طائر
10-02-2022, 05:41 PM
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/3249afe5-6c16-4aaf-b635-641a72035be3.jpeg?resize=686%2C513
عماد أبو الفتوح (https://www.aljazeera.net/author/emad_aboulfotoh) - الجزيره
8/5/2018
"بعض الأشخاص يولدون عظمـاء، والبعض الآخر يعملون بجدّيـة للوصول إلى العظمة. أما الفريق الثالث فيقومون بتعيين مديري علاقات عامة لإنجاز هذه المهمة!" – (دانييل جي بورستين، مؤرخ ومحاضر وكاتب أميركي) (1)
عندما يأتي الحديث عن "العلاقات العامة" (Public Relations) فنحن نتحدث هنا عن المضغة التي إذا صلحت صلح حال الشركة كلها، وإذا فسدت فسد حال الشركة كلها. الواجهـة التي يمكنها أن تحوّل القبيح إلى حسن، والحسن إلى قبيح. السلاح المزدوج الذي يُستخدم درعا للدفاع عن الشركة بنفس كفـاءة وقوة استخدامه سيفا للهجوم. لهذه الأسباب وغيـرها، لم يكن بيل غيتس -مؤسس مايكـروسوفت- مبالغا قطعا عندما قال مقولته الشهيـرة: "إذا لم يكن لديّ سوى دولار واحد في شركتي، فسوف أنفقــه على العلاقات العامة". (2)
بلا شك كل من داييل بورستين وبيل غيتس يعنيان ما يقولانه، ففي سجلات الشركات ما يثبت تماما مصداقيـة ما ذكـراه عن العلاقات العامة وأثرها، مهما كان نشاط الشركة ونوعية السوق الذي تنتمي إليه.
كادبــوري.. كيف تربح معـركتك ضد الديدان؟
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/b8d2619a-405a-4417-bb66-7f322d570fab.jpeg
صورة انتشرت في الهند لشيكولاتة كادبـوري تحتوي على ديدان
في عام 2003 تعرّضت شركة "كادبـوري" العالمية الشهيـرة لأخطـر أزمة تضر بسمعتها -رغم طـرافتها- عندما تم الإبلاغ عن وجود ديدان في عدد من أعواد الشيكـولاتة التي تقوم بإنتـاجها في مدينة بومبـاي بالهند. وبعد التأكد من مصداقيـة الحادثة، قامت الجهات الصحية في الهند بالاستيلاء على مخزون الشيكـولاتة الذي تخزّنه الشركة في مصـانعها للتخلص منه وعدم طـرحه للبيع.
كان رد فعل شركة "كادبـوري" شديد التواضع في بداية الأزمة، حيث تباطأت كثيرا في فهم المشكلة التي تواجهها في الهند ومقدار الغضب الشعبي من هذا الأمر، بل وقامت بإصدار تصريح رسمي مقتضب تقول فيه إن تلوّث منتجات الشيكولاتة التي تقوم بصناعتها "غير ممكن"، وهو تصـريح يحمل تشكيكا من الشركة في مصداقيـة الشكـوى، وهو ما جعلها تدخل في صدام علني مع المؤسسات الصحية الهندية من ناحية، وحملة إعـلامية هوجاء ضد الشركة من ناحيـة أخرى لما بدا أنه تهرّب كامل من مسؤوليتها والاكتفاء بالتشكيك في الواقعة.
بمرور الوقت تصاعدت الحملة الإعلامية على "كادبوري" إلى مستوى قياسي بدأ يهدد علامتها التجارية تهديدا وجوديا في سوق ضخم مثل الهند، الأمر الذي جعل الشركة تغيّـر من سياستها لمواجهـة الأزمة وأطلقت حملة إعـلانية ضخمـة على عدة محـاور. محـور تم توجيهه إلى المتاجر المختلفة في الهند بغرض تعليم التجـار كيفيـة تخزين منتجات الشيكولاتة التي تصدرها الشركة بشكل صحيح حتى لا تتلوّث، ومحور آخر تخاطب فيه الإعلام والصحافة أنها اتخذت إجراءات تصحيحية لخطوات تصنيع وحفظ الشيكـولاتة وتخزينها، وأن الشركة الأم قامت بتوريد أجهـزة جديدة تعمل على تطوير تغليف أعواد الشيكـولاتة التي تنتجها مصانعها في الهند.
