سلسبيل
09-05-2005, 07:33 AM
فارس بن حزام
صخيفة "الحياة" اللندنية
خبر صغير في ركن صفحة محلية سعودية، يمر سهلاً ولا يحدث ردود فعل بارزة، لكنه يثير دهشة فئات خفية تحرك المنابر الدينية.
الخبر كان قبل أشهر قليلة، وفيه أن وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أصدر قراراً داخلياً يقضي بتبديل مقعدي وكيلي الوزارة بطريقة عكسية، فنقل الدكتور توفيق السديري من موقعه وكيلاً للشؤون الإسلامية ليكون وكيلاً لشؤون الدعوة والمساجد، بدلاً من الشيخ عبدالعزيز العمار الذي تسلم منصب الأول.
وعلى رغم أنه إجراء داخلي محدود، ويحدث في وزارات ودوائر حكومية عدة، إلاّ أنه في هذه الوزارة ينبئ عن تصميم وزيرها على تنفيذ مشروعه الذي عمل عليه طوال سنوات مضت، وتعثر أكثر من مرة، بفعل بعض المعوقات التي تواجه أداء الوزارة، ولا ريب في أن بعضها يأتي عمداً بفعل مجموعة لا تتفق ورؤى الوزير الطامح الدكتور صالح آل الشيخ، في وضع بصمته خلال العامين المقبلين قبل أن يحين موعد تجديد قائمة مجلس الوزراء.
ولابد من التعرف على طبيعة عمل الوكالتين اللتين تبادلتا القيادة، فوكالة الشؤون الإسلامية تتولى مهام المؤتمرات الخارجية، والمراكز الإسلامية الناشطة في الخارج برعاية السعودية، إضافة إلى المشاركة في المعارض الدولية، أما وكالة شؤون الدعوة والمساجد، فتعد شريان الوزارة، والجهة الأكثر حساسية ضمن نشاطها العام؛ لأنها تتولى المهام الداخلية، إذ تعنى بالمساجد، ويؤخذ في الاعتبار هنا أهمية خطبة الجمعة في تشكيل الرأي العام، كما تعنى بمراكز الدعوة والإرشاد المنتشرة، والمهرجانات الدعوية التي درجت الوزارة على إقامتها سنوياً.
من ذلك يظهر أن لدينا وكيلين: أحدهما للعمل الداخلي، والآخر للعمل الخارجي، وعادة، يفضل الذهاب إلى قراءة تعريفية عن ظروف تبديل كهذا، والأسباب التي دعت الوزير إلى اتخاذ ذلك القرار، فضلاً عن قراءة موجزة لفكر هذين الوكيلين.
بداية، يُذكر أن الوزارة لديها نية جادة في تجديد الخطاب الديني، وسعي أكثر فاعلية إلى ضبط المنبر الديني والخطاب الدعوي الداخلي، لإيجاد توافق مع الفكر المعاصر الذي فرضته المرحلة الراهنة بعد 12 مايو 2003 (بدء أحداث العنف في السعودية)، فما هو ملموس أن لدى الوزير آل الشيخ مشروعاً تجديدياً للمرحلة الراهنة، من أولوياته النهوض بالخطاب الديني، مع مراعاة الظروف الإقليمية المحيطة بالمنطقة، لا سيما بعد الحوارات التي أجراها خلال «المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب» الذي استضافته الرياض قبل أكثر من ستة أشهر، وكشف فيها جوانب المشروع بشكل غير مباشر، كما أن وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ألمح إليها في محاضرته في لندن ضمن اللقاء السعودي - البريطاني قبل أشهر.
والوزير آل الشيخ تشغله مجموعة من الأفكار حالياً؛ أهمها قضية الخطاب الديني، والتعامل مع الآخر، وفتح الخطوط معه، والتعددية المذهبية في البلاد واحترامها، والتعددية الفكرية أيضاً، وبوادر هذه الأفكار المشتعلة أتت عبر تصريحات صحافية أطلقها هذا الوزير قبل عامين، كانت بمثابة جس نبض معارضي تلك الأفكار، التي لم تعد هاجس الوزير بمفرده؛ لأنها تمخضت عن ورقة ضغط دولية ترمى أمام السعودية بين محفل وآخر.
