فاتن
09-04-2005, 07:36 AM
بقدر إضحاكها يكون سعرها وتجارها لهم أماكن معروفة
في فيلم مصري قديم، اسمه «فتاة الاستعراض»، لعب بطولته سعاد حسني وحسن يوسف، برزت لأول مرة في تاريخ السينما إحدى الشخصيات الهامشية، التي تساهم بدور كبير في إنجاح هذه الأفلام، وهي شخصية بائع النكت، ويشتريها عادة النجوم لإلقائها خلال أفلامهم، وخلال المسرحيات التي يقومون ببطولتها.
أماكن وجود هذه الشخصيات شبه الأسطورية تكون بالقرب من ستوديوهات التصوير، ويعرف النجوم ومؤلفو المسرحيات الكوميدية الطريق إليهم. ومن أشهرهم «عم زكي»، الذي يتواجد في مقهى «بعرة» الشهير بوسط القاهرة، الذي يجلس فيه عادة الكومبارس والمجاميع.
فتحي، عامل المقهى الصغير، قال إن عم زكي يحضر عادة بعد انتهائه من عمله في هيئة النقل العام، حيث يعمل محصلا، وقال فتحي إن عم زكي يأتيه خصيصا عدد كبير من نجوم السينما والعديد من المثلين الكوميديين.
أما عم زكي فله رأي مختلف، إذ يرى أن الزمان اختلف، وما كان يضحك قديما لم يعد يضحك الآن، وأن النجوم الجدد يريدون افيهات ـ على حد قوله ـ روشة، ويلجأ العديد منهم الى الإنترنت للحصول على النكت، كما ان الجيل القديم الذي كان يشتري منهم تقاعد أو يرغب في التقاعد.
وأهم ملامح عم زكي أنه قصير القامة مستدير الوجه، أسنانه بارزة قليلا إلى الأمام، مما يعطيه منظر المبتسم على الدوام، لكنه حين التقيناه بدا مستاء. وحينما سألناه كيف يكشر هكذا وهو يصنع النكت، قال لي غاضبا: وهل أنا قرداتي.
المهنة لم يعد لها الهيبة القديمة، ولم تعد تلقى ذات الاهتمام من الجيل الجديد، الذين يريدون شبابا جديدا مثلهم يؤلف لهم النكت. «الهم زاد» على حد قول عم زكي، والنكت لم تعد تضحك احدا.
عم زكي النكتجي، عندما سألته كيف يؤلف النكت قال: الافيهات (الملحوظات) تلقى طوال النهار، لكنها فقط في حاجة إلى عين خبير لتلتقطها وتسجلها، ثم أخرج من جيبه دفترا صغيرا وقال: أنا أسجل هنا معظم ما أسمعه طوال النهار.
وتابع: الشعب المصري بطبيعته ساخر، يسخر من نفسه ومن كل شيء.. «اخر شيء سمي احمد الصباحي، المرشح لانتخابات الرئاسة، الذي يدعو لعودة الطربوش بالحاج «بوحة» على اسم فيلم للكوميديان محمد سعد».
ويستفيد عم زكي، كما حكى لنا، من مهنته كمحصل في اتوبيس للنقل العام كثيرا، وقال «الاتوبيس طوال الوردية الخاصة بي، لا يتوقف فيه الكلام، والزحام على أشده، ومن هنا تتفجر النكت فالذي يشكو من الزحام من الممكن ان يطلق نكتة على النظام الحاكم أو عن التحرش الجنسي او عن النساء البدينات، وهكذا».
ليس هذا هو مصدره للنكت فقط، لكن النكتة عنده تبدأ «بأفيه»، ملحوظة، على أحد الاشياء او السلبيات التي تحدث.
لكن الحاج سالم، الذي تعدى عمره السبعين، ويجلس في مقهى ملاصق لمسرح الريحاني، بشارع عماد الدين، أشهر شوارع الفن في مصر قال، إن النكتة تنشأ في أجواء المزاج، ولا بد أن يكون النكتجي صافي الذهن، سريع البديهة، يستطيع أن يلتقط أبسط الاشياء، ويستطيع أن يتلاعب بالألفاظ وبالكلمات، وأن يعطي الكلمة أكثر من معنى، بحيث تمنح من يسمعها عنصر المفاجأة: أي أن تبيع النكتة لشخص في أحد المسرحيات وتجدها على لسان أحد الممثلين في مسرحية أخرى، من دون استئذان، ولذلك فهو يحلم بأن يجمع النكت التي يقوم بتأليفها في كتاب لكي يحتفظ بها وبحقوق ملكيتها، لأنها على حد تعبيره: تعبه وشقاه.