خلال الشهور اللاحقة، عززت "كادبوري" حملاتها التسويقية والإعلانية ووطدت علاقاتها بالإعلام، الأمر الذي جعل الحملة الإعلامية على الشركـة تتضاءل تدريجيا. صحيح أن مبيعات الشركة في الهند تناقصت بشكل حاد -نحو 30%- في تلك الفتـرة، وهي الفتـرة نفسها التي كان من المتوقع أن تحقق الشركة زيادة في المبيعات بقيمة 15%. ومع ذلك، وبمرور الوقت بدأت الشركة في التحسن من ناحية المبيعات والخدمات، وتطوير نظم الصناعة والتغليف، حتى تم الإعلان بعد مرور 8 أشهر من الأزمة أن ثقة المستخدم في "كادبوري" عادت إلى وضعها الطبيعي. (3، 4، 5)
تويوتــا.. إذا أفسدت كل شيء استخدم مخزون الثقة
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/aa4b9ae1-64e6-4f17-b6b0-23c084fa97fd.jpeg
كان عام 2010 عصيبا على شركة "تويوتا" اليابانيـة للسيارات بلا شك. العمـلاق الياباني الذي يغزو العالم بسياراته وجد نفسه مضطـرا للإعلان عن سحب 8.8 مليـون سيارة من الأسواق العالميـة بسبب عيوب تصنيعيـة تؤثر تأثيرا مباشرا على مفهـوم الأمن والسلامة، عقب مجموعة من الحوادث التي نتج عنها حالات وفـاة متعددة.
في بداية الأزمة ظهـر التخبط واضحا على إدارة "تويوتا" حيث لم تستطع التوصّل سريعا إلى سبب المشكلة تحديدا، الأمر الذي جعلها توكّل فرق العلاقات العامة لديها لمحاولة فهـم أسباب الهجوم الإعلامي على سياراتها والتصدي له إعلاميا مهما كان الثمن، دون أن تدرك مصداقيـة الهجوم عليها. أما الإدارة العليا فقد كانت غائبة عن المشهد تماما في بدايات الأزمة، الأمر الذي زاد من حدة الانتقادات للشركة.
كان رد فعل "تويوتا" تجاه الانتقادات بطيئا على الدوام لدرجة كارثيـة، لكن في مرحلة معينة بدا أخيرا أن إدارة الشركة تفهّمت الأزمة وأنها ليست مجرد انتقادات بل هي هجوم حقيقي من المستهلكين بخصوص سياراتها، وأن الأمر يمثل خطرا حقيقيا على وجود "تويوتا" في مجموعة من أهم أسواقها وعلى رأسها الولايات المتحدة، فبدأت أخيرا تنتهج منهجـا مختلفا لسيـرها البطيء في الأشهـر الأولى من الأزمة، وبدأت في معالجة الموقف.
بعد أن أعلنت سحبها للسيارات من الأسواق، ركّزت "تويوتا" كل أذرعها الإعلامية والدعائية لهدف واحد وهو إعادة ثقة المستهلكين بعلامتها التجارية. كان هذا صعبا للغاية في ظل المشاكل الفنية للسيارات من ناحية، وبطء "تويوتا" في الاعتراف ومواجهة الأزمة من ناحية أخرى، لذلك لعبت "تويوتا" بإحدى أهم أوراق لعبها على الإطلاق: السمعـة التي كوّنتها بين المستهلكين على مدار سنوات طويلة.
