المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب المفكر الايراني داريوش شايغان يناقش الحضارات التقليدية



المهدى
09-03-2005, 12:24 AM
التقليدية في مواجهة إشكاليات الحداثة المعاصرة

عرض: انور الياسين

/ صدرت الترجمة العربية لكتاب بعنوان: »ما الثورة الدينية- الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة« للمفكر الايراني داريوش شايغان عن دار الساقي ببيروت ترجمة وتقديم الدكتور محمد الرحموني ومراجعة الدكتور مروان الداية.

يقع الكتاب في نحو 320 صفحة من القطع الكبير وهو مكون من مقدمة وستة فصول ولكن يمكن تقسيمه الى ثلاثة اقسام كبرى يشمل القسم الاول الابواب الثلاثة الاولى, وقد اعتبرها المؤلف »مجرد استطراد« لتسهيل مهمة القارئ حتى يفهم جيداً معنى الثورة الدينية في افق الحضارات التقليدية.

ومحتوى هذا القسم الاول »تذكير« بالبنى الكبرى للفكر التقليدي وكيف انهارت مع انبثاق العصر العلمي التقني في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين الذي احدث تغييرا مذهلا في وعي الانسان بذاته وبمركزه في العالم بحيث رأى فيه المؤلف ثاني تحول ثقافي للبشرية »حدث التحول الاول ما بين القرنين السابع والخامس قبل الميلاد« وقد نقل هذا التحول الانسانية »من الرؤية التأملية الى الفكر التقني ومن الاشكال الجوهرية الى مفاهيم التقنية الرياضية ومن الجواهر الروحية الى الدوافع الغريزية البدائية ومن الاخروية الى التاريخانية« ولم يعد للانسان تبعا لذلك موضوع مركزي وثابت في العالم لان العالم لم يعد هو نفسه شيئا ثابتا..

ولم يعد ينتسب الى الانبياء والالهة بل اضحت شجرة نسبه تعود الى القردة ولم يعد سيد نفسه بل هو متربع فوق بركان من القوى اللاواعية واللاعقلانية لقد »انهارت باختصار« رؤية العالم التراتبية وقوسا النزول والصعود والبنية الثلاثية وعلم اللاهوت السالب والصور الظاهرية للخيال, بحيث حل التطور ذو البعد الواحد محل الصعود الدوري التزامني وحلت ازمنة وفضاءات الامتداد الهندسي المتجانسة محل الازمنة والفضاءات الروحية المتفردة وحلت السببية الفيزيائية محل تطابق الرموز التزامني وحلت ثنائية الجسد والروح محل بنية الفكر الثلاثية وحلت اخيراً الكناية محل الرمز.

ويشمل القسم الثاني البابين الرابع والخامس ويتركز حول الوضعية الراهنة للحضارات التقليدية حيث يرى المؤلف ان هذه الحضارات تعيش مأزقا حقيقيا متأنيا من كونها فقدت بناها الفكرية الكبرى او بالاصح فقدت هذه البنى مبررات وجودها بفعل الهجمة الحداثية الغربية وانها لم تشارك في صنع هذه الحداثة ولم يسمح لها الغرب بذلك.

ويقترح للخروج من هذا المأزق التاريخي في الباب السادس وهو مادة القسم الثالث مخرجا يتلخص في نقطتين اثنتين: اولاهما فصل السياقين الثقافيين الغربي والشرقي بعضهما عن بعض وذلك بان نعي ان الدين ليس هو الايديولوجيا وان قوانين التاريخ تخضع لمعايير غير معايير العودة العمودية الى الوجود وثانيتهما القيام برحلة متبادلة وبما ان الغربيين ادوا هذه الرحلة في شخص هنري كوربان »الذي اعاد رسم المسافة من هيدغر الى السهروردي »كان اول من ترجم هيدغر الى الفرنسية والتلميذ الروحي الغربي الاول للسهروردي« فعلى الشرقيين ان يردوا الرحلة في الاتجاه المعاكس.
ويكرر شايغان في جميع ما نشره بعد سنة 1982 اي بعد صدور ما الثورة الدينية? فكرته الجوهرية التي يمكن تلخيصها في ان: العالمين- الغرب والشرق- يعيشان مأزقاً حقيقياً.

فالفكر في الغرب كف عن ان يكون فكرا فلسفيا كما كف الفكر في الشرق عن ان يكون فكرا دينيا لذلك فان النمط الفكري الوحيد القادر حاليا عن فرض نفسه هو »نمط جديد من الفكر لن يكون فلسفيا بمعنى الكلمة ولن يكون دينيا انه شيء ما بين الاثنين يأخذ من الدين طاقته الوجدانية ومن الفلسفة مظهرها المعقول والاستدلالي وهذا النمط الهجين هو الايديولوجيا«.

ويهدف المؤلف من هذا الكتاب ليس الى مجرد سرد وقائع للاحداث بقدر ما يسعى الى تقديم او كشف المأساة التي يعيشها العالم المعاصر على مسرح الصراعات الثقافية الكونية حيث تصبح الثورة الدينية في هذا السياق علامة خطيرة على فشل مزدوج سواء من حيث عجز الحداثة عن اقناع الجماهير الطريحة على هامش التاريخ او من قطيعة معرفية مع الماضي.

ويؤكد المؤلف »شايغان« في اجابته عن السؤال الذي جعله عنواناً لكتابه هذا »ما الثورة الدينية?« انه يهدف الى التأكيد ان هذه الحضارات التقليدية انما تعيش مرحلة انتقالية بين حدث هو في طور الاعداد او »التشكيل« ولكنه غير معلن بصراحة ونظام روحي يتعرض لحالة من الاهتزاز وان لم يكن قد انهار بعد!

الطريف ان المؤلف يصف كتابه هذا بأنه عبارة عن »كتاب تاريخ« يكشف وعي البائسين انه تاريخ حدث لا يمكن ان يسرده الا الذين عاشوه من الداخل كنطقة تصادم بين مستويين من الحضور في العالم.
وميزة هذا الكتاب تبدو واضحة في انه يكشف للقارئ عن ان صورة الانسان ليست احادية في الفكر الغربي فثمة خمسة تطورات عن الانسان اقترحها ماكس شلر في دراسة له تؤكد التمييز بين تلك التصورات حيث تقابل كل واحدة منها علاقة معينة بين الانسان والتاريخ: الانسان الديني والعاقل, والصانع, والانسان الشهواني وما يسميه المؤلف اخيراً »بالانسان الاعلى«.

ثم يذهب المؤلف في كتابه هذا الى تقرير ان »مأساة« الانسان اليوم انما تبدأ تحديداً من نقطة الالتقاء بين المظهرين السلبي والايجابي لهذا المسار التاريخي.
اسم الكتاب: ما الثورة الدينية- الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة
\
تأليف: داريوش شايغان
الناشر: دار الساقي »بيروت« بالاشتراك مع المؤسسة العربية للتحديث الفكري »جنيف« الطبعة الاولى 2004