المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصر.. وذرية الإمام الحسن المجتبى؛ مشهد السادة الطباطبائيين



جابر صالح
06-26-2022, 03:06 PM
| الأحد 9 ديسمبر، 2018

https://ar.shafaqna.com/wp-content/uploads/2018/12/%DA%A9%D8%AA%D8%AA%D9%81%D9%87%D9%84%D9%86.jpg (https://ar.shafaqna.com/wp-content/uploads/2018/12/%DA%A9%D8%AA%D8%AA%D9%81%D9%87%D9%84%D9%86.jpg)



إن المُراجع للتاريخ الإسلامي وبشكل موضوعي ، يجد أن مصر لطالما شكّلت وجهة لهجرة ذرية آل البيت النبوي الشريف إليها ، من هنا كان اهتمامنا بتتبع آثار هذه الهجرة المتتالية ، لذا فإننا في البداية ، وقبل الحديث عن مشهد السادة الطباطبائيين في مصر ، سنعمل على التعريف بالإمام الحسن (ع) لمن لا يعرفه بشيء من الإختصار ، وكذلك الأمر بالنسبة الى أولاده الذين شكّلوا ذريته لاحقاً ومنهم ابراهيم الملقب ( بطباطبا ) والذي حملت ذريته من بعده إسم كنيته وعرفوا واشتهروا بإسم السادة الطباطبائيين .


نبذة مختصرة عن الإمام الحسن (ع) :


هو قرّة عين المصطفى (ص) وثمرة فؤاد علي المرتضى (ع) وفلذة كبد فاطمة الزهراء (ع) ، السبط الأول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وسيد شباب أهل الجنة كأخيه الحسين ، أبوه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وأمّه فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) . وله ألقاب كثيرة أشهرها ( المجتبى ) .

ولد الإمام الحسن (رض) في المدينة المنورة في السنة الثانية من الهجرة النبوية المباركة ، وقد عاش مع جده رسول الله (ص) سبع سنين وأشهراً ، وبعده مع أبيه الإمام علي (رض) ثلاثين سنة ، ومن بعد أبيه عشر سنوات ، وتوفي عن عمر يناهز سبعة واربعين سنة ونيّف .

وكان سلام الله عليه اشبه الناس من رأسه الى صدره بجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يكن أحد في زمانه أشبه بالنبي (ص) منه .

ولما استشهد الإمام علي (رض) في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان بُويع الإمام الحسن(رض) بالخلافة ، وكان له من العمر يومئذ سبع وثلاثون سنة .

ولكن الذين بايعوه لم يفوا ببيعتهم إلا أربعة أشهر وثلاثة أيام ، ثم خانوه وغدروا به بدسيسة من معاوية الذي كان يكاتب اصحاب الإمام سراً ، ويعدهم ويمنيهم ويبعث لهم الهدايا للفتك به (رض) ، حتى اضطر الإمام الى تجنيد الجنود وتهيئة العساكر دفعاً لعدوان معاوية وهجمته ، وقام (رض) في أصحابه فخطبهم ووعظهم ودعاهم الى الخروج لحرب معاوية ، وبعدما وعدوه خالف كثيرون ولم يخرجوا جميعهم معه ، فسار هو بمن معه حتى نزل ( دير عبد الرحمان )

ووجه من هناك قائداً من (كندة) في أربعة آلاف وأمره بأن يعسكر في ( الأنبار ) ، فلما وصل القائد الكندي الى هناك وعلم به معاوية ارسل له خمس مائة الف درهم ، ووعده بأشياء اخرى ، فقبل الكندي الدراهم متخلياً عن الإمام (رض) ، وسار الى معاوية في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته .


فلما وصل الخبر الى الحسن (رض) خطب في اصحابه وأخبرهم بخيانة الكندي ، ثم وجّه رجلاً آخر من بني (مراد) في أربعة آلاف رجل ، بعد أن أخذ عليه العهود والمواثيق بعدم الخيانة كأخيه الكندي ، وبعد ان حلف المرادي على ذلك بأيمان مغلظة ، ولكن الإمام (رض) أخبر أصحابه أنه سيغدر كصاحبه . فلما علم معاوية بقدوم جيش المرادي كتب اليه بمثل ما كتب الى صاحبه ، وبعث له مثل ما بعث للأول من الدراهم ، ومنّاه ببعض كور الشام والجزيرة ، فأخذ الدراهم وخان الإمام (رض) كما خان صاحبه وسار الى معاوية .

