زوربا
08-31-2005, 07:41 AM
في مجموعته "صلاة الوثني" عالم رمادي كئيب
قراءة كثير من قصائد مجموعة الشاعر سعدي يوسف (صلاة الوثني) كفيلة بان تجرد القاريء ولو الي حين من حسه النقدي او تعطل فيه هذا الحس خلال القراءة وحتي بعدها وتتركه في بحر من الاحزان النبيلة.
في القصائد اجواء فنية مؤثرة وموحية ترسم بمشاعر الغربة الوحدة والوحشة وبرد الشمال والحنين الي وطن بعيد يتحدث العالم عن احزانه.. لكن الجمرة كما يقول المثل الشعبي لا تحرق الا مكانها وما من رفقة تكسر حدة الغربة سوي سنجاب لندني متوحد.
شيب الاحزان المعتقة التي يستحضرها يوسف من زمن الايام الافلة بافكارها واحلامها وامالها وثوراتها وثوارها وعالمها الوردي الخداع والتي يرسمها بمهارة تحز في النفس كسكين وهمي يختلط بمواويل بكائية عراقية حدودها الدموع التي قد تحدث عزاء او تنفيسا موقتا على طريقة نظرية ارسطو في التطهير حيث الاسى قد يطرد الاسي ولو لفسحة قصيرة الامد.
ويختصر سعدي يوسف غربة كثير من الحالمين والشعراء المشردين حيث يرسم التشرد بتميز ويجعلنا من خلاله نلتقي بكثير منهم.. باحزان محمد الماغوط البيروتية وبالام السياب يثيرها المطر علي الخليح.. وبشكل خاص بصقيع غربة الشاعر الراحل بلند الحيدري اللندنية وغيرهم.
جاءت المجموعة في 95 صفحة من القطع الوسط وبغلاف من تصميم طالب الداود يطل منه وجه الشاعر وسط نقوش ورسوم وكتابات عراقية قديمة واشتملت على 50 قصيدة. وصدرت عن دار نينوي للدراسات والنشر في دمشق.
في القصيدة الثانية من المجموعة اغنية الصرار التي كتبت في لندن كسائر قصائد المجموعة باستثناء واحدة كتبت في دبلن في 2003-2004 حساب مر لحياة الفنان والحالم عامة وتساؤل عما كان يفعله في ايام الحصاد. يقول يوسف ربما ساءلت نفسي الان عما اكتب الان. لماذا اكتب الان. وفي اي مكان اكتب الان..
الم يتعبك نصف قرن من العابك/ الصخرة والنبع وهذه اللغة.. الالوان والغيم... الخ. انك لا تبدو دؤوبا مثل نجار/ ولا منتبه الملمس كالخزاف/ انت الغافل/ الناحل/ والتأتاء/ ما شأنك والدنيا. دع العالم يمضي مثلما علمنا العالم ان يمضي/ فما لله لله/ وما كان لقيصر للقيصر.. قم فاذهب الى مقهى على الشاطيء وانعم بنبيذ الشمس اذ تغرب/ والمراة اذ تلعب/والسنجاب... كم ساءلت نفسي/ نصف قرن وانا اسأل نفسي/ لم لا تخذلني اغنية الصرار/ كي اغفو قليلا..
وفي قصيدة تحقق يقول قد كنت/ يا ما كنت امل/ والخريف يلوّن الغابات بالذهب.. يا ما كنت امل ان اري وجه العراق ضحي/ وان ارخي ضفائره المياه عليّ/ ان ارضي عرائس مائه بالدمع ملحا.. لاسأل الاشجار/ هل تعرفن يا اشجار انّي كان قبر ابي..
في قصيدة بعنوان السنجاب -وتتكرر صور السنجاب في قصائده- يقول في توحد او تماثل بينه وبين هذا الحيوان اللطيف الذي يتحرك في وحدته مسابقا المطر اللندني شرع السنجاب يخبي تحت الارض مؤونته/ مقتربا من بابي/ ما اجمل هذي الدنيا قبل المطر. السنجاب يمر علي السنجاب.