قامت الشركة بعرض مدد مطوّلة للضمان على سياراتها، بدأت في إطلاق حملات تسويقيـة تركز بشكل كامل على مجهودات الشركة في إعادة تطويـر أنظمة السلامة والأمان والحماية لسياراتها، وأن هذه الخطط تتم على المدى الطويل وليس القصير. كما بدأت في إطلاق إعلانات تتابع خطوات تطوير "تويوتا" لمعايير الأمان والسلامة لسيـاراتها أولا بأول في وسائل الإعلام.
بعد عدة شهـور، استطاعت الشركة أن تستعيد ثقة زبائنها، حيث قفــزت علامتها التجارية في عام 2011 بنسبة 11%، وبدأت في التعافي من آثار الحملة الهجومية الكاسحة التي عصفت بها في عام 2010. (5، 6، 7)
تاكو بيل.. شكرا لكم على مقاضاتنا!
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/ec019da6-4cac-414d-a063-498811924a95.jpeg
في عام 2011، تم رفع دعـوى قضائية ضد شركة "تاكو بيل" الشهيـرة المسؤولة عن تصنيع المنتجات الغذائية تتهم الشـركة بأن منتجـاتها من اللحوم تحتوي فقط على مقدار 35% من اللحوم، بينما بقيـة المنتج عبارة عن خلطات أخرى ومكملات غذائية ونكهـات، وتتهم الشركة بأنها "تكذب" في حملاتها الإعلانية التي تسوّق لمنتجـاتها باعتبارها طازجة دائما.
دعوى من هذا النوع كان من شأنها أن تهز ثقة المستهلكين تماما بالشركة، خصوصا أنه تلتها حملة إعلامية بدت ممنهجة ضد الشركة ومنتجـاتها.
لذلك، كان رد الشركة سريعا للغاية عندما خرجت لتعلن بوضوح كامل أن هذه ادعاءات كاذبة، وقامت بنشـر مكوّنـات منتجـاتها التي قالت إنها تتألف من نسبة 88% لحوم و12% وصفة سرية خاصة بها. هذه المكونات نشرتها الشركة في العديد من الصحف والإعلانات بشكل واضح وصريح للجمهـور لا يترك لبسا.
في الوقت نفسه أشعلت الشركة حملة علاقات عامة متعددة الجوانب لإطفاء الهجوم الكبير الذي لاحق الشركة، حيث انتشرت على كافة وسائل الإعلام التقليدي والاجتماعي، سواء بإعلانات ضخمة على الصحف، والتسويق الرقمي، واستخدام قنواتها على يوتيوب وفيسبوك وتويتر لدحض هذه الادعاءات والتأكيد أنها تقدم أفضـل المنتجات الممكنة لعمـلائها، وهو الأمر الذي انعكس على تأييد متنـامٍ من العملاء والمستهلكين للشركة.
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/023f996e-5f35-4a6a-8cd2-635ac7b07d51.jpeg
إعلان رسمي من شركة "تاكو بيل" بعنـوان "شكرا لكم على مقاضاتنا، إليكم الحقيقة بخصوص لحومنا" (مواقع التواصل)
بعد أربعة أشهـر فقط من بدء الحملة على "تاكو بيل"، والحملة الإعلانية المضادة التي قادتها الشركة للدفاع عن نفسها أمام العمـلاء، تم إسقاط الدعـوى القضائية التي تسببت في كل هذه الضجة، وخرجت "تاكو بيل" من هذه الحملة منتصـرة على الرغم من التأثير الحاد على مبيعاتها في تلك الفتـرة، لكنها استطاعت أن تُعيد الثقــة لمصداقيـة منتجاتها في السوق لدى المستهلكين. (5، 8)
جيت بلو.. فن امتصـاص الغضب
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/5ea8387e-1980-43be-a7ca-b6b7874e3d7b.jpeg
في عام 2007 ضربت عاصفة ثلجيـة الساحل الشرقي للولايات المتحدة، الأمر الذي عطّل حركة الطيران في تلك المنطقة عموما، واضطـرت شركة "جيت بلو" (Jet Blue) واحدة من أهم وأكبر شركات الطيران في أميـركا إلى تعطيل أكثر من 1000 رحلة طيـران على مدار خمسة أيام.