فلمّا بلغ الخبر الإمام الحسن (ع) ، دعا عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ، وأخذ عليه العهود والمواثيق بعدم الخيانة ، ثم بعثه في اثني عشر ألف فارس ، وارسل معه للمشاورة قيس بن سعد وسعيد بن قيس ، فسار عبيد الله بصاحبيه وجيشه حتى نزل قرب قرية يقال لها (جوينية ) كان معاوية نازلا بجيشه فيها ، فأرسل الى عبيد الله أيضاً بخمس مائة الف درهم ، ووعده بمثلها ، فأخذ عبيد الله الدراهم وخالف الإمام (رض) ونقض العهود والأيمان ، وسار الى معاوية في جوف الليل.


ولما أصبح جنده ورأوا أنه لم يحضر للصلاة ولم يجدوه ، علموا التحاقه بمعاوية ، فتقدم قيس بن سعد فصلى بهم وصار أميراً عليهم ، وأمرهم بالثبات والصبر والنهوض الى العدو ، بعد أن ذكر عبيد الله بالسوء ونال منه ، فأجابوه بالطاعة ، فلما علم معاوية بذلك ، كتب اليه ايضاً يعده ويمنّيه ويدعوه الى الإنضام اليه ، ولكن قيساً لم يتخل عن دينه ولم تغره الدنيا ولم يغدر بل كتب في جوابه : ( لا والله لا تلقاني ابداً إلا بيني وبينك الرمح ) ، فغضب معاوية فكتب له رسالة مليئة بالسب والشتم ، فأجابه قيس برسالة أشد منها .


ثم ان معاوية كتب الى الإمام المجتبى (رض) الى الكوفة كتاباً يخبره فيه أن أهل الكوفة قد كاتبوه سراً وعرضوا عليه ( إن شئت أخذنا الحسن وأرسلناه اليك ، أو فتكنا به وقتلناه ) ، وأراه بعض تلك الرسائل ، ثم دعاه الى الهدنة والتفاوض للصلح ، على أن تكون الإمرة على الناس بعده ، فلما رأى الإمام (رض) ذلك ، وعلم بخيانة ابن عمه عبيد الله بن العباس ، أدرك ان الحرب وإراقة الدماء مع أولئك الأنصار الذين قد يخونه الكثير منهم في ساعة العسرة ، غير مأمونة النتائج ، ومال الى منع الحرب وحقن الدماء واطفاء الفتنة ، لمنع المزيد من التشتت والاختلاف بين المسلمين ، فكتب الى معاوية في الجواب بموافقته على التنحي عن إمرة الناس إليه ، ولكن بشروط إشترطها عليه ، منها:
1- ان يعمل معاوية في المسلمين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله (ص) وسيرة الخلفاء الصالحين .
2- ان لا يعهد معاوية بالولاية بعده الى أحد ، بل ان يكون الأمر شورى بين المسلمين .


3- أن يكون شيعة علي (رض) آمنين ، وكذلك بقية الناس حيث كانوا من بلاد الدنيا ، وان لا يتعرض للامام الحسن (رض) ولا لأخيه الحسين (رض) بسوء .

4- ان يترك معاوية وأصحابه سب أمير المؤمنين (ع) في قنوت صلواتهم وبقية اوقاتهم ليلهم ونهارهم …

فأجابه معاوية الى ذلك كله وعاهد عليه وحلف له بالوفاء .

فلما وقع الصلح واستتمت الهدنة على ذلك ، سار معاوية بجيشه الى المكان الذي كان فيه الإمام (رض) وجيشه ، ويسمى ( النخيلة )، وكان ذلك اليوم يوم جمعة ، فصلى بالناس ، ثم خطبهم وقال في خطبته : اني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ، انكم لتفعلون ذلك !

ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله تعالى ذلك وأنتم لها كارهون ! الا وإني كنت منّيت الحسن وأعطيته اشياء ، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له ، ثم سار معاوية حتى دخل الكوفة وأقام بها اياما رجع بعدها الى الشام .

