المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تجاوز فهم التعليم على انه تكييف الى فهمه تحريراً من القيود الفكرية



المهدى
08-31-2005, 12:26 AM
... تدريس ماضي العلوم يحرر التلاميذ من وطأة الحاضر ويعزز حس الانتقاد

هينز ويزمن، لو موند دو ليدوكاسيون الفرنسية



ينقسم المعلمون الى تيارين: الاول إحساني، والثاني إنسانوي. ويعتقد مؤيدو التيار الإحساني أن تحضير الاولاد لحياة الرشد وأوضاعها هو مسؤولية المدرسة، والهدف من ارتيادها. ويفترض هؤلاء أن المجتمع ثابت لا يتحول، ويجوز تالياً تنشئة الاولاد على التكيف مع المجتمع هذا. بينما يفهم مؤيدو التيار الانسانوي التعليم على وجه المعنى الحرفي لأصل كلمة «إيدوكاسيون» (التعليم) اللاتيني، أي توجيه (اليافعين) الى الخارج، وسوقهم إليه. وينبغي تحرير الشاب من طريقة تفكير محيطه الضيق، ونمط عيشه. وتقوم عملية التحرير هذه على تنمية حس الانتقاد في الشباب، وتطويره. ومن الخطأ إسقاط المنهج الاحساني، وتقديم المنهج الانسانوي عليه. ويجب الجمع بين التيارين، فالتدريب على التكيف مع حياة الرشد لا يتعارض مع التحرر.

والنقاش الفرنسي في قانون التوجيه التربوي لم ينجح في هذا الجمع، وفصل بين هذين التيارين، وافترض تعارضهما. ويغيب التفكير في دور التعليم عن تقرير تيلو (نسبة الى كلود تيلو رئيس هيئة النقاش الوطني حول مستقبل المدرسة). ويولي هذا التقرير الأولوية لاكتساب المهارات. فالإجماع على النفعية (التعليم وسيلة الحصول على وظيفة)، وتدريب الشباب على التكيف مع المجتمع، هو الغالب في الأوساط التعليمية اليسارية واليمينية، على حد سواء. وإدراك التعليم على هذا الوجه، أي حصر دوره في إعطاء الأفراد وسائل تقنية ضرورية للتقدم في المجتمع، وإهمال تنمية حسهم الانتقادي، خطر على الديموقراطيات. فالمفهوم التعليمي هذا ينشئ أفراداً عاجزين عن الحؤول دون انهيار مجتمعهم في الأزمات. وينبغي تجاوز ادراك التعليم على انه تكييف، والميل إلى إدراكه على أنه تحرير، وعتق من القيود الفكرية. والسبيل الى هذا التحرر هو إدراج الفروع المعرفية في الزمن، وتأريخها.

وليست استعادة الماضي مجموعة وقائع ومعلومات، بل سرد متماسك لتاريخ يربط بين البشر، ويربط المعاصرين بأسلافهم. ويسمح هذا الربط والتأريخ بانفصال الشاب عن الواقع الآني، ووطأة رغباته، ويتيح له نقد هذا الواقع وتقويمه. أما العلوم البحتة والعلوم الانسانية في البرامج المدرسية الفرنسية الحالية، فتبدو وكأنها قائمة في ذاتها، ومجردة من تاريخها. وينبغي أن يساعد المعلمون الاطفال على اكتشاف تحدر الجديد من القديم. ولا جدوى من التنديد بنقص ثقافة جيل الشباب، أو مقارنتهم بجيل ناط الثقافة بالنخب. فالشباب يعيشون في عالم بعيد من التقاليد، ومقطوع عن الماضي. وينساق هؤلاء الى حاضر آني، ويلبون حاجاتهم الفورية في الاستهلاك، واللهاث وراء «الماركات» (الأصناف) المعروفة.


* لو موند دو ليدوكاسيون الفرنسية، 7-8/2005