المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المعممون وفاجعة جسر الأئمة ، بين تمجيد الموت العبثي والتستر على المجرمين !



مجاهدون
09-03-2005, 01:12 AM
كتابات - علاء اللامي



التقت إذاعة عراقية محلية هي "سوا " في تغطيتها الخاصة والفورية لفاجعة جسر الأئمة يوم الأربعاء 31 من آب الأسود بعدد من رجال الدين والسياسيين منهم الشيخ جلال الدين الصغير عضو الجمعية العامة عن قائمة الائتلاف العراقي وأجرت معه لقاء أورد فيه - لا فض فوه - عدة آراء تثير الاستهجان والعجب سنورد بعضها بالشكل التقريبي وليس الحرفي معتمدين على الذاكرة :

- إن مسيرات الزيارة مستمرة تحديا للإرهاب وإن الناس كانت تهنئ بعضها البعض باستشهاد أقاربها وقد شاهدت بأم عيوني – يقول الشيخ الصغير – أناسا يبكون لأنهم لم ينالوا الشهادة في يوم استشهاد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام .

- إن أعداد الشهداء والضحايا أقل بكثير مما كنا نتوقعه وقد قامت الأجهزة الحكومية بواجباتها على أتم وجه .

- أنا هنا لا أدافع – يستطرد الشيخ - عن الحكومة فأنا عضو الجمعية الوطنية ولكن الحقيقية يجب أن تقال .

هذه الآراء التي عبر عنها جلال الدين الصغير لا تدل على أدنى احترام للروح الإنساني ، لا بل إنها تهين الشهداء والضحايا الأبرياء بشكل غير مباشر حين تحاول تجيِّير المأساة والمعاناة الإنسانية لصالح شعارات طائفية محضة وحين تسكت سكوتا مدويا عن تفسير أسباب الذعر والهلع الذي أصاب مئات الآلاف من الناس حين انتشرت الشائعات عن وجود الانتحاريين وبعد سقوط قذائف الهاون على ساحة الزهراء في الكاظمية وداس الهاربون على بعضهم البعض ، فلماذا الهرب والهلع لو كانوا حقا سعداء بالموت الذي يسميه جلال الدين الصغير شهادة يبكي البعضُ لأنه لم ينلها . شهادة من أجل ماذا ؟ من أجل الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ؟ ولكن من قال لهذا الشيخ بأن الإمام عليه السلام سعيدٌ وفرِحٌ بأن يموت أحبتُه وشيعتُه هذه الميتة العبثية التي لا معنى لها ؟ من قال لك يا شيخ إن موتا كهذا والذي تسميه تحديا للإرهاب سيردع الإرهابيين والمحتلين عن جرائمهم ؟ ثم لماذا تلتزم الصمت أنت وأمثالك من معممي واشنطن وقُم حين تقاتل المقاومةُ الوطنيةُ المحتلين الذين هم سبب بلاء العراقيين ولا تشجعون شيعة آل البيت على هذا القتال الشريف والاستشهاد فيه ؟ لماذا هذا التركيز في كلامك على التكفيريين الوهابيين ونسيان الأسياد الأمريكان الذين أنبتوهم في أفغانستان ثم استجلبوهم إلى بلاد الرافدين ؟

نعم ، التكفيريون ، وسواء كانوا سنة أو شيعة يستأهلون اللعنة والقتال حتى تطهير العراق منهم ، ولكن المعممين الذين يدفعون الآلاف من الناس البسطاء إلى الكوارث المتوقعة ويشجعونهم على الموت العبثي والخروج في مسيرات مليونية في بلد يحترق بنيران الاحتلال والاستقطاب الطائفي ، هؤلاء المعممون يتحملون مسئولية قصوى عما حدث وسيحدث وقد آن الأوان لهم لكي يكفوا عن اللعب بأرواح الناس والمتاجرة بحماسهم الديني وحبهم لآل البيت النبوي .

إلى متى تساق الملايين من المؤمنين وأحبة آل البيت إلى الموت العبثي عوضا عن البحث عن حل جذري للوضع المأساوي في العراق ، أو على الأقل البحث عن حلول سريعة وطارئة لشقاء الناس وفقدانها الطعام والماء والكهرباء والعمل والأمن فيما "يكمخ" و "يلهف " و " يشفط "السياسيون الجدد بعمائم وبغيرها من مال الشعب و خيراته المنهوبة ؟ إن الشيخ الصغير مأخوذ باستيهاماته الشخصية عن الموت والاستشهاد والتضحية بالذات فيما هو يراقب نمو كرشه الشخصي الأنيق ،ولكن من أجل ماذا يجب أن يموت الناس يا شيخ جلال ؟ لاشيء هذه المرة سوى أن يدوم هو وغيره من المعممين في وضعهم الاجتماعي والمعاشي الجديد ومرتبات عضوية الجمعية العامة والمناصب الأخرى التي جاد عليهم بها المحتل الأجنبي .

