفي ذلك نزل قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم ان تؤمنوا بالله ربكم». قال الحافظ بن حجر:
«قوله في قصة حاطب بن أبي بلتعة: «فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه»، إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به، لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق، وظن ان من يخالف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل، لكنه لم يجزم بذلك، فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما اظهر، وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا ان لا ضرر فيه، وعند الطبري من طريق الحارث عن علي في هذه القصة: «فقال: أليس قد شهد بدرا ؟ قال: بلى، ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك».
وقال ابن حزم: «وإما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين أو على اخذ أموالهم أو سبيهم فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق ولا يكون بذلك كافرا لأنه لم يأت شيئا أوجب عليه كفرا قرآن أو إجماع». وقال الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ: «واذا كان الشارع لم يحكم بكفر حاطب في موالاة المشركين التي هي موضع النهي». ولذا لم يذكر الفقهاء الموالاة والمظاهرة من ضمن المكفرات في باب حكم المرتد، يتضح ذلك لمن اطلع على كتاب الإقناع وشرحه والمغني وغيرهما. ويلاحظ أن الله عز وجل نادى حاطبا بلفظ الإيمان في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا» الآية، فدل على انه لم يكفر بذلك العمل مع انه، تعالى، قال: «تلقون إليهم بالمودة». وقال سبحانه: «تسرون إليهم بالمودة».
أما الحالة الثالثة: جائزة، وهي عند الحاجة إليها والضرورة، كما قال تعالى في سورة آل عمران «لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة»، فاستثنى الله عز وجل، إذا خاف المسلمون واتقوا منهم شرا، أن يجوز لهم ذلك.
* وماذا عن إخراج «"المشركين من جزيرة العرب»؟
ـ إخراج المشركين من جزيرة العرب هو من أبرز شبه المطلوبين أمنيا، حيث تم تفنيد كلامهم في هذا الجانب، بالقول: إن إخراج المشركين من جزيرة العرب الذي جاء في الحديث، ليس كما يظنه هؤلاء، وفي تفنيد هذه الشبهة تتبين لنا عدة نتائج: الأولى: ان المنطقة التي أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين منها هي المنطقة القريبة من الحرمين الشريفين لقدسيتهما ولا معنى لإدخال منطقة بعيدة من المنع كالمنطقة الشرقية مثلا، وإخراج منطقة قريبة مثل تيماء وفيد القريبة من حائل (شمال السعودية)، كما اتضح من تحديد العلماء المتقدم.
الثانية: ان المقصود إخراج من لهم دين ومعابد وكيان وإقامة مستمرة. والدليل على ذلك ان عمر رضي الله عنه لم يخرج كل كافر من المدينة، بل هناك من المماليك الكفار وكذلك الصناع ونحوهم لم يخرجوا منها، حتى ان أبا لؤلؤة المجوسي وهو الذي قتل عمر رضي الله عنه كان مقيما في المدينة. ومن الأدلة على ان الله أباح تزوّج الكتابية ومن لازم ذلك ان من تزوجها من أهل المدينة فسوف يجعلها تقيم معه فيها. ثم إنني وجدت فتوى لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، تؤيد ما أقول. الثالثة: ان المخاطب بهذه الوصية هم ولاة الأمر.
والدليل على ذلك ان أبا بكر رضي الله عنه لم يخرج اليهود زمن خلافته ولم يطالبه عمر ولا احد من الصحابة رضي الله عنهم بذلك. فلا يحل لأفراد الرعية التدخل فيما هو من خصائص ولاة الأمر. الرابعة: ان المراد إخراجهم مع حماية أموالهم وأعراضهم ودمائهم إلى ان يخرجوا كما فعل عمر رضي الله عنه وليس المراد سفك دمائهم وإتلاف أموالهم كما فعله من لا يفقهون الدين من أصحاب الفكر المنحرف. الخامسة: ان إخراجهم منوط بالمصلحة وليس على إطلاقه. كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. والدليل على ذلك ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخرجهم مع قوله «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا ادع فيها إلا مسلما» (رواه مسلم وغيره ) ومع هذا لم يخرجهم، بل عاملهم على خيبر بنصف ما يخرج منها لحاجة المسلمين إليهم في القيام باستغلال تلك المزارع، ثم بقيت الحاجة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فلم يخرجهم حتى ولي عمر، فكثر المسلمون واستغنوا عن بقاء اليهود فأخرجهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال لهم «نقركم ما شئنا».