في قصيدة »ايها الحنين يا عدوي« يقول سعدي لي ثلاثون عاما معك/ نلتقي مثل لصين في رحلة لم يلما بكل تفاصيلها/ عربات القطار/ تتناقص عبر المحطات/ والضوء يشحب/ لكن مقعدك الخشبي/ الذي ظل يشغل كل القطارات ما زال محتفظا بكل ثوابته/ بحزوز السنين/... انا لم اقطع عشرات الالاف من الاميال/ ولم اطوّف في عشرات البلدان/ ولم اتعرف الاف الاغصان/ لكي تسلبني انت..الكنز / وتحبسني في زاوية. فاترك المقعد الان واهبط/ قطاري سيسرع بي بعد هذي المحطة/ فاهبط/ ودعني امضي الي حيث لن يتوقف يوما قطار
يرسم سعدي يوسف في بعض القصائد عالما رماديا كئيبا.. صورة قارب اعطبته الايام فصار ثلثاه في غير عالمه الذي خلق له. انه رمز وانعكاس معبر لما احدثه الزمن في الجسد وفي النفس. ففي قصيدة شاطيء مهجور يقول الشاعر قارب ثلثاه علي اليابسة/ ظل ينضح والبحر منكمش/ لائذ بكثافته من حبال المطر/ قارب لن يقوم ليبدأ عند السحر/ رحلة الصيد.. مثلي.
ويكاد يكون من النوافل القول انه يكون في افضل حالاته الشعرية عندما يبتعد عن المباشرة اليومية وان بحجة الواقعية مثلا وان تكن بواعثها وطنية وانسانية نبيلة كما في غارة جوية التي يقول فيها في وطني الان الرعد/ الطيران الامريكي/ وبالحاوية العنقودية/ كما شاهدناها في بيروت زمانا/ ينقض علي الكوفة/ والفلوجة والنجف/ الطيران الامريكي/ الليلة ينقض علي الان.
قصيدة القطار الايرلندي تحفل بخلاصات معاناة الشاعر الماضية والحاضرة. انها نسيج تتعدد خيوطه الوانا وانواعا. يقول في دبلن/ كان قطار الليل.. الحانة/ حانة فيتزجيرالد وانت تغمغم في احدي عربات المطعم. وتلي ذلك غنائية حزينة اطار في شكل مستطيل وبكتابة حروفها اشد سوادا..
يا ليل يا صاحبي/ راح الفتي وارتاح/ وامتد ثوب الدجي/ واسودت الاقداح/ حتي المجاذيف ملّت/ حيرة الملاح/ يا ليل يا صاحبي. سمّ الافاعي فاح.
وتستمر القصيدة علي هذا المنوال فيقول ولكنك/ حتي ولو كنت مسافر ليل بقطار الهند/ ستبحث عن مأوي/ تبحث عما سيكون سؤالا او سلوي/ تبحث عن سعدي المتلبث في الظلمات/ تبحث عما مات/ وعمن مات.
وننتقل معه الي اطار اخر نقرا فيه الغناء الحزين يا ليل اين الصفا.. اين انطفا المأمول. ارض السواد انتهت للشوك والعاقول/ كل الجيوش اقتضت منها وحال الحول/ ياحسرتي للضمير المشتري المقتول.
بعد ذلك نقرأ في القصيدة بالانكليزية كلاما لجاك سترو وزير الخارجية البريطانية يقول فيه ان قوات المملكة المتحدة باقية في العراق الي مدة من الزمن غير محدودة. وتمضي القصيدة من ثم في طريقها لنصل الي اطار اخر نقرأ فيه بقية الاغنية الحزينة يا ليل يا صاحبي ما اوحش الوحدة/ اطبقت يا ليل حتى ماتت الوردة/ وارتد من كان مجبولا علي الردة/ لكن صوتي سيبقي للصدي وحده
قراءة كثير من قصائد مجموعة الشاعر سعدي يوسف (صلاة الوثني) كفيلة بان تجرد القاريء ولو الي حين من حسه النقدي او تعطل فيه هذا الحس خلال القراءة وحتي بعدها وتتركه في بحر من الاحزان النبيلة.
