المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من الخضير إلى الطرطوسي



سلسبيل
08-29-2005, 07:49 AM
عبد الرحمن الراشد


ما أن اعلنت الحكومة البريطانية عن عزمها على طرد الناشطين المتطرفين، الا تراكض كل منهم في اتجاه يستعجل تعديل وضعه. فقد فر عمر بكري الى لبنان ومن هناك اعلن حبه للتسامح ونبذ العنف، كما غير الشيخ ابو بصير الطرطوسي موقفه معلنا تكفيره للعمليات «الاستشهادية»، وعزز موقفه الجديد مستدلا بأحاديث نبوية تحث على السلم، ويبدو ان الشيخ الطرطوسي، غفر الله له، لم يدر بها قبل عزم حكومة توني بلير على ترحيل امثاله الى بلدانهم.

الرابط المشترك بين معظم الذين هربوا او غيروا مواقفهم خوفهم من ان يسلموا لبلدانهم الأصلية، او يحبسوا لبضعة اشهر. ويالها من مفارقة مضحكة مبكية ان يستسهل هؤلاء ارواح الناس فيرسلونهم للموت، ويرفضون دفع ثمن صغير نسبيا كالطرد او السجن مستعدين تبديل فتاواهم، وإغلاق مواقعهم الإلكترونية، او الفرار على اول طائرة مغادرة.

مع هذا فالتراجعات الأخيرة جيدة، حتى ان كانت تقية وتدليسا. وأظن بعضها صادق بسبب النتائج التي روعت المفتين انفسهم. وأحدث التراجعات ما صدر عن عدد من علماء السنة في العراق، الذين صاروا يعلنون على رؤوس الاشهاد تحريم العمليات الانتحارية، بعد ان كان بعضهم يعتبرها جهادا في سبيل الله، اكتشفوا ان الانتحاريين ليسوا الا ثلة من القتلة، يفجرون في سيارة عسكرية معادية، ومدرسة اطفال، ومركز شرطة، ومستشفى مدني، ويقتلون من خالفهم من استاذ الجامعة الى امام مسجد لم يوقع على بيان يناصرهم، وحلاق لا يلتزم بتعليمات قص الشعر بناء على ذوقهم. وتقاذفت السياسة الفتاوى في العراق بعيدا عن التوجيهات الربانية، فبعض علماء الشيعة كانوا في الماضي القريب يفتون بأن الاميركي شر يحرم التعامل معه، واليوم صار صديقا ما من محالفته بد. وتكرر الأمر في ساحة علماء الدين السنة، الذين صار شغلهم الشاغل في الفترة الماضية تكفير وتجريم «المحتل»، وفي الاسبوع الماضي بعثوا بنداء لواشنطن يطلبون مساندتها لهم في صياغة الدستور.

والحقيقة ان هذه نتيجة تسييس الدين، حيث شوش المتطفلون على السياسة من علماء الدين على عقول الناس، ففي السعودية صار بعض المتفقهين في الدين ينظر للسياسة رغم جهله بحقائق الاحداث في محيطه، فأنتج جيلا من الشباب المتورط في الإرهاب، تسببوا في الكثير من القتل والدمار.

لماذا فعلوا ذلك؟ اسمعوا رد احدهم وهو الشيخ علي الخضير الذي تراجع عن فتاويه السابقة التكفيرية ودعم العمليات الارهابية، قال بتراجعه عنها إنها اجتهاد خاطئ لم يفهم مستجدات الواقع الحديث، وبررها الخضير بقوله: «لم نكن نتصور أن نصل إلى مرحلة تشابه الجزائر ويجب أن يقف هذا النزيف». على الأقل هذا الشيخ اعترف بجهله، اما بعض المفتين فقد تراجع فقط انحناء للعاصفة، وهو أمر جيد أيضا.

alrashed@asharqalawsat.com