* من خلال مناصحتكم للمطلوبين أمنيا، كيف تم التأثير على هؤلاء، ومن هم الأشخاص الذين أثروا في أفكارهم، هل هم من الداخل أم من الخارج ؟ أفراد أم جماعات؟ ـ جاء التأثير على هؤلاء المغرر بهم من الداخل والخارج، وهذا الأخير كان له التأثير الأكبر على عقول المطلوبين أمنيا، وبالأخص من تنظيم القاعدة، وكان لكتب أبو قتادة المقدسي بالغ الأثر في اللوثة التي أصابت عقولهم، فهم يعتمدون على كتبه، والتي بها ضلال كبير ومغالطات، ومن ما أثر على عقولهم بعض الأشرطة والكتب التي انتشرت في السعودية.
* عفوا، لكن هل سبق للمطلوبين أمنيا، الذين تمت مناصحتهم، التوجه إلى أفغانستان للقتال في صفوف القاعدة هناك؟ أم أنهم مزيج بين من أثر عليهم من الداخل ومن تطبعوا بالتجربة الأفغانية؟ ـ بعضهم أتى من أفغانستان، والبعض الآخر كما تفضلت، تأثروا بهذه الأفكار من الداخل، من خلال الأشرطة والكتب المهربة.
* ما هي الأهداف التي يسعى لها المطلوبون أمنيا؟ ـ يظنون أنهم يجاهدون في سبيل الله، وأنهم ينصرون الإسلام، هذا هو اعتقادهم الخاطئ.
* وماذا عن إقامة الدولة الإسلامية التي يرددونها في بياناتهم وتسجيلاتهم الصوتية؟ ـ طبعا، هم يطمعون إلى هذا، حيث يطمعون في قيام دولة توافق آراءهم.
* وما هي آراؤهم؟
ـ يريدون القتال الدائم للكفار، ويريدون قتل جميع غير المسلمين الذين في جزيرة العرب، ومقاطعة غير المسلمين مقاطعة تامة، لا يباع لهم نفط، ولا تشترى منهم سلع، وكلها مبنية على آراء فاسدة وسطحية، لأنهم ليس عندهم عمق، ولا فهم، لا للشريعة ولا للواقع ولا للمصالح والمفاسد، فكثير منهم ليس عندهم علم، وإنما شباب مغرر بهم.
* كيف تصف لنا أوضاعهم المادية والاجتماعية؟ ـ بعضهم أوضاعهم طيبة، يعني ما لجأوا لهذا الطريق بسبب فقر أو لعدم وجود وظيفة، بل أكثرهم كانوا إما يدرسون أو موظفين.
* وماذا عن أعمارهم؟ ـ في الغالب أنهم صغار، تتراوح أعمارهم ما بين 16 سنة حتى الثلاثين.
* من هم في الـ 16 من العمر، كيف تمت مناصحتهم؟ ـ بطبيعة الحال ، إقناعهم سهل، لأنهم صغار سن ومغرر بهم، إذا وضحت لهم الأدلة، يبادر في الغالب، إلى القناعة والتوبة والرجوع عما هو عليه من فكر ضال.
* ما هي أبرز المواقف الشخصية التي تعرضت لها أثناء مناصحتك لبعض المطلوبين؟
ـ في الحقيقة، ما نجد منهم إلا الاحترام والتقدير، يدور بيننا نقاش هادئ، وقليل منهم جدا، المتصلب لرأيه، وفي الغالب أنه ليس بسوي، لا عقليا ولا نفسيا، وهؤلاء تتراوح أعمارهم ما بين الـ 25 حتى الثلاثين.
* من أشرت إليهم في إجابتك، (المتصلبة آراؤهم)، هل لديهم من العلم الفقهي الذي يستندون إليه، مما يجعل مهمتكم تصعب عند مناقشتهم؟
ـ هم يعتمدون على الكتب المهربة، وبالأخص كتب أبو قتادة المقدسي، وينقلون عنها، وينقلون عن بعض كتب الإخوان المسلمين، ويعتمدون عليها.
* ما هي السجون التي قمت بزيارتها وناقشت المطلوبين أمنيا فيها؟ ـ قمت بعدة زيارات لسجن الحائر بالرياض، إضافة إلى بعض السجون في أبها وخميس مشيط والطائف.