في السنة الخمسين من الهجرة ، أي بعد تنحي الإمام الحسن (رض) عن الخلافة بحوالي عشر سنوات كان خلالها مقيماً في مدينة جده (ص) ، بعث معاوية سما ناقعاً قاتلاًالى زوجة الإمام الحسن جعدة بنت محمد بن الأشعث الكندي وبعث لها مع السم بعشرة آلاف دينار ، وضمن لها أن هي قتلت الإمام (رض) وسقته السمّ ، ان يعطيها مائة ألف درهم ، ويزوجها من ابنه يزيد ، فقبلت وجعلت السم في الطعام وقدمته للإمام ، فتناول (رض) منه شياً يسيراً فتقطعت كبده ومرض اياما . وقبل ان يقبض سلام الله عليه اوصى أخاه الحسين (رض) بحمل جنازته الى مرقد جده رسول الله (ص) لتجديد العهد منه ، فاذا منعهم بنو أمية عن ذلك فلينصرفوا وليرجعوا الى البقيع ويدفنوه عند قبر جدته فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (ع) بلا حرب ولا إراقة دم . راجع الصورة رقم 1


وقضى نحبه عليه السلام مسموماً مظلوماً مضطهداُ، وكانت وفاته لليلتين بقيتا من شهر صفر ، وله من العمر سبع وأربعون – او ثمان واربعون – سنة . وقد تولى الحسين عليه السلام غسله وتكفينه ، أما جعدة بنت محمد الكندي ، فان معاوية لم يف لها بوعده بتزويج ابنه يزيد منها ، معتذراً بإن العاقل لا يتزوج امرأة تسم زوجها ، وهكذا خسرت الدنيا والآخرة .
أولاده :
ولد للإمام الحسن (رض) اثنان وعشرون ولداً ، خمسة عشرة منهم من الذكور وهم : 1- الحسن ، المعروف بالحسن المثنى ، 2- زيد المعروف ( بالأبلج )، 3- عمر ، 4- الحسين ، 5- عبدالله ، 6- عبد الرحمان ، 7- عبيد الله ، 8- إسماعيل ، 9- محمد ، 10- يعقوب ، 11- جعفر ، 12- طلحة ، 13- حمزة ، 14- أبو بكر ، 15- القاسم . ولم يلد لسوى الأولين منهم أي الحسن وزيد أولاد وذرية . وقد تزوج الحسن المثنى بفاطمة ابنة عمه الحسين (ع) .

وأما الإناث فهن : 1- أم الحسن ، 2- أم الحسين ، 3- فاطمة ، 4- ام عبد الله ، 5- أيضاً فاطمة (الصغرى) ، 6- أم سلمة ، 7- رقية. وقد خرج أربعة من أبناء الإمام الحسن بن علي (رض) الى كربلاء مع عمهم الحسين (رض) ، هم عمر والقاسم وعبدالله والحسن بن الحسن ، استشهد منهم الثلاثة الأولون بين يدي الحسين عمهم (رض) ، وبذلوا أنفسهم في نصرته . وأمّا الحسن المثنى ، وهو رابعهم ، فقد أسر في جملة الأسرى من أتباع الحسين (رض) إذ كانت به جراح ، وقد شفي بعدئذ منها، وعاش (رض) الى أن بلغ الخامسة والثلاثين من عمره ، وقد توفي في المدينة المنورة .
وأما زيد بن الحسن فكان يلي صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان جليل القدر كريم الطبع طريف النفس كثير البر ومدحه الشعراء وقصده الناس من الآفاق لطلب فضله.

وذكر أصحاب السيرة ان زيد بن الحسن كان يلي صدقات رسول الله (ص) فلما وليّ سلمان بن عبد الملك كتب الى عامله بالمدينة . أما بعد فاذا جاءك كتابي هذا فاعزل زيداً عن صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وادفعها الى فلان بن فلان (رجل من قومه) وأعنه على ما استعانك عليه والسلام .
فلما استخلف عمر بن عبد العزيز(رض) اذاً كتاب قد جاء منه : أما بعد فان زيد بن الحسن شريف بني هاشم وذو سنهم فاذا جاءك كتابي هذا فاردد عليه صدقات رسول الله (ص) وأعنه على ما استعانك عليه ، والسلام.

