مصري بس كويس
03-19-2022, 10:30 AM
ريم هاني
السبت 19 آذار 2022
https://al-akhbar.com/Images/ArticleImages/2022318234252983637832437729835550.jpg
«رششنا البكتيريا في أماكن سكنية، ووضعناها في مكيفات الهواء».
من شهادة أمام الكونغرس (1977)
فيما تنفي واشنطن باستمرار التصريحات الروسية حول وجود مختبرات أسلحة بيولوجية خطرة تابعة لها على الأراضي الأوكرانية، فإنّ تاريخها يبدو، باعترافها، حافلاً بتمويل مثل هذه المختبرات وتجربة الأسلحة البيولوجية، التي لم يسلم منها مواطنوها حتى، مع مراعاة الاختلافات في اللون والعرق طبعاً، ما يجعل الاتهامات التي تواجهها حالياً بنشر هذه المختبرات عالمياً، غير مستبعدة.
التجارب التي أجرتها واشنطن، والتي عرّضت مدنيين لمختلف أنواع المخاطر، لم تعد خفيةً على أحد، بل منتشرة على معظم وسائل الإعلام الغربية، لا سيما أنّ الولايات المتّحدة اعترفت بنفسها، خلال جلسة استماع بالكونغرس عام 1977، أنّها رشّت جزيئات بكتيرية وكيميائية فوق ولايات سان فرانسيسكو وسان لويس ومينابولس و236 منطقة سكنية أخرى، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز». آنذاك، كان الإصرار الأميركي على اختبار الأسلحة البيولوجية في حقبة الحرب الباردة يبدو واضحاً، تحسّباً لأي حرب بيولوجية قد يشنّها الاتحاد السوفياتي.
ظهرت أولى ملامح هذه التجارب في العام 1949، عندما وضع العلماء الأميركيون بكتيريا غير ضارّة في نظام التكييف في البنتاغون، لتنطلق منذ ذلك الحين سلسلة اختبارات ستمتدّ على عشرات السنين، عرّض خلالها الجيش الأميركي ملايين الأشخاص من دون علمهم للبكتيريا التي شكّلت في بعض الأحيان خطراً على حياتهم.
على سبيل المثال، تذكر صحيفة «ذا غونفرسايشن» الأسترالية أنّه بعد عام واحد نفّذت البحرية الأميركية ما عُرف بـ«عملية الرذاذ البحري»، حين تمّ رش ساحل سان فرانسيسكو في كاليفورنيا بنوعين من البكتيريا، هما «Bacillus globigii» و«Seratia marcesens»، باعتبار أنّها آمنة، قبل أن يتمّ، في ما بعد، تصنيف «Bacillus globigii» على أنّها بكتيريا مسببة للمرض والتسمم الغذائي، والتي يمكن أن تضر أي شخص يعاني من ضعفٍ في الجهاز المناعي. أمّا «Seratia marcesens»، فتسببت، عقب الاختبار، بدخول 11 شخصاً إلى المستشفى بعد إصابتهم بعدوى بكتيرية خطيرة، كما توفى واحد منهم بعد نحو ثلاثة أسابيع.
ومن أبرز هذه التجارب أيضاً، تلك التي حصلت في العام 1951، في «مركز نورفولك للإمداد البحري» في فيرجينيا، عندما نُشرت جراثيم فطرية لمراقبة الطريقة التي ستؤثّر بها على العمّال الذين يقومون بإفراغ الصناديق. آنذاك، اختير أن يكون العمّال من أصول أفريقية، في محاولة من العلماء لإثبات أنّ أصحاب البشرة الداكنة هم أكثر عرضة للإصابة بمرض الفطريات من القوقازيين. وفي عام 1997، كشف «المجلس الوطني للبحوث» أن الولايات المتحدة استخدمت أيضاً المواد الكيميائية لاختبار قدرات الأسلحة البيولوجية في الخمسينيات، إذ تمّ رش مادة «كبريتيد الكادميوم الزنك» من الطائرة على عدد من المدن، بما في ذلك سانت لويس في ميسوري ومينيابوليس في مينيسوتا، علماً أنّ الاختيار وقع على هذه المدن لأنّها شبيهة بالمناطق السوفياتية، كموسكو مثلاً، من جهة التضاريس والمناخ والسكان، فيما أشار بعض العلماء إلى أنّ مثل هذه التجارب قد تكون أسهمت في زيادة معدلات الإصابة بالسرطان في تلك المناطق.