* ما هي نسب تجاوب المطلوبين أمنيا مع جلسات المناصحة، هل تختلف من منطقة إلى أخرى؟ ـ نفس النسب تقريبا.
* كيف ترى أهمية جلسات النقاش التي تقومون بها، في تصحيح أفكار المطلوبين أمنيا، وإعادتهم إلى جادة الصواب؟
ـ لا شك أن هؤلاء مرضى عقول، لأنهم يعتنقون أفكارا ضالة، ولا بد من علاج هؤلاء بالنقاش، والحوار، وذكر الأدلة، لأن العقوبات وحدها لا تفيد في مثل هؤلاء، وإنما الذي يفيد بهم النقاش، فالعقوبة باعتقادي لا تكفي وحدها، وإنما لا بد من علاج هؤلاء بالنقاش والحوار.
* بصراحة، لو عدنا إلى الوراء قليلا، سوف يبرز سؤال مهم، ما الذي دفع بهؤلاء إلى اعتناق الفكر التكفيري الضال، ألم يجدوا من يناصحهم في ذلك الوقت؟
ـ لا شك بأنه وجد من يرعى هذا الفكر، وما زال هناك رموز ترعى هذا الفكر التكفيري، في الداخل والخارج.
* عفوا، أين كان علماء الوسطية؟ ـ يتكلمون، ويتكلمون، ولكن، تعرف هؤلاء المغرر بهم، قد حذروا من الاستماع إلى علماء الوسطية، ولكن البعض إذا استمع يرجع، أما الذي يتقيد بالتوجيهات بعدم الاستماع لعلماء الوسطية، فإنه سيبقى في ظلاله، وأقول: إن سجن المغرر بهم في اعتقادي يقوم مقام الحجر الصحي، وما يتناقله البعض من أن البعض من هؤلاء انتهت محكومياتهم ولم يخرجوا، والواجب إخراجهم، وبعضهم لم تحصل لهم محاكمة، هذا إنما يتأتى في من ارتكب جريمة فقط، وهذا الذي يخلط الناس فيه، أما الذي يحمل فكرا مع وقوعه في الجريمة، لا بد أن يعاقب على جريمته وأيضا لا بد أن يحجر إلى أن يشفى عقله من المرض المعدي وهو الفكر الضال، فإذا خرج إلى الناس قبل أن يشفى فسوف يضر نفسه ويضر الآخرين، ويفسد في المجتمع، فهذه النقطة ربما لم يفهمها بعض الذين ينادون بحقوق الإنسان، وبعض الذين ينتقدون هذه الإجراءات، لكنهم عندما يوضح لهم الأمر يتراجعون عن مطالباتهم بالمحاكمة وإخراج الشخص بعد انتهاء محكوميته.
* لعلي أختم حديثي معك، بسؤال ملح، وهو، في ظل تراجعات الإخوان المسلمين عن فتاواهم، وبعدهم رموز التيار التكفيري في السعودية، الخضير والفهد والخالدي، انتهاء بفتوى أبو بصير الطرطوسي أبرز منظري التيار التكفيري، بتحريم العمليات الانتحارية، إلا أن بعض المغرر بهم لا يزال يصر على موقفه التكفيري، ما هو تفسيرك؟ ـ هذا هو الضلال بعينه، قال تعالى: «ومن يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له»، فهؤلاء للأسف أضلهم الله، فصعبت هدايتهم، ولكن الهداية بيد الله عز وجل وليست بمستحيلة.
http://www.asharqalawsat.com/2005/09/07/images/interview.321905.jpg
الرياض: تركي الصهيل
كثير من المطلوبين موظفون ولا علاقة لسوء الأوضاع المادية بانحرافهم * أعمار المضللين تتراوح ما بين الـ 16 والـ 30 * المطلوبون أمنيا مرضى عقول لا بد من علاجهم بالنقاش والأدلة اعاد عبد المحسن العبيكان، المستشار القضائي بوزارة العدل السعودية عضو مجلس الشورى السعودي، الاسباب التي غررت ببعض من الشبان السعوديين لاعتناق افكار تكفيرية خاطئة إلى انهم قد غرر بهم من الداخل والخارج. وقال العبيكان في حوار لـ«الشرق الاوسط» ان التغرير من الخارج «كان له التأثير الأكبر على عقول المطلوبين أمنيا، وبالأخص من تنظيم القاعدة، وكان لكتب أبو قتادة المقدسي بالغ الأثر في اللوثة التي أصابت عقولهم، فهم يعتمدون على كتبه، والتي بها ضلال كبير ومغالطات، ومما أثر على عقولهم بعض الأشرطة والكتب التي انتشرت في السعودية».
