المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الملا عمر حرم على النساء ارتداء الأحذية البيضاء لأنها كانت من لون راياته



زوربا
08-29-2005, 08:11 AM
نائب رئيس قاضي القضاة الأفغان لـ«الشرق الأوسط»

كابل : محمد الشافعي


عندما ذهبت في الصباح الباكر للقاء نائب قاضي القضاة الافغاني او نائب المفتي الدكتور عبد الجليل كاموي في مقر المحكمة العليا، التي يطلق عليها بالبشتو «سترة محكمة»، المطلة على حي وزير اكبر خان مقر السفارات الغربية في العاصمة كابل، كان شريط من الذكريات يتداعى الى ذهني ويصل الى لقائي الاول مع مفتي طالبان في مقر وزارة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قبل نحو ستة اشهر من هجمات سبتمبر (ايلول) 2001، وهو رجل طاعن في السن كان يرتدي عمامة بيضاء كبيرة تقربه من جماعات اهل السنة والتصوف.

ولكن الرجل ذا الوجه الوديع الباسم، تحول الى أسد هصور واحمرت عيناه، وامتلأ وجهه بعلامات الغضب عندما رآني اخرج كاميرا ديجيتال صغيرة من حقيبتي وامرني ان اخفيها بعيدا عن عينيه لانها من الموبقات. وقال لي المترجم الافغاني محمود المديني، نسبة الى تخرجه من المدينة المنورة، انه يجب علي ان اصلي ركعتين شكرا لله لانهم لم يقيموا علي الحد في ساحة وزارة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لاني الححت على المفتي اخذ صورة فوتوغرافية له، رغم علمي ان الملا عمر يحرم التصوير الفوتوغرافي وكل انواع الفنون. وكنت اتخيل الدكتور عبد الملك كاموي، وهو من مواليد ننجرهار يرتدي الزي الافغاني وعمامة بيضاء كبيرة ايضا، وانا اصعد درجات المحكمة العليا، في الثامنة صباحا، في طريقي للقائه في مكتبه المرتب بعناية بالغة، ولكني شاهدت رجلا عصريا يرتدي بدلة وربطة عنق حريرية، يتحدث بصوت خافت وهو يرد على اسئلة «الشرق الأوسط»، بلغة عربية صحيحة.

فهو من خريجي الدراسات العليا بجامعة الازهر، بعد ان حصل على ليسانس العلوم الشرعية عام 1989 من جامعة الدعوة والجهاد في باكستان. وكشف الدكتور عبد الملك ان تزكية مكتوبة من برهان الدين رباني، رئيس افغانستان حتى عام 1996، الى سفارة مصر في العاصمة اسلام اباد، وهو من خريجي الازهر ايضا ودارس للفلسفة الاسلامية، أمنت له بعثة جامعية الى القاهرة عام 1990. وعلى عكس مفتي طالبان، فان الدكتور عبد الملك كان يعتدل في جلسته ويهندم عقدة ربطة عنقه ويبتسم ببشاشة، قبل ان ينطلق فلاش الكاميرا امام وجهه لاخذ لقطة فوتوغرافية له. وخلال 12 عاما قضاها الدكتور كاموي في القاهرة، حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من كلية الدعوة والقانون بجامعة الازهر، حيث كانت اطروحته لنيل درجة الدكتوراه تحت عنوان «الاسترداد واثره في عقود المعوضات».

وتولي الدكتور عبد الملك عددا من الوظائف المهمة بعد وصوله الى كابل من القاهرة عام 2002، قبل توليه منصب نائب قاضي القضاة الافغان او المشرف العام على المحاكم العليا في افغانستان، منها مشاركته في صياغة الدستور الافغاني، ثم الرئيس العام للهيئات القضائية والمشرف العام على شؤون انتخابات رئاسة الجمهورية في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي. وبين رشفات الشاي الاخضر كان الدكتور عبد الملك يستعيد ذكرياته في القاهرة، بالحديث عن مدينة البعوث الاسلامية التي كان يقيم فيها بحي الدراسة، واطباق الكشري والفول والطعمية وورق العنب والملوخية بالارانب، التي يعشقها وكذلك البسبوسة والكنافة، وما زالت ذاكرته حية، باسماء مطاعم الكشري في حي الحسين وشارع عماد الدين والمهندسين، وقهوة الفيشاوي امام مسجد الحسين التي كان يجلس عليها مع اقرانه الافغان والمصريين.