ومات زيد بن الحسن وله تسعون سنة فرثاه جماعة من الشعراء وذكروا مآثره .

وأما الحسن بن الحسن (أي الحسن المثنى)(رض) فكان جليلاً رئيساً فاضلاً ورعاً وكان يلي صدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في وقته ، وكان الحسن بن الحسن حضر مع عمه الحسين (رض) يوم الطف فلما قتل الحسين (رض) وأسر الباقون من أهله، جاءه أسماء بن خارجة فانتزعه من بين الأسرى وقال: والله لا يصل الى ابن خولة أبداً. فقال عمر بن سعد: دعوا لأبي حسان ابن اخته . ويقال انه أسر وكان به جراحات قد شفي منها لاحقاً .

وروي ان الحسن بن الحسن (رض) خطب الى عمه الحسين (رض) إحدى ابنتيه، فقال له الحسين: (رض) إختر يا بني أحبهما اليك، فاستحي الحسن ولم يحر جواباً، فقال له الحسين (رض): فاني قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي اكثرهما شبها بامي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله .

وقبض الحسن بن الحسن وله خمس وثلاثون سنة رحمه الله ، وأما عمر والقاسم وعبد الله بنو الحسن بن علي (رض) فإنهم استشهدوا بين يدي عمهم الحسين بن علي بالطف رضي الله عنهم أجمعين. وعبد الرحمن بن الحسن رضي الله عنه خرج مع عمه الحسين (رض) الى الحج فتوفي بالابواء وهو محرم رحمة الله عليه . والحسين بن الحسن المعروف بالاثرم كان له فضل وطلحة بن الحسن كان جواداً، ولم يرد لهم ذكر في كتب التاريخ .

وبناء على ما تقدم ، فإن ذرية الحسن المجتبى رضوان الله تعالى عليه قد انحصرت في زيد والحسن المثنى .

وعلى ما يبدو من خلال كتب المؤرخين، أن ذرية الإمام الحسن المجتبى من ولده الحسن المثنى هي التي ذاع صيتها واشتهرت في أرجاء المعمورة ، أكثر من ذرية زيد الأبلج بن الحسن المجتبى ، ولنا وقفة مع ذرية زيد لاحقاً بإذن الله .

كما إنّ معظم ما ورد آنفاً ، ذكره كل من : ( الطبري) في تاريخه الجزء 9 صفحة 192 وما بعدها، وابن الأثير في (الكامل في التاريخ) الجزء 5 صفحة 210 وما بعدها ، والمسعودي في (مروج الذهب) الجزء 2 صفحة 170 وما بعدها ، والشيخ المفيد في (الإرشاد) صفحة 187 وما بعدها ، والعلامة الطبرسي في (أعلام الورى) صفحة 213 وما بعدها ، والعلامة اللواساني في (الدروس البهية) صفحة 45 وما بعدها ، وأبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيين) صفحة 29 وما بعدها ، وغيرهم الكثير…..

وولد للحسن المثنى عدة من الأولاد ذكور وإناث، كان من أبرزهم إبراهيم وأمّه فاطمة بنت الحسين(رض) ويكنىّ أبا الحسن (بحسب الأصفهاني) ، أو الغمر(بحسب آخرين) .

وتوفي ابراهيم الغمر في الحبس بالهاشمية في عهد أبي جعفر المنصور المشهور بالدوانيقي.
وكان لإبراهيم الغمر ذرية ، من أبرزهم إسماعيل الملقب (بالديباج) لجماله ، وأمّه ربيحة بنت محمد بن عبدالله الذي يقال له (زاد الركب).

وينقل الأصفهاني رواية في فضل إسماعيل الديباج بالقول : ( سألت عبد الرحمن بن ابي الموالي، وكان مع بني الحسن في المطبق : كيف كان صبرهم على ما هم فيه؟ قال :

كانوا صبراء، وكان فيهم رجل مثل سبيكة الذهب ، كلما أوقد عليها النار إزدادت خلاصاً ، وهو اسماعيل بن ابراهيم ، كان كلما اشتد عليه البلاء ازداد صبراً ) . (مقاتل الطالبين) صفحة 124.
وكان من جملة ذرية اسماعيل الديباج ولده ابراهيم المعروف ب (طباطبا) الذي يحمل المشهد الشريف إسمه في مصر المحروسة ، والذي هو موضوع هذه المقالة .