واوضح العبيكان انه ناقش الكثير من السجناء في سجون السعودية وان كثيرا من هذه المناقشات أدت الى تصحيح أفكار الكثيرين منهم الذين تراوحت أعمارهم ما بين الـ 16 والـ 30 عاما ، مشيرا الى انه كان للكتب المهربة القادمة من خارج البلاد الدور الأكبر في التأثير على أفكارهم. والعبيكان الذي دأب ان يقف بوجه الخطأ، عرَّضته آراؤه في الآونة الأخيرة الى حملات شعواء من قبل الأصوليين والمتطرفين، ولكنه كان دائما يقف في وجوههم، ويبدي استعداده لمناقشتهم ومحاورتهم. وفي ما يلي نص الحديث :
* كيف يتم قياس تراجع المطلوبين أمنيا من الناحية الفكرية، لا سيما أن بعضهم لا يزال في السجن؟ وكيف تتم عملية تزكيتهم؟ ـ في الحقيقة، أن المناصحة تتم عن طريق جلسات مناقشة، في مكان مناسب، حيث يطلب من السجين أن يبدي جميع ما لديه من شبه، والأدلة التي يعتمد عليها، ويناقش ويعرف بالحق، وما هو معنى هذه الأدلة، والكثير ولله الحمد اقتنعوا، بعضهم من جلسة واحدة، وبعضهم من جلستين، والبعض الآخر من ثلاث جلسات. ثم بعد ذلك، يكتب محضر بأنه تمت المناقشة، واتضح على سبيل المثال، رجوع هذا الشخص عن فكره، واستقامة أحواله، ونوصي بإخراجه من السجن، وبالفعل خرج البعض منهم، وقام بعضهم بزيارتي في المسجد بين فترة وأخرى، فهناك من خرجوا واستقامت أحوالهم ولله الحمد.
* ما هي أبرز القواعد الفقهية التي يستند إليها المطلوبون أمنيا، أو دعنا نقول المغرر بهم، وما الذي استشفتموه من خلال مناصحتهم؟
ـ أكثر الشبه لديهم شبهة التكفير، فدائما يرون أن إعانة الحكومة ـ بحسب اعتقادهم ـ للكفار في حربهم على المسلمين، وطبعا الإعانة لم تحصل، والإعانة ليست بمحرمة على الإطلاق، بل هي على ثلاث حالات، فالحالة الأولى: أن تكون توليا تاما مطلقا عاما، فهذا كفر مخرج عن ملة الإسلام وهو مراد من أطلق الكفر. الدليل قوله تعالى:
«يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين» المائدة: 51 . وقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وإنا اعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل» الممتحنة :1 . قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير الآيات ما نصه:
«نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين وان يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعد على ذلك، فقال تعالى: «فليس من الله في شيء» آل عمران: 28. أي : ومن يرتكب نهي الله في هذا، فقد برئ من الله، كما قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة» إلى أن قال «ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل». وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا» النساء: 144. وقال تعالى:
«يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم» المائدة: 51 . وقال تعالى بعد ذكر موالاة المؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب: «والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» الأنفال: 73 . وقال الإمام ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ :
«من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه رضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه». وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ـ رحمهم الله : «قد فسرته السنة وقيدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة». وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ :
«إن كان توليا تاما كان ذلك كفرا وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه». والحالة الثانية: أن تكون لأجل تحصيل مصلحة خاصة للمتولي والمظاهر وليس هناك ما يلجئ إليها من خوف ونحوه، فهذا حرام وليس بكفر، والدليل: قصة حاطب بن أبي بلتعة، رضي الله عنه، التي رواها البخاري ومسلم، رحمهما الله، وغيرهما، وهي انه كتب كتابا لقريش يخبرهم فيه باستعداد النبي صلى الله عليه وسلم للزحف على مكة إذ كان يتجهز لفتحها وكان يكتم ذلك ليبغت قريشا على غير استعداد منها فتضطر إلى قبول الصلح وما كان يريد حربا، وأرسل حاطب كتابه مع جارية وضعته في عقاص شعرها، فأعلم الله نبيه بذلك فأرسل في اثرها عليا والزبير والمقداد، رضي الله عنهم، وقال:
«انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها»، فلما أتي به قال: «يا حاطب ما هذا»؟ فقال: يا رسول الله لا تعجل عليّ. إني كنت حليفا لقريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم ان اتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي، ولم افعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: «اما انه قد صدقكم»، واستأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في قتله فلم يأذن له، قالوا وفي ذلك نزل قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم ان تؤمنوا بالله ربكم». قال الحافظ بن حجر:
«قوله في قصة حاطب بن أبي بلتعة: «فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه»، إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به، لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق، وظن ان من يخالف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل، لكنه لم يجزم بذلك، فلذلك استأذن في قتله وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما اظهر، وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا ان لا ضرر فيه، وعند الطبري من طريق الحارث عن علي في هذه القصة: «فقال: أليس قد شهد بدرا ؟ قال: بلى، ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك».