ويقول: «لم اكن اشعر بغربة في ام الدنيا، بل كان المصريون يعتقدون انني مصري مثلهم». وعن الدستور الافغاني الذي شارك في اعداده قال عبد الملك انه يراعي في الاساس الشريعة الاسلامية، كمصدر اساسي للتشريع والقيم الاجتماعية والعادات والتقاليد والعرف الافغاني. ثقافة لوردات الحرب
* وارجع الدكتور عبد الملك كاموي الفساد الاداري المنتشر في افغانستان، الى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار بسبب حروب المجاهدين، التي اعقبت الانسحاب الروسي من افغانستان. واشار الى ان تلك الحروب تركت اثرها في البنية التحتية للبلاد، واضرت كثيرا باجهزة الأمن.

واعتبر ان حروب المجاهدين منذ وصول الرئيس رباني الى السلطة حتى سقوط حكومته في كابل بيد طالبان في سبتمبر 1996، شهدت أفغانستان في تلك الفترة حروبا ومعارك مدمرة بين جميع الفصائل الجهادية; وشهدت العاصمة أسوأ أيامها إطلاقا، وتدمر أكثر من 60 المائة منها خلال هذه المعارك، وهناك الكثير من المباني بالقرب من قصر امان الله ذات الطراز المعماري الايطالي الفريد عام 1919، الذي تدمر هو الاخر عن بكرة ابيه شاهدة على عنف المجاهدين، وقتل أكثر من عشرة الاف شخص في كابل العاصمة وحدها، وعمت البلاد الفوضى، وانتشرت ثقافة لوردات الحرب وعدم الأمن. واعترف بوجود قضاة مرتشين في افغانستان يتم التحقيق معهم بعد الحصول على اذن خاص من رئيس الجمهورية قبل عزلهم بسبب تراكم الفساد الاداري، الا انه اشار الى ان خطوات الاصلاح قد بدأت بالفعل في افغانستان ويتطلب ذلك زيادة مرتبات القضاة وضباط الشرطة وتأمين حياة كريمة لهم.


وقال ان اكثر الوزارات التي تضررت من سنوات الحرب في افغانستان وزارات الدفاع والداخلية والعدل، لان المجاهدين كانوا يجيئون باناس ليست لديهم خبرة في الشؤون الادارية او تصريف امور الدولة بعد مقتل او اعتقال الكوادر الاساسية لتلك الوزارات في الحروب ضد الروس او بين المجاهدين بعضهم البعض، ثم جاءت حركة طالبان الاصولية التي نشرت شريعة اسلامية لا تتفق مع سماحة الدين الاسلامي ووسطيته.


وقال إن حركة طالبان نسيت مبدأ مهما، وهو اذا اردت ان تحكم الناس او بلدا ما، لا بد ان تضمن لهم اولا مبدأ العيش الكريم والعدالة الاجتماعية، الا ان طالبان كانوا قد حرموا كل شيء على الافغان بعيدا عن منهج الاسلام، فقد حرموا تعليم المرأة، حتى لون الاحذية البيضاء حرموا ارتداءها، لان راياتهم كانت بيضاء تعلوها كلمة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، واعتبروا ان ارتداء النساء الافغان للاحذية البيضاء اهانة ما بعدها اهانة ستوجب القصاص، اما العمامة فصارت اجبارية سوداء، واللحية لا يقل طولها عن قبضتين، بحسب ما هو متوارد من السنة. واضاف من مزايا الشريعة الاسلامية، انها تؤمن للناس حياتهم في المجتمعات، خصوصا بالنسبة للمرضى والمسنين والعاطلين عن العمل، ولكن طالبان تركوا الافغان يعيشون تحت خط الفقر، وبدأوا في الاهتمام بقشور في احكام الاسلام، مثل طول اللحية وتقصير الجلباب.

واشار الى ان الشعب الافغاني كان يتضور جوعا عهد الملا عمر، والملالي مهتمون بطول باللحية ذات القبضتين طولا. وقال ان افغانستان تدخل خلال الايام المقبلة مرحلة مهمة في تاريخها، بالعبور نحو مرحلة جديدة بتوجه ملايين الناخبين إلى مراكز الاقتراع يوم 18 سبتمبر (أيلول) المقبل، للإدلاء بأصواتهم في آخر مراحل تشكيل أول حكومة منتخبة ديمقراطياً في أفغانستان. وتلي الانتخابات البرلمانية، انتخابات الرئاسة التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول)، 2004، التي اوصلت الرئيس كرزاي الى الحكم، كما ستنشئ مجلساً تشريعياً يكون مسؤولا عن مراقبة الفرعين التنفيذي والقضائي للحكومة. وقال هناك 2707 مرشحين، بينهم 328 سيدة يتنافسون على 249 مقعداً في مجلس النواب، الذي يعرف باسم «اليوليسي جيرغا» أو «مجلس الشعب».