أمّا بخصوص لقبه (طباطبا)، فإن الدكتورة سعاد ماهر محمد تنقل في كتابها (مساجد مصر) صفحة 158 عن ابن الزيات في كتابه (الكواكب السيارة) صفحة 59 : أن سبب هذه التسمية كانت لرته في لسانه ، إذ أنه كان يقلب القاف طاء .

وهذا الأمر بحسب التتبع غير صحيح ، بل إن الصحيح ما ذكره العلامة الطباطبائي من أن أهل السواد لقبوه بذلك وهو يعني بلسان النبطية (سيد السادات) ، كما أن السيد محسن الأمين في ( أعيان الشيعة) ذكر : أنه جد السادات الطباطبائية وإليه ينتسبون . كما يمكن مراجعة ذلك بشكل أوضح وأوسع في كتاب (الرؤية الفكرية والفلسفية للعلامة الطباطبائي) صفحة 40 .

أمّا عن المشهد الشريف في القاهرة : فعلى بعد (500 متر ) الى الغرب من مسجد الإمام الشافعي وعلى بعد (230 متراً) من شمال عين الصيرة يوجد مشهد (طباطبا).

وينسب هذا المشهد الى ابراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن ابراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي بن ابي طالب رضوان الله عليهم أجمعين .

وتنقل الدكتورة سعاد ماهر محمد عن ابن خلكان في كتابه (وفيات الأعيان) الجزء الرابع صفحة 57 : أنه لا خلاف على صحة هذا النسب عند علماء الأنساب .

وللسيد ابراهيم طباطبا من الأولاد لصلبه القاسم الرسي ، والرسي هذه نسبة إلى الرس وهي قرية من قرى المدينة سكن بها فنسب إليها .

ويذكر ابن خلكان في كتابه المذكور آنفاً : أن القاسم الرسي جاء الى مصر في أوائل القرن الثالث الهجري ولما دخلها جلس بالجامع العتيق واجتمع عليه الناس لسماع الحديث وجمعوا له المال، فأبى أن يقبله فازداد أهل مصر فيه محبة . وكانت له دعوة مجابة. وقد وصف العبيدلي النسابة الشيخ القاسم الرسى فقال : أنه كان أبيض اللون مقرون الحاجبين كثير الخشوع لا يتكلم إلا بالقرآن والحديث ، وكان القاسم أكثر أهل زمانه علما وحديثا ، وقيل إنه عاد الى الحجاز ومات بالرسي سنة 220 هـ ، كما قيل أنه مدفون في مصر ، ومن أحاديثه التي يرويها عن جده الإمام علي بن ابي طالب قال : ( حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن الحسن المثنى عن أبيه الحسن السبط عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، أنه قال من أرداء البقاء ولا بقاء فليتحف الرداء وليباكر الغداء ، وفي رواية. ولا يكاثر الغداء وليقل من مجامعة النساء ، وخير نسائكم الطيبة الرائحة).

ومن أولاد ابراهيم طباطبا المدفونين بهذا المشهد كما يقول ابن الزيات: على بن الحسن ابن طباطبا الذي كانت له مكانة ومقام كبير عند أمراء مصر ، وتوفي رضي الله عنه في سنة 255 هـ ، وبهذا المشهد أيضاً قبر الإمام أحمد بن علي بن الحسن بن طباطبا، وكان جليل القدر وله مكانة مرموقة ، ويعد من شعراء عصره، وقيل أنه تصدق بمال أبيه كله حتى كان لا يجد ما ينفق فكان يأكل في اليوم والليلة مرة واحدة، فلما بلغ ذلك ابن طولون منحه قرية من قرى مصر . وكانت كلمته مجابة عند ابن طولون فكان يشفع عنده ويمشي في قضاء حوائج الناس فيقضيها ، وفي ذلك يقول ابن زولاق (في كتابه صفحة 159) لم ير فيمن نزل مصر من الأشراف أكثر شفقة ورأفة وسعيا في قضاء حوائج الناس من أحمد بن علي بن الحسن بن طباطبا . ويذكر ولده عبد الله عن أبيه الرواية التالية : قال: شفع أبي عند صاحب مصر شفاعة في قوم كان قد طلب منهم مالا فأبى أن يقبل شفاعته ، فلما كان الليل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يقبل شفاعته .