في القصائد اجواء فنية مؤثرة وموحية ترسم بمشاعر الغربة الوحدة والوحشة وبرد الشمال والحنين الي وطن بعيد يتحدث العالم عن احزانه.. لكن الجمرة كما يقول المثل الشعبي لا تحرق الا مكانها وما من رفقة تكسر حدة الغربة سوي سنجاب لندني متوحد.
شيب الاحزان المعتقة التي يستحضرها يوسف من زمن الايام الافلة بافكارها واحلامها وامالها وثوراتها وثوارها وعالمها الوردي الخداع والتي يرسمها بمهارة تحز في النفس كسكين وهمي يختلط بمواويل بكائية عراقية حدودها الدموع التي قد تحدث عزاء او تنفيسا موقتا على طريقة نظرية ارسطو في التطهير حيث الاسى قد يطرد الاسي ولو لفسحة قصيرة الامد.
ويختصر سعدي يوسف غربة كثير من الحالمين والشعراء المشردين حيث يرسم التشرد بتميز ويجعلنا من خلاله نلتقي بكثير منهم.. باحزان محمد الماغوط البيروتية وبالام السياب يثيرها المطر علي الخليح.. وبشكل خاص بصقيع غربة الشاعر الراحل بلند الحيدري اللندنية وغيرهم.
جاءت المجموعة في 95 صفحة من القطع الوسط وبغلاف من تصميم طالب الداود يطل منه وجه الشاعر وسط نقوش ورسوم وكتابات عراقية قديمة واشتملت على 50 قصيدة. وصدرت عن دار نينوي للدراسات والنشر في دمشق.
في القصيدة الثانية من المجموعة اغنية الصرار التي كتبت في لندن كسائر قصائد المجموعة باستثناء واحدة كتبت في دبلن في 2003-2004 حساب مر لحياة الفنان والحالم عامة وتساؤل عما كان يفعله في ايام الحصاد. يقول يوسف ربما ساءلت نفسي الان عما اكتب الان. لماذا اكتب الان. وفي اي مكان اكتب الان..
الم يتعبك نصف قرن من العابك/ الصخرة والنبع وهذه اللغة.. الالوان والغيم... الخ. انك لا تبدو دؤوبا مثل نجار/ ولا منتبه الملمس كالخزاف/ انت الغافل/ الناحل/ والتأتاء/ ما شأنك والدنيا. دع العالم يمضي مثلما علمنا العالم ان يمضي/ فما لله لله/ وما كان لقيصر للقيصر.. قم فاذهب الى مقهى على الشاطيء وانعم بنبيذ الشمس اذ تغرب/ والمراة اذ تلعب/والسنجاب... كم ساءلت نفسي/ نصف قرن وانا اسأل نفسي/ لم لا تخذلني اغنية الصرار/ كي اغفو قليلا..
وفي قصيدة تحقق يقول قد كنت/ يا ما كنت امل/ والخريف يلوّن الغابات بالذهب.. يا ما كنت امل ان اري وجه العراق ضحي/ وان ارخي ضفائره المياه عليّ/ ان ارضي عرائس مائه بالدمع ملحا.. لاسأل الاشجار/ هل تعرفن يا اشجار انّي كان قبر ابي..
في قصيدة بعنوان السنجاب -وتتكرر صور السنجاب في قصائده- يقول في توحد او تماثل بينه وبين هذا الحيوان اللطيف الذي يتحرك في وحدته مسابقا المطر اللندني شرع السنجاب يخبي تحت الارض مؤونته/ مقتربا من بابي/ ما اجمل هذي الدنيا قبل المطر. السنجاب يمر علي السنجاب.
