زهير
09-07-2005, 08:05 AM
بنت الباشا التي أدمنت التمثيل ثم أقلعت عنه في الوقت المناسب
http://www.asharqalawsat.com/2005/09/02/images/tvsupplement.321008.jpg
القاهرة: طاهر البهي
ليست مجرد ممثلة، ولا نجمة عادية هند رستم هي تاريخ من الفن الجميل.. واحدة من ألمع ساحرات الشاشة.. هي 75 فيلما يعدون من علامات السينما المصرية والعربية.
هند هي مارلين مونرو الشرق، والراهبة التي أمضت اثنين وثلاثين عاما في محراب الفن، ثم تركته دون ان تتبرأ منه، واختارت أن تكون أما مخلصة وزوجة وفية في الظل. فنجحت في أن تكون أما معطاء وزوجة وفية، ولكنها أبدا لم تعش لحظات واحدة في الظل.
فهي الوردة الفواحة بعطر الفن الأصيل وهي الفراشة الملونة التي يعشقها الضوء.. انها هند رستم. ولدت هند حسين مراد رستم في 12 نوفمبر من عام 1931 في حي محرم بك بالإسكندرية، وتنحدر هند من أسرة أصولها تركية أرستقراطية، ووالدها هو اللواء حسين مراد رستم الذي كان يشغل منصبا رفيعا في الشرطة المصرية، فلقد كان مساعدا لحكمدار شرطة السكك الحديدية، وبعد خلافات بين الوالدين حدث الانفصال بينهما، وانتقلت هند وهي لا تزال في الرابعة عشرة من عمرها للسكن في القاهرة.
وفي القاهرة كان يسمح لهذه الفتاة اليافعة أن تتردد على السينما بصحبة والدها، وعشقت هند الأفلام المصرية والأمريكية على حد سواء، وتوقفت طويلا أمام أداء أمينة رزق وفاطمة رشدي من السينما المصرية، كما تعلقت بملكات الجاذبية والاغراء ريتا هوارث وانجريد برجمان ولانا تيرنر من هوليوود.
وفتنتها أجواء التمثيل والأضواء، وكثيرا ما داعب أحلامها وخيالها أن تتصدر صورتها افيشات وملصقات أفلام كبيرة على أن تحتل هي فيها أدوار البطولة. ولم تكن تعلم أن القادم من الأيام سيشهد انطلاقة غير مسبوقة، لنجمة من طراز خاص اسمها هند رستم وحانت لحظة اكتشاف الموهبة. ولعبت الصدفة دورها في إزاحة الستار عن درة من درر الفن المصري والعربي، بل والعالمي.
نحن الآن في مكتب أحد مكاتب الإنتاج المعروفة هند جاءت بصحبة صديقة لها لتجري اختبارات التمثيل، زحام خانق، كان هذا هو أول ما لاحظته هند، فتيات مصريات وأجنبيات جئن جميعا يحلمن بالوقوف أمام كاميرا السينما الساحرة، في فيلم يحمل اسم: «أزهار وأشواك» وكانت هند بلا مبالغة هي اجمل زهرة طغت أنوثتها وجمالها حتى حجبت الرؤية عمن سواها.
المنتج هو حسين حلمي المهندس والمخرج هو «محمد عبد الجواد» الذي لم ينتبه إلى جمال ودلال وأنوثة هند لانه لم يرها أصلا، إلا أن الذي جذبه اليها لاحقا إشعاع عينيها النافذتين، وابتسامتها التي لا تخطئها عين وقوامها الذي ينافس اكثر العارضات رشاقة. كان مساعد المخرج في ذلك الوقت عز الدين ذو الفقار الذي أدرك برومانسيته المعروفة، وعينه المدربة على اكتشاف الجمال، انه امام سندريللا من نوع جديد. سندريللا تتمتع بجرأة الاقتحام، وبالنفاذ بسحرها الأخاذ إلى أفئدة الباحثين عن بهجة الحياة، وفك طلاسم الغموض وتنسم رحيق الزهور. الغريب أن عز الدين ذو الفقار اقترب من الساحرة الشابة وسألها سؤالا غريبا لم تفهمه في البداية هو: هل تتحدثين العربية؟
وبعد لحظات قليلة استوعبت السؤال، فارتسمت ابتسامة عريضة على وجهها وقالت في أدب: أنا مصرية يا أفندم. لقد أدركت أن عز الدين ظنها أجنبية من الفتيات الأجنبيات اللائي كن يملأن استوديوهات السينما بحثا عن فرصة للشهرة، ولاكتساب لقمة العيش.