كان الخطأ الذي ارتكبته الشركة هو طاقم خدمة العمـلاء الذي بدا أداؤه كارثيا في تلك الفتـرة، خصوصا في عدم الوضوح مع العمـلاء في كيفية انتهاء الأزمة، وهو ما اضطـر الكثير من المسافرين للمبيت في قاعات المطـارات انتظارا لبدء رحلاتهم بدلا من العودة لمنازلهم أو فنادقهم.
بمرور الوقت بدأ المسافـرون يتضايقون ويتذمرون، ثم بدأت الأعصاب تصل إلى نقطة الغليان والصراخ في وجه مسؤولي الشركة الذين بدا عليهم الارتباك وعدم معرفتهم بما يجب فعله. وسط هذا الغضب، بدأت إدارة الشركة تتجاوب مع الأزمة بشكل صحيح على محورين، المحور الأول هو احتواء الأزمة وإنهاؤها والتخلص من آثارها على المدى القريب، والمحور الثاني هو التعامل مع "هزاتها الارتدادية" التي من المتوقع أن تستمر لفتـرة بعد انتهاء الأزمة.
ظهـر الرئيس التنفيذي للشركة وكتب خطابا عاما للجمهـور أوضح فيه مسؤولية الشركة الكاملة عن هذه الأزمة، موضحا أن الشركة ارتكبت أخطاء كبيرة في تلك الفترة، ولم يُلقِ باللائمة على سوء الأحوال الجوية كما هو متوقع في مثل تلك الأمور حتى يتجنب المزيد من غضب المسافرين. ثم طرح مجموعة واسعة من الخيارات كتعويضـات للمسافرين المتضـررين، وأبدى التزاما بتنفيذها في أسرع وقت ممكن.
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/b24fb706-1fa4-4bdf-98b8-889af70b2b9d.jpeg
انتشرت صور عديدة وقت الأزمة للركاب وهم نائمون في المطارات مع تعطل حركة السفر
لاحقا، وبعد عدة أسابيع ومع استمرار الحديث عن الأزمة في وكالات الأنباء وتوجيه الهجوم اللاذع لشركة "جيت بلو" على سوء إدارتها للأمر، أطلقت الشركة حمـلة دعائية واسعة لتحسين صورتها وإعادة ثقة المسافرين فيها، حيث ظهـر المدير التنفيذي للشركة بنفسه في خطابات على شبكة يوتيوب، أهم البرامج الحوارية الأميـركية، أبرز الصحف. كان ظهـوره الدائم في تلك الأماكن لا يُركّز سوى على أمر واحد: نعم نحن أخطأنا، ونعتذر!
صحيح أن الشركة تعرّضت لخسائر كبيـرة في سمعتها وعلامتها التجارية في تلك الفتـرة، لكنها استطاعت العودة تدريجيا إلى مكانها الطبيعي بعد تدارك الوضع وتكثيف برنامجها لتطوير خدمة العمـلاء بها، بالتوازي مع حملاتها الدعائية لتجاوز الأمر وطيّه في صفحات النسيان. (5، 9، 10)
في النهاية، شركة ناشئة أو متوسطة أو كبيــرة دون قسم نشط للعلاقات العامة هي شركة دون جهـاز مناعي، أي أزمة مهما كانت صغيـرة أو عابرة قد تمثل بالنسبة لها كارثة عاصفة قد تؤدي بها إلى المجهول. والعكس، طالما وُجدت علاقات عامة مميزة في الشركة، فأي أزمة كبيـرة كانت أو صغيرة هي في الواقع فرصة للمزيد من الإبداع.