ودفن في هذا المشهد كذلك الإمام عبد الله بن طباطبا الذي ترجم له ابن النحوى في كتابه ( الرد على أولى الرفض ص 96) فقال: كان عبد الله شريفا عفيفا فصيحا جميلا وكان له رباع وضياع ونعمة دائرة متسعة ، وكان كثير الإفتقاد للفقراء والأرامل والمنقطعين ).

ويحدثنا ابن النحوى في كتابه أيضاً عن العلاقة الوثيقة التي كانت تربط عبد الله بن طباطبا بكافور الأخشيد فيقول : كان عبد الله يرسل الى كافور في كل يوم رغيفين وجامتين من الحلوى، فقال بعض المقربين لكافور: أن هذا ينزل من قدرك فقال له : يا شريف لا ترسل الي شيئا بعد هذا اليوم فتركه) فلم يكد يمضي بضعة أيام حتى احس كافور بالضعف والخور يعتريه وأخذت صحته تزداد سوءاً يوما بعد يوم ، فأرسل كافور إلى عبد الله يطلب اليه إرسال ما كان يرسل من قبل ، فرد عليه عبد الله قائلاً : أني ما كنت أرسل اليك إستحقارا بك ، وإنما لي والدة صالحة تعجن بيدها وتقرأ عليه القرآن ، قال صدقت ، فكان كافور لا يأكل بعد ذلك إلا منه ) .

ويذكر العبيدلي النسابة عند حديثه عن المشاهد التي يستجاب عندها الدعاء فيقول: في سنة نيف وأربعمائة نام رجل فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له يا رسول الله إني مشتاق الى زيارتك وليس لي ما يوصلني اليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : زر عبدالله أحمد بن طباطبا تكن كمن زارني) . وقد توفى عبد الله بن أحمد بمصر سنة ثمان وأربعين وثلثمائة .

ولم يقتصر المشهد على الرجال فحسب ، بل دفن به كذلك بعض أفراد عائلة طباطبا من النساء ، فيذكر ابن الزيات في كتابه (ترتيب الزيارة) ص 61 : وبهذا المشهد عند باب القبة السيدة خديجة ابنة محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن طباطبا ، وكانت خديجة هذه زاهدة عابدة كثيرة الزهد صلى عليها عبد الله السابق ذكره وهو بعلها ، وكان يقول عنها : كانت تسابقني الى الصلاة بالليل وما رأيتها ضحكت قط ، وتوفيت سنة عشرين وثلثمائة وقد ذكرها ابن الجباس في كتابه (فضائل الأشراف) ص 79 . وفي هذا المشهد عند الحائط الغربي قبر أبي الحسن علي بن الحسن بن طباطبا المعروف باسم صاحب الحورية ، وينقل لنا ابن الزيات السبب في هذه التسمية فيقول : كان أبو الحسن في اول عمره ينام الليل، فنام ليلة فرأى الجنة وما فيها من الحور فأعجبته حوراء فقال لها لمن انت ؟ قالت لمن يعطي ثمني، فقال لها : وما ثمنك ؟ قالت له مائة ختمة فقرأها ، ولما فرغ منها رآها في المنام فقال لها قد فعلت ما أمرتني به ، فقالت له : يا شريف أنت ليلة غد عندنا ، فأصبح الشريف وجهز نفسه ودعا الناس لجنازته وأعلمهم بموته فمات من يومه ذلك .