وقال ابن حزم: «وإما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين أو على اخذ أموالهم أو سبيهم فإن كانت يده هي الغالبة وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق ولا يكون بذلك كافرا لأنه لم يأت شيئا أوجب عليه كفرا قرآن أو إجماع». وقال الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ: «واذا كان الشارع لم يحكم بكفر حاطب في موالاة المشركين التي هي موضع النهي». ولذا لم يذكر الفقهاء الموالاة والمظاهرة من ضمن المكفرات في باب حكم المرتد، يتضح ذلك لمن اطلع على كتاب الإقناع وشرحه والمغني وغيرهما. ويلاحظ أن الله عز وجل نادى حاطبا بلفظ الإيمان في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا» الآية، فدل على انه لم يكفر بذلك العمل مع انه، تعالى، قال: «تلقون إليهم بالمودة». وقال سبحانه: «تسرون إليهم بالمودة».
أما الحالة الثالثة: جائزة، وهي عند الحاجة إليها والضرورة، كما قال تعالى في سورة آل عمران «لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة»، فاستثنى الله عز وجل، إذا خاف المسلمون واتقوا منهم شرا، أن يجوز لهم ذلك.
* وماذا عن إخراج «"المشركين من جزيرة العرب»؟
ـ إخراج المشركين من جزيرة العرب هو من أبرز شبه المطلوبين أمنيا، حيث تم تفنيد كلامهم في هذا الجانب، بالقول: إن إخراج المشركين من جزيرة العرب الذي جاء في الحديث، ليس كما يظنه هؤلاء، وفي تفنيد هذه الشبهة تتبين لنا عدة نتائج: الأولى: ان المنطقة التي أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين منها هي المنطقة القريبة من الحرمين الشريفين لقدسيتهما ولا معنى لإدخال منطقة بعيدة من المنع كالمنطقة الشرقية مثلا، وإخراج منطقة قريبة مثل تيماء وفيد القريبة من حائل (شمال السعودية)، كما اتضح من تحديد العلماء المتقدم.
الثانية: ان المقصود إخراج من لهم دين ومعابد وكيان وإقامة مستمرة. والدليل على ذلك ان عمر رضي الله عنه لم يخرج كل كافر من المدينة، بل هناك من المماليك الكفار وكذلك الصناع ونحوهم لم يخرجوا منها، حتى ان أبا لؤلؤة المجوسي وهو الذي قتل عمر رضي الله عنه كان مقيما في المدينة. ومن الأدلة على ان الله أباح تزوّج الكتابية ومن لازم ذلك ان من تزوجها من أهل المدينة فسوف يجعلها تقيم معه فيها. ثم إنني وجدت فتوى لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، تؤيد ما أقول. الثالثة: ان المخاطب بهذه الوصية هم ولاة الأمر.