وأشهر من تعاون مع الحاج سالم، الفنان سمير غانم، قال سالم: هو صديق عزيز، ودائما يسأل عني، ويعرف عنوان بيتي. وقال: عرفني عليه الفنان الراحل الضيف أحمد في السبعينات ومن يومها وأنا أقول له دائما ما يستجد من نكت.
ولا يتوقف تعامل الحاج سالم في عملية بيع النكت على الممثلين بل على المؤلفين للمسرحيات أيضا، غير أنه رفض ذكر اسماء مبررا ذلك بأنه فعل ذلك قبلا فقاطعوه. لكن من أبرز الممثلين الذين تعامل معهم الفنان أحمد آدم.
ورغم صداقة الحاج سالم مع كبار الفنانين، الا انه يرى ان المهنة «راحت عليها». وتابع: «الذوق تغير وما كان يضحك زمان ما عادش يضحك اليوم، النكت هذه الأيام اصبحت « تيك اواي» تسمع النكتة وكأنك لم تسمع شيئا».
ما يضايقه ايضا أن المهنة لا تجد من يحفظها، والبعض يستغلها للتكسب والنصب، ويرفض الحاج سالم تحديد سعر للنكتة وقال: كل واحد وله ظروفه، وكل واحد ونظره. غير أنه يحدد سعر النكتة من الضحكات التي تنتزعها من الزبون، كما ان الذي يشتري نكتة غير الذي يشتري نكتتين، وهكذا. وهو هنا يروي انه بدأ النكتة بخمسة قروش في برنامج «ساعة لقلبك» الشهير، الذي كان يقدم في الاذاعة في ما مضى، أما الآن، والكلام له، فلن أقول لك «أحسن تكون بتشتغل في الضرائب».
الحاج سالم يبدو سعيدا ومعتزا جدا بمهنته، ورغم أنه يبدو شديد الجدية وهو يتحدث، الا انه لا يفتأ يفاجئك بنكتة في سياق حديثه تنتزع الضحكات.
وحينما قمت لأنصرف وجدته يميل ناحيتي ويسألني «سمعت آخر نكتة يا بيه؟».
في فيلم مصري قديم، اسمه «فتاة الاستعراض»، لعب بطولته سعاد حسني وحسن يوسف، برزت لأول مرة في تاريخ السينما إحدى الشخصيات الهامشية، التي تساهم بدور كبير في إنجاح هذه الأفلام، وهي شخصية بائع النكت، ويشتريها عادة النجوم لإلقائها خلال أفلامهم، وخلال المسرحيات التي يقومون ببطولتها.
أماكن وجود هذه الشخصيات شبه الأسطورية تكون بالقرب من ستوديوهات التصوير، ويعرف النجوم ومؤلفو المسرحيات الكوميدية الطريق إليهم. ومن أشهرهم «عم زكي»، الذي يتواجد في مقهى «بعرة» الشهير بوسط القاهرة، الذي يجلس فيه عادة الكومبارس والمجاميع.
فتحي، عامل المقهى الصغير، قال إن عم زكي يحضر عادة بعد انتهائه من عمله في هيئة النقل العام، حيث يعمل محصلا، وقال فتحي إن عم زكي يأتيه خصيصا عدد كبير من نجوم السينما والعديد من المثلين الكوميديين.
أما عم زكي فله رأي مختلف، إذ يرى أن الزمان اختلف، وما كان يضحك قديما لم يعد يضحك الآن، وأن النجوم الجدد يريدون افيهات ـ على حد قوله ـ روشة، ويلجأ العديد منهم الى الإنترنت للحصول على النكت، كما ان الجيل القديم الذي كان يشتري منهم تقاعد أو يرغب في التقاعد.
وأهم ملامح عم زكي أنه قصير القامة مستدير الوجه، أسنانه بارزة قليلا إلى الأمام، مما يعطيه منظر المبتسم على الدوام، لكنه حين التقيناه بدا مستاء. وحينما سألناه كيف يكشر هكذا وهو يصنع النكت، قال لي غاضبا: وهل أنا قرداتي.
المهنة لم يعد لها الهيبة القديمة، ولم تعد تلقى ذات الاهتمام من الجيل الجديد، الذين يريدون شبابا جديدا مثلهم يؤلف لهم النكت. «الهم زاد» على حد قول عم زكي، والنكت لم تعد تضحك احدا.
