المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإرهاب الديني من منظور قومي



على
09-07-2005, 08:21 AM
دلال البزري
الحياة


للكاتب المصري جلال امين مقالٌ يلخّص الى حدّ كبير مجمل خطاب «النخبة» القومية المثقفة حول مسألة الارهاب الاسلامي. المقال عنوانه «ستة عشر سبباً للشك في نظرية الارهاب» (الحياة 27 آب/أغسطس 2005). وقد بذل فيه الكاتب جهداً تجميعيا خاصاً، وفسيفساء من الاسباب، كل «سبب» يرجع الى عروبية ما من بين العروبيات المتبقية من العهد القومي المجيد. والمقال قسمين غير متساويين: الاول، الاصغر، هو عرض لما يسميه «نظرية» الارهاب التي يودّ ان يدحضها. الثاني، الأكبر، عرض للأسباب الستة عشر الداحضة لهذه «النظرية».

فالكاتب يفترض وجود «نظرية» حول الارهاب قوامها، بحسبه، تركيز مسبق على اتهام المسلمين وبن لادن و»القاعدة» بالارهاب. ووصفها لبواعث المسلمين بالكراهية والانتقام من اميركا واسرائيل، وكراهيتهم للفقر والاباحية الجنسية و»نمط الحياة الغربية»، ورغبتهم في «تطبيق الشريعة الاسلامية» (ومن دون القول من هو صاحب «عدم التوضيح» بـ»أين يُراد تطبيقها» والكيفية التنفيذية... الخ).

فـ»النظرية» مكروهة عند الكاتب، هذا واضح. وعبر تحطيمها يريد أن يقول إن ما من مسلمين متورّطون في الارهاب، بمن في ذلك ابن لادن و»القاعدة». يريد ان يقول سلفاً، وهو في سياق عرضه للنظرية المكروهة، بأن كل الذين اتهموا أو حوكموا أواعترفوا أو أُخْلوا... كل الذين اصدروا شرائط الذبح والبيانات والخطب «الجهادية» الحاثّة على الارهاب... كل هذا القول المخجل الخارج من بيننا... كل هؤلاء ليسوا بمسلمين، ليسوا بابن لادن, ولا بالزرقاوي ولا بالانتحار... الحضاري.

إذاً، منذ البداية ثمة «نظرية» حول الارهاب، ليست بنظرية. سماها الكاتب هكذا ربما من اجل الرطانة فحسب: ثمة «نظرية» ممسوخة مسفّهة، ينقضّ عليها الكاتب بـ»نظرية» مضادة، هي قوام الجزء الثاني، الاطول، من مقاله.

وهو مؤلَّف من الستة عشر «سببا»، يأتي بعضها احياناً في صيغة سؤال «تشكيكي» دائماً. الاسباب إذاً: 1 - يجب عدم التسرع بإلقاء التهم والإشتباه.

2- «من المستفيد من هذه الجريمة؟».

3- يجب ان نضع كل الافتراضات للعمليات الارهابية (منها الاختلال العقلي). 4

- المزيد من الخطورة يتطلب المزيد من العقل.

5- ندرة التحقيقات عن الارهابيين والمعلومات عنهم.

6- «لماذا؟»، وبريبة، «فشلت كل الجهود المبذولة للقبض على زعماء تلك التنظيمات؟».

7-قناة «الجزيرة» التي تبث شرائط الارهابيين لها علاقات قوية مع اميركا واسرائيل.

8- نوع تفكير الارهابي المنتحر.

9- لا وجود لمتردّدين ولا متراجعين (بريبة ايضاً) عن تنفيذ عمليات ارهابية.

10- بن لادن انتحاري ارهابي؟ مستحيل. مسار حياته لا يفضي الى ذلك.

11- عائلة بن لادن لها علاقات قوية بالشركات العالمية وبالاميركيين.

12- هل من الصدفة (بريبة ايضا وايضا) ان الارهاب اتى بعد انتهاء الحرب الباردة؟.

13- يتهمون المسلمين كي يضربوهم.

14- حيث هناك بترول، هناك ارهاب.

15- «العلاقة الضعيفة بين الارهاب ومركز المرأة في الاسلام...» (وهذا السبب لم أفهمه).

16- تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) كانت ذريعة لشن هجوم على العالم العربي الاسلامي.

هدف هذه «الاسباب» تبرئة ذمة مسلمين من بيننا من تهمة الارهاب.

لكن إرادوية الكاتب عالية وهو مهجوس بالبراءة (سمات قومية). لذا ربما وجدَ «أسبابه» ووزّعها على هذا النحو الفوضوي والمتضارب: ففي الاسباب رقم 1 و5 و8يتجاهل الكاتب تماماً كل الاصدارات الخاصة بالارهاب، وعلى نطاق عالمي. فباستثناء «مضمون التحقيق»، الذي له «اسبابه» الامنية، هناك كمّ من التقارير والمؤلفات والمعلومات الغربية تحتاج فقط الى من ينوي معرفتها...