والدليل على ذلك ان أبا بكر رضي الله عنه لم يخرج اليهود زمن خلافته ولم يطالبه عمر ولا احد من الصحابة رضي الله عنهم بذلك. فلا يحل لأفراد الرعية التدخل فيما هو من خصائص ولاة الأمر. الرابعة: ان المراد إخراجهم مع حماية أموالهم وأعراضهم ودمائهم إلى ان يخرجوا كما فعل عمر رضي الله عنه وليس المراد سفك دمائهم وإتلاف أموالهم كما فعله من لا يفقهون الدين من أصحاب الفكر المنحرف. الخامسة: ان إخراجهم منوط بالمصلحة وليس على إطلاقه. كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. والدليل على ذلك ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخرجهم مع قوله «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا ادع فيها إلا مسلما» (رواه مسلم وغيره ) ومع هذا لم يخرجهم، بل عاملهم على خيبر بنصف ما يخرج منها لحاجة المسلمين إليهم في القيام باستغلال تلك المزارع، ثم بقيت الحاجة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فلم يخرجهم حتى ولي عمر، فكثر المسلمون واستغنوا عن بقاء اليهود فأخرجهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال لهم «نقركم ما شئنا».
* من خلال مناصحتكم للمطلوبين أمنيا، كيف تم التأثير على هؤلاء، ومن هم الأشخاص الذين أثروا في أفكارهم، هل هم من الداخل أم من الخارج ؟ أفراد أم جماعات؟ ـ جاء التأثير على هؤلاء المغرر بهم من الداخل والخارج، وهذا الأخير كان له التأثير الأكبر على عقول المطلوبين أمنيا، وبالأخص من تنظيم القاعدة، وكان لكتب أبو قتادة المقدسي بالغ الأثر في اللوثة التي أصابت عقولهم، فهم يعتمدون على كتبه، والتي بها ضلال كبير ومغالطات، ومن ما أثر على عقولهم بعض الأشرطة والكتب التي انتشرت في السعودية.
* عفوا، لكن هل سبق للمطلوبين أمنيا، الذين تمت مناصحتهم، التوجه إلى أفغانستان للقتال في صفوف القاعدة هناك؟ أم أنهم مزيج بين من أثر عليهم من الداخل ومن تطبعوا بالتجربة الأفغانية؟ ـ بعضهم أتى من أفغانستان، والبعض الآخر كما تفضلت، تأثروا بهذه الأفكار من الداخل، من خلال الأشرطة والكتب المهربة.
* ما هي الأهداف التي يسعى لها المطلوبون أمنيا؟ ـ يظنون أنهم يجاهدون في سبيل الله، وأنهم ينصرون الإسلام، هذا هو اعتقادهم الخاطئ.
* وماذا عن إقامة الدولة الإسلامية التي يرددونها في بياناتهم وتسجيلاتهم الصوتية؟ ـ طبعا، هم يطمعون إلى هذا، حيث يطمعون في قيام دولة توافق آراءهم.
* وما هي آراؤهم؟
ـ يريدون القتال الدائم للكفار، ويريدون قتل جميع غير المسلمين الذين في جزيرة العرب، ومقاطعة غير المسلمين مقاطعة تامة، لا يباع لهم نفط، ولا تشترى منهم سلع، وكلها مبنية على آراء فاسدة وسطحية، لأنهم ليس عندهم عمق، ولا فهم، لا للشريعة ولا للواقع ولا للمصالح والمفاسد، فكثير منهم ليس عندهم علم، وإنما شباب مغرر بهم.
* كيف تصف لنا أوضاعهم المادية والاجتماعية؟ ـ بعضهم أوضاعهم طيبة، يعني ما لجأوا لهذا الطريق بسبب فقر أو لعدم وجود وظيفة، بل أكثرهم كانوا إما يدرسون أو موظفين.
* وماذا عن أعمارهم؟ ـ في الغالب أنهم صغار، تتراوح أعمارهم ما بين 16 سنة حتى الثلاثين.
* من هم في الـ 16 من العمر، كيف تمت مناصحتهم؟ ـ بطبيعة الحال ، إقناعهم سهل، لأنهم صغار سن ومغرر بهم، إذا وضحت لهم الأدلة، يبادر في الغالب، إلى القناعة والتوبة والرجوع عما هو عليه من فكر ضال.
* ما هي أبرز المواقف الشخصية التي تعرضت لها أثناء مناصحتك لبعض المطلوبين؟
ـ في الحقيقة، ما نجد منهم إلا الاحترام والتقدير، يدور بيننا نقاش هادئ، وقليل منهم جدا، المتصلب لرأيه، وفي الغالب أنه ليس بسوي، لا عقليا ولا نفسيا، وهؤلاء تتراوح أعمارهم ما بين الـ 25 حتى الثلاثين.