عماد أبو الفتوح (https://www.aljazeera.net/author/emad_aboulfotoh) - الجزيره
8/5/2018
"بعض الأشخاص يولدون عظمـاء، والبعض الآخر يعملون بجدّيـة للوصول إلى العظمة. أما الفريق الثالث فيقومون بتعيين مديري علاقات عامة لإنجاز هذه المهمة!" – (دانييل جي بورستين، مؤرخ ومحاضر وكاتب أميركي) (1)
عندما يأتي الحديث عن "العلاقات العامة" (Public Relations) فنحن نتحدث هنا عن المضغة التي إذا صلحت صلح حال الشركة كلها، وإذا فسدت فسد حال الشركة كلها. الواجهـة التي يمكنها أن تحوّل القبيح إلى حسن، والحسن إلى قبيح. السلاح المزدوج الذي يُستخدم درعا للدفاع عن الشركة بنفس كفـاءة وقوة استخدامه سيفا للهجوم. لهذه الأسباب وغيـرها، لم يكن بيل غيتس -مؤسس مايكـروسوفت- مبالغا قطعا عندما قال مقولته الشهيـرة: "إذا لم يكن لديّ سوى دولار واحد في شركتي، فسوف أنفقــه على العلاقات العامة". (2)
بلا شك كل من داييل بورستين وبيل غيتس يعنيان ما يقولانه، ففي سجلات الشركات ما يثبت تماما مصداقيـة ما ذكـراه عن العلاقات العامة وأثرها، مهما كان نشاط الشركة ونوعية السوق الذي تنتمي إليه.
كادبــوري.. كيف تربح معـركتك ضد الديدان؟
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/b8d2619a-405a-4417-bb66-7f322d570fab.jpeg
صورة انتشرت في الهند لشيكولاتة كادبـوري تحتوي على ديدان
في عام 2003 تعرّضت شركة "كادبـوري" العالمية الشهيـرة لأخطـر أزمة تضر بسمعتها -رغم طـرافتها- عندما تم الإبلاغ عن وجود ديدان في عدد من أعواد الشيكـولاتة التي تقوم بإنتـاجها في مدينة بومبـاي بالهند. وبعد التأكد من مصداقيـة الحادثة، قامت الجهات الصحية في الهند بالاستيلاء على مخزون الشيكـولاتة الذي تخزّنه الشركة في مصـانعها للتخلص منه وعدم طـرحه للبيع.
كان رد فعل شركة "كادبـوري" شديد التواضع في بداية الأزمة، حيث تباطأت كثيرا في فهم المشكلة التي تواجهها في الهند ومقدار الغضب الشعبي من هذا الأمر، بل وقامت بإصدار تصريح رسمي مقتضب تقول فيه إن تلوّث منتجات الشيكولاتة التي تقوم بصناعتها "غير ممكن"، وهو تصـريح يحمل تشكيكا من الشركة في مصداقيـة الشكـوى، وهو ما جعلها تدخل في صدام علني مع المؤسسات الصحية الهندية من ناحية، وحملة إعـلامية هوجاء ضد الشركة من ناحيـة أخرى لما بدا أنه تهرّب كامل من مسؤوليتها والاكتفاء بالتشكيك في الواقعة.
بمرور الوقت تصاعدت الحملة الإعلامية على "كادبوري" إلى مستوى قياسي بدأ يهدد علامتها التجارية تهديدا وجوديا في سوق ضخم مثل الهند، الأمر الذي جعل الشركة تغيّـر من سياستها لمواجهـة الأزمة وأطلقت حملة إعـلانية ضخمـة على عدة محـاور. محـور تم توجيهه إلى المتاجر المختلفة في الهند بغرض تعليم التجـار كيفيـة تخزين منتجات الشيكولاتة التي تصدرها الشركة بشكل صحيح حتى لا تتلوّث، ومحور آخر تخاطب فيه الإعلام والصحافة أنها اتخذت إجراءات تصحيحية لخطوات تصنيع وحفظ الشيكـولاتة وتخزينها، وأن الشركة الأم قامت بتوريد أجهـزة جديدة تعمل على تطوير تغليف أعواد الشيكـولاتة التي تنتجها مصانعها في الهند.