وحسب الدستور الأفغاني، فإن اليوليسي جيرغا يجب أن يضم سيدتين في أقل تقدير تمثلان كل محافظة من المحافظات الأفغانية وعددها 34 محافظة. واضاف ان طالبان اعادت بلاده الى الوراء خلال خمس سنوات من سيطرتها على اغلب الاراضي الافغانية حتى سقوطها في نهاية عام 2001. مشيرا الى ان تجربة أفغانستان مع الديمقراطية كانت قد بدأت في منتصف الستينات من القرن العشرين. ففي عام 1964، عين الملك ظاهر شاه لجنة لوضع مسودة الدستور، وفي أواخر ذلك العام وافق عليها اللويا جيرغا أو «مجلس الأعيان»، الذي كان يضم مندوبين عن جميع أنحاء البلاد. واشار الى ان الارقام تتحدث عن انجازات عهد الرئيس كرزاي ويكفي وجود خمسة ملايين تلميذ في مرحلة الدراسة الابتدائية والثانوية وعصر الحرية والشفافية الذي تعيشه البلاد الان.


وبحسب الدكتور عبد الملك كان الدستور هو الأساس الذي تمت عليه الانتخابات البرلمانية الديمقراطية في العامين 1965 و1969، غير أن الانقلاب الذي حدث في عام 1973 أدى إلى حدوث تدهور الأوضاع في السياسة الأفغانية، مما أدى إلى الغزو السوفياتي في عام 1979، والحرب الأهلية، ثم وصول طالبان الى الحكم. وكانت الحملة الرسمية للانتخابات قد بدأت في 17 أغسطس (آب)، بعد شهور من الإعداد. وتم تسجيل أكثر من 1.2 ناخب جديد خلال شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز)، ليضافوا إلى الـ10.5 مليون ناخب سجلوا أسماءهم في انتخابات الرئاسة 2004. وبدأت الهيئة المسؤولة عن إدارة الانتخابات طبع الملايين من بطاقات الاقتراع للانتخابات المتعددة منذ أوائل أغسطس، وتقوم بتوزيعها على ستة آلاف مركز اقتراع في جميع أرجاء البلاد. واحتراماً للعادات والتقاليد السائدة، فإن الناخبين من الرجال والنساء سيدلون بأصواتهم في مواقع منفصلة. يذكر أن المجتمع الدولي يقدم دعماً مالياً وتقنياً لأفغانستان لإجراء الانتخابات وتشكيل المجلس التشريعي الجديد. فقد قدمت الولايات المتحدة واليابان وكندا وعدة دول أوروبية منحاً لدعم مهمة هيئة إدارة الانتخابات. وتمول الهند إقامة مبنى جديد للجمعية الوطنية.

ويعتزم برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة تقديم التدريب اللازم لأعضاء المجلس التشريعي وطواقم مكاتبهم.

الإصلاحات الإدارية

* واوضح الدكتور عبد الملك ان الاصلاحات بدأت في الجهاز الاداري للدولة، لكن هناك كثيرا من الاولويات ايضا يأتي في مقدمتها النظام التعليمي، كذلك الاهتمام بالجانب الاقتصادي لان بلاده تعيش الان على المعونات الخارجية، ومكافحة المخدرات التي تستشري في افغانستان، واعرب عن اعتقاده ان الحل لتلك المشكلة المستعصية لا يكمن في اصدار فتاوى لتحريم المواد المخدرة فقط، ولكن ايضا تقديم بدائل للفلاحين بدلا من زراعة الهيروين. مشيرا الى ان بلاده في الاساس دولة زراعية بنسبة 90 في المائة، وزراعة الهيروين تناسب الفلاحين اكثر بسبب حالة الجفاف العام في البلاد، ولكن يجب تقديم يد العون الى الفلاحين للاقلاع عن زراعة المخدرات، الا انه اشار الى ان مكافحة المخدرات عملية صعبة ستأخذ وقتا طويلا اذا ما أخذنا في الاعتبار ان عائد فدان من الهيروين افضل بالنسبة للفلاح من 20 فدانا من القمح.

وتحدث الدكتور عبد الملك الافغاني المتنور، عن العصر الجديد الذي تعيشه بلاده في الوقت الحاضر بفتح النوافذ التي كانت مغلقة ايام طالبان، فيقول اليوم هناك نحو 170 مجلة وجريدة تتحدث بحرية وشفافية عن معاناة الشعب الافغاني، وهناك 6 قنوات تلفزيونية حكومية، ونحو 20 اذاعة خصص بعضها للمرشحين البرلمانيين في الانتخابات المقبلة للحديث عن برامجهم الانتخابية في طول البلاد وعرضها، بل ان هناك عددا من الاذاعات المتنقلة تذهب الى المناطق النائية، بالاضافة الى النقابات العمالية المختلفة.