وصفق عز الدين ذو الفقار بيديه ولعله صاح أيضا صيحة نيوتن الشهيرة «وجدتها»! وعرض عليها دورا صغيرا في الفيلم «أزهار وأشواك»، وعلى الفور استقبلت هند العرض بالترحاب أليست السينما هي معشوقتها؟ فلم لا تجرب حظها؟
ومع بداية التصوير وجدت هند نفسها وجها لوجه أمام نجومها الذين تعشقهم مديحة يسري، عماد حمدي وعرض الفيلم في 17 نوفمبر 1946 وحقق نجاحا طيبا، ولفتت هند إليها الأنظار المدربة، فاسندوا اليها دورا صغيرا في فيلمها الثاني «الروح والجسد» مع نجم الغناء والسينما الرائع محمد فوزي، وكاميليا وشادية، وكمال الشناوي، وعرض الفيلم عام 1948.
ولعل أروع ما في مشوار نجمة النجمات وسيدة الأدوار الناعمة هند رستم، أنها لم تتكبر على دور ولم تضع شروطا من أي نوع في بداياتها سوى أن يكون العمل كبيرا ويضم نجوما لامعة، ولم تساوم مع أي منتج، حتى أننا نراها في مشهد صامت في أحد ملاحم السينما الغنائية، وهو فيلم «غزل البنات»، حيث ظهرت فيه وهي تركب الخيل خلف الكروانة ليلى مراد أثناء غناءها أغنية «اتمخطري يا خيل».
بعد ذلك، ومع احمد بدرخان قدمت «عايزة أتجوز» ومع بركات «رسالة غرام» وشاركتها في هذه الأفلام أهم نجمات السينما المصرية فاتن حمامة وسامية جمال ومريم فخر الدين.
وقدمها حسن الأمام في فيلم «الملاك الظالم» عام 1954 في مشهد وحيد، ويبدو ان مخرج الروائع حسن الامام كان قد انتبه إلى موهبة وإمكانات هذه الفنانة المتفردة، ففاجأها بان كتب لها خصيصا فيلم «بنات الليل» الذي عرض 1955 والذي شاركها فيه البطولة الفنان كمال الشناوي.
وأغرى نجاح الفيلم مخرج الروائع حسن الإمام لإنتاج فيلمين آخرين لهذه النجمة التي اخترقت قلوب المشاهدين، فانتج واخرج لها فيلم «الجسد» ثم «اعترافات زوجة».
وفي هذين الفيلمين لم تعتمد هند على أنوثتها الطاغية فقط، ولا على مناطق الإثارة في التمثيل بل قدمت نفسها بوصفها ممثلة تمتلك كل مواهب وطاقات وإمكانات النجمات الكبيرات على مستوى السينما المصرية بل والعالمية.
وأصبحت هند منذ ذلك التاريخ منافسة قوية لجميلات السينما المصرية فاتن حمامة وشادية وماجدة، بل أصبحت هند منافسة لكل النجوم في تحقيقها لأعلى إيرادات شباك التذاكر، وأصبح المنتجون يسعون لكسب ودها، اعترافا منهم بأنها علامة مسجلة للنجاح والجودة، والكسب أيضا، فقدمها حسن الإمام في عشرة أفلام شبه متتالية لعل أهمها على المستوى النقدي فيلما «شفيقة القبطية» الذي قدمته عام 1963، و«الراهبة» عام 1965.