ولم يكن للوزير أن يمضي بمشروعه ذاك قبل التبديل العكسي بين الوكيلين، إذا ما علمنا أنه منذ مجيئه للوزارة وهو يعمل على ذلك النحو، إذ بدا واضحاً أن الإجراء جاء بعد محاولات، لا نعدها فاشلة، لتحقيق تلك التطلعات، إذا ما عرفنا الظروف المحيطة بمشروع كهذا داخل السعودية تحديداً.
وعن الوكيلين نقرأ انهما لا يمثلان مدرسة فكرية واحدة، فالسديري يصنف من المدرسة المتنورة دينياً، القابلة للتطوير، والتي ينظر إليها باعتبارها متجاوبةً مع الحركة السياسية والثقافية داخل المجتمع وخارجه الداعية للتطوير، إضافة إلى أن شهادته الجامعية كانت رسالة دكتوراه عن الحركات الإسلامية، أما العمّار فمحسوب على المدرسة السلفية التقليدية، ويصنف على أنه غير مرن تجاه أي تجديد، ما يعني عدم مناسبته للتوجه الداخلي في المشروع، وذلك ما حدا بالوزير إلى إيجاد شخصية مرنة فكرياً تتقلد منصب وكيل الدعوة والمساجد، وهذا ما وجده في السديري. وإن لم يحبذ بعض المتابعين مسألة التصنيف الفكري، والزعم بأنها دعوة لشق الصف الوطني الإسلامي، غير أنها واقع ملموس في المجتمع ولا يمكن تجاهله، طالما أن حركة المجتمع مرتبطة به. إن هذا التصنيف الفكري للشخصيتين، كان مطلباً أساسياً لمعرفة دافع التبديل في الوزارة، وقد يذهب بعض المتابعين إلى أنه إذا كان الوزير حقق تقدماً على المستوى الداخلي، فإن خلاف ذلك حققه على المستوى الخارجي، طالما أن الوزير متيقن أن العمّار لا يخدم المشروع الذي يسعى إليه، وهذا غير صحيح، فالنشاط الخارجي محدد سلفاً ولا تتسم أوجهه بالحساسية التي توجد في أنشطة الدعوة والخطب الدينية داخل السعودية، هذا، مع توافر قدرة جيدة لدى العمّار على إدارة العمل الخارجي، حيث كان يعمل من قبل في فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في إندونيسيا، وتولى لفترة إدارة العمل الدعوي في الخارج.
ولا ريب في أن الوزير آل الشيخ يعلم أن خطوته هذه ستفتح عليه باب الانتقاد من قيادات تحرك المنابر الدينية تحريكاً غير محسوس؛ لأنها استشعرت أن وراء هذه الخطوة هدفاً أكبر من تبادل الوكيلين منصبيهما. وقد حاول الوزير طوال فترة سبقت هذا القرار عمل توازن قد يسهم في طمأنة غير المرحّبين بخطوته، ويخفف من رد فعلهم، فقد عيّن الدكتور محمد الغديان المحسوب على المدرسة السلفية التقليدية، مديراً لإدارة الدعوة في الداخل، وقابله على الضفة الأخرى قبل نحو عام تعيين الدكتور عبدالله اللحيدان - أستاذ العلوم السياسية - وكيلاً مساعداً للشؤون الإسلامية، أي نائباً حالياً للعمار، وذلك لتحقيق توازن آخر يحفظ النشاط الخارجي من أي خروج عن هدفه؛ لأن العمل الدعوي الخارجي ارتبط أخيراً بسياسة المملكة الدعوية مباشرة.
أحد العالمين ببواطن الأمور في الوزارة يقول للكاتب: «إن الوزير، إذا نفّذ ما يدور في رأسه، فسيعد ذلك دخولاً في مرحلة جديدة للعمل الإسلامي المشترك المبني على المصلحة الدينية والوطنية معاً».
صخيفة "الحياة" اللندنية
خبر صغير في ركن صفحة محلية سعودية، يمر سهلاً ولا يحدث ردود فعل بارزة، لكنه يثير دهشة فئات خفية تحرك المنابر الدينية.
الخبر كان قبل أشهر قليلة، وفيه أن وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أصدر قراراً داخلياً يقضي بتبديل مقعدي وكيلي الوزارة بطريقة عكسية، فنقل الدكتور توفيق السديري من موقعه وكيلاً للشؤون الإسلامية ليكون وكيلاً لشؤون الدعوة والمساجد، بدلاً من الشيخ عبدالعزيز العمار الذي تسلم منصب الأول.
وعلى رغم أنه إجراء داخلي محدود، ويحدث في وزارات ودوائر حكومية عدة، إلاّ أنه في هذه الوزارة ينبئ عن تصميم وزيرها على تنفيذ مشروعه الذي عمل عليه طوال سنوات مضت، وتعثر أكثر من مرة، بفعل بعض المعوقات التي تواجه أداء الوزارة، ولا ريب في أن بعضها يأتي عمداً بفعل مجموعة لا تتفق ورؤى الوزير الطامح الدكتور صالح آل الشيخ، في وضع بصمته خلال العامين المقبلين قبل أن يحين موعد تجديد قائمة مجلس الوزراء.
ولابد من التعرف على طبيعة عمل الوكالتين اللتين تبادلتا القيادة، فوكالة الشؤون الإسلامية تتولى مهام المؤتمرات الخارجية، والمراكز الإسلامية الناشطة في الخارج برعاية السعودية، إضافة إلى المشاركة في المعارض الدولية، أما وكالة شؤون الدعوة والمساجد، فتعد شريان الوزارة، والجهة الأكثر حساسية ضمن نشاطها العام؛ لأنها تتولى المهام الداخلية، إذ تعنى بالمساجد، ويؤخذ في الاعتبار هنا أهمية خطبة الجمعة في تشكيل الرأي العام، كما تعنى بمراكز الدعوة والإرشاد المنتشرة، والمهرجانات الدعوية التي درجت الوزارة على إقامتها سنوياً.
من ذلك يظهر أن لدينا وكيلين: أحدهما للعمل الداخلي، والآخر للعمل الخارجي، وعادة، يفضل الذهاب إلى قراءة تعريفية عن ظروف تبديل كهذا، والأسباب التي دعت الوزير إلى اتخاذ ذلك القرار، فضلاً عن قراءة موجزة لفكر هذين الوكيلين.
بداية، يُذكر أن الوزارة لديها نية جادة في تجديد الخطاب الديني، وسعي أكثر فاعلية إلى ضبط المنبر الديني والخطاب الدعوي الداخلي، لإيجاد توافق مع الفكر المعاصر الذي فرضته المرحلة الراهنة بعد 12 مايو 2003 (بدء أحداث العنف في السعودية)، فما هو ملموس أن لدى الوزير آل الشيخ مشروعاً تجديدياً للمرحلة الراهنة، من أولوياته النهوض بالخطاب الديني، مع مراعاة الظروف الإقليمية المحيطة بالمنطقة، لا سيما بعد الحوارات التي أجراها خلال «المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب» الذي استضافته الرياض قبل أكثر من ستة أشهر، وكشف فيها جوانب المشروع بشكل غير مباشر، كما أن وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ألمح إليها في محاضرته في لندن ضمن اللقاء السعودي - البريطاني قبل أشهر.
والوزير آل الشيخ تشغله مجموعة من الأفكار حالياً؛ أهمها قضية الخطاب الديني، والتعامل مع الآخر، وفتح الخطوط معه، والتعددية المذهبية في البلاد واحترامها، والتعددية الفكرية أيضاً، وبوادر هذه الأفكار المشتعلة أتت عبر تصريحات صحافية أطلقها هذا الوزير قبل عامين، كانت بمثابة جس نبض معارضي تلك الأفكار، التي لم تعد هاجس الوزير بمفرده؛ لأنها تمخضت عن ورقة ضغط دولية ترمى أمام السعودية بين محفل وآخر.
ولم يكن للوزير أن يمضي بمشروعه ذاك قبل التبديل العكسي بين الوكيلين، إذا ما علمنا أنه منذ مجيئه للوزارة وهو يعمل على ذلك النحو، إذ بدا واضحاً أن الإجراء جاء بعد محاولات، لا نعدها فاشلة، لتحقيق تلك التطلعات، إذا ما عرفنا الظروف المحيطة بمشروع كهذا داخل السعودية تحديداً.
وعن الوكيلين نقرأ انهما لا يمثلان مدرسة فكرية واحدة، فالسديري يصنف من المدرسة المتنورة دينياً، القابلة للتطوير، والتي ينظر إليها باعتبارها متجاوبةً مع الحركة السياسية والثقافية داخل المجتمع وخارجه الداعية للتطوير، إضافة إلى أن شهادته الجامعية كانت رسالة دكتوراه عن الحركات الإسلامية، أما العمّار فمحسوب على المدرسة السلفية التقليدية، ويصنف على أنه غير مرن تجاه أي تجديد، ما يعني عدم مناسبته للتوجه الداخلي في المشروع، وذلك ما حدا بالوزير إلى إيجاد شخصية مرنة فكرياً تتقلد منصب وكيل الدعوة والمساجد، وهذا ما وجده في السديري. وإن لم يحبذ بعض المتابعين مسألة التصنيف الفكري، والزعم بأنها دعوة لشق الصف الوطني الإسلامي، غير أنها واقع ملموس في المجتمع ولا يمكن تجاهله، طالما أن حركة المجتمع مرتبطة به. إن هذا التصنيف الفكري للشخصيتين، كان مطلباً أساسياً لمعرفة دافع التبديل في الوزارة، وقد يذهب بعض المتابعين إلى أنه إذا كان الوزير حقق تقدماً على المستوى الداخلي، فإن خلاف ذلك حققه على المستوى الخارجي، طالما أن الوزير متيقن أن العمّار لا يخدم المشروع الذي يسعى إليه، وهذا غير صحيح، فالنشاط الخارجي محدد سلفاً ولا تتسم أوجهه بالحساسية التي توجد في أنشطة الدعوة والخطب الدينية داخل السعودية، هذا، مع توافر قدرة جيدة لدى العمّار على إدارة العمل الخارجي، حيث كان يعمل من قبل في فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في إندونيسيا، وتولى لفترة إدارة العمل الدعوي في الخارج.
ولا ريب في أن الوزير آل الشيخ يعلم أن خطوته هذه ستفتح عليه باب الانتقاد من قيادات تحرك المنابر الدينية تحريكاً غير محسوس؛ لأنها استشعرت أن وراء هذه الخطوة هدفاً أكبر من تبادل الوكيلين منصبيهما. وقد حاول الوزير طوال فترة سبقت هذا القرار عمل توازن قد يسهم في طمأنة غير المرحّبين بخطوته، ويخفف من رد فعلهم، فقد عيّن الدكتور محمد الغديان المحسوب على المدرسة السلفية التقليدية، مديراً لإدارة الدعوة في الداخل، وقابله على الضفة الأخرى قبل نحو عام تعيين الدكتور عبدالله اللحيدان - أستاذ العلوم السياسية - وكيلاً مساعداً للشؤون الإسلامية، أي نائباً حالياً للعمار، وذلك لتحقيق توازن آخر يحفظ النشاط الخارجي من أي خروج عن هدفه؛ لأن العمل الدعوي الخارجي ارتبط أخيراً بسياسة المملكة الدعوية مباشرة.
أحد العالمين ببواطن الأمور في الوزارة يقول للكاتب: «إن الوزير، إذا نفّذ ما يدور في رأسه، فسيعد ذلك دخولاً في مرحلة جديدة للعمل الإسلامي المشترك المبني على المصلحة الدينية والوطنية معاً».