عم زكي النكتجي، عندما سألته كيف يؤلف النكت قال: الافيهات (الملحوظات) تلقى طوال النهار، لكنها فقط في حاجة إلى عين خبير لتلتقطها وتسجلها، ثم أخرج من جيبه دفترا صغيرا وقال: أنا أسجل هنا معظم ما أسمعه طوال النهار.
وتابع: الشعب المصري بطبيعته ساخر، يسخر من نفسه ومن كل شيء.. «اخر شيء سمي احمد الصباحي، المرشح لانتخابات الرئاسة، الذي يدعو لعودة الطربوش بالحاج «بوحة» على اسم فيلم للكوميديان محمد سعد».
ويستفيد عم زكي، كما حكى لنا، من مهنته كمحصل في اتوبيس للنقل العام كثيرا، وقال «الاتوبيس طوال الوردية الخاصة بي، لا يتوقف فيه الكلام، والزحام على أشده، ومن هنا تتفجر النكت فالذي يشكو من الزحام من الممكن ان يطلق نكتة على النظام الحاكم أو عن التحرش الجنسي او عن النساء البدينات، وهكذا».
ليس هذا هو مصدره للنكت فقط، لكن النكتة عنده تبدأ «بأفيه»، ملحوظة، على أحد الاشياء او السلبيات التي تحدث.
لكن الحاج سالم، الذي تعدى عمره السبعين، ويجلس في مقهى ملاصق لمسرح الريحاني، بشارع عماد الدين، أشهر شوارع الفن في مصر قال، إن النكتة تنشأ في أجواء المزاج، ولا بد أن يكون النكتجي صافي الذهن، سريع البديهة، يستطيع أن يلتقط أبسط الاشياء، ويستطيع أن يتلاعب بالألفاظ وبالكلمات، وأن يعطي الكلمة أكثر من معنى، بحيث تمنح من يسمعها عنصر المفاجأة: أي أن تبيع النكتة لشخص في أحد المسرحيات وتجدها على لسان أحد الممثلين في مسرحية أخرى، من دون استئذان، ولذلك فهو يحلم بأن يجمع النكت التي يقوم بتأليفها في كتاب لكي يحتفظ بها وبحقوق ملكيتها، لأنها على حد تعبيره: تعبه وشقاه.
وأشهر من تعاون مع الحاج سالم، الفنان سمير غانم، قال سالم: هو صديق عزيز، ودائما يسأل عني، ويعرف عنوان بيتي. وقال: عرفني عليه الفنان الراحل الضيف أحمد في السبعينات ومن يومها وأنا أقول له دائما ما يستجد من نكت.
ولا يتوقف تعامل الحاج سالم في عملية بيع النكت على الممثلين بل على المؤلفين للمسرحيات أيضا، غير أنه رفض ذكر اسماء مبررا ذلك بأنه فعل ذلك قبلا فقاطعوه. لكن من أبرز الممثلين الذين تعامل معهم الفنان أحمد آدم.
ورغم صداقة الحاج سالم مع كبار الفنانين، الا انه يرى ان المهنة «راحت عليها». وتابع: «الذوق تغير وما كان يضحك زمان ما عادش يضحك اليوم، النكت هذه الأيام اصبحت « تيك اواي» تسمع النكتة وكأنك لم تسمع شيئا».
ما يضايقه ايضا أن المهنة لا تجد من يحفظها، والبعض يستغلها للتكسب والنصب، ويرفض الحاج سالم تحديد سعر للنكتة وقال: كل واحد وله ظروفه، وكل واحد ونظره. غير أنه يحدد سعر النكتة من الضحكات التي تنتزعها من الزبون، كما ان الذي يشتري نكتة غير الذي يشتري نكتتين، وهكذا. وهو هنا يروي انه بدأ النكتة بخمسة قروش في برنامج «ساعة لقلبك» الشهير، الذي كان يقدم في الاذاعة في ما مضى، أما الآن، والكلام له، فلن أقول لك «أحسن تكون بتشتغل في الضرائب».
الحاج سالم يبدو سعيدا ومعتزا جدا بمهنته، ورغم أنه يبدو شديد الجدية وهو يتحدث، الا انه لا يفتأ يفاجئك بنكتة في سياق حديثه تنتزع الضحكات.
وحينما قمت لأنصرف وجدته يميل ناحيتي ويسألني «سمعت آخر نكتة يا بيه؟».