وعلى الرغم من أن حسن الامام هو صاحب الفضل في تقديم هند رستم بالصورة التي عرفت بها، وانه هو الذي تنبأ بان هند رستم ستبرع في أدوار الاغراء فاسند إليها عددا من الأفلام المتتالية كفتاة ليل، منها «بنات الليل» و«الجسد» و«اعترافات زوجة»، إلا أن الامام هو نفسه الذي ساعدها على تغيير جلدها، عندما نجحت في أدوار مختلفة مع مخرجين آخرين، في أدوار الفنانة أو الخائنة، وتحولت دفة هند رستم في اتجاه أدوار أخرى بعد أن اكتشف فيها الامام جوانب مختلفة.
أما النقاد فقد كتبوا عنها: هذه «ريتا هيواريث المصرية» وقت أن كانت ريتا في قمة شهرتها بعد أن مثلت أمام جلين فورد فيلم «جيلدا» وحقق الفيلم اعلى إيرادات في تاريخ هوليوود، وظهرت إعلانات فيلم «الجسد» لهند رستم في ثوب يشبه «جيلدا» فتم إطلاق لقب «ملكة الاغراء في السينما المصرية» عليها. وفي فيلم «الجسد» قامت هند بشخصية راقصة سابقة تنفصل عن زوجها، وعندما تتضح خريطتها الأنثوية تدفعها الام للعمل في الملاهي الليلية، وهناك تتعرف على شاب يحاول إخراجها من هذا المستنقع إلا أنها تصاب بداء السل وتموت بين يدي الحبيب.
والمهم أن نعود لشهادة مخرج الروائع حسن الامام عن أداء هند لدورها في هذا الفيلم «لم يكن إغراء هند رستم في التعري، بل في فهم فلسفة الاغراء، الاغراء عندها نظرة والصمت عندها مثير وهي بذلك ابتعدت عن سذاجة عرض الجسد».
ولعب المخرجون على هذه التنويعة، ففطين عبد الوهاب يقدمها في صورة الجسد المشتهي في فيلم «نساء في حياتي» عام 1957، وحتى يوسف شاهين يقدمها في دور مشابه في فيلمه «أنت حبيبي» في نفس العام، وهو الفيلم الذي قامت فيه بدور راقصة تغني على أنغام فريد الأطرش مثل رقصتها على أغنية «يا مجبل يوم وليلة» داخل القطار.
وحتى عندما قدمها فطين عبد الوهاب في دور الابنة التي تبحث عن عريس مناسب، وهي ابنة أسرة ساحلية عادية في فيلم «ابن حميدو» أمام احمد رمزي وإسماعيل ياسين وهي ابنة شيخ الصيادين لم يفت فطين عبد الوهاب ان يستغل حركة هند الأنثوية، وابتسامتها الشقية رغم أنها لم تتعر في أي مشهد من مشاهد الفيلم.
ونفس الحال في فيلم صلاح أبو سيف «لا أنام» عام 1957 فهي زوجة لعوب تخون زوجها، وتؤدي دورها بكثير من الجاذبية وبملابس تشبه ملابس نجمة الاغراء مارلين مونرو في فيلم Bus Stop.
أما إغراء هند في فيلم باب الحديد، فلا تتعمد فيه الاغراء! بل الوصف الادق «إثارة عفوية» غير مقصودة ناتجة عن قوامها الممشوق ولفتاتها المغلفة بالجاذبية وملابسها البسيطة الأنيقة، التي عرفت كيف تختارها بعناية حتى أنها تحرك دائما بائع الصحف الذي يعاني كبتا وحرمانا عاطفيا.