وشكّل «مشروع 112» (Project 112)، وهو برنامج امتدّ بين عامي 1962 و1974، يهدف إلى «اختبار الحرب الكيميائية والبيولوجية»، أهم مراحل هذه الاختبارات وأكثرها كثافة. وقد اعتبر «مكتب محاسبة الحكومة» الأميركي، على موقعه الرسمي، أنّ عشرات آلاف المواطنين تعرّضوا لعناصر بيولوجية في إطار هذا المشروع، ويقول العديد منهم إنهم عانوا على إثره من بعض الأمراض طويلة الأمد، وطالبوا بتعويض من الحكومة.
منذ العام 2001، ازداد إنفاق الولايات المتّحدة على الأبحاث المرتبطة بالأسلحة البيولوجية بذريعة «الدفاع»، بالرغم من الانتقادات التي تطاول هذه الأبحاث والمختبرات المرتبطة بها، والتي لا يخضع معظمها للرقابة والوثائق القانونية، ما دفع ببعض المراقبين إلى التشكيك في أنّ الولايات المتّحدة باتت تركّز على نشر هذه المختبرات خارج أراضيها تفادياً للمخاطر التي قد تشكّلها.
وفي حين تنكر الولايات المتّحدة السردية الروسية حول تحويل أوكرانيا إلى ساحة لاختبار الأسلحة البيولوجية، وعثورها على أدلة ووثاق تشير إلى ذلك، فهي تعترف بتمويل مختبرات يتمّ العمل فيها على أمراضٍ خطيرة هناك، وتحرص على عدم اقتراب القوات الروسية منها بأي شكل من الأشكال. من جهتها، تحذّر الصين من أنّ الولايات المتّحدة تشغّل أكثر من 300 مختبر يلفها الغموض في نحو 30 دولة حول العالم، تمّ حتى الآن اكتشاف 30 منها، فيما لا تزال المواقع الأخرى مجهولة. في الإطار، يستعرض تقرير نشرته شبكة «سي جي تي أن» الصينية أنّ جورجيا، مثلاً، حثّت الولايات المتّحدة على إجراء تحقيق في «مركز لوغر للأبحاث» على أراضيها، لاشتباهها بأنّه يجري «تجارب قاتلة».
وتعتبر الشبكة الصينية أنّ هدف الولايات المتّحدة من هذه المختبرات يبقى مجهولاً، نظراً إلى أنّ واشنطن، من بين 183 دولة وقعت «معاهدة الأسلحة البيولوجية» التابعة للأمم المتّحدة، تعيق استئناف بروتوكول التحقق من المختبرات البيولوجية، بذريعة أنّ «المجال البيولوجي غير قابل للخضوع للتدقيق».
السبت 19 آذار 2022
https://al-akhbar.com/Images/ArticleImages/2022318234252983637832437729835550.jpg
«رششنا البكتيريا في أماكن سكنية، ووضعناها في مكيفات الهواء».
من شهادة أمام الكونغرس (1977)
فيما تنفي واشنطن باستمرار التصريحات الروسية حول وجود مختبرات أسلحة بيولوجية خطرة تابعة لها على الأراضي الأوكرانية، فإنّ تاريخها يبدو، باعترافها، حافلاً بتمويل مثل هذه المختبرات وتجربة الأسلحة البيولوجية، التي لم يسلم منها مواطنوها حتى، مع مراعاة الاختلافات في اللون والعرق طبعاً، ما يجعل الاتهامات التي تواجهها حالياً بنشر هذه المختبرات عالمياً، غير مستبعدة.
التجارب التي أجرتها واشنطن، والتي عرّضت مدنيين لمختلف أنواع المخاطر، لم تعد خفيةً على أحد، بل منتشرة على معظم وسائل الإعلام الغربية، لا سيما أنّ الولايات المتّحدة اعترفت بنفسها، خلال جلسة استماع بالكونغرس عام 1977، أنّها رشّت جزيئات بكتيرية وكيميائية فوق ولايات سان فرانسيسكو وسان لويس ومينابولس و236 منطقة سكنية أخرى، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز». آنذاك، كان الإصرار الأميركي على اختبار الأسلحة البيولوجية في حقبة الحرب الباردة يبدو واضحاً، تحسّباً لأي حرب بيولوجية قد يشنّها الاتحاد السوفياتي.
ظهرت أولى ملامح هذه التجارب في العام 1949، عندما وضع العلماء الأميركيون بكتيريا غير ضارّة في نظام التكييف في البنتاغون، لتنطلق منذ ذلك الحين سلسلة اختبارات ستمتدّ على عشرات السنين، عرّض خلالها الجيش الأميركي ملايين الأشخاص من دون علمهم للبكتيريا التي شكّلت في بعض الأحيان خطراً على حياتهم.