وبالمشهد أيضاً قبر أبي محمد الحسن بن علي بن طباطبا المتوفي سنة أربع وخمسين وثلثمائة، وبهذا المشهد أيضاً يس بن الحسن، وليس بالمشهد من عليه عمود غيره، كما يوجد قبر سليمان بن عبد الله المبتلى المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة وهو من خدام المشهد . ومن داخل قبة المشهد يوجد قبر الشريف طباطبا الأصغر وهو أخو عبد الله بن أحمد المتوفى سنة أربع وثلاثين وثلثمائة . كما يوجد في المشهد جمع كبير من أهل العلم والصلاح والتقوى بحسب ما نقلته الدكتورة سعاد ماهر محمد في كتابها (مساجد مصر) من صفحة 158 وما بعدها .

وصف عمارة المشهد قديماً

والمشهد عبارة عن مستطيل غير منتظم يبلغ طوله 30 م وعرضه 20 م ، وفي نهايته الجنوبية يوجد قبتان ، وفي الجزء الشمالي الشرقي من سور المشهد يوجد المدخل .

وهناك مبنى مستطيل مقسم الى 6 حجرات صغيرة بعضها مربع والآخر مستطيل وعليها جميعاً قباب ، وبهذه الغرف الست مقابر (آل طباطبا) . كما أن هذه الغرف تتصل بمكان الصلاة من خلال باب في الجهة الغربية.

أما مكان الصلاة في هذا المشهد فيتكون من مربع يبلغ طوله 18 متراً تقريباً ، وفي الجدار الشرقي منه يوجد المحراب.

ويرجّح الخبير بالآثار الإسلامية كروزيل أن هذا المشهد قد بني حوالي سنة (334 هـ/943م) وهو ما يتوافق مع تاريخ وفاة الشريف طباطبا الأصغر ، وهذا أيضاً بحسب ما نقلته الدكتورة سعاد ماهر محمد في كتابها (مساجد مصر).

وصف المشهد ووضعه الحالي

إن المشهد الشريف للسادة الطباطبائيين وللأسف الشديد يندثر تدريجياً، وهناك تقصير واضح بالإهتمام به، رغم أنه يشكل معلماً أثرياً تاريخياً وإسلامياً، ناهيك عن خصوصية أنه بقعة طاهرة يستجاب بها الدعاء، لأنها تحتضن ذرية خاتم المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين .

وتبدو ملامح الخراب والإندثار بادية على مجمل المشهد الشريف مع المصلى الخاص به، وهذا ما تظهره الصور المرفقة مع المقالة وبكل أسف.

وهنا أستغل هذه المناسبة للتوجه الى سماحة الإمام شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب الذي نكن له كل الود والإحترام ، والى حضرة وزير الأوقاف الدكتور أحمد محمد مختار جمعة والذي نحترمه ونقدره أيضاً ، والى كل من هو معني بهذا الأمر بأي شكل من الأشكال المسارعة في إنقاذ هذا المعلم الحضاري والأثر الديني الإسلامي من الإندثار والضياع ، وهم إن شاء الله أهل لذلك ومحط أملنا ورجاءنا في ذلك من بعد الله سبحانه وتعالى .

وقبل الختام أحب أن أشير الى مسألة لطيفة وخاصة حصلت معي ولها ارتباط بالسادة الطباطبائيين وهي : عند تحضيري لعنوان أطروحة الدكتوراه في الفلسفة ، ألقي في روعي إسم العلامة الطباطبائي من حيث لا أدري ، وبعد تأكدي من أنه لم يُدرس العلامة الطباطبائي في الجانب الفلسفي وقع اختياري عليه وأعددت الأطروحة بحمد الله وناقشتها وحازت إعجاب وتقدير اللجنة المناقشة. وبفضل الله لاحقاً تم طبعها في مصر بإجازة من مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف ، وفي زيارتي الأخيرة لمصر الحبيبة إكتشفت هذا المشهد للسادة الطباطبائيين ، وهأنذا أكتب هذه المقالة عنهم اليوم .

وبما أنني كمسلم لا أؤمن بالصدف والحظ بل بالحكمة والهداية والتسديد ، أقول : إن لهذه الذرية المباركة كرامة وعناية إلهية خاصة تستحق منّا كل الحب والولاء والتقدير وعملاً بقوله تعالى: (( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى )) الشورى الآية 23 .

فهل يجوز لي أن أدعى أحمد قيس الطباطبائي على سبيل الملاطفة ؟!…..

د . احمد قيس