وكذلك لا أحد ينسى مشاهد الاغراء التي أدتها في فيلم المخرج عيسى كرامة «إسماعيل يس في مستشفي المجانين»، وكذلك في أفلام «جريمة حب» لعاطف سالم عام 1959 في دور الزوجة المحرومة من العاطفة التي تعيش وحدها في عوامة حتى تتعرف على محام يعاني من أزمات في حياته الزوجية. وفيلم «بافكر في اللي ناسيني» لحسام الدين مصطفى عام 1959 وفيلمها المهم «صراع في النيل» لعاطف سالم في نفس العام، ورجل بلا قلب لسيف الدين شوكت عام 1960 ورجال في العاصفة لحسام الدين مصطفى عام 1960..
كذلك أثبتت هند رستم أنها ليست ممثلة الدور الواحد ولا تلعب على تنويعات الشخصية الواحدة، فقدمت أفلاما ممتازة رغم موضوعاتها غير التجارية مثل «كلمة شرف» أمام وحش الشاشة فريد شوقي الذي خرج هو الآخر في هذا الفيلم عن جلده، وكان لهذا الفيلم آثره في الحياة الاجتماعية المصرية فتغيرت قوانين السجون المصرية بسببه.
كما قدمت واحدا من اجمل أفلامها وهو فيلم «شفيقة القبطية» الراقصة التي وقعت في غرام ابنها دون أن تعرف حقيقة شخصيته وعندما تعرف ذلك تضحي بالكثير جدا من اجل سعادته.
حصلت هند على شهادة تقدير عن فيلم «نساء في حياتي» من مهرجان فينسيا عام 1957 وجائزة النقاد عن فيلم «الجبان والحب»، وكما كرمت من جمعية العالم العربي بباريس.
وفي فيلم «الراهبة» قدمت هند رستم لمحة من حياتها فيما بعد، فالراهبة التي ضحت بحياتها الخاصة وبحبها في سبيل العمل الاجتماعي هي نفسها هند رستم التي ضحت في سبيل الحياة مع زوج وفي مخلص ولرعاية ابنتها الجميلة بسنت وأحفادها.
http://www.asharqalawsat.com/2005/09/02/images/tvsupplement.321008.jpg
القاهرة: طاهر البهي
ليست مجرد ممثلة، ولا نجمة عادية هند رستم هي تاريخ من الفن الجميل.. واحدة من ألمع ساحرات الشاشة.. هي 75 فيلما يعدون من علامات السينما المصرية والعربية.
هند هي مارلين مونرو الشرق، والراهبة التي أمضت اثنين وثلاثين عاما في محراب الفن، ثم تركته دون ان تتبرأ منه، واختارت أن تكون أما مخلصة وزوجة وفية في الظل. فنجحت في أن تكون أما معطاء وزوجة وفية، ولكنها أبدا لم تعش لحظات واحدة في الظل.
فهي الوردة الفواحة بعطر الفن الأصيل وهي الفراشة الملونة التي يعشقها الضوء.. انها هند رستم. ولدت هند حسين مراد رستم في 12 نوفمبر من عام 1931 في حي محرم بك بالإسكندرية، وتنحدر هند من أسرة أصولها تركية أرستقراطية، ووالدها هو اللواء حسين مراد رستم الذي كان يشغل منصبا رفيعا في الشرطة المصرية، فلقد كان مساعدا لحكمدار شرطة السكك الحديدية، وبعد خلافات بين الوالدين حدث الانفصال بينهما، وانتقلت هند وهي لا تزال في الرابعة عشرة من عمرها للسكن في القاهرة.
وفي القاهرة كان يسمح لهذه الفتاة اليافعة أن تتردد على السينما بصحبة والدها، وعشقت هند الأفلام المصرية والأمريكية على حد سواء، وتوقفت طويلا أمام أداء أمينة رزق وفاطمة رشدي من السينما المصرية، كما تعلقت بملكات الجاذبية والاغراء ريتا هوارث وانجريد برجمان ولانا تيرنر من هوليوود.