والحقيقة فإن جماهير العراقيين وطلائعها من الشباب المتعلم خصوصا يتحملون مسئولية كبرى في هذه المأساة المريعة والمثيرة للغضب والحزن .لقد كان على القوى المثقفة والمتعلمة ، وخصوصا من الشبان الإسلاميين المستنيرين ، أن تكبح وتعرقل من شدة الانهيار والاحتقان الطائفي و تقاوم صعود المشاعر الطائفية المكبوتة بفعل قمع البعثيين الصداميين طوال عقود وكان عليهم تخليص الناس من الأوهام والخرافات والأفكار الطائفية والمأزومة التي ينفثها بعض المعممين بين صفوف الناس ، وتبين الفارق للناس بين الإيمان الحقيقي النابع من القلب اليقظ والعقل الواعي وبين الإيمان القطيعي الأعمى ، بين حب آل البيت النبوي والذي هو زاد روحي لجميع العراقيين ونور وهاج في قتام الظلم والاستعباد الاستعماري وبين التحزب الطائفي البغيض والذي يوقد تحت مرجله رجال السوء المشبوهون .

بصراحة قد تصدم البعض ، فإن مسلسل هذه الجرائم سيستمر ، والمبارزة بالمجازر بين الطائفيين سيستمر ما لم يقم الشباب العراقيين الواعي والوطني بثورة حقيقية تحول الركام المتفجر والنيران الطائفية إلى رماد ، وتساعد الناس على تشغيل آلة العقل النقدي الفعالة لدى جميع العراقيين . وبدون هذه الثورة الشريفة والعقلانية سيظل الاحتلال جاثما وسيظل ذوو العمائم من جميع الطوائف والنِّحَل يخوضون في دماء الناس ويمسحون بها لحاهم تقربا لمنافعهم الدنيوية وأوهامهم النفسية الكابوسية .

لم تكن تلك التغطية الإعلامية الإذاعية محكورة على الشيخ جلال الدين الصغير بل شارك فيها الشيخ عبد السلام الكبيسي وشيخ آخر نسيت اسمه والكبيسي من الشيوخ الوطنيين المناهضين للاحتلال الذين نحترم مواقفه ، ولكنه ، هو الآخر لم يكن موفقا في مشاركته في هذه المناسبة الحزينة : فهو أولا اعتبر الكارثة المأساوية قضاء وقدرا ، و نفى أن يكون هناك استهداف من أي نوع للمسيرات ، ولم يعلق بكلمة على موضوع القصف الإجرامي الذي استهدف جماهير الزوار قبل فاجعة الجسر . وحين سئل الشيخ الكبيسي هل تنوي "هيئة العلماء المسلمين" في بغداد ، والتي هو قيادي فيها ، القيام بحملة للتبرع بالدماء كما فعل أهالي الفلوجة النجباء والذين تجمع المئات منهم أمام المساجد والمستشفيات ، قال الشيخ الكبيسي بأن الهيئة مشغولة بأهالي القائم والكرابلة الذين تعرضوا للقصف الأمريكي ! ثم أضاف أن شباب حي الأعظمية قاموا بالواجب وهم يقدمون الطعام والشراب للزوار الذين تم إنقاذهم .

شخصيا لا أساوي بين الشيخ الكبيسي الوطني المناهض للاحتلال عبد السلام الكبيسي وبين الشيخ المدافع عن بقاء جيوش الاحتلال جلال الدين الصغير ولكنني أنتقد الأول بشده لمحاولته التستر على القتلة التكفيريين الذين قاموا بالقصف بالهاون والدوشكات . وأسجل أن تهربه من الإجابة عن السؤال المتعلق بالتبرع بالدم كان مرتبكا وفي غير محله .

وبخصوص موضوع القصف الهاوني فقد ذكر وزير الدفاع " الشفيِّة " فيما بعد أن قواته " العتيدة " ردت على مصادر النيران وقتلت سبعة إرهابيين . ونتحدى هذا الوزير أن يقدم جثث هؤلاء لإعلام أو أن يسمح للصحافيين بزيارة المكان الذي انطلقت منه القنابل والذي قال إنه في بساتين القريعات و منطقة التاجي . أما السيد صالح الملك رئيس مجلس الحوار الذي شارك في تلك التغطية فقد سأله المذيع عن السبب في مبادرة بعض المتظاهرين المحسوبين عليهم إلى رفع صور الطاغية صدام حسين فقال المطلك : إن رفع الصور كان فعلا فرديا قام به المتظاهرين الذين أخرجوا تلك الصور لصدام من بيوتهم وعلقوها ، وأنه يرفض شخصيا تعليق وتمجيد أي شخص كان سوى الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل العراق وأن مجلس الحوار الذي ينطق باسمه وبخ المشرفين على تلك المظاهرات لسماحهم برفع تلك الصور . وفي الواقع فكلام المطلك مشجع إلى أبعد الحدود ، عسى أن يساعد شعبنا يطوي صفحة الطاغية صدام نهائيا وبأسرع ما يمكن ففي ذلك خلاص لجيل كامل من العراقيين بمن فيهم البعثيين الأبرياء من جرائم نظام صدام ولكن السؤال الذي نرجو أن يجيب عليه السيد المطلك هو لماذا هذا الرفض المستمر لإدانة النهج الصدامي رسميا وإعلان البراءة منه علنا والاعتذار للشعب عن كل ما فعله ؟