تجاهل اذاً. كذلك تبسيط في السبب رقم 2 الذي يتساءل فيه الكاتب بالريبة إياها «من المستفيد من الارهاب؟». هل يعقل؟ المستفيد طبعا ليس العربي او المسلم، ولا ايضا الانسان الغربي... وكلٌ بدرجته. وهذا «سبب» لا ينفي التهمة. فيومياتنا وتاريخنا تحفل بـ»غير مستفيدين» من اعمالهم... الارهابية وغير الارهابية.

وتبسيطية الكاتب هذه هي التي تجعل ربما النقطة رقم 4، «تشغيل العقل»، مثل موعظة عقيمة في الصحراء... اما الآتي بعد العقل، السبب رقم 9، فبراءة مستعارة، تحثّ الكاتب على التساؤل... الشُبهة ما زالت في الجو: الم يتراجع احدٌ منهم (أي الارهابيين) كدليل على كون «نظرية الارهاب» مفبْركة، ينفذها رجال آليون... مما ينسفها! كما يحب الكاتب ان يوحي: بتمرير فكرة ضمنية من انه لو تراجع الارهابي يوماً فسوف يتبين انه مكسيكي او ياباني... مثلا. انها ريبة من غير فطنة، تدعمها نُتَفٌ من ايديولوجيا أنتي-كولونيالية ما زالت تصارع من اجل البقاء (السبب رقم 14): الايديولوجيا القومية التي لا ترى تدخلا أجنبيا الا من اجل الثروات، البترول في حالتنا.

اما آخر الاسباب «الثانوية»: تلك التي لا تنقض «نظرية» الارهاب التي يقارعها الكاتب. فالسبب 12 و16 يقولان ما يتمّم بعضهما: ان الصدفة وحدها ليست هي التي رفعت الارهاب الى السطح، بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي. فيما الثانية تقول ان 11 سبتمبر كان ذريعة لعدوان اميركا واسرائيل علينا. فأين يثبت هذان السببان ان الارهاب ليس من صنع مسلمين او بن لادن؟

الا ان السبب العاشر هو الاكثر مدعاة للدهشة. يقول فيه الكاتب ان بن لادن كان ماجناً وتحول الى «التضحية...». ويستغرب الكاتب هذا «التحوّل» ولا يراه منطقياً، اذ «ليس معروفا»، بنظره، «عن طبيعة الانسانية ان المرء يبدأ حياته شابا لاهيا، يميل في منتصف حياته او قرب نهايتها الى التضحية بكل شيء من اجل المبدأ او الدين، وان يتنهي متدينا ورعا بعدما عاش عابثا مستهترا لا يأبه شيئاً».

من قال له ان بن لادن بخطر؟ بدليل ان النقطة 6 التي يشكك فيها الكاتب، ضمنيا ايضا، بأن الاميركيين يريدون إبقاء زعماء الارهاب الاسلامي طليقين! ثم لا تفهم تماما: هل يضحّي بن لادن، ام انه يمثل أنه يضحي من اجل الاميركيين، ام ان شبيهه يظهر على التلفزيون و يضحي نيابة عنه؟

بن لادن شبح...؟ وهم...؟ سراب...؟

متاهة من متاهات الخيال المعولم!؟ اما ان يصف «الطبيعة البشرية» في مرحلة عمرية على انها تؤول الى الاستكانة بعد لهو، فهذا ايضا ناجم عن تصور الكاتب التبسيطي للانسان... والمنزلق الذي يضع بن لادن على المحك هو السبب رقم 11, الذي يؤكد فيه الكاتب على العلاقة الوثيقة بين اسرة بن لادن «لفترة طويلة، وربما لا تزال»، وجماعة من اصحاب المصالح المالية والسياسية الكبرى في اميركا. اي بمعنى آخر, لواسترجعتَ نظرية جلال امين المضادة حول مسالة الارهاب، فسوف يطلع من عصارة دماغك ان الارهاب مؤامرة مصدرها اميركا.

ليس معروفا في هذه «النظرية» المضادة إن كان بن لادن له ارتباط بها، ام مجاهد «يضحي بكل شيء»؟ نظرية مؤامرة ضمنية، عناصرها متناقضة، لا تتفوّه بكلمة «مؤامرة» التي اصبحت مرذولة لكنها تبثّها بين السطور وعلى جنباتها. والفرق بينها وبين نظريات المؤامرة السابقة انها اصبحت اقل وضوحاً، اكثر تبسيطية... فوق انها لا تفضي الى ما يفيدنا في معرفة الارهاب الاسلامي؛ بل تزيد علينا الأمر تشوّشاً فيتضاعف خوفنا لأن التشوش دعوة رسمية للجهل، والجهل عين الخوف.