وفتنتها أجواء التمثيل والأضواء، وكثيرا ما داعب أحلامها وخيالها أن تتصدر صورتها افيشات وملصقات أفلام كبيرة على أن تحتل هي فيها أدوار البطولة. ولم تكن تعلم أن القادم من الأيام سيشهد انطلاقة غير مسبوقة، لنجمة من طراز خاص اسمها هند رستم وحانت لحظة اكتشاف الموهبة. ولعبت الصدفة دورها في إزاحة الستار عن درة من درر الفن المصري والعربي، بل والعالمي.
نحن الآن في مكتب أحد مكاتب الإنتاج المعروفة هند جاءت بصحبة صديقة لها لتجري اختبارات التمثيل، زحام خانق، كان هذا هو أول ما لاحظته هند، فتيات مصريات وأجنبيات جئن جميعا يحلمن بالوقوف أمام كاميرا السينما الساحرة، في فيلم يحمل اسم: «أزهار وأشواك» وكانت هند بلا مبالغة هي اجمل زهرة طغت أنوثتها وجمالها حتى حجبت الرؤية عمن سواها.
المنتج هو حسين حلمي المهندس والمخرج هو «محمد عبد الجواد» الذي لم ينتبه إلى جمال ودلال وأنوثة هند لانه لم يرها أصلا، إلا أن الذي جذبه اليها لاحقا إشعاع عينيها النافذتين، وابتسامتها التي لا تخطئها عين وقوامها الذي ينافس اكثر العارضات رشاقة. كان مساعد المخرج في ذلك الوقت عز الدين ذو الفقار الذي أدرك برومانسيته المعروفة، وعينه المدربة على اكتشاف الجمال، انه امام سندريللا من نوع جديد. سندريللا تتمتع بجرأة الاقتحام، وبالنفاذ بسحرها الأخاذ إلى أفئدة الباحثين عن بهجة الحياة، وفك طلاسم الغموض وتنسم رحيق الزهور. الغريب أن عز الدين ذو الفقار اقترب من الساحرة الشابة وسألها سؤالا غريبا لم تفهمه في البداية هو: هل تتحدثين العربية؟
وبعد لحظات قليلة استوعبت السؤال، فارتسمت ابتسامة عريضة على وجهها وقالت في أدب: أنا مصرية يا أفندم. لقد أدركت أن عز الدين ظنها أجنبية من الفتيات الأجنبيات اللائي كن يملأن استوديوهات السينما بحثا عن فرصة للشهرة، ولاكتساب لقمة العيش.
وصفق عز الدين ذو الفقار بيديه ولعله صاح أيضا صيحة نيوتن الشهيرة «وجدتها»! وعرض عليها دورا صغيرا في الفيلم «أزهار وأشواك»، وعلى الفور استقبلت هند العرض بالترحاب أليست السينما هي معشوقتها؟ فلم لا تجرب حظها؟
ومع بداية التصوير وجدت هند نفسها وجها لوجه أمام نجومها الذين تعشقهم مديحة يسري، عماد حمدي وعرض الفيلم في 17 نوفمبر 1946 وحقق نجاحا طيبا، ولفتت هند إليها الأنظار المدربة، فاسندوا اليها دورا صغيرا في فيلمها الثاني «الروح والجسد» مع نجم الغناء والسينما الرائع محمد فوزي، وكاميليا وشادية، وكمال الشناوي، وعرض الفيلم عام 1948.
ولعل أروع ما في مشوار نجمة النجمات وسيدة الأدوار الناعمة هند رستم، أنها لم تتكبر على دور ولم تضع شروطا من أي نوع في بداياتها سوى أن يكون العمل كبيرا ويضم نجوما لامعة، ولم تساوم مع أي منتج، حتى أننا نراها في مشهد صامت في أحد ملاحم السينما الغنائية، وهو فيلم «غزل البنات»، حيث ظهرت فيه وهي تركب الخيل خلف الكروانة ليلى مراد أثناء غناءها أغنية «اتمخطري يا خيل».