خلال الشهور اللاحقة، عززت "كادبوري" حملاتها التسويقية والإعلانية ووطدت علاقاتها بالإعلام، الأمر الذي جعل الحملة الإعلامية على الشركـة تتضاءل تدريجيا. صحيح أن مبيعات الشركة في الهند تناقصت بشكل حاد -نحو 30%- في تلك الفتـرة، وهي الفتـرة نفسها التي كان من المتوقع أن تحقق الشركة زيادة في المبيعات بقيمة 15%. ومع ذلك، وبمرور الوقت بدأت الشركة في التحسن من ناحية المبيعات والخدمات، وتطوير نظم الصناعة والتغليف، حتى تم الإعلان بعد مرور 8 أشهر من الأزمة أن ثقة المستخدم في "كادبوري" عادت إلى وضعها الطبيعي. (3، 4، 5)
تويوتــا.. إذا أفسدت كل شيء استخدم مخزون الثقة
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/aa4b9ae1-64e6-4f17-b6b0-23c084fa97fd.jpeg
كان عام 2010 عصيبا على شركة "تويوتا" اليابانيـة للسيارات بلا شك. العمـلاق الياباني الذي يغزو العالم بسياراته وجد نفسه مضطـرا للإعلان عن سحب 8.8 مليـون سيارة من الأسواق العالميـة بسبب عيوب تصنيعيـة تؤثر تأثيرا مباشرا على مفهـوم الأمن والسلامة، عقب مجموعة من الحوادث التي نتج عنها حالات وفـاة متعددة.
في بداية الأزمة ظهـر التخبط واضحا على إدارة "تويوتا" حيث لم تستطع التوصّل سريعا إلى سبب المشكلة تحديدا، الأمر الذي جعلها توكّل فرق العلاقات العامة لديها لمحاولة فهـم أسباب الهجوم الإعلامي على سياراتها والتصدي له إعلاميا مهما كان الثمن، دون أن تدرك مصداقيـة الهجوم عليها. أما الإدارة العليا فقد كانت غائبة عن المشهد تماما في بدايات الأزمة، الأمر الذي زاد من حدة الانتقادات للشركة.
كان رد فعل "تويوتا" تجاه الانتقادات بطيئا على الدوام لدرجة كارثيـة، لكن في مرحلة معينة بدا أخيرا أن إدارة الشركة تفهّمت الأزمة وأنها ليست مجرد انتقادات بل هي هجوم حقيقي من المستهلكين بخصوص سياراتها، وأن الأمر يمثل خطرا حقيقيا على وجود "تويوتا" في مجموعة من أهم أسواقها وعلى رأسها الولايات المتحدة، فبدأت أخيرا تنتهج منهجـا مختلفا لسيـرها البطيء في الأشهـر الأولى من الأزمة، وبدأت في معالجة الموقف.
بعد أن أعلنت سحبها للسيارات من الأسواق، ركّزت "تويوتا" كل أذرعها الإعلامية والدعائية لهدف واحد وهو إعادة ثقة المستهلكين بعلامتها التجارية. كان هذا صعبا للغاية في ظل المشاكل الفنية للسيارات من ناحية، وبطء "تويوتا" في الاعتراف ومواجهة الأزمة من ناحية أخرى، لذلك لعبت "تويوتا" بإحدى أهم أوراق لعبها على الإطلاق: السمعـة التي كوّنتها بين المستهلكين على مدار سنوات طويلة.