* من أشرت إليهم في إجابتك، (المتصلبة آراؤهم)، هل لديهم من العلم الفقهي الذي يستندون إليه، مما يجعل مهمتكم تصعب عند مناقشتهم؟
ـ هم يعتمدون على الكتب المهربة، وبالأخص كتب أبو قتادة المقدسي، وينقلون عنها، وينقلون عن بعض كتب الإخوان المسلمين، ويعتمدون عليها.
* ما هي السجون التي قمت بزيارتها وناقشت المطلوبين أمنيا فيها؟ ـ قمت بعدة زيارات لسجن الحائر بالرياض، إضافة إلى بعض السجون في أبها وخميس مشيط والطائف.
* ما هي نسب تجاوب المطلوبين أمنيا مع جلسات المناصحة، هل تختلف من منطقة إلى أخرى؟ ـ نفس النسب تقريبا.
* كيف ترى أهمية جلسات النقاش التي تقومون بها، في تصحيح أفكار المطلوبين أمنيا، وإعادتهم إلى جادة الصواب؟
ـ لا شك أن هؤلاء مرضى عقول، لأنهم يعتنقون أفكارا ضالة، ولا بد من علاج هؤلاء بالنقاش، والحوار، وذكر الأدلة، لأن العقوبات وحدها لا تفيد في مثل هؤلاء، وإنما الذي يفيد بهم النقاش، فالعقوبة باعتقادي لا تكفي وحدها، وإنما لا بد من علاج هؤلاء بالنقاش والحوار.
* بصراحة، لو عدنا إلى الوراء قليلا، سوف يبرز سؤال مهم، ما الذي دفع بهؤلاء إلى اعتناق الفكر التكفيري الضال، ألم يجدوا من يناصحهم في ذلك الوقت؟
ـ لا شك بأنه وجد من يرعى هذا الفكر، وما زال هناك رموز ترعى هذا الفكر التكفيري، في الداخل والخارج.
* عفوا، أين كان علماء الوسطية؟ ـ يتكلمون، ويتكلمون، ولكن، تعرف هؤلاء المغرر بهم، قد حذروا من الاستماع إلى علماء الوسطية، ولكن البعض إذا استمع يرجع، أما الذي يتقيد بالتوجيهات بعدم الاستماع لعلماء الوسطية، فإنه سيبقى في ظلاله، وأقول: إن سجن المغرر بهم في اعتقادي يقوم مقام الحجر الصحي، وما يتناقله البعض من أن البعض من هؤلاء انتهت محكومياتهم ولم يخرجوا، والواجب إخراجهم، وبعضهم لم تحصل لهم محاكمة، هذا إنما يتأتى في من ارتكب جريمة فقط، وهذا الذي يخلط الناس فيه، أما الذي يحمل فكرا مع وقوعه في الجريمة، لا بد أن يعاقب على جريمته وأيضا لا بد أن يحجر إلى أن يشفى عقله من المرض المعدي وهو الفكر الضال، فإذا خرج إلى الناس قبل أن يشفى فسوف يضر نفسه ويضر الآخرين، ويفسد في المجتمع، فهذه النقطة ربما لم يفهمها بعض الذين ينادون بحقوق الإنسان، وبعض الذين ينتقدون هذه الإجراءات، لكنهم عندما يوضح لهم الأمر يتراجعون عن مطالباتهم بالمحاكمة وإخراج الشخص بعد انتهاء محكوميته.
* لعلي أختم حديثي معك، بسؤال ملح، وهو، في ظل تراجعات الإخوان المسلمين عن فتاواهم، وبعدهم رموز التيار التكفيري في السعودية، الخضير والفهد والخالدي، انتهاء بفتوى أبو بصير الطرطوسي أبرز منظري التيار التكفيري، بتحريم العمليات الانتحارية، إلا أن بعض المغرر بهم لا يزال يصر على موقفه التكفيري، ما هو تفسيرك؟ ـ هذا هو الضلال بعينه، قال تعالى: «ومن يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له»، فهؤلاء للأسف أضلهم الله، فصعبت هدايتهم، ولكن الهداية بيد الله عز وجل وليست بمستحيلة.