بعد ذلك، ومع احمد بدرخان قدمت «عايزة أتجوز» ومع بركات «رسالة غرام» وشاركتها في هذه الأفلام أهم نجمات السينما المصرية فاتن حمامة وسامية جمال ومريم فخر الدين.
وقدمها حسن الأمام في فيلم «الملاك الظالم» عام 1954 في مشهد وحيد، ويبدو ان مخرج الروائع حسن الامام كان قد انتبه إلى موهبة وإمكانات هذه الفنانة المتفردة، ففاجأها بان كتب لها خصيصا فيلم «بنات الليل» الذي عرض 1955 والذي شاركها فيه البطولة الفنان كمال الشناوي.
وأغرى نجاح الفيلم مخرج الروائع حسن الإمام لإنتاج فيلمين آخرين لهذه النجمة التي اخترقت قلوب المشاهدين، فانتج واخرج لها فيلم «الجسد» ثم «اعترافات زوجة».
وفي هذين الفيلمين لم تعتمد هند على أنوثتها الطاغية فقط، ولا على مناطق الإثارة في التمثيل بل قدمت نفسها بوصفها ممثلة تمتلك كل مواهب وطاقات وإمكانات النجمات الكبيرات على مستوى السينما المصرية بل والعالمية.
وأصبحت هند منذ ذلك التاريخ منافسة قوية لجميلات السينما المصرية فاتن حمامة وشادية وماجدة، بل أصبحت هند منافسة لكل النجوم في تحقيقها لأعلى إيرادات شباك التذاكر، وأصبح المنتجون يسعون لكسب ودها، اعترافا منهم بأنها علامة مسجلة للنجاح والجودة، والكسب أيضا، فقدمها حسن الإمام في عشرة أفلام شبه متتالية لعل أهمها على المستوى النقدي فيلما «شفيقة القبطية» الذي قدمته عام 1963، و«الراهبة» عام 1965.
وعلى الرغم من أن حسن الامام هو صاحب الفضل في تقديم هند رستم بالصورة التي عرفت بها، وانه هو الذي تنبأ بان هند رستم ستبرع في أدوار الاغراء فاسند إليها عددا من الأفلام المتتالية كفتاة ليل، منها «بنات الليل» و«الجسد» و«اعترافات زوجة»، إلا أن الامام هو نفسه الذي ساعدها على تغيير جلدها، عندما نجحت في أدوار مختلفة مع مخرجين آخرين، في أدوار الفنانة أو الخائنة، وتحولت دفة هند رستم في اتجاه أدوار أخرى بعد أن اكتشف فيها الامام جوانب مختلفة.
أما النقاد فقد كتبوا عنها: هذه «ريتا هيواريث المصرية» وقت أن كانت ريتا في قمة شهرتها بعد أن مثلت أمام جلين فورد فيلم «جيلدا» وحقق الفيلم اعلى إيرادات في تاريخ هوليوود، وظهرت إعلانات فيلم «الجسد» لهند رستم في ثوب يشبه «جيلدا» فتم إطلاق لقب «ملكة الاغراء في السينما المصرية» عليها. وفي فيلم «الجسد» قامت هند بشخصية راقصة سابقة تنفصل عن زوجها، وعندما تتضح خريطتها الأنثوية تدفعها الام للعمل في الملاهي الليلية، وهناك تتعرف على شاب يحاول إخراجها من هذا المستنقع إلا أنها تصاب بداء السل وتموت بين يدي الحبيب.
والمهم أن نعود لشهادة مخرج الروائع حسن الامام عن أداء هند لدورها في هذا الفيلم «لم يكن إغراء هند رستم في التعري، بل في فهم فلسفة الاغراء، الاغراء عندها نظرة والصمت عندها مثير وهي بذلك ابتعدت عن سذاجة عرض الجسد».
