المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هاني فحص ........... الشيعة والسنّة بين التماهي والاندماج



زهير
08-30-2005, 10:29 AM
هاني فحص

استبشر الشيعة في كل مكان بالثورة في ايران ونجاحها ودولتها. انتظروها واستقبلوها وواكبوها في إنجازاتها والتحديات التي واجهتها بحب وقلق عليها وعليهم، من دون أن يكونوا بدعاً في ذلك، فقد كان العرب والمسلمون وأهل الدنيا جميعا (الناس) مستبشرين على قلق ما، بهذه الثورة وهذه التجربة. ولكن ذلك لم يمنع أحداً من أن يحتمل تعقيداً ما في مسيرة هذه التجربة وأطروحاتها وتداعياتها...

على المستوى السني كانت حرب العراق على ايران مثلا، مناسبة لطرح السؤال عن شيعية الثورة والدولة الايرانية، وكثيرون من أهل السنة، من أهل السياسة العامة أو أهل الحركات السياسية الاسلامية، امتداداً الى سنّة كثر في الحركات القومية، كثيرون ذهبوا من شيعية ايران الى سنية العراق، أي انهم اعتبروا سنية العراق ممثلة في نظامه القومي البعثي، مستهدفة، حتى ان الحدود قد ضاعت تماماً بين الاتجاه القومي العربي مؤسس الصدام مع الاسلام الحركي، والايديولوجي ايضا، وبين الاحزاب الاسلامية السنية التي تضررت، وكان ذلك في تقديري ما عجل في تأسيس حالات جبهوية جديدة مثل المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي الاسلامي...

وبقي كثيرون من السنّة مستقلين وحركيين، على موقفهم وتجاوزهم للبعد الايراني والبعد الشيعي في الثورة والدولة الايرانية، على أساس من الاسلامية الجامعة، من دون أن يخلو ولاؤهم أو تأييدهم أو تفهمهم لإيران من ملاحظات ومؤاخذات... في المقابل كان هناك أسئلة وصلت الى حد الاعتراض أو الخلاف أو التمايز لدى كثيرين من الشيعة إزاء الثورة والدولة الايرانية، خاصة على إيقاع شعار تصدير الثورة، والذي تجسد في حراكات شيعية في أقطار عربية عديدة، من المملكة العربية السعودية الى الكويت الى البحرين الى لبنان وغيرها، ما جعل عدداً كبيراً من الشيعة المعنيين والمهتمين، من علماء ومفكرين وسياسيين، يتحسسون الخطر على خصوصياتهم الوطنية، ويرفعون أصواتهم بالاعتراض الهادئ أو الحاد أحياناً، ولعل ذلك كان هو الكامن أو الباعث على تداول الحديث عن الشيعة العرب أو الشيعة في البلاد العربية امتداداً الى ما أحله الشيخ محمد مهدي شمس الدين من ولاية الأمة على نفسها فصالاً منهجياً مع مترتبات ولاية الفقيه ومشروع الدولة الاسلامية التي طرحت شيعياً في أكثر من قطر عربي، حيث طرح الشيخ شمس الدين منسجماً مع كثير من مواقع شيعية فاعلة، مسألة اندماج الشيعة في أوطانهم وأقوامهم.

ومع تطور الاحداث، من غزو العراق الى الكويت الى التحول الواضح في سلوك وخطاب حزب الله في لبنان، من الاستنفار الايديولوجي المذهبي على لكنة ايرانية، الى التوجه الوطني اللبناني حفظاً لوجود الحزب وتأسيساً لمسار وطني حافظ للمقاومة مكنها من إنجاز التحرير، متجلياً عملياً في مسيرة اندماج من خلال الدخول في الدولة بعد الدخول العريض في الاجتماع السياسي اللبناني.

هذا لا يعني أن كل الاشكالات قد انحلت، ولكن بعض التعقيدات المهمة المتبقية، لا يمكن أن تحجب التطور النوعي الذي حصل، كما ان هذا التطور لا يقلل من قيمة ما تبقى من المظاهر والتعقيدات والسلوكيات والرغبات التي يعبر عنها بأشكال مختلفة، ومن هذه التعقيدات التي يصعب حلها، أو يصعب حلها حلاً نهائياً، ويمكن تخفيفها أو تلطيفها، تعقيد التماهي، تماهي حزب الله اولا، ومن حوله تيار شيعي أهلي أو سياسي، مع ايران، مع الشيعية الايرانية الطبيعية، المتمددة طبيعياً الى شيعية سياسية في أكثر من مكان.

وطبيعية هذه الشيعية ليست نصاباً كاملاً للإقرار بها وترتيب الأثر عليها، وإنما هي داع الى تفهمها وعلاجها من خلال مشروعات وطنية جامعة. الى ذلك، فإن ارتفاع منسوب الوطنية الايرانية يمكن أن يشكل، وقد شكل فعلاً، مدخلاً لانفتاح إيراني على المسألة الوطنية في أقطار عدة، ولعل ذلك هو ما شكل خلفية تحسين العلاقات مع السعودية والكويت والبحرين ولبنان وغيرها من الدول العربية من مصر الى المغرب، خاصة بعد زوال العائق بفسخ الشراكة بين الدول العربية والنظام العراقي بعد احتلال الكويت وانعطاف الشيعة فيها الى الاندماج والمشاركة المميزة في مقاومة المحتل العراقي، ما كانت ثمرته الطبيعية انفتاحاً من الحكم السعودي على شيعة المملكة مقابل انفتاح هؤلاء على الدولة وعودتهم بقرار من السلطة الى بلادهم مهجوسين بضرورة الاندماج منخرطين في مسيرة الاصلاح مقبولين من قبل أطراف فكرية وفقهية تقليدية آثرت الانفتاح والحوار على الانغلاق والاقصاء.