قامت الشركة بعرض مدد مطوّلة للضمان على سياراتها، بدأت في إطلاق حملات تسويقيـة تركز بشكل كامل على مجهودات الشركة في إعادة تطويـر أنظمة السلامة والأمان والحماية لسياراتها، وأن هذه الخطط تتم على المدى الطويل وليس القصير. كما بدأت في إطلاق إعلانات تتابع خطوات تطوير "تويوتا" لمعايير الأمان والسلامة لسيـاراتها أولا بأول في وسائل الإعلام.
بعد عدة شهـور، استطاعت الشركة أن تستعيد ثقة زبائنها، حيث قفــزت علامتها التجارية في عام 2011 بنسبة 11%، وبدأت في التعافي من آثار الحملة الهجومية الكاسحة التي عصفت بها في عام 2010. (5، 6، 7)
تاكو بيل.. شكرا لكم على مقاضاتنا!
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/ec019da6-4cac-414d-a063-498811924a95.jpeg
في عام 2011، تم رفع دعـوى قضائية ضد شركة "تاكو بيل" الشهيـرة المسؤولة عن تصنيع المنتجات الغذائية تتهم الشـركة بأن منتجـاتها من اللحوم تحتوي فقط على مقدار 35% من اللحوم، بينما بقيـة المنتج عبارة عن خلطات أخرى ومكملات غذائية ونكهـات، وتتهم الشركة بأنها "تكذب" في حملاتها الإعلانية التي تسوّق لمنتجـاتها باعتبارها طازجة دائما.
دعوى من هذا النوع كان من شأنها أن تهز ثقة المستهلكين تماما بالشركة، خصوصا أنه تلتها حملة إعلامية بدت ممنهجة ضد الشركة ومنتجـاتها.
لذلك، كان رد الشركة سريعا للغاية عندما خرجت لتعلن بوضوح كامل أن هذه ادعاءات كاذبة، وقامت بنشـر مكوّنـات منتجـاتها التي قالت إنها تتألف من نسبة 88% لحوم و12% وصفة سرية خاصة بها. هذه المكونات نشرتها الشركة في العديد من الصحف والإعلانات بشكل واضح وصريح للجمهـور لا يترك لبسا.
في الوقت نفسه أشعلت الشركة حملة علاقات عامة متعددة الجوانب لإطفاء الهجوم الكبير الذي لاحق الشركة، حيث انتشرت على كافة وسائل الإعلام التقليدي والاجتماعي، سواء بإعلانات ضخمة على الصحف، والتسويق الرقمي، واستخدام قنواتها على يوتيوب وفيسبوك وتويتر لدحض هذه الادعاءات والتأكيد أنها تقدم أفضـل المنتجات الممكنة لعمـلائها، وهو الأمر الذي انعكس على تأييد متنـامٍ من العملاء والمستهلكين للشركة.
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/023f996e-5f35-4a6a-8cd2-635ac7b07d51.jpeg
إعلان رسمي من شركة "تاكو بيل" بعنـوان "شكرا لكم على مقاضاتنا، إليكم الحقيقة بخصوص لحومنا" (مواقع التواصل)
بعد أربعة أشهـر فقط من بدء الحملة على "تاكو بيل"، والحملة الإعلانية المضادة التي قادتها الشركة للدفاع عن نفسها أمام العمـلاء، تم إسقاط الدعـوى القضائية التي تسببت في كل هذه الضجة، وخرجت "تاكو بيل" من هذه الحملة منتصـرة على الرغم من التأثير الحاد على مبيعاتها في تلك الفتـرة، لكنها استطاعت أن تُعيد الثقــة لمصداقيـة منتجاتها في السوق لدى المستهلكين. (5، 8)
جيت بلو.. فن امتصـاص الغضب
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/5ea8387e-1980-43be-a7ca-b6b7874e3d7b.jpeg
في عام 2007 ضربت عاصفة ثلجيـة الساحل الشرقي للولايات المتحدة، الأمر الذي عطّل حركة الطيران في تلك المنطقة عموما، واضطـرت شركة "جيت بلو" (Jet Blue) واحدة من أهم وأكبر شركات الطيران في أميـركا إلى تعطيل أكثر من 1000 رحلة طيـران على مدار خمسة أيام.