ولعب المخرجون على هذه التنويعة، ففطين عبد الوهاب يقدمها في صورة الجسد المشتهي في فيلم «نساء في حياتي» عام 1957، وحتى يوسف شاهين يقدمها في دور مشابه في فيلمه «أنت حبيبي» في نفس العام، وهو الفيلم الذي قامت فيه بدور راقصة تغني على أنغام فريد الأطرش مثل رقصتها على أغنية «يا مجبل يوم وليلة» داخل القطار.
وحتى عندما قدمها فطين عبد الوهاب في دور الابنة التي تبحث عن عريس مناسب، وهي ابنة أسرة ساحلية عادية في فيلم «ابن حميدو» أمام احمد رمزي وإسماعيل ياسين وهي ابنة شيخ الصيادين لم يفت فطين عبد الوهاب ان يستغل حركة هند الأنثوية، وابتسامتها الشقية رغم أنها لم تتعر في أي مشهد من مشاهد الفيلم.
ونفس الحال في فيلم صلاح أبو سيف «لا أنام» عام 1957 فهي زوجة لعوب تخون زوجها، وتؤدي دورها بكثير من الجاذبية وبملابس تشبه ملابس نجمة الاغراء مارلين مونرو في فيلم Bus Stop.
أما إغراء هند في فيلم باب الحديد، فلا تتعمد فيه الاغراء! بل الوصف الادق «إثارة عفوية» غير مقصودة ناتجة عن قوامها الممشوق ولفتاتها المغلفة بالجاذبية وملابسها البسيطة الأنيقة، التي عرفت كيف تختارها بعناية حتى أنها تحرك دائما بائع الصحف الذي يعاني كبتا وحرمانا عاطفيا.
وكذلك لا أحد ينسى مشاهد الاغراء التي أدتها في فيلم المخرج عيسى كرامة «إسماعيل يس في مستشفي المجانين»، وكذلك في أفلام «جريمة حب» لعاطف سالم عام 1959 في دور الزوجة المحرومة من العاطفة التي تعيش وحدها في عوامة حتى تتعرف على محام يعاني من أزمات في حياته الزوجية. وفيلم «بافكر في اللي ناسيني» لحسام الدين مصطفى عام 1959 وفيلمها المهم «صراع في النيل» لعاطف سالم في نفس العام، ورجل بلا قلب لسيف الدين شوكت عام 1960 ورجال في العاصفة لحسام الدين مصطفى عام 1960..
كذلك أثبتت هند رستم أنها ليست ممثلة الدور الواحد ولا تلعب على تنويعات الشخصية الواحدة، فقدمت أفلاما ممتازة رغم موضوعاتها غير التجارية مثل «كلمة شرف» أمام وحش الشاشة فريد شوقي الذي خرج هو الآخر في هذا الفيلم عن جلده، وكان لهذا الفيلم آثره في الحياة الاجتماعية المصرية فتغيرت قوانين السجون المصرية بسببه.
كما قدمت واحدا من اجمل أفلامها وهو فيلم «شفيقة القبطية» الراقصة التي وقعت في غرام ابنها دون أن تعرف حقيقة شخصيته وعندما تعرف ذلك تضحي بالكثير جدا من اجل سعادته.
حصلت هند على شهادة تقدير عن فيلم «نساء في حياتي» من مهرجان فينسيا عام 1957 وجائزة النقاد عن فيلم «الجبان والحب»، وكما كرمت من جمعية العالم العربي بباريس.
وفي فيلم «الراهبة» قدمت هند رستم لمحة من حياتها فيما بعد، فالراهبة التي ضحت بحياتها الخاصة وبحبها في سبيل العمل الاجتماعي هي نفسها هند رستم التي ضحت في سبيل الحياة مع زوج وفي مخلص ولرعاية ابنتها الجميلة بسنت وأحفادها.