وفي البحرين كان للعهد الجديد، عهد الملك حمد بن عيسى، ومن خلال توجه وطني جامع، مبادرات جامعة تمثلت في الميثاق الوطني الذي صوّت عليه الجميع بالإجماع 2002 م، والذي ترقبت عليه حالة دستورية أقل مما كان مطلوباً قياساً على الدستور السابق 1973، وأكثر مما كان معروضاً من لون قوى بحرينية جعلها الحراك الشيعي المتوتر سابقاً (الانتفاضة كما تسمى) أشد ضيقاً وأقل سيلاً الى توسيع نطاق الديموقراطية، وعاد الجميع الى البحرين ليمارسوا لوناً مركباً من الوصل والقطع مع الدولة التي اختارت نفس الاسلوب في التعاطي مع المعارضة، ما يعني أن تطبيعاً متفقا عليه وعلى تنميته الدائمة، قد أخذ يسود في هذا البلد...

وأهم ما يعبر عن هذا الواقع هو الجدل السائد بين أهل البحرين جميعاً وداخل الاطراف التي قاطعت الانتخابات البرلمانية سابقاً حول جدوى المشاركة وأضرار المقاطعة. وقبل أيام قام ملك البحرين بزيارة الى موقع قيادي ديني شيعي كبير حيث التقى مجموعة من القيادات الشعبية وتسلم منها لائحة بمطالب ذات أفق وطني وإيقاع شيعي.

توسيعاً وترسيخاً للحوار أمام الاستحقاقات الآتية خلال ذلك، كانت ايران، وبإملاء من مصلحتها الوطنية، وتفهمها للمسألة الوطنية في البحرين، تلح على تمايزها عن الذين يطرحون يافطتها غطاء لحركاتهم الاعتراضية المتوترة في البحرين، وذلك من خلال القنوات الدبلوماسية والمظاهر العلنية لعمق العلاقة بين الدولتين، ما قد يعني أن الحدة التي تظهر في اعتراضات بعض القوى البحرينية الشيعية على الدولة البحرينية، ليست مستوردة أو مشتقة من الخطاب الايراني الرسمي، وفي الاسابيع الاخيرة ظهر ذلك جلياً إثر المظاهرات (الولائية) التي دعا اليها عدد من القيادات الدينية في البحرين، احتجاجاً على رسم كاريكاتوري للسيد خامنئي في احدى الصحف، حيث تم التواصل بين المسؤولين في الدولتين، والتأكيد على الاحترام المتبادل... أما انفتاح الثقافة والدبلوماسية الايرانية على ألوان الطيف السياسي والطائفي اللبناني فقد اتسع الى حد أنه أثر إيجابياً في نظام علائق حزب الله بالآخرين ثقافياً وسياسياً... واذا ما كانت العلاقات المعمقة بين ايران وحركة أمل قد أسهمت في الانتقال من ماضي العلاقة المتوترة بين الحركة وحزب الله الى الحاضر والمستقبل وشجعت بذلك خطاباً شيعياً حاداً من دون فصال كامل مع الآخرين، فإن انعطاف ايران نحو حركة أمل إنما كان تأميناً على التوجه الوطني لحركة أمل كما أسسه الامام الصدر وان كان أداء أمل على موجبه قد اختلف قليلا أو كثيرا عن التأسيس الصدري.


إذاً فإشكالية الشيعية السياسية، وخطر اختزال الشيعة في ايران، وخطر اختزال ايران في الشيعة، هي في طريقها السريع الى الحل، من دون ضرورة لتوهم إنجاز هذا الحل سريعاً أو تماماً، لأنه يبقى رهناً بالتطورات الشيعية وبأوضاع الاطياف الوطنية والعربية والاسلامية الاخرى، وهنا يحلو لنا أن نطرح السؤال: أليس هناك داع قوي وعميق وملح لأن يعمد السنّة في البلاد العربية، على المستوى الاهلي وعلى مستوى الاسلام السياسي الحركي، من حماس الى الجهاد الى الجماعة الاسلامية في لبنان، الى الاخوان في مصر وغيرها، أن يعمدوا الى رفع الشبهة التي تدخلهم، ولو شكلياً في سياق التطرف والمتطرفين...

أن يعمدوا الى معالجة خطابهم الذي يظهرهم من دون أن يكونوا واقعاً، وكأنهم قد تماهوا مع النظام العراقي وخطابه القومي الملغوم والملتبس، بناء على كونه ممثلاً للسنّة؟ أليس هناك من مجال للاعتراض على الاحتلال الاميركي للعراق، من دون الوقوع في هذه الشبهة؟ أوليس ذلك أفضل للعراق، باعتبار انه قد يشكل مناخاً لشراكة سنية عربية في الشأن العراقي، استشارية، تتعدى شراكة المقاومة التي آلت الى الارهاب، والاسلامية والوطنية التي آلت الى مذهبية حادة، أليس مسلك من هذا النوع هو الأقدر على تأسيس حوار مع الفرقاء العراقيين، من الشيعة الى الاكراد، من أجل تسوية تحفظ الجميع في العراق بالعراق، وتحفظ العراق في الجميع بالجميع، وتحفظنا جميعا في أوطاننا وأدياننا؟ أليس ذلك أجدى من مخاطر التماهي الذي يشجع التماهي المضاد والمضيع للمكون الاسلامي وللدور الوطني؟؟