خارج هذه التغطية الإذاعية ، نشرت العديد من ردود الأفعال والبيانات ولعل من أكثرها إثارة للاستغراب والعجب العجاب هو البيان الصادر عن الشيخ جواد الخالصي والذي جاء فيه حرفيا (ولكننا فجعنا عندما كانت إحدى هذه الحواجز الكونكريتية التي جاءت لتشوه شوارعنا وتغلق معظمها والتي تخفي ورائها الكثير من الوجوه القبيحة التي جاءت لتخرب هذا البلد الجريح أما بقصد أو بغباء من واضعيها ظناً منهم بأنها سوف ترد عادية من يحاول النيل منهم ، فكانت هذه الحواجز سبباً في استشهاد ما يزيد على 750 شهيداً ..) ولا أدري والله ماذا يمكن للمرء أن يقول أمام هذا النوع من التبسيط واللعب بمشاعر وعقول ودماء الناس ! كارثة ضخمة يسقط فيها ألف قتيل سببها وفق بيان المدرسة الخالصية كتلة كونكريتية في الشارع ! من يصدق ذلك ؟ وفي البيان ذاته لا يفوت الخالصي الفرصة لتصفية حساباته الأيديولوجية السلفية العتيقة ليهاجم (العلمانية والتحررية والديموقراطية التي جاء بها الاحتلال ..) عجبي ، عرب وين و"العلمانية" وين ؟ ولكن وفي بيان صادر عن نفس الجهة نعلم أن الشيخ جواد الخالصي قام بتوجيه وفد علمي من جامعته لزيارة المكان الذي استهدفته قذائف الهاون ويقول الخبر ( قام وفد يضم عدد من أعضاء الهيئة العلمية لجامعة مدينة العلم للإمام الخالصي وبتوجيه من سماحة الشيخ المجاهد جواد الخالصي بجولة تفقدية للاماكن التي تعرضت للقصف الغادر والجبان الذي طال الآمنين من زوار الإمام موسى الكاظم عليه السلام ..) أما من قام بهذا القصف الغادر الجبان ، وهل هم من جنس البشر أو الملائكة ، من الأنس أم من الجن ؟ فلا جواب يمكن العثور عليه إذ يكتفي البيان كما في المرات العديدة السابقة بذكر التقفيلة المعهودة التي تحمل ( المسؤولين وقوات الاحتلال المسؤولية عن هذه الحوادث الإجرامية ..)

وختاما فلا يسع المرء في هذه الظروف المأساوية والحزينة سوى الترحم على الضحايا الأبرياء من أبناء وبنات شعبنا الصابر المبتلى ، وتوجيه التحية لمن عَلَتْ وطنيتُه وإنسانيتُه وشهامتُه العراقية على غريزته الطائفية والحزبية، و منهم على سبيل المثال والفخر الشخصيات التي حملت الإرهاب التكفيري والحكومة العميلة والاحتلال مسئولية ماحدث وطالبت بفتح تحقيق جدي حول الكارثة ، ومنهم أيضا مئات المواطنين النجباء من مدينة الفلوجة الذين سارعوا للتبرع بالدم لمواطنيهم وإخوانهم ضحايا فاجعة جسر الأئمة وإلى شباب الأعظمية وأحياء بغداد الأخرى الشجعان الذي ساهموا في إنقاذ العشرات وقدموا كل ما تستطيعون للضحايا والمنكوبين ، والتحية واجبة ومضمونة لرجال الدين الشجعان والذين سيشرعون منذ الآن في الانشقاق على ذوي العمائم الاحتلالية ، شيعيةً كانت أم سنية ، ويتفتحون عيون وعقول الجماهير ويعلنون بالفم الملآن إن المجد ليس في الموت العبثي الذي يسمن ويتكرش عليه رجال الدين الأدعياء بل في الحياة الحرة وجهاد المحتلين وطرد الإرهابيين وقطع دابر الطائفيين في كل أرجاء العراق .

ملاحظة أخيرة :ثمة بيانات ومواقف جيدة ومعبرة أخرى صدرت من قوى وشخصيات وطنية عراقية غير تلك التي تعرضنا لها ولكننا لم نتوقف عندها لضيق المجال وننوه خصوصا بالبيان الناضج الذي أصدره سماحة الشيخ حسن الزركاني مسئول العلاقات الخارجية في الخط الصدري بمناسبة هذه الفاجعة الوطنية الكبرى .