على سبيل المثال، تذكر صحيفة «ذا غونفرسايشن» الأسترالية أنّه بعد عام واحد نفّذت البحرية الأميركية ما عُرف بـ«عملية الرذاذ البحري»، حين تمّ رش ساحل سان فرانسيسكو في كاليفورنيا بنوعين من البكتيريا، هما «Bacillus globigii» و«Seratia marcesens»، باعتبار أنّها آمنة، قبل أن يتمّ، في ما بعد، تصنيف «Bacillus globigii» على أنّها بكتيريا مسببة للمرض والتسمم الغذائي، والتي يمكن أن تضر أي شخص يعاني من ضعفٍ في الجهاز المناعي. أمّا «Seratia marcesens»، فتسببت، عقب الاختبار، بدخول 11 شخصاً إلى المستشفى بعد إصابتهم بعدوى بكتيرية خطيرة، كما توفى واحد منهم بعد نحو ثلاثة أسابيع.
ومن أبرز هذه التجارب أيضاً، تلك التي حصلت في العام 1951، في «مركز نورفولك للإمداد البحري» في فيرجينيا، عندما نُشرت جراثيم فطرية لمراقبة الطريقة التي ستؤثّر بها على العمّال الذين يقومون بإفراغ الصناديق. آنذاك، اختير أن يكون العمّال من أصول أفريقية، في محاولة من العلماء لإثبات أنّ أصحاب البشرة الداكنة هم أكثر عرضة للإصابة بمرض الفطريات من القوقازيين. وفي عام 1997، كشف «المجلس الوطني للبحوث» أن الولايات المتحدة استخدمت أيضاً المواد الكيميائية لاختبار قدرات الأسلحة البيولوجية في الخمسينيات، إذ تمّ رش مادة «كبريتيد الكادميوم الزنك» من الطائرة على عدد من المدن، بما في ذلك سانت لويس في ميسوري ومينيابوليس في مينيسوتا، علماً أنّ الاختيار وقع على هذه المدن لأنّها شبيهة بالمناطق السوفياتية، كموسكو مثلاً، من جهة التضاريس والمناخ والسكان، فيما أشار بعض العلماء إلى أنّ مثل هذه التجارب قد تكون أسهمت في زيادة معدلات الإصابة بالسرطان في تلك المناطق.
وشكّل «مشروع 112» (Project 112)، وهو برنامج امتدّ بين عامي 1962 و1974، يهدف إلى «اختبار الحرب الكيميائية والبيولوجية»، أهم مراحل هذه الاختبارات وأكثرها كثافة. وقد اعتبر «مكتب محاسبة الحكومة» الأميركي، على موقعه الرسمي، أنّ عشرات آلاف المواطنين تعرّضوا لعناصر بيولوجية في إطار هذا المشروع، ويقول العديد منهم إنهم عانوا على إثره من بعض الأمراض طويلة الأمد، وطالبوا بتعويض من الحكومة.
منذ العام 2001، ازداد إنفاق الولايات المتّحدة على الأبحاث المرتبطة بالأسلحة البيولوجية بذريعة «الدفاع»، بالرغم من الانتقادات التي تطاول هذه الأبحاث والمختبرات المرتبطة بها، والتي لا يخضع معظمها للرقابة والوثائق القانونية، ما دفع ببعض المراقبين إلى التشكيك في أنّ الولايات المتّحدة باتت تركّز على نشر هذه المختبرات خارج أراضيها تفادياً للمخاطر التي قد تشكّلها.
وفي حين تنكر الولايات المتّحدة السردية الروسية حول تحويل أوكرانيا إلى ساحة لاختبار الأسلحة البيولوجية، وعثورها على أدلة ووثاق تشير إلى ذلك، فهي تعترف بتمويل مختبرات يتمّ العمل فيها على أمراضٍ خطيرة هناك، وتحرص على عدم اقتراب القوات الروسية منها بأي شكل من الأشكال. من جهتها، تحذّر الصين من أنّ الولايات المتّحدة تشغّل أكثر من 300 مختبر يلفها الغموض في نحو 30 دولة حول العالم، تمّ حتى الآن اكتشاف 30 منها، فيما لا تزال المواقع الأخرى مجهولة. في الإطار، يستعرض تقرير نشرته شبكة «سي جي تي أن» الصينية أنّ جورجيا، مثلاً، حثّت الولايات المتّحدة على إجراء تحقيق في «مركز لوغر للأبحاث» على أراضيها، لاشتباهها بأنّه يجري «تجارب قاتلة».
وتعتبر الشبكة الصينية أنّ هدف الولايات المتّحدة من هذه المختبرات يبقى مجهولاً، نظراً إلى أنّ واشنطن، من بين 183 دولة وقعت «معاهدة الأسلحة البيولوجية» التابعة للأمم المتّحدة، تعيق استئناف بروتوكول التحقق من المختبرات البيولوجية، بذريعة أنّ «المجال البيولوجي غير قابل للخضوع للتدقيق».