في قصيدة »ايها الحنين يا عدوي« يقول سعدي لي ثلاثون عاما معك/ نلتقي مثل لصين في رحلة لم يلما بكل تفاصيلها/ عربات القطار/ تتناقص عبر المحطات/ والضوء يشحب/ لكن مقعدك الخشبي/ الذي ظل يشغل كل القطارات ما زال محتفظا بكل ثوابته/ بحزوز السنين/... انا لم اقطع عشرات الالاف من الاميال/ ولم اطوّف في عشرات البلدان/ ولم اتعرف الاف الاغصان/ لكي تسلبني انت..الكنز / وتحبسني في زاوية. فاترك المقعد الان واهبط/ قطاري سيسرع بي بعد هذي المحطة/ فاهبط/ ودعني امضي الي حيث لن يتوقف يوما قطار
يرسم سعدي يوسف في بعض القصائد عالما رماديا كئيبا.. صورة قارب اعطبته الايام فصار ثلثاه في غير عالمه الذي خلق له. انه رمز وانعكاس معبر لما احدثه الزمن في الجسد وفي النفس. ففي قصيدة شاطيء مهجور يقول الشاعر قارب ثلثاه علي اليابسة/ ظل ينضح والبحر منكمش/ لائذ بكثافته من حبال المطر/ قارب لن يقوم ليبدأ عند السحر/ رحلة الصيد.. مثلي.
ويكاد يكون من النوافل القول انه يكون في افضل حالاته الشعرية عندما يبتعد عن المباشرة اليومية وان بحجة الواقعية مثلا وان تكن بواعثها وطنية وانسانية نبيلة كما في غارة جوية التي يقول فيها في وطني الان الرعد/ الطيران الامريكي/ وبالحاوية العنقودية/ كما شاهدناها في بيروت زمانا/ ينقض علي الكوفة/ والفلوجة والنجف/ الطيران الامريكي/ الليلة ينقض علي الان.
قصيدة القطار الايرلندي تحفل بخلاصات معاناة الشاعر الماضية والحاضرة. انها نسيج تتعدد خيوطه الوانا وانواعا. يقول في دبلن/ كان قطار الليل.. الحانة/ حانة فيتزجيرالد وانت تغمغم في احدي عربات المطعم. وتلي ذلك غنائية حزينة اطار في شكل مستطيل وبكتابة حروفها اشد سوادا..
يا ليل يا صاحبي/ راح الفتي وارتاح/ وامتد ثوب الدجي/ واسودت الاقداح/ حتي المجاذيف ملّت/ حيرة الملاح/ يا ليل يا صاحبي. سمّ الافاعي فاح.
وتستمر القصيدة علي هذا المنوال فيقول ولكنك/ حتي ولو كنت مسافر ليل بقطار الهند/ ستبحث عن مأوي/ تبحث عما سيكون سؤالا او سلوي/ تبحث عن سعدي المتلبث في الظلمات/ تبحث عما مات/ وعمن مات.
وننتقل معه الي اطار اخر نقرا فيه الغناء الحزين يا ليل اين الصفا.. اين انطفا المأمول. ارض السواد انتهت للشوك والعاقول/ كل الجيوش اقتضت منها وحال الحول/ ياحسرتي للضمير المشتري المقتول.
بعد ذلك نقرأ في القصيدة بالانكليزية كلاما لجاك سترو وزير الخارجية البريطانية يقول فيه ان قوات المملكة المتحدة باقية في العراق الي مدة من الزمن غير محدودة. وتمضي القصيدة من ثم في طريقها لنصل الي اطار اخر نقرأ فيه بقية الاغنية الحزينة يا ليل يا صاحبي ما اوحش الوحدة/ اطبقت يا ليل حتى ماتت الوردة/ وارتد من كان مجبولا علي الردة/ لكن صوتي سيبقي للصدي وحده