سلسبيل
09-05-2005, 07:23 AM
بيتر سينغر
صحيفة "الحياة" اللندنية
الأسبوع الماضي في قاعة محكمة أتلانتا - ولاية جيورجيا الأميركية، حكم على أريك رودلف بالسجن المؤبد. والمعروف عن أريك أنه كان الارهابي الذي فجر قنبلة خلال أولمبياد 1996 التي أدت الى مقتل وجرح أكثر من مئة شخص. كان رودلف أيضاً وراء سلسلة من التفجيرات في جنوب الولايات المتحدة استهدفت عيادات نسائية ونوادي ليلية ذهب ضحيتها مدنيون وأحد رجال الشرطة. وعلى رغم اختتام حلقة وقصة لأحد أكثر الارهابيين شهرة، إلا أنها لم تنل تغطية إعلامية مناسبة من القنوات العالمية تقابل تغطيتهم للإرهاب في العالم الإسلامي.
إن الإرهاب يأتي في الأشكال والأحجام والألوان شتى، ويبحث عن وسيلة لتحريف كل الديانات. إذ أن رودلف يدعي أنه مسيحي ويصر على أن تفجيراته كانت تلبية لدعوة ربانية. إن قيامه باستهداف الأولمبياد الذي يمثل تجمعاً للسلام العالمي دليل على رؤيته المشوهة للدين والتي جعلته يدعيب أن الكتاب القدس يرى أن اختلاط الأعراف خطيئة تلزم العقاب. هذه الرؤية للسيد رودلف بمقدار بعدها عن التعاليم المسيحية بمقدار ما كانت تعبر عن الكراهية الموجودة في قلوب العديد من الإرهابيين أمثال أسامة بن لادن أو أبو مصعب الزرقاوي أو «الإرهابي اليهودي» شفوت راتشل الذي قتل أربعة فلسطينيين قبل أسبوعين.
الحقيقة أن كل الديانات والثقافات أفرزت متطرفين وإرهابيين، سواء كانوا من الولايات المتحدة كالسيد رودلف، أو مصر كالدكتور أيمن الظواهري، أو اليابان كقائد منظمة آم شنريكوا سوكو أسهارا والمخطط لهجمات غاز السارين. في عصر العولمة، المعاناة مشتركة من رجالات جاهلة تحاول الارتقاء من خلال الادعاء بأنها تتكلم نيابة عن الخالق وتطلق تبريرات وتعطي غطاء دينياً لأعمال العنف هذه. إن التحدي اليوم أمامنا جميعاً هو في كيفية مواجهتهم وعزلهم واطفاء كراهيتهم، وعدم السماح لهم بتغيير هويتنا.
إن الدعم الصامت للإرهاب هو ما يمكنه من الازدهار. فمن أكثر الأجزاء اثارة في قصة أريك رودولف هو أنه استطاع الهرب لما يزيد عن خمس سنوات بالاختفاء في جبال ولاية نورث كارولينا.
وعلى رغم توافر العديد من المصادر والإمكانات للبحث عنه في تلك التضاريس الوعرة، إلا أن التحدي الأكبر كان في دعم السكان المحليين له، إذ رفضوا التعاون مع الشرطة والمساعدة في ايجاده، بل كانوا أحياناً يقدمون له الطعام والملبس وغيره من الاحتياجات. إن دعم السكان المحليين لرودلف لم يكن نابعاً من مشاركتهم اياه في رؤيته الظلامية، وإنما لوجود خلافات لهم مع الحكومة الفيديرالية نفسها التي يحتقرها رودلف. وعليه فإنهم ساهموا في جعل هذا القاتل بطلاً ببساطة، لأنه يختبئ من سلطة يكنّون لها الكره، تماماً مثل هؤلاء الذين يغضون النظر عن عنف بن لادن لأنهم يشاركونه كرهه للولايات المتحدة.
إن هؤلاء الذين حاولوا دعم السيد رودلف يقع عليهم الذنب بشكل غير مباشر في قتل أيرياء. نحن نغذي الإرهاب حينما نسمح له بالتسلط على اهتمامات أو رغبات أخرى، أو حين نغض النظر عنه.
الوسيلة الفضلى لاستئصال الإرهاب هي في رؤيته على حقيقته كجريمة ارتكبها رجال هم أصلاً فاشلون في الواقع. لقد آمن السيد رودلف بأنه محارب وله القدرة على اشعال ثورة، والخطأ كان في أخذ ادعاءاته على محمل الجد بالتفاوض معه أو باعطائه منبراً إعلامياً على المرئي والمسموع. الواقع أن الرجل فشل على المستوى الشخصي في تحقيق أي شيء في حياته ولاقى منفذاً يعيد له أبهته الشخصية في ارتكاب الجريمة. وبحسب تقارير اخبارية، كان رودلف يمضي معظم أوقاته في الظلام أمام جهاز التلفزيون ويتعارك مع الجهاز. وربما أفضل من أجاد بوصفه كان والد أحد الضحايا، إذ شبهه بـ «الرجل الصغيرالذي تتملكه عقدة نابليون: شخص صغير، وقنابل كبيرة. هذا لا يجعل منك ثورياً بل هراً مقلداً». تشكل هذه العبارة نموذجاً ينطبق على إرهابيي اعتداءات نيويورك واسطنبول وبالي ولندن وشرم الشيخ الخ...
ما مصير هذا الإرهابي اليوم؟ لم يقبل رجال الدين عنف أريك رودلف وجرائمه وأعماله المشينة، وجاءت نهايته على يد محكمة في مدينة أميركية برهنت على أن نظامها المصغر يستطيع التعامل مع تهديدات الارهاب. وسيقضي رودولف باقي حياته في زنزانة منفردة بعد عثور الشرطة في مخبأه على أكثر من 100 كغ من المواد المتفجرة. مصيره يشبه مصير زملائه أمثال تد كازانسكي، ومفجر أوكلاهوما تيري نيكولس ومخطط تفجيرات مركز التجارة العالمي في 1993 رمزي يوسف. والأمل في أن يلاقي حتفه سائر المجرمين من هذا النمط.
مدير مشروع «السياسة الأميركية تجاه العالم الاسلامي» في مركز «سابان» التابع لمعهد بروكينغز.
صحيفة "الحياة" اللندنية
الأسبوع الماضي في قاعة محكمة أتلانتا - ولاية جيورجيا الأميركية، حكم على أريك رودلف بالسجن المؤبد. والمعروف عن أريك أنه كان الارهابي الذي فجر قنبلة خلال أولمبياد 1996 التي أدت الى مقتل وجرح أكثر من مئة شخص. كان رودلف أيضاً وراء سلسلة من التفجيرات في جنوب الولايات المتحدة استهدفت عيادات نسائية ونوادي ليلية ذهب ضحيتها مدنيون وأحد رجال الشرطة. وعلى رغم اختتام حلقة وقصة لأحد أكثر الارهابيين شهرة، إلا أنها لم تنل تغطية إعلامية مناسبة من القنوات العالمية تقابل تغطيتهم للإرهاب في العالم الإسلامي.
إن الإرهاب يأتي في الأشكال والأحجام والألوان شتى، ويبحث عن وسيلة لتحريف كل الديانات. إذ أن رودلف يدعي أنه مسيحي ويصر على أن تفجيراته كانت تلبية لدعوة ربانية. إن قيامه باستهداف الأولمبياد الذي يمثل تجمعاً للسلام العالمي دليل على رؤيته المشوهة للدين والتي جعلته يدعيب أن الكتاب القدس يرى أن اختلاط الأعراف خطيئة تلزم العقاب. هذه الرؤية للسيد رودلف بمقدار بعدها عن التعاليم المسيحية بمقدار ما كانت تعبر عن الكراهية الموجودة في قلوب العديد من الإرهابيين أمثال أسامة بن لادن أو أبو مصعب الزرقاوي أو «الإرهابي اليهودي» شفوت راتشل الذي قتل أربعة فلسطينيين قبل أسبوعين.
الحقيقة أن كل الديانات والثقافات أفرزت متطرفين وإرهابيين، سواء كانوا من الولايات المتحدة كالسيد رودلف، أو مصر كالدكتور أيمن الظواهري، أو اليابان كقائد منظمة آم شنريكوا سوكو أسهارا والمخطط لهجمات غاز السارين. في عصر العولمة، المعاناة مشتركة من رجالات جاهلة تحاول الارتقاء من خلال الادعاء بأنها تتكلم نيابة عن الخالق وتطلق تبريرات وتعطي غطاء دينياً لأعمال العنف هذه. إن التحدي اليوم أمامنا جميعاً هو في كيفية مواجهتهم وعزلهم واطفاء كراهيتهم، وعدم السماح لهم بتغيير هويتنا.
إن الدعم الصامت للإرهاب هو ما يمكنه من الازدهار. فمن أكثر الأجزاء اثارة في قصة أريك رودولف هو أنه استطاع الهرب لما يزيد عن خمس سنوات بالاختفاء في جبال ولاية نورث كارولينا.
وعلى رغم توافر العديد من المصادر والإمكانات للبحث عنه في تلك التضاريس الوعرة، إلا أن التحدي الأكبر كان في دعم السكان المحليين له، إذ رفضوا التعاون مع الشرطة والمساعدة في ايجاده، بل كانوا أحياناً يقدمون له الطعام والملبس وغيره من الاحتياجات. إن دعم السكان المحليين لرودلف لم يكن نابعاً من مشاركتهم اياه في رؤيته الظلامية، وإنما لوجود خلافات لهم مع الحكومة الفيديرالية نفسها التي يحتقرها رودلف. وعليه فإنهم ساهموا في جعل هذا القاتل بطلاً ببساطة، لأنه يختبئ من سلطة يكنّون لها الكره، تماماً مثل هؤلاء الذين يغضون النظر عن عنف بن لادن لأنهم يشاركونه كرهه للولايات المتحدة.
إن هؤلاء الذين حاولوا دعم السيد رودلف يقع عليهم الذنب بشكل غير مباشر في قتل أيرياء. نحن نغذي الإرهاب حينما نسمح له بالتسلط على اهتمامات أو رغبات أخرى، أو حين نغض النظر عنه.
الوسيلة الفضلى لاستئصال الإرهاب هي في رؤيته على حقيقته كجريمة ارتكبها رجال هم أصلاً فاشلون في الواقع. لقد آمن السيد رودلف بأنه محارب وله القدرة على اشعال ثورة، والخطأ كان في أخذ ادعاءاته على محمل الجد بالتفاوض معه أو باعطائه منبراً إعلامياً على المرئي والمسموع. الواقع أن الرجل فشل على المستوى الشخصي في تحقيق أي شيء في حياته ولاقى منفذاً يعيد له أبهته الشخصية في ارتكاب الجريمة. وبحسب تقارير اخبارية، كان رودلف يمضي معظم أوقاته في الظلام أمام جهاز التلفزيون ويتعارك مع الجهاز. وربما أفضل من أجاد بوصفه كان والد أحد الضحايا، إذ شبهه بـ «الرجل الصغيرالذي تتملكه عقدة نابليون: شخص صغير، وقنابل كبيرة. هذا لا يجعل منك ثورياً بل هراً مقلداً». تشكل هذه العبارة نموذجاً ينطبق على إرهابيي اعتداءات نيويورك واسطنبول وبالي ولندن وشرم الشيخ الخ...
ما مصير هذا الإرهابي اليوم؟ لم يقبل رجال الدين عنف أريك رودلف وجرائمه وأعماله المشينة، وجاءت نهايته على يد محكمة في مدينة أميركية برهنت على أن نظامها المصغر يستطيع التعامل مع تهديدات الارهاب. وسيقضي رودولف باقي حياته في زنزانة منفردة بعد عثور الشرطة في مخبأه على أكثر من 100 كغ من المواد المتفجرة. مصيره يشبه مصير زملائه أمثال تد كازانسكي، ومفجر أوكلاهوما تيري نيكولس ومخطط تفجيرات مركز التجارة العالمي في 1993 رمزي يوسف. والأمل في أن يلاقي حتفه سائر المجرمين من هذا النمط.
مدير مشروع «السياسة الأميركية تجاه العالم الاسلامي» في مركز «سابان» التابع لمعهد بروكينغز.