كان الخطأ الذي ارتكبته الشركة هو طاقم خدمة العمـلاء الذي بدا أداؤه كارثيا في تلك الفتـرة، خصوصا في عدم الوضوح مع العمـلاء في كيفية انتهاء الأزمة، وهو ما اضطـر الكثير من المسافرين للمبيت في قاعات المطـارات انتظارا لبدء رحلاتهم بدلا من العودة لمنازلهم أو فنادقهم.
بمرور الوقت بدأ المسافـرون يتضايقون ويتذمرون، ثم بدأت الأعصاب تصل إلى نقطة الغليان والصراخ في وجه مسؤولي الشركة الذين بدا عليهم الارتباك وعدم معرفتهم بما يجب فعله. وسط هذا الغضب، بدأت إدارة الشركة تتجاوب مع الأزمة بشكل صحيح على محورين، المحور الأول هو احتواء الأزمة وإنهاؤها والتخلص من آثارها على المدى القريب، والمحور الثاني هو التعامل مع "هزاتها الارتدادية" التي من المتوقع أن تستمر لفتـرة بعد انتهاء الأزمة.
ظهـر الرئيس التنفيذي للشركة وكتب خطابا عاما للجمهـور أوضح فيه مسؤولية الشركة الكاملة عن هذه الأزمة، موضحا أن الشركة ارتكبت أخطاء كبيرة في تلك الفترة، ولم يُلقِ باللائمة على سوء الأحوال الجوية كما هو متوقع في مثل تلك الأمور حتى يتجنب المزيد من غضب المسافرين. ثم طرح مجموعة واسعة من الخيارات كتعويضـات للمسافرين المتضـررين، وأبدى التزاما بتنفيذها في أسرع وقت ممكن.
https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/05/b24fb706-1fa4-4bdf-98b8-889af70b2b9d.jpeg
انتشرت صور عديدة وقت الأزمة للركاب وهم نائمون في المطارات مع تعطل حركة السفر
لاحقا، وبعد عدة أسابيع ومع استمرار الحديث عن الأزمة في وكالات الأنباء وتوجيه الهجوم اللاذع لشركة "جيت بلو" على سوء إدارتها للأمر، أطلقت الشركة حمـلة دعائية واسعة لتحسين صورتها وإعادة ثقة المسافرين فيها، حيث ظهـر المدير التنفيذي للشركة بنفسه في خطابات على شبكة يوتيوب، أهم البرامج الحوارية الأميـركية، أبرز الصحف. كان ظهـوره الدائم في تلك الأماكن لا يُركّز سوى على أمر واحد: نعم نحن أخطأنا، ونعتذر!
صحيح أن الشركة تعرّضت لخسائر كبيـرة في سمعتها وعلامتها التجارية في تلك الفتـرة، لكنها استطاعت العودة تدريجيا إلى مكانها الطبيعي بعد تدارك الوضع وتكثيف برنامجها لتطوير خدمة العمـلاء بها، بالتوازي مع حملاتها الدعائية لتجاوز الأمر وطيّه في صفحات النسيان. (5، 9، 10)
في النهاية، شركة ناشئة أو متوسطة أو كبيــرة دون قسم نشط للعلاقات العامة هي شركة دون جهـاز مناعي، أي أزمة مهما كانت صغيـرة أو عابرة قد تمثل بالنسبة لها كارثة عاصفة قد تؤدي بها إلى المجهول. والعكس، طالما وُجدت علاقات عامة مميزة في الشركة، فأي أزمة كبيـرة كانت أو صغيرة هي في الواقع فرصة